زوال الإمارة المرداسية وقيام الإمارة العقيلية في حلب
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 135 ــ 137
2025-09-14
404
بعد أن تفرد تتش بحكم دمشق، هاجم حلب ليستولي عليها، فحاصرها أياماً، غير أنه عجز عن اقتحامها ففكَ الحصار عنها وتوجه شمالاً، فنهب القرى المحيطة بها ثم عاد إلى دمشق محملاً بالغنائم (1).
نتيجة هذا الضغط الشديد والمتواصل رأى أهل حلب أنه لابد لهم من قوة تحميهم وتحفظ لهم مدينتهم، وبدا لهم بأن مسلم بن قريش العقيلي هو الرجل الذي يمكنه أن يقوم بهذه المهمة وبخاصة أنه ساند حلب وأهلها في أيام محنتها مع تنش، كما أكرم وفادة الذين التجأوا إليه هرباً من الأفشين بالإضافة إلى أنه عربي لذلك اختاروه ليُسلِّموه حلب، وقد استبعدوا الاستعانة بالسلطان ملكشاه؛ لأنه كان الأحداث، ومنهمكاً بأمور المشرق، وربما ظنوا بأنه راض عن بعيداً عن مسرح التخريب الذي أحدثه السلاجقة تحت سمعه بهدف السيطرة على بلاد الشام، وضمها إلى الأملاك السلجوقية، كما تجنَّبوا دعوة تُتُش أو الأفشين بفعل ما ظهر من أطماعهما وعدائهما نحو البلد وأهله.
نتيجة هذا التوجه السياسي، ذهبت وفود عدة وجماعات تمثل شرائح المجتمع الحلبي إلى الموصل لطلب المساعدة، كما أرسل أحداث (2) حلب بقيادة الشريف حسن بن هبة الله الهاشمي المعروف بالحتيتي وكانوا يمثلون قوة ذات بأس، رسالة استغاثة إلى مسلم بن قريش وطلبوا منه التحرك إلى بلاد الشام لإنقاذها من السلاجقة، حتى أن سابق بن محمود أمير حلب كتب إليه يعرض عليه التنازل له عن الإمارة، وقال في رسالته: أنت أولى بي من الغز، والعربية تجمعنا، فإن كنتُ مأكولاً فكن أنت بأكلي (3). ويبدو منحى الصراع العنصري واضحاً في هذه الرسالة بين العرب والأتراك وهو استمرار للصراع الذي بدأ في العصر العباسي الثاني.
اتصف مسلم بن قريش بالطموح السياسي من واقع تأسيس دولة قوية وقادرة على التصدي للزحف السجلوقي تضم بلاد الشام وإقليم الجزيرة الفراتية، لذلك قرر الاستجابة الفورية لطلب الحلبيين لكنه رأى أنه بحاجة إلى موافقة السلطان ملكشاه خشية أن يقوم هو أو أحد قادته بمهاجمة الموصل بعد أن يغادرها إلى بلاد الشام، بالإضافة إلى سلامة موقفه أمام تنش الطامع في السيطرة على حلب، وحتى لا يتهمه بالخروج على إرادة السلطان ويتخذ ذلك حجة لمهاجمته، فأرسل ابنه من زوجته خاتون، أخت السلطان ألب أرسلان وعمة السلطان ملكشاه، إلى خراسان، فاجتمع بهذا الأخير وعرض عليه دفع مبلغ ثلاثمائة ألف دينار سنوياً مقابل:
الموافقة على توحيد بلاد الشام وإقليم الجزيرة الفراتية تحت حكم والده.
- يمارس مسلم بن قريش سلطاته باسم ملكشاه ويكون تابعاً له.
- يمتنع السلطان عن مهاجمة الموصل (4).
وافق السلطان ملكشاه على العرض وطلب من مسلم بن قريش التحرك باتجاه حلب، فتوجه هذا إليها ومعه بنو كلاب وسائر القبائل من كلب ونمير وغيرهما، وقد دخلوا في طاعته خوفاً من الغز(5)، فوصل إليها في (16 ذي الحجة 472هـ / 5 حزیران 1080م)، ودخلها بالأمان، ومع ذلك فقد جوبه بمعارضة سابق بضغط من أخويه شبيب ووثاب اللذين أزعجهما تنازل أخيهما عن الحكم لصالح بني عقيل ما ينذر بزوال حكم المرداسيين وتحصَّن بالقلعة، ثم جرى الاتفاق بينه وبين سابق على تسليمه القلعة مقابل زواجه بأخته ومال يدفعه له وما إن نزل سابق من حتى قبض عليه أخواه واستوليا عليها، فاضطر مسلم بن قريش إلى حصارها . واستمرت في غضون ذلك الخلافات الأسرية بين المرداسيين، فاستغل علي بن مقلد بن منقذ أمير كفرطاب هذه الفرصة وتوسط بينهم وبين مسلم بن قريش، وأقنع الأخوين بالتخلي عن القلعة وتسليمها لمسلم مقابل تعويضات مالية وإقطاعات لكل منهم. وتسلم مسلم القلعة يوم الأحد في (10 ربيع الآخر 473هـ / 28 أيلول م)، وأقطع شبيباً ووثاباً قلعتي عزاز والأثارب وضياع عدة أخرى، كما أقطع سابقاً مواضع في أعمال الرحبة (6)، فزالت بذلك الإمارة المرداسية بعد أن عمرت عاماً تقريباً وقامت مكانها الإمارة العقيلية، وأضحى مسلم بن قريش حاكماً على شمالي بلاد الشام بالإضافة إلى إقليم الجزيرة الفراتية، وأجزاء من العراق.
..................................................................
(1) المصدران نفساهما ص 183 ص 272 ابن العديم ج1 ص 299
(2) الأحداث هم الشرطة غير الرسمية، وكانت تستعمل في بلاد الشام بخاصة .
(3) سبط ابن الجوزي: ص203.
(4) المصدر نفسه.
(5) العظيمي ص 331 ابن القلانسي ص 183. ابن العديم: ج1 ص 300.
(6) ابن العديم جدا ص 301 – 303.
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة