محاولة أتسز ضم مصر
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 129 ــ 131
2025-09-14
345
أراد أتسز، بعد أن أضحى سيد بلاد الشام، المحافظة على مكتسباته، واعتقد أنه إذا نجح في ضم مصر، فإنه سوف يقطع الطريق على مشروع السلطان ملكشاه بإرسال أخيه تُتش إلى بلاد الشام، فأحيا المشروع السلجوقي العام بالقضاء على الدولة الفاطمية في مصر، وربما فكر في اتخاذ مصر. ملجأ وملكاً له فيما إذا حاول السلاجقة الاستئثار ببلاد الشام أو أنه خشي أن يُقدم الفاطميون على مهاجمته، كما أن كاتبه ابن بلدكوز أغراه بغزو مصر بعد أن ساءه تحكم بدر الجمالي واستبداده بالأمور فيها (1). ورأى قبل أن يزحف نحو مصر أن يحمي مؤخرة جيشه بضم المدن الساحلية وضمان عدم مساعدة حكامها لمصر أثناء مهاجمتها، ولعله اعتقد أن سيطرته على الطرق التجارية الداخلية في وسط بلاد الشام سوف يعطيه الفرصة للتضييق على الثغور الساحلية، والسيطرة عليها وبخاصة طرابلس وصور، إذا استثنينا عكا التابعة مباشرة لبدر الجمالي.
خرج أتسز من دمشق في جمع عظيم قاصداً الساحل، فهاجم طرابلس، لكن جلال الملك ابن عمار صده عنها، فتوجه جنوباً طمعاً في ضم صور، ولما لم يتمكن من دخولها عقد هدنة مشروطة مع أميرها النفيس بن محمد بن أبي عقيل، تقضي بالسماح للأتراك بدخول المدينة فيبيعون ويشترون ولا يقيمون فيها (2).
ولا شك بأن أتسز حقَّق بعض أهدافه بأن أخذ من حاكم صور. عهداً بمنح الأتراك ميزات تجارية حيث تمَّ له فتح أبوابها للتجارة مع الداخل في ظل استمرار إقامة الخطبة للفاطميين.
وبعد أن هيأ الظروف التي تسمح له بمهاجمة مصر، تقدم على رأس جيش من الأكراد والتركمان والعرب يُقدَّر بعشرين ألف مقاتل باتجاه الدلتا عن طريق الساحل، فبلغ أطراف مصر في (ربيع الأول 469هـ / تشرين الأول 1077م)، دون أن يصادف مقاومة تُذكر، وعسكر في الدلتا مدة خمسين يوماً من دون أن يزحف إلى القاهرة، مرتكباً خطأ عسكرياً؛ لأن بدر الجمالي المتسلط على الأمور العامة في مصر، كان آنذاك غائباً عنها لإخماد بعض الثورات في الصعيد، وكانت القاهرة خالية ممن يحميها أو يدافع عنها، وانتشرت القوات السلجوقية في ربض مصر وقراها، فضايقوا السكان وأساءوا السيرة، فكتب زعماء القرى إلى المستنصر الفاطمي يشكون ما أصابهم(3).
وعندما علم بدر الجمالي بوجود أتسز في مصر، عاد إلى القاهرة على وجه السرعة، فجنَّد القادرين على حمل السلاح واستدعى من كان بالصعيد من العساكر السودان، كما جنَّد ثلاثة آلاف حاج كانوا يستعدون للسفر إلى بلاد الحجاز لمعاونته في القتال، فبلغ عدد أفراد جيشه زهاء ثلاثين ألفاً (4).
ولما تقدم أتسز نحو القاهرة، خرج بدر الجمالي للتصدي له، وحاول قبل بدء المعركة أن يُضعف قوة خصمه، فاستقطب العرب في جيشه عن طريق إثارة النعرات العنصرية، فخرج ألفا جندي من الجيش السلجوقي بقيادة حازم الكلبي، ما أثر سلباً على معنوياته، فقرر أتسز عند ذلك عدم خوض المعركة والعودة إلى بلاد الشام، لكن قادة جيشه أرغموه على القتال فاشتبك مكرهاً مع قوات بدر الجمالي يوم الخميس (16 رجب 469هـ/ 13 شباط 1077م) وأسفر اللقاء عن هزيمته وفرار جنده، وطاردهم الجيش الفاطمي حتى الرملة وعاد أتسز إلى دمشق (5).
نجم عن هزيمة أتسز نوعان من رد الفعل:
الأول: داخلي، تجلى بوقوف أهل دمشق إلى جانبه اصطناعاً بفعل ضعفهم، وعصيان مدن بلاد الشام الجنوبية على حكمه بعد أن عُدَّت هزيمته بمثابة النهاية له.
الثاني: خارجي، تمثل في شعور الدوائر السلجوقية في المشرق بعجز أتسز عن القيام بمثل هذه المهمة الضخمة وعلى الرغم من أن الرجل لم يكن سلجوقياً إلا أن هزيمته كانت أول هزيمة بارزة للنفوذ السلجوقي أمام القوة الفاطمية، وقد أدرك أتسز هذه الظاهرة، لذلك أسرع بالكتابة إلى بغداد بأنه ينوي العودة إلى مصر، وأنه يجمع العساكر.
ويبدو أن السلطان ملكشاه لم يقتنع أن بإمكان أتسز مهاجمة مصر مرة ثانية، أو لعله أراد استغلال تراجع قوته للعودة إلى مشروعه السابق بمنح بلاد الشام إقطاعاً لأخيه تنش وبخاصة أن الأوضاع لم تجر على نحو طيب هناك بعد ثورة سكان بيت المقدس على حكمه وعصيان بعض المدن الرئيسة في بلاد الشام وهكذا أقطع السلطان ملكشاه أخاه تُتُش بلاد الشام وما يفتحه من تلك النواحي في أوائل 470هـ / منتصف 1077م)، وهذا يعني أن أتسز سوف يخضع للنفوذ السلجوقي المباشر.
..............................................................
(1) المقريزي: اتعاظ الحنفا: جـ 2 ص 317.
(2) ابن القلانسي: ص 176.
(3) المصدر نفسه: ص 176 - 181 ابن ميسر ص25. ابن الأثير: جـ 8 ص 260، 261.
(4) المقريزي: ج 2 ص 317
(5) ابن القلانسي: ص181
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة