حديث الاسراء والمعراج
قال تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء : 1].
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فأخذ واحد باللجام وواحد بالرّكاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه ، فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل عليه السّلام ، ثمّ قال لها :
اسكني يا براق ، فما ركبك نبيّ قبله ، ولا يركبك بعده مثله - قال - فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ، ومعه جبرئيل عليه السّلام يريه الآيات من السّماء والأرض .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فبينا أنا في مسيري ، إذ نادى مناد عن يميني : يا محمّد . فلم أجبه ، ولم ألتفت إليه ، ثمّ نادى مناد عن يساري : يا محمّد . فلم أجبه ، ولم ألتفت إليه ، ثمّ استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها ، وعليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتى أكلّمك . فلم ألتفت إليها ، ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني ، فجاوزت ، فنزل بي جبرئيل ، فقال : صلّ . فنزلت وصلّيت .
فقال لي : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا . فقال : صلّيت بطيبة ، وإليها مهاجرتك . ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللّه ، ثمّ قال لي : انزل وصلّ . فنزلت وصلّيت . فقال لي : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا . فقال : صلّيت بطور سيناء ، حيث كلّم اللّه موسى تكليما . ثم ركبت فمضينا ما شاء اللّه ، ثمّ قال :
انزل فصلّ . فنزلت وصلّيت . فقال لي : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا .
فقال : صلّيت في بيت لحم . وبيت لحم بناحية بيت المقدس ، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السّلام .
ثمّ ركبت فمضينا حتّى أتينا إلى بيت المقدس ، فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها ، فدخلت المسجد ، ومعي جبرئيل عليه السّلام إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السّلام فيمن شاء اللّه من أنبياء اللّه ، قد جمعوا إليّ ، وأقيمت الصلاة ، ولا أشكّ إلّا وجبرئيل يستقدمنا ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل بعضدي ، فقدّمني فأممتهم ولا فخر .
ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أوان : إناء فيه لبن ، وإناء فيه ماء ، وإناء فيه خمر ، فسمعت قائلا يقول : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمّته ، وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمّته . فأخذت اللّبن فشربت منه ، فقال جبرئيل : هديت وهديت أمّتك . ثمّ قال لي : ماذا رأيت في مسيرك ؟
قلت : ناداني مناد عن يميني . فقال لي : أو أجبته ؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه . فقال : ذلك داعي اليهود ، لو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك . ثمّ قال :
ماذا رأيت ؟ قلت : ناداني مناد عن يساري . فقال : أو أجبته ؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه . فقال : ذلك داعي النصارى ، لو أجبته لتنصّرت أمتك من بعدك .
ثمّ قال : ماذا استقبلك ؟ فقلت : لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتى أكلّمك . فقال لي : أفكلّمتها ؟
فقلت : لم أكلّمها ، ولم ألتفت إليها . فقال : تلك الدنيا ، ولو كلّمتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة . ثمّ سمعت صوتا أفزعني ، فقال لي جبرئيل :
أتسمع ، يا محمّد ؟ قلت : نعم . قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين سنة ، فهذا حين استقرّت .
قالوا : فما ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى قبض .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال اللّه عزّ وجلّ : {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات : 10] وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا الذي معك ؟ فقال : محمد رسول اللّه . قال : وقد بعث ؟ قال : نعم . ففتح الباب ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالأخ [ الناصح والنبيّ ] الصالح . وتلقّتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلّا ضاحكا مستبشرا حتّى لقيني ملك من الملائكة ، لم أر خلقا أعظم منه ، كريه المنظر ، ظاهر الغضب ، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء ، إلّا أنّه لم يضحك ، ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت ممّن ضحك من الملائكة ، فقلت : من هذا - يا جبرئيل - فإنّي قد فزعت منه ؟ فقال : يجوز أن تفزع منه ، وكلّنا نفزع منه ، إن هذا مالك خازن النار ، لم يضحك قطّ ، ولم يزل منذ ولّاه اللّه جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا وغيظا على أعداء اللّه ، وأهل معصيته ، فينتقم اللّه به منهم ، ولو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك . فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وبشّرني بالجنّة ، فقلت لجبرئيل ، وجبرئيل بالمكان الذي وصفه اللّه : {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21] : ألا تأمره أن يريني النار ؟ فقال له جبرئيل : يا مالك ، أر محمّدا النار . فكشف عنها غطاءها ، وفتح بابا منها ، فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت فارتفعت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت ، فقلت : يا جبرئيل ، قل له فليردّ عليها غطاءها . فأمرها فقال لها : ارجعي . فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه .
ثمّ مضيت فرأيت رجلا آدما « 1 » جسيما ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل ؟
فقال : هذا أبوك آدم . فإذا هو تعرض عليه ذرّيته ، فيقول : روح طيب وريح طيّبة ، من جسد طيّب ، ثم تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية : {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ } [المطففين : 18 - 20] إلى آخرها . قال : فسلّمت على أبي آدم وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالابن الصالح ، والنبيّ الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح .
ثمّ مررت بملك من الملائكة وهو جالس على مجلس ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور ، مكتوب فيه كتاب ينظر فيه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح . فقلت : يا جبرئيل ، أدنني منه حتى أكلّمه . فأدناني منه ، فسلّمت عليه ، وقال له جبرئيل :
هذا محمد نبيّ الرحمة الذي أرسله اللّه إلى العبّاد ، فرحّب بي وحيّاني بالسلام ، وقال : أبشر - يا محمّد - فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك . فقلت :
الحمد للّه المنّان ذي النّعم والإحسان على عباده ، ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ . فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملا . فقلت : أكلّ من مات ، أو هو ميت فيما بعد هذا ، تقبض روحه ؟ قال : نعم . قلت : تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك ؟ فقال : نعم . وقال ملك الموت : ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها اللّه لي ومكّنني منها ، إلّا كالدرهم في كفّ الرجل ، يقلّبه كيف يشاء ، وما من دار إلّا وأنا أتصفّحها في كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : كفى بالموت طامّة ، يا جبرئيل . فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت .
قال : ثمّ مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيّب ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أمّتك يا محمد .
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة ، جعل اللّه أمره عجبا ، نصف جسده من النار والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ لنار ، وهو ينادي بصوت رفيع : سبحان الذي كفّ حرّ هذه النّار فلا تذيب الثلج ، وكفّ برد هذا الثلج فلا يطفئ حرّ هذه النار ، اللهمّ يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين . فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟
فقال : هذا ملك وكله اللّه بأكناف السماوات وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة اللّه تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منه منذ خلق ، وملكان يناديان في السماء ، أحدهما يقول : اللهم أعط كل منفق خلفا ، والآخر يقول : اللهم أعط كل ممسك تلفا .
ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر « 2 » الإبل ، يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الهمّازون اللمّازون .
ثم مضيت ، فإذا أنا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصّخر ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء .
ثم مضيت ، فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم ، وتخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء : 10].
ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة : 275] وإذا هم بسبيل آل فرعون ، يعرضون على النار غدوّا وعشيّا ، يقولون : ربّنا متى تقوم الساعة ؟
قال : ثمّ مضيت ، فإذا أنا بنسوان معلّقات بأثدائهنّ ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الزواني ، يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم . ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : اشتدّ غضب اللّه على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم .
قال : ثمّ مررنا بملائكة من ملائكة اللّه عزّ وجل ، خلقهم اللّه كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم « 3» إلا ويسبّح اللّه ويحمده من كل ناحية ، بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية اللّه ، فسألت جبرئيل عنهم ، فقال : كما ترى خلقوا ، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ، ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من اللّه وخشوعا . فسلّمت عليهم ، فردّوا عليّ إيماء برؤوسهم ، لا ينظرون إليّ من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة أرسله اللّه إلى العباد رسولا ونبيّا ، وهو خاتم النبيّين وسيّدهم ، أفلا تكلّمونه ؟ قال : فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشّروني بالخير لي ولأمّتي .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ثمّ صعدنا إلى السماء الثانية ، فإذا فيها رجلان متشابهان ، فقلت : من هذان ، يا جبرئيل ؟ فقال لي : ابنا الخالة يحيى وعيسى . فسلّمت عليهما وسلّما عليّ ، فاستغفرت لهما واستغفرا لي ، وقالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبيّ الصالح ، وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى ، وعليهم الخشوع ، قد وضع اللّه وجوههم كيف شاء ، ليس منهم ملك إلّا يسبّح اللّه ويحمده بأصوات مختلفة .
ثمّ صعدنا إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائرالخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل ؟
فقال : هذا أخوك يوسف . فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، فقال : مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح .
وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية ، وقال لهم جبرئيل في أمري مثل ما قال للآخرين ، وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون .
ثم صعدنا إلى السماء الرابعة ، وإذا فيها رجل ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟
قال : هذا إدريس ، رفعه اللّه مكانا عليّا ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي . ثمّ رأيت ملكا جالسا على سرير ، تحت يديه سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك . فوقع في نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه هو ، فصاح به جبرئيل ، فقال : قم . فهو قائم إلى يوم القيامة .
ثم صعدنا إلى السّماء الخامسة ، فإذا فيها رجل كهل ، عظيم العين ، لم أر كهلا أعظم منه ، حوله ثلّة « 4 » من أمّته فأعجبتني كثرتهم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل ؟ فقال : هذا المحبّب في قومه هارون بن عمران . فسلّمت عليه وسلّم علي ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .
ثم صعدنا إلى السّماء السادسة ، وإذا فيها رجل آدم ، طويل ، كأنّه من شبوة « 5 » ، ولو أنّ عليه قميصين لنفذ شعره فيهما ، فسمعته يقول : تزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على اللّه ، وهذا رجل أكرم على اللّه منّي . فقلت :
من هذا ، يا جبرئيل ؟ فقال : هذا أخوك موسى بن عمران . فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من ملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة ، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا : يا محمّد ، احتجم وأمر أمّتك بالحجامة . وإذا فيها رجل أشمط الرأس « 6 » واللّحية جالس على كرسيّ ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا الذي في السّماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار اللّه ؟ فقال : هذا - يا محمد - أبوك إبراهيم ، وهذا محلّك ومحل من اتقى من أمّتك . ثم قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران : 68] ، فسلّمت عليه وسلّم علي ، وقال : مرحبا بالنبيّ الصالح ، والابن الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح . وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي .
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ ، يكاد تلألؤه يخطف بالأبصار ، وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ترعد ، فكلّما فرغت ورأيت هولا سألت جبرئيل ، فقال : أبشر يا محمد ، واشكر كرامة ربّك ، واشكر اللّه بما صنع إليك . قال : فثبّتني اللّه بقوّته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجّبي ، فقال جبرئيل : يا محمد ، تعظّم ما ترى ؟ إنما هذا خلق من خلق ربك ، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى ، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربّك ؟ إن بين اللّه وبين خلقه سبعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى اللّه أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حجب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من غمام ، وحجاب من الماء .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ورأيت من العجائب التي خلق اللّه وسخّره على ما أراده ، ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ورأسه عند العرش ، وملكا من ملائكة اللّه ، خلقه اللّه كما أراد ، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : سبحان ربّي حيثما كنت ، لا تدري أين ربّك من عظم شأنه ، وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب ، فإذا كان في السّحر ، نشر ذلك الديك جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ، يقول : سبحان اللّه الملك القدّوس ، سبحان اللّه الكبير المتعال ، لا إله إلا اللّه الحي القيّوم . وإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها ، وخفّقت بأجنحتها ، وأخذت في الصّراخ ، فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلّها ، ولذلك الديك زغب أخضر وريش أبيض كأشد بياض ، ما رأيته قطّ ، وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشدّ خضرة ، ما رأيتها قطّ .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ثمّ مضيت مع جبرئيل عليه السّلام ، فدخلت البيت المعمور ، فصلّيت فيه ركعتين ، ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد ، وآخرون عليهم ثياب خلقان « 7 » ، فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ، ثم خرجت ، فانقاد لي نهران : نهر يسمّى الكوثر ، ونهر يسمّى الرحمة ، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ، ثمّ انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنّة فإذا على حافّتيها بيوتي وبيوت أزواجي ، وإذا ترابها كالمسك ، فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة ، فقلت : لمن أنت ، يا جارية ؟ قالت : لزيد بن حارثة . فبشّرته بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها كالبخت « 8 » ، وإذا رمّانها مثل الدلاء « 9 » العظام ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة ، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيه فنن « 10 » منها ، فقلت : ما هذه ، يا جبرئيل ؟ فقال : هذه شجرة طوبى ، قال اللّه : طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فلمّا دخلت الجنّة ، رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها ، قال : هي سرادقات الحجب التي احتجب اللّه بها ، ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كلّ شيء فيه . وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا الورقة منها تظلّ أمة من الأمم ، فكنت منها كما قال اللّه تبارك وتعالى : {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم : 9] فناداني {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة : 285] - فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا ربّ أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني ، فقال اللّه : قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوة إلا باللّه ، لا منجى منك إلا إليك .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : اللهم إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ، وذلّي أصبح مستجيرا بعزّك ، وفقري أصبح مستجيرا بغناك ، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى .
ثمّ سمعت الأذان ، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السماء قبل تلك الليلة ، فقال : اللّه أكبر ، اللّه أكبر . فقال اللّه : صدق عبدي ، أنا أكبر . فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، أشهد أن لا إله إلا اللّه . فقال اللّه تعالى : صدق عبدي ، أنا اللّه لا إله غيري . فقال : أشهد أن محمّدا رسول اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه .
فقال اللّه : صدق عبدي ، إنّ محمدا عبدي ورسولي ، أنا بعثته وانتجبته . ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة . فقال اللّه : صدق عبدي ودعا إلى فريضتي ، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ، كانت له كفّارة لما مضى من ذنوبه . فقال : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح . فقال اللّه : هي الصلاح والنجاح والفلاح . ثمّ أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس ، قال : ثمّ غشيتني ضبابة فخررت ساجدا ، فناداني ربّي : أنّي قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضته عليك وعلى أمّتك ، فقم بها أنت في أمّتك .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فانحدرت حتى مررت بإبراهيم فلم يسألني عن شيء ، حتى انتهيت إلى موسى ، فقال : ما صنعت ، يا محمد ؟ فقلت : قال ربّي : فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك . فقال موسى : يا محمّد ، إنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها ، وإنّ ربّك لا يردّ عليك شيئا ، وإنّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها ، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك . فرجعت إلى ربّي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فخررت ساجدا ، ثمّ قلت : فرضت علي وعلى أمّتي خمسين صلاة ، ولا أطيق ذلك ولا أمّتي ، فخفّف عني . فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع ، لا تطيق . فرجعت إلى ربّي فسألته ، فوضع عنّي عشرا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع ، وفي كلّ رجعة أرجع إليه أخرّ ساجدا ، حتى رجع إلى عشر صلوات . فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : لا تطيق . فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمسا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : لا تطيق . فقلت : قد استحييت من ربّي ، ولكن أصبر عليها . فناداني مناد : كما صبرت عليها ، فهذه الخمس بخمسين ، كلّ صلاة بعشر ، من همّ من أمّتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا ، وإن لم يعملها كتبت له واحدة ، ومن همّ من أمّتك بسيّئة فعملها كتبت عليه واحدة ، وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئا ».
فقال الصادق عليه السّلام : « جزى اللّه موسى عن هذه الأمة خيرا » . فهذا تفسير قوله تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا إلى آخر الآية « 11».
ثمّ قال علي بن إبراهيم : وروى الصادق عليه السّلام ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنه قال : « بينا أنا راقد في الأبطح وعليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يديّ ، إذا أنا بخفيق أجنحة الملائكة ، وقائل يقول : إلى أيّهم بعثت يا جبرئيل ؟ فقال : إلى هذا - وأشار إليّ - ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم ، وهذا وصيّه ووزيره وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ، ولتسمع أذناه ، وليع قلبه ، واضربوا له مثلا : ملك بنى دارا واتّخذ مأدبة وبعث داعيا . فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فالملك اللّه ، والدار الدنيا ، والمأدبة الجنّة ، والداعي أنا » .
قال : « ثمّ أدركه جبرئيل بالبراق وأسرى به إلى بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، فصلّى فيها وردّه من ليلته إلى مكّة ، فمرّ في رجوعه بعير لقريش ، وإذا لهم ماء في آنية ، فشرب منه وصبّ باقي الماء ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم ، وكانوا يطلبونه فلمّا أصبح ، قال لقريش : إنّ اللّه قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس ، فعرض عليّ محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، وإنّي مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا ، وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك الماء ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم .
فقال أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة من محمد ، سلوه كم الأساطين فيها والقناديل ؟ فقالوا : يا محمد ، إنّ ها هنا من قد دخل بيت المقدس ، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه ؟ فجاء جبرئيل فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتى تجيء العير ، ونسألهم عمّا قلت .
فقال لهم : وتصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أحمر . فلمّا أصبحوا أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون : هذه الشمس تطلع الساعة ، فبينا هم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر ، فسألوهم عما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقالوا : لقد كان هذا ، ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء وأصبحنا وقد أهرق الماء . فلم يزدهم ذلك إلا عتوّا » « 12 » .
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لرجل سأله عن المساجد التي لها الفضل :
فقال : « المسجد الحرام ، ومسجد الرسول » .
قال الرجل قلت : والمسجد الأقصى ، جعلت فداك ؟ فقال : « ذاك في السماء ، إليه أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم » .
فقال الرجل فقلت : « إنّ الناس يقولون : إنّه بيت المقدس ؟ فقال :
« مسجد الكوفة أفضل منه » « 13 ».
___________
( 1 ) الأدم من الناس : الأسمر . « لسان العرب - أدم - ص 12 ، ح 11 » .
( 2 ) المشافر : جمع مشفر ، والمشفر للبعير كالشّفة للإنسان . « لسان العرب - شفر - ج 4 ، ص 419 » .
( 3) قال المجلسي ( رضوان اللّه عليه ) : قوله : أطباق أجسادهم ، أي أعضاؤهم مجازا ، أو أغشية أجسادهم من أجنحتهم وريشهم . قال الفيروزآبادي : الطبق محركة : غطاء كل شيء ، وعظم رقيق يفصل بين كلّ فقارين . بحار الأنوار ص 18 ، ح 322 .
( 4 ) في « ط » : ثلاثة .
( 5 ) قال المجلسي ( رحمه اللّه ) : قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : كأنّه من شبوة ، أقول : شبوة : أبو قبيلة ، وموضع بالبادية ، وحصن باليمن ، وذكر الثعلبي في وصفه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : كأنه من رجال أزد شنوءة ، وقال الفيروزآبادي : أزد شنوءة ، وقد تشدّد الواو : قبيلة ، سميت لشنان بينهم ، انتهى . وعلى التقادير شبّهه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بإحدى تلك الطوائف في الأدمة وطول القامة . البحار ص 18 ، ح 332 .
( 6) الشّمط في الرأس : اختلاف بلونين من سواد وبياض . « لسان العرب - شمط - ج 7 ص 335 » .
( 7) الخلقان : جمع خلق ، أي بال . « لسان العرب - خلق - ج 10 ، ص 88 » .
( 8 ) البخت : الإبل الخراسانيّة . « لسان العرب - بخت - ج 2 ، ص 9 » .
( 9 ) الدلاء : جمع دلو .
( 10 ) الفنن : الغصن . « لسان العرب - فنن - ج 13 ، ص 327 » .
( 11) تفسير القمي : ج 2 ، ص 3
( 12 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 13 .
( 13 ) تفسير العيّاشيّ : ج 2 ، ص 279 ، ح 13 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة