تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
أخطاء كلام المحدِّث النوريّ في فصل العلماء الراسخين عن العرفاء
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص307-318
2025-09-20
19
أوّلًا: ما قاله المرحوم المحدّث النوريّ هنا وهو: «مَا يَدَّعُونَ مِنْ نَتِيجَةِ تَهْذِيبِ النَّفْسِ وثَمَرَةِ الرِّيَاضَاتِ؛ مِنَ المَعْرِفَةِ وفَوْقِهَا مِنَ الوُصُولِ والاتِّحَادِ والفَنَاءِ، ومَقَامَاتٍ لَمْ يَدَّعِهَا نَبِيّ مِنَ الأنْبِيَاءِ ووَصِيّ مِنَ الأوْصِيَاءِ فَكَيْفَ بِأتْبَاعِهِمْ مِنْ أهْلِ العِلْمِ والتُّقَى. مَعَ مَا فِيهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إلَى مُقَدَّسِ حَضْرَتِهِ جَلَّ وعَلَا، ويَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ؛ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يَقُولُهُ الظَّالِمُونَ».
هذا القول هو عارٍ عن السداد والصحّة والاستقامة، وقد بُني على أساس المغالطة والسفسطة؛ ليس على أساس العلم والبرهان.
ثانياً: «فَحَاشَى أهْلَ الشَّرْعِ والدِّينِ فَضْلًا عَنِ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ أن يَمِيلُوا إليه أوْ يَأمَلُونَهُ أوْ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ؛ وأغْلَبُ مَا وَرَدَ في ذَمِّ الجَمَاعَةِ نَاظِرٌ إلَى هَذِهِ الدَّعْوَى».
لا أساس له؛ ولا تحقّق ولا عينيّة له، بل بهتان وافتراء في عالم الواقع ليس إلّا.
ثالثاً: وما أورده أيضاً: «وَآلَ أمْرُهُمْ إلَى أن نَسَبُوا مِثْلَ الشَّيْخِ الجَلِيلِ تَرْجُمَانِ المُفَسِّرِينَ أبُو الفُتُوحِ الرَّازِيّ، وصَاحِبِ الكَرَامَاتِ علي بن طَاووسِ، وشَيْخِ الفُقَهَاءِ الشَّهِيدِ الثَّانِي قَدَّسَ اللهُ أرْوَاحَهُمْ؛ إلَى المَيْلِ إلَى التَّصَوُّفِ كَمَا رَأيْنَاهُ. وهَذِهِ رَزِيَّةٌ جَلِيلَةٌ ومُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ لَا بُدَّ مِنَ الاسْتِرْجَاعِ عِنْدَها».
كلام لا أساس له من الصحّة وحُقّ أن يرجع عن كلامه ذاك وادّعائه الباطل؛ وأن لا يلطّخ الثوب الطاهر لأوتاد الدين والعِلم، وأوطاد الحكمة واليقين، ومنائر الفضيلة والعرفان، والقائلين بوحدة الباري ربّ العالمين.
رابعاً: «نَعَمْ يُمْكِنُ أن يُقَالَ لَهُمْ تَأدُّباً لَا إيرَاداً: أن فِيمَا وَرَدَ عَنْ أهْلِ بَيْتِ العِصْمَةِ عليهم السَّلَامُ غِنًى ومَنْدُوحَةً عَنِ الرُّجُوعِ إلَى زُبُرِهِمْ ومُلَفَّقَاتِهِمْ ومَوَاعِظِهِمْ».
كذلك كلام غير موزون. مَن غيركم، أنتم الحشويّون الظاهريّون، أخرج كلام الثقات أمثال بايزيد البَسطاميّ وشَقيق البَلخيّ والشيخ المستجاب الدعوة من بين أهل بغداد مَعروف الكَرخيّ من كونه من زُمرة تلاميذ آل بيت العصمة عليهم السلام وحشره في زُمرة المخالفين؟ أنتم الذين سارعتم إلى الضرب بهراوة التكفير والتفسيق على رؤوسهم لمجرّد عدم توافق كلماتهم الراقية مع مزاجكم وغياب الانسجام بين مواضيعهم العالية وبين ميولكم، وحسبتموهم ضمن جماعة المخالفين وزُمرة المتمرّدين ورهط المعتدين وعصبة المنحرفين؟! أفحسبتم أنّكم تستطيعون حبسهم وعزلهم لأنّكم تُمسكون بيدكم أقلاماً وعندكم القدرة على توجيه تلك الاتّهامات إلى خواصّ الأئمّة وأحبّ الناس إليهم وخصوصاً للإمام جعفر الصادق وولده الأكبر الإمام موسى بن جعفر وحفيده الجليل الإمام علي بن موسى عليهم الصلاة والسلام؟! أم ظننتم أنّكم بكرّكم وفرّكم وقيامكم وقعودكم وصعودكم وهبوطكم قادرون على تحجيمهم وإرغامهم على الانزواء والاعتزال عن عامّة الناس؟! أحسبتم أن يتركوكم سدًى؟! اقسمُ بالله أنّكم سترون هؤلاء الأفراد فرداً فرداً أثناء اجتيازكم للعقبات الصعبة والحواجز المهولة والمخيفة حين الموت، وعالَم القبر والحشر والنشر والعرض والسؤال والحساب؛ حين المواقف العظيمة عند الله ربّ العالمين؛ سترونهم يؤاخذونكم قائلين: بأيّ ذنب ودليل نسبتم إلينا ما نسبتم جزافاً، وقلتم إزاءنا كلّ ما استطعتم في المحافل والمجالس والدروس وعلى منبر النبيّ وبين سطور الكتب الدينيّة والعقائديّة بلسان جميع أهل الأرض؟! كيف نسيتم مضمون الآية ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا[1] وأودعتموها ثَرى النسيان، وظللتُم تتشدّقون ببحث عدم حجّيّة الظنون المطلقة في كتاب الاصول؟! لما ذا قمتم ببحث الألف واللام في أحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ بإطناب وتفصيل مُملَّيْن واستخرجتم من ذلك فوائد جمّة في العموم والإطلاق، ووشّحتم شروحها بالحواشي والتفريعات التي لا تحصى، لكن لمّا وصل الأمر إلى بحث الألف واللام في السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤادَ غَضّيتم البصر وتغاضيتم عن ذلك، وأهملتم التأكيد الوارد في كُلُّ أُولئِكَ ولم تنتفعوا بحالة النكرة المذكورة في سياق النفي في كلمة علم الانتفاع المطلوب والمتوخّى منه؟! لقد شرعتم أوّلًا بوضع التلامذة الكبار للأئمّة عليهم السلام جانباً وعزلهم بعد اتّهامهم بالمخالفة، ثمّ ألصقتم بعد ذلك تهمة التخلّف عن ركب الأئمّة على رجال من أمثال أبي الفتوح الرازيّ والسيّد ابن طاووس والشهيد الثاني، ظانّين أنّهم من زمرتكم أنتم الحشويّون البعيدون عن العرفان الإلهيّ والمخالفين للقائلين بوحدة الحقّ تعالى، لتضفوا على دُكّان علومكم الظاهريّة والمجرّدة من المعرفة والسلوك الإلهيّ وتهذيب النفس والرياضة المشروعة رونقاً وبهاءً، مع أن هؤلاء، في الواقع، ينتسبون إلى اولئك؛ ثمّ نَسبتم تهمة الإلحاد والانحراف إلى العلماء العظام من أمثال الحكيم والفيلسوف المسلم موضع فخر البشريّة الملّا صدرا الشيرازيّ أعلى الله درجته لا لشيء إلّا لأنّه مدح ابن عربي ومجّده؛ وأطلقتم لقب «الملّا المُسيء» على الملّا محسن الفيض، ولقب «مُميت الدين» على محيي الدين؛[2] وانشغلتم بترتيب العبارات الرنّانة لتُبدوا موالاتكم لمذهب آل بيت العصمة وتزويق الكلمات لتدّعوا سيركم على نهج آل بيت الطهارة والتشيّع الحقيقيّ. لكنّكم في الحقيقة ابتعدتم بأعمالكم تلك وتصرّفاتكم هذه عن روح التشيّع ونأيتم عن حقيقة الولاية؛ حتى آل بكم المطاف إلى تأليف كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب» الذي اعتبرتم فيه سلمان الفارسيّ أفضل مرتبة من أبي الفضل عليه صلوات الله الملك المنّان وأعلى درجة منه وأخصّ زُلفة لدى الله! إنّي أسأل من سمح لكم بإصدار الحكم «تَأدُّباً لَا إيرَاداً» على السيّد ابن طاووس وأمثاله والاعتراض عليه والانتقاص منه لتمنعوا بذلك العامّة من مطالعة كتب عرفاء الإسلام العظام والواصلين ذوي المجد والإكرام الذين نهلوا العرفان من مصدره واستقوا مبدأ الوحدة من مَعينها وشلّالها- الوحي والإلهام والكشف- والحيلولة دون دراسة كتب الأعلام مثل الخواجة عبد الله الأنصاريّ و«الفصوص» و«النصوص» وتحرموهم بذلك من الانتفاع من هذه المصادر الحقّة والاستفاضة منها؟!
الخامس: فيما يلي تعقيبهم على هذا الكلام كاستشهاد للاستدلال على عدم جواز الرجوع إلى كتب أهل العرفان وما ذُكر في كتبهم كلمات أو عبارات مثل الوصول والوحدة والبقاء والفَناء والاتّصال وما إلى ذلك: «قَالَ تِلْمِيذُ المُفِيدِ أبُو يَعْلَي الجَعْفَرِيّ في أوَّلِ كِتَابِ «النَّزْهَةِ»[3]: أن عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إلَى الحَجَّاجِ: إذَا سَمِعْتَ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ فَاعْزُها إلَى أمير المؤمنين (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَإنَّهُ أحَقُّ بِهَا وأوْلَى مِنْ قَائِلِهَا! انتهى.
وَلَوْ لا خَوْفُ الإطَالَةِ لَذَكَرْتُ شَطْراً مِنْ هَذَا البَابِ. بَلْ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الاسْتِعَانَةِ بِهِمْ.
فَرَوَى سِبْطُ الطَّبْرِسِيّ في «مِشْكَاةِ الأنْوَارِ» عَنِ البَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أنَّهُ قَالَ لِجَابِرٍ: يَا جَابِرُ! ولَا تَسْتَعِنْ بِعَدُوٍّ لَنَا حَاجَةً، ولَا تَسْتَطْعِمْهُ ولَا تَسْألْهُ شَرْبَةً! أمَا إنَّهُ لَيَخْلُدُ في النَّارِ فَيَمُرُّ بِهِ المُؤْمِنُ فَيَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ! أ لَسْتُ فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وكَذَا؟! فَيَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ. الحُجَّةُ: هَذَا حَالُ طَعَامِ الأجْسَادِ فَكَيْفَ بِقُوتِ الأرْوَاحِ؟!»[4].
إن جواب ذلك يكون على وجهين:
الوجه الأوّل: أن الرجوع إلى كتب الفلسفة والعرفان التي مرجعها إلى أقوال البعض من أمثال بايزيد البسطاميّ والخواجة الأنصاريّ وأبي سعيد أبو الخير ليس معناه كما ذكرنا الرجوع إلى كتب الأعداء والمخالفين، بل هو رجوع إلى كتب الأصحاب للانتفاع بها والاستفادة من معانيها العالية ومضامينها السامية التي تنتهي إلى الأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أو إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم، أو إلى المكاشفات والمشاهدات العينيّة الغيبيّة التي نزلت من الربّ الودود والْهِموا بها. فأين هذا من ذاك؟!
الوجه الثاني: لدينا الكثير من الروايات التي تأمرنا أن نبحث عن العِلم ونطلبه جاهدين ولو كان مُرادنا في الصين،[5] وأخذ الحكمة ولو كانت في يد المخالف والمنافق وحتى الكافر.
وعلى هذا لا يجب أن يصبح خِلاف المخالف ولا نفاق المنافق ولا كفر الكافر مانعاً لنا من طلب الحكمة والعِلم وإفناء أنفسنا في غَيابة الجهل والامّية.
ما أروع الحديث التالى الذي يأمرنا بطلب العِلم في أحلك الظروف وأقسى الحالات: اطْلُبُوا العِلْمَ ولَوْ بِخَوْضِ اللُجَجِ وسَفْكِ المُهَجِ![6] وما أبلغَ الحديث النبويّ الشريف التالى الذي يصف فيه سعة نطاق التعليم عند المُعلِّم الحريص والمجرِّب: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ أيْنَمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أحَقُّ بِهَا[7].
وجاء في «مستدرك نهج البلاغة»: قَالَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ والسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. (وَالمَرويّ في «النَّهْجِ») الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ ولَوْ مِنْ أهْلِ النِّفَاقِ![8] (وفي «تُحَفِ العُقولِ») فَلْيَطْلُبْهَا ولَوْ في أيدِي أهْلِ الشَّرِّ![9].
وقال: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ فَاطْلُبُوهَا ولَوْ عِنْدَ المُشْرِكِ، تَكُونُوا أحَقَّ بِهَا وأهْلَهَا![10]
وقال عليه السلام أيضاً: خُذِ الحِكْمَةَ أنَّي كَانَتْ! فَإنَّ الحِكْمَةَ في صَدْرِ المُنَافِقِ، فَتَلَجْلَجُ في صَدْرِهِ حتى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إلَى صَوَاحِبِهَا في صَدْرِ المُؤْمِنِ![11]
وروى العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه من ضمن وصايا لقمان لولده يحثّه فيها على تعلّم الحكمة ما يلي: يَا بُنَيّ! تَعَلَّمِ الحِكْمَةَ تَشَرَّفْ؛ فَإنَّ الحِكْمَةَ تَدُلُّ عَلَى الدِّينِ، وتُشَرِّفُ العَبْدَ عَلَى الحُرِّ، وتَرْفَعُ المِسْكِينَ عَلَى الغَنِيّ، وتُقَدِّمُ الصَّغِيرَ عَلَى الكَبِيرِ، وتُجْلِسُ المِسْكِينَ مَجَالِسَ المُلُوكِ، وتَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفاً، والسَّيّدَ سُؤدَداً، والغَنِيّ مَجْداً! وَكَيْفَ يَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أن يَتَهَيَّأ لَهُ أمْرُ دِينِهِ ومَعِيشَتِهِ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ؛ ولَنْ يُهَيِّئَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أمْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إلَّا بِالحِكْمَةِ. وَمَثَلُ الحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ، مَثَلُ الجَسَدِ بِلَا نَفْسٍ، أوْ مَثَلُ الصَّعِيدِ بِلَا مَاءٍ. وَلَا صَلَاحَ لِلْجَسَدِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، ولَا لِلصَّعِيدِ بِغَيرِ مَاءٍ، ولَا لِلْحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ.[12]
قال المرحوم المحدّث الحاجّ الشيخ عبّاس القمّيّ رحمة الله عليه في كتابه النفيس والقيّم «سفينة البحار» بعد ذِكر وصيّة لقمان أعلاه عن «بحار الأنوار»: «و جاء في كتاب «نُزهة النَّاظر» من مصنّفات أبي يَعلى الجعفريّ خليفة الشيخ المفيد: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: كَلِمَةُ حِكْمَةٍ يَسْمَعُهَا المُؤْمِنُ فَيَعْمَلُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ.
وروى في كتاب «مُنية المريد» عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: قَامَ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خَطِيباً في بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَالَ: يَا بَنِي إسْرَائِيلَ! لَا تُحَدِّثُوا الجُهَّالَ بِالحِكْمَةِ فَتَظْلِمُوهَا؛ ولَا تَمْنَعُوهَا أهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ! فَأقُولُ عَلَى طِبْقِ مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إيَّاكَ وأن تَعْرِجَ مَعَ الجَاهِلِ عَلَى بَثِّ الحِكْمَةِ، وأن تَذْكُرَ لَهُ شَيْئاً مِنَ الحَقَائِقِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أن لَهُ قَلْباً طَاهِراً لَا تَعَافُهُ الحِكْمَةُ؛ فَقَدْ قَالَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تُعَلِّقُوا الجَوَاهِرَ في أعْنَاقِ الخَنَازِيرِ! وَلَقَدْ أجَادَ مَنْ قَالَ: أن لِكُلِّ تُرْبَةٍ غَرْساً، ولِكُلِّ بِنَاءٍ أُسّاً. ومَا كُلُّ رَأسٍ يَسْتَحِقُّ التِّيجَانَ، ولَا كُلُّ طَبِيعَةٍ تَسْتَحِقُّ إفَادَةَ البَيَانِ.
وَقَالَ العَالِمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ. فَإنْ كَانَ ولَا بُدَّ فَاقْتَصِرْ مَعَهُ عَلَى مِقْدَارٍ يَبْلُغُهُ فَهْمُهُ ويَسَعُهُ ذِهْنُهُ! فَقَدْ قِيلَ: كَمَا أن لُبَّ الثِّمَارِ مُعَدٌّ لِلأنَامِ فَالتِّبْنُ مُتَاحٌ لِلأنْعَامِ، فَلُبُّ الحِكْمَةِ مُعَدٌّ لِذَوِي الألْبَابِ وقُشُورُهَا مَجْعُولَةٌ لِلأغْنَامِ.
السادس: والآن وقد تبيّن لنا أن الإسلام والقرآن يدعوان إلى الحكمة بغضّ النظر عن من تُؤخَذ ومن أين، لأنّ الحكمة عِلم يصنع الإنسان ويُربّي البشريّة على الواقع وحقائق الامور، كما صرّحت بذلك الآيات القرآنيّة على لسان لقمان الحكيم؛ فمن الأهمّيّة بمكان أن نعلم أن قيمة هذا العلم وتعلُّمه وصلا حدّاً تمّ فيه تمجيد لقمان الحَكيم والإطراء عليه لأجل حمله هذا العلم الشريف، مع أنّه قد عاش في القرن السابع قبل ميلاد المسيح ابن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام. وكذلك الحال مع حكماء اليونان وفلاسفتهم، حيث مُدِحوا ويُمدَحون على مرّ السنين مع أن آخرهم كان أرسطو الذي كان قد عاش في القرن السادس قبل ميلاد السيّد المسيح. ولأنّهم (أي هؤلاء الفلاسفة) كانوا فلاسفة متألّهين وكان مذهبهم يقوم على أساس توحيد الحقّ تعالى، نرى أنّهم كانوا يُذكرون بالفخر ويُتَحدَّثُ عنهم بالاعتزاز من قِبَل صاحب العقل الكلّ والهادي إلى سبل النجاة خاتم النبيّين والرسل، وأصحاب الدرجة العالية والمرتبة الراقية من قِبَل أوصيائه.
كان لقمان الحكيم من أهل الشام ولم يكن نبيّاً، لكنّه بسبب قدرته الروحيّة وتسلّطه في الحكمة واغترافه من ينبوع تعاليم النبيّ داود على نبيّنا وآله وعليه السلام والذي كان من بني إسرائيل، بلغ منزلة مرموقة ومقاماً عاليا بحيث سُمّيت سورة مباركة من القرآن الكريم باسمه.
وأورد القاضي بن صاعد الأندلسيّ في كتاب «طبقات الامم» كلاماً قال فيه: «الفلاسفة، جمع فيلسوف وهي كلمة يونانيّة تعني «محبّ الحكمة». ويعتبر فلاسفة اليونان من أعاظم البشر ومن الطبقة الممتازة لعلماء العالم، حيث كانوا ملمّين إلماماً تامّاً بمختلف الفنون في الحكمة والفلسفة والعلوم كالرياضيات والمنطق والعلوم الطبيعيّة والإلهيّات وسياسة المدن والمنزل.
وهناك خمسة فلاسفة هم من أعظم فلاسفة اليونان، وهم من الأقدم إلى الأحدث: بندقليس[13] ويليه فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأخيراً أرسطوطاليس ابن نيقوماخوس (نيقوماخوش).
1- كان بندقليس (امبيذُ كلس) معاصراً للنبيّ داود حسب ما يرويه علماء التأريخ، وقد تلقّى الحكمة على يد لقمان، ثمّ رجع بعد ذلك إلى بلاد اليونان...
وكان أمبيذُكِلس أوّل من جمع بين معاني صفات الله؛ وقال بأنّ جميع تلك الصفات ناشئة عن الذات الواحدة المسمّاة ب- «العلم» و«الجود» و«القدرة».
وقال كذلك بأنّ ذات البارئ عزّ وجلّ واحدة بالحقيقة وغير قابلة للكثرة والتمييز بأيّ شكل من الأشكال؛ وأن المعاني والصفات المختلفة هي من تجلّيات تلك الذات. وأن وحدانيّة وجود البارئ تختلف عن سائر الموجودات التي هي عرضة للتكثر إلى أجزاء أو معانٍ أو نظائر، وذات الله منزّهة عن كلّ ذلك.
وقد سار على هذا المذهب في الصفات الإلهيّة أبو الهذيل بن العلّاف المصريّ.
أخذ فيثاغورس الذي عاش بعد امبيذُ كِلس والذي سافر من الشام إلى مصر- الحكمة من أصحاب سليمان بن داود، وكان قد تلقّي الهندسة عن علماء مصر قبل ذلك. وبعد اكتسابه العلم رجع إلى اليونان وأدخل إليها الهندسة والعلوم الطبيعيّة والدينيّة لأوّل مرّة. وهو الذي اخترع بفطنته وذكائه علم الموسيقى وتأليف الألحان والأنغام، وهو أوّل من أخضع الألحان للنِّسَب العدديّة. وكان فيثاغورس يدّعي أنّه استقى أفكاره من مشكاة النبوّة.
وتنطوي نظريّة فيثاغورس، في تركيب العالَم وتكوينه والمبنيّة على خواصّ العدد ومراتبه، على رموز غريبة. وتُشبه عقيدة فيثاغورس حول المعاد الدينيّ عقيدة أمبيذُكِلس، وملخّصها هو: إن هناك عالَماً فوق عالَم الطبيعة يُسمّى بالعالَم الروحانيّ النورانيّ وهو مجبول من الجسمانيّات والمادّة؛ وليس بمقدور العقل إدراك حُسن ذلك العالَم، وهو عالَم تشتاق إليه النفوس الزكيّة باستمرار. ولا أحد يستحقّ الاتّصال بذلك العالَم واغتنام جواهر الحكمة الإلهيّة التي يحتويها واللذائذ النفسانيّة كالأنغام الموسيقيّة التي تُطرِب الأسماع إلّا الإنسان الكامل الذي جَنّب نفسه الصفات الذميمة والحيوانيّة وطهّرها من العادات السيّئة كالبخل والعُجب والرياء والتكبّر، ولا قيمة للعناء الذي يتجشّمه الإنسان مقابل حصوله على ذلك النعيم.
ولفيثاغورس تأليف قيّمة في «علم الحساب» والموسيقى وسائر العلوم الأخرى.
[1] - الآية 36، من السورة 17: الإسراء.
[2] - هذه هي صريح عبارات الشيخ أحمد الأحسائيّ.
[3] يعني كتاب «نزهة الناظر».
[4] خاتمة «مستدرك الوسائل» ج 3، ص 330 و331.
[5] «بحار الأنوار» للعلّامة المجلسيّ رحمه الله، ج 1، ص 57 و58، طبعة الكمبانيّ؛ وكتاب «غوالي اللئالي» و«روضة الواعظين».
[6] هذه العبارة مقتبسة من رواية أوردها محمّد بن يعقوب الكلينيّ في« اصول الكافي» ج 1، ص 35، رواية رقم 5، باب ثواب العالِم والمُتعلِّم، بسنده إلى أبي حمزة الثمالي عن الإمام سيّد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام حيث قال:
لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في طَلَبِ العِلْمِ لَطَلَبوهُ ولَوْ بِسَفْكِ المُهَجِ وخَوْضِ اللُجَجِ. أن اللهَ تَبَارَكَ وتعالى أوْحَى إلى دَانْيَالَ: أن أمْقَتَ عَبِيدِي إلى الجَاهِلُ المُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أهْلِ العِلْمِ، التَّارِكُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ؛ وإنَّ أحَبَّ عَبِيدِي إلى التَّقِيّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الجَزِيلِ، اللَازِمُ لِلْعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ، القَابِلُ عَنِ الحُكَمَاءِ.
[7] - روى العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار» ج2، ص99، الطبعة الحروفيّة، من «الأمالي» للشيخ الطوسيّ بسند متّصل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: كَلِمَةُ الحِكْمَةِ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ فَحَيْثُ وَجَدَها فَهُوَ أحَقُّ بِهَا. وروى الراغب الإصفهانيّ في «المحاضرات» ج1، ص50، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ أيْنَمَا وَجَدَهَا قَيَّدَهَا. وقيل كذلك: خُذِ الحِكْمَةَ مِمَّنْ تَسْمَعُهَا مِنْهُ؛ فَرُبَّ رَمْيَةٍ مِنْ غَيرِ رَامٍ، وحِكمَةٍ مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ. وأيضاً: لَا يَمْنَعَكَ ضِعَةُ القَائِلِ عَنِ الاسْتِمَاعِ إلَيْهِ؛ فَرُبَّ فَمٍ كَرِيهٍ مَجَّ عِلْماً ذَكِيَّاً، وتِبْرٍ صَافٍ في صَخْرٍ جَاسٍ.
[8] «نهج البلاغة» الحكمة 80؛ وفي طبعة الشيخ محمّد عبده- مصر: ج 2، ص 154.
[9] «مستدرك نهج البلاغة» تأليف الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص 158.
[10] «مستدرك نهج البلاغة» تأليف الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص 178.
[11] «نهج البلاغة» الحكمة 79؛ وفي طبعة مصر، شرح الشيخ محمّد عبده: ج 2، ص 154.
[12] «بحار الأنوار» ذكره في موضعَين، الأوّل في: باب العلوم التي امِرَ الناسُ بتحصيلها لنفعهم، وفيه تفسير الحكمة، من طبعة الكمبانيّ: ج1، ص 68؛ والطبعة الحروفيّة: ج1، ص219 و220، من «كنز الفوائد» للكراجكيّ. والثاني في كتاب الروضة، باب نوادر المواعظ والحِكَم، من طبعة الكمبانيّ: ج17، ص 249؛ والطبعة الحروفيّة، ج 78، ص 458 من كتاب «أعلام الدين».
[13] - وهو نفسه المسمّى امبيذُ كِلس(Empedocles ).(التعليقة).
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
