التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
النقود في مصر القديمة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 496 ــ 502
2025-08-10
76
تحدثنا عن النقود في العهد الفرعوني في الجزء الثاني من مصر القديمة، وقد برهنَّا في هذا الباب بقدر ما وصلت إليه معلوماتنا على أن مصر كان لها نقد وإن لم يكن مسكوكًا، تتعامل به منذ الأسرة الرابعة وهو «الشعت» وقد استمرت البلاد تستعمله مع بعض تغيير في الاسم حتى نهاية العهد الفرعوني؛ إذ قد استعملت «الدبن» و«الكدت» طوال الدولة الحديثة حتى نهاية الأسرة الثلاثين، وحتى في عهد البطالمة استمر السكان المصريون يستعملونه أول ظهور النقد المسكوك في مصر القديمة.1
دلت المعلومات التي وصلت إلينا حتى الآن على أن النقود المسكوكة بمعناها ومنظرها الحقيقيينِ لم تظهر في دائرة البحر الأبيض المتوسط حتى عهد الأسرة السادسة والعشرين المصرية، ولم تظهر هذه النقود في مصر وقتئذ لأن اقتصاد مصر لم يكن في حاجة إلى وجود نقد، وعلى أية حال لم يُعثر على أي نقد بمعناه المتعارف بيننا في مصر في تلك الفترة.2
هذا وتوجد لدينا الآن بعض البراهين الدالة على وجود نقد فرعوني خاص ضُرب في مصر في عهد الأسرتين التاسعة والعشرين والثلاثين.3
والدوافع الأولى التي اقتضت ضرب عملة نقدية في مصر كانت في الواقع مفقودة؛ فقد كان انعدام المشاريع الحرة ووحدة البناء الاقتصادي والقوى المنتجة بالإضافة إلى انعزال سكان مصر عن باقي العالم نسبيًّا واحتكار الفراعنة للتجارة وعيشة ملايين الفلاحين الذين يتألف منهم السواد الأعظم من سكان مصر على هامش الاقتصاد، كل هذه الأمور مجتمعة كانت عوامل لا توحي بضرب نقود بل كانت تكتفي البلاد بالمبادلة، ولكن عند قيام الأسرة السادسة والعشرين ونهوضها بالبلاد دفعة واحدة كان قد تغير كثير من هذه العوامل؛ إذ قد تطورت الحياة الاقتصادية في الوجه القبلي بسبب الفتح الفارسي، وأهم من ذلك التأثيرات التي أحدثها التجار الإغريق الذين كان قد شجعهم ملوك الأسرة السادسة والعشرين على التعامل مع مصر بدرجة مُحَسَّة مما زاد في المعاملات التجارية بين البلدين، غير أنه كان لا بد من وجود دافع أقوى للإسراع إلى ضرب نقود، وقد خُلق هذا الدافع عندما وَجَدَت مصر نفسها في حاجة إلى استخدام جيش قائم من الجنود المرتزقين فقد كان الملك «أوكوريس» ثاني أحد ملوك الأسرة التاسعة والعشرين هو الذي ألف شبه فرقة ثابتة من الجنود المرتزقة من الإغريق في مصر، وذلك عندما أجبر قوة بلاد الفرس الحربية على التحول عن بلاده بالثورة التي هبت في قبرص على يد ملكها «أفاجوراس» وظلت أمدًا طويلًا كما شرحنا ذلك في غير هذا المكان، غير أنه مع ذلك لم يهمل المحافظة على وجود جيش من الجنود المصريين في نفس الوقت، هذا وقد حافظ أخلاف «أوكوريس» في عهد الأسرتين التاسعة والعشرين والثلاثين على هذا الجيش الإغريقي أكثر من خمس وأربعين سنة، وكان من جراء ذلك أنه صد غزو الفرس عن البلاد خلال السنين الأولى من عهد كل من نقطانب الأول ونقطانب الثاني.
والمهم في بحثنا هنا أن نشير إلى أن هؤلاء الأجناد المرتزقين من الإغريق لم يَطِبْ لهم تسلُّم أجورهم عينًا أي بمحاصيل البلاد الطبيعية بل حتموا أن يتقاضوا مرتباتهم نقدًا، ومن ثم كان لزامًا على ملك مصر الدفع بالعملة النقدية ذهبًا أو فضة، وقد حُلَّت المعضلة منذ بدايتها بمهارة، وذلك أن «أوكوريس» بعد توليه عرش البلاد بأربعة أعوام عقد محالفة مع «أثينا» فَحْواها انخراط الإغريق في صفوف جيشه، وقد كان ضمن التزامات «أثينا» أن تمد مصر بعملة من نقودها المعترف بها لتُستعمل في مصر لدفع أجور الجنود المرتزقين، وقد وُجد عدد من هذه النقود المضروبة في مصر.4 ولكن هذه النقود لم تكن توجد قط خارج «أثينا»، وكانت الفضة التي استُعملت في النقود التي قدمها «أوكوريس» وأخلافه من بعده قد حُفظت من حيث نقائها على حسب معيار النقود التي كانت تُضرب في «أثينا»، فقد حافظت على وزن العيار المتفق عليه، وقد كانت هذه النقود الأثينية التي ضُربت للفرعون على غرار التي كانت تُضرب في «أثينا» من حيث النقاء والوزن والشكل.
هذا ويجدر بنا أن نبين عند هذه النقطة أنه قد عُملت محاولات للتمييز بين قطع العملة الأثينية التي تساوي قيمتها أربع درخمات وهي التي ضُربت لحساب ملك مصر وبين القطعة العادية التي تساوي أربع درخمات التي ضُربت لأثينا، وذلك بوساطة رسم مميز بين النقدين، ويمكن تمييز أي من هذه النقود التي عُثِر عليها في مصر وضُربت فيها إذا أمكن توحيد الطابع الذي على وجه النقد أو ظهره بطابع نقد كان قد وُجد في مصر أيضًا، وعلى أية حال فإن هذا التمييز على الرغم من إمكان قبوله إلا أنه يحيطه الشك فيما يخص نقود عُثِر عليها في كنوز يُظَنُّ أنها وُجدت في صناديق حربية أو في كنوز تحتوي على نقد واحد أو أكثر مرتبط بالطابع الخاص الذي ذُكر آنفًا، ففي كنز تل المسخوطة،5 الذي يحتوي على عدة قطع من التي قيمتها ثلاث درخمات من الطراز الذي نبحثه يمكن أن يحتوي على نقود ضُربت في مصر (راجع اللوحة رقم 1).
على أن ضرب النقود باسم مصري لم يظهر إلا في عهد الأسرة الثلاثين عندما استقر الحكم في البلاد، وقد ظهرت أربعة أنواع من هذه النقود كما يُشاهَد ذلك في اللوحة رقم 1 (2، 3، 4، 5).
فالعملة رقم 2 يمكن أن تكون قد ضُربت في مصر في عهد «نقطانب الأول» والعملتان رقم 3 و4 يمكن أن تكونا قد ضُربتا في عهد الملك «تيوس»، في حين أن العملة رقم 4 يظهر أنها ضُربت في عهد «نقطانب الثاني»، على أن الآراء قد اختلفت في ذلك.
أما العملة الصغيرة التي ضُربت للملك «نقطانب الأول» فيظهر أنها أول عملة يمكن نسبتها للعهد الفرعوني من حيث الأسلوب والطراز، والواقع أن صورة الآلهة «أثينا» الخشنة الصنع التي ظهرت على وجه العملة كان لا يمكن أن تظهر إلا في نقود ضُربت بعد بداية القرن الرابع ق.م بقليل، أما طراز صورة ظهر هذا النقد فهو تنويع لبومتين تمثلان الآلهة «أثينا». أما النقد المصري الصريح فهو الذي أُدخلت في سكِّه علامتان هيروغليفيتان (نفر، نب) على ظهر النقد، وقد ظهرت علامة «نفر» بين بومتين متقابلتين في حين أن علامة «نب» قد ظهرت في الجزء الأسفل، والمعنى الذي تحمله هذه العلامات الهيروغليفية يمكن ترجمته ببعض التصرف هكذا: الكل «فضة» خالصة أو «صالح لكل الأغراض.»
وهذا النقد السالف الذكر كان قد عُرض في المتحف البريطاني، ثم سُحب من هناك، وعلى أية حال لا يمكن تحديد مكانه بين النقود بدقة، أما العملتان رقم 3، 4 اللتان في اللوحة 2 وهما من الذهب الخالص فيحملان بعض اسم «تاخوس» بالحروف الإغريقية على ظهر العملة، هذا ويُلحظ أن طراز طابع الوجه والظهر قد عُمل على حسب المتَّبع في النقد الأثيني وهو يحتوي على رأس «أثينا» وبومة واقفة، أما قطعة الفضة رقم 3 فليس من المؤكد نسبتها على وجه التأكيد إلى عهد الملك «تيوس»، وقد طُبع على الوجه صورة ابن آوى (أنوبيس) ويقول «جنكنز» إنَّ ظَهْرَ هذه العملة يحتوي فضلًا عن صورة البومة طغراء ملك مصري غامض، وقد ظهر من تكبير صورة هذه العملة وجود الإشارة الهيروغليفية = ماعت = الصدق، وهي تعني أن قيمة هذه العملة ونوعها قد تُؤُكِّدَ من صحتهما؛ أي لا غش فيها ولا خسران في وزنها، وهناك تفسير آخر لهذه العملة وهو نسبتها إلى الملك «تيوس» على الرغم من أنه قد مات.
هذا ولدينا في هذه المجموعة عملة أخرى يمكن نسبتها إلى الملك «تيوس»، بشيء كبير من التأكيد، وهذه العملة تشبه القطعة التي قيمتها أربع درخمات (انظر اللوحة رقم 1 (ونُقش عليها حروف إغريقية، وعلى ظهر هذه العملة من الجهة اليمنى حل محل الحروف الإغريقية نقش ديموطيقي يُقرأ هكذا = تيوس فرعون. ومن ثم يمكن أن نذهب إلى أن «تيوس» الذي ذُكر هنا هو والد «نقطانب الأول» أو أمير البحر المصري للأسطول الفارسي في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، والمرجَّح أنه الفرعون الذي حكم في عهد الأسرة الثلاثين، هذا ومن بين النقود التي تساوي أربع درخمات والتي وصلت إلى مصر نجد فيها خلافًا من حيث الأسلوب والنوع، وعلى ذلك قد يكون من الغريب إذا لم يكن بعضها يحتوي على صور تدل على قِدَم أصلها.
بعد ذلك نعود إلى النقود المصوَّرة في اللوحة ونفحص النقد الذي يحمل رقم 5 وهو الذي يشار إليه بعيار «نفر-نب»، والظاهر أن هذه القطعة قد ضُرب منها عدد كبير؛ إذ عُثر منها على 24 قطعة حتى الآن على وجه التقريب، وقد طُبع على وجهها ثلاثة طوابع مختلفة، وعلى ظهرها على أقل تقدير طبعتان، وقد نُسِبت إلى عهد البطالمة الأول منذ عدة سنين، ولكن «جاستون مسبرو» أثبت على أية حال بعد فحص دقيق أنها أقدم من ذلك، وترجع للعهد الفرعوني، وقد وافقه معظم العلماء على رأيه هذا، ومن المحتمل جدًّا أن هذا التقدير يرجع إلى عصر الملك نقطانب الثاني.6
هذا وقد طُبع على ظهر هذا النقد حصان في منتهى الروعة والجمال الفني وهو يثب إلى الأمام بروح عالية، ويطيب لنا أن نذكر هنا أن النقد المصري الذي كان قد ضُرب في بادئ الأمر ليكون حلًّا لدفع أجور الجنود المرتزقة يعتبر نقدًا ذا صبغة أجنبية تمامًا ثم أخذ يتطور شيئًا فشيئًا ليصبح مصري الصبغة في عهد الأسرة الثلاثين إلى أن صار في نهاية الأمر متطوِّرًا إلى عملة ذهبية تعد من القطع الفنية العظيمة القيمة، وهذا التطور الذي جاء شيئًا فشيئًا يظهر أنه كان قد جاء طبقًا لضرورة محلية؛ إذ الظاهر أنه كان يعد شيئًا إضافيًّا لاستمرار ضرب نقود أثينية الطراز وهي التي كان يُحتاج إليها بمثابة قاعدة لدفع أجور الجنود الإغريق المرتزقين.
والواقع أن النقد الذي يحمل اسم «نفر-نب» قد يكون له علاقة بالجيش، وذلك على غرار «الذبابة الذهبية» التي كانت تُمنح نيشانًا للشجاعة عند المصريين؛ فقد وُجدت مرسومة بفَخَار وإعجاب في كثير من القبور المصرية في عهد الدولة الحديثة ولكنها قد أصبحت في العهد المتأخر مهملة، وكانت الحاجة الآن تدعو إلى منح مكافآت من الذهب في صورة أكثر فائدة وأكبر قيمة للجنود المرتزقة، كما كانت أحسن قبولًا عند الشجعان من أبناء الوطن، ومن الجائز إذن أن العملة «نفر-نب» قد استُعملت لهذا الغرض وبخاصة عندما نعلم أن صورة الجواد المتوثب المرسوم على ظهر هذا النقد كان علامة على الشجاعة والإقدام في كثير من ثقافات البحر الأبيض المتوسط في هذا العصر.
وبالإضافة إلى قطع النقد الفضية الصغيرة التي وُصفت سابقًا قد نُشِر غيرها في مطبوعات منوعة، وتدل الظواهر على أنه ضُربت في عهد الأسرة الثلاثين، فقد شرح جنكنز Jenkins في مقاله السابق الذكر قطعة تشبه في حجمها وصناعتها القطعة التي نُقش عليها «أنوبيس-ماعت» وهي التي تحمل رقم 3 في اللوحة 2، وطبع على وجه هذه القطعة رأس الآلهة «أثينا» في حين أنه رُسم على ظهرها بومة، غير أنه رُئِيَ على الظهر كلمة «واح» ومعها حروف إغريقية، وهذه القطعة محفوظة الآن بالمتحف البريطاني، ويميل الإنسان إلى نسبتها إلى السنين الأخيرة من عهد نقطانب الأول لا بعد ذلك؛ لأنها لا تزال تحتفظ كثيرًا بالصبغة الأثينية وتُترجَم كلمة «واح» بمعنى «مستمر» أو باقي أو الكثرة أو الوفرة.
وقد يدهش الإنسان عند استعراض ما نُسب إلى عهد الملك «تيوس» من نشاط نقدي، ولكن لا يلبث أن تزول هذه الدهشة عندما يعلم ما كانت عليه نفسية هذا الفرعون وما له من سمعة تاريخية مجيدة؛ فقد كان ملكًا طموحًا ثائرًا يطمع في أن يعيد إلى مصر ما كانت عليه من مجد غابر في عهد أسلافه وبخاصة تحتمس الثالث، ومن ثم أخذ في إعداد حملة جبارة لاسترجاع إمبراطورية مصر في آسيا، ومن أجل ذلك فإنه جمع كل ما يمكن جمعه من ذهب وفضة من بلاده بالإضافة إلى الضرائب الفادحة التي ضربها على التجارة، وما استولى عليه من كنوز المعابد التي كانت مكتظة بكل غالٍ وثمين، ومن كل ذلك أمكنه جمع مقادير هائلة من المعادن النفيسة ليدفع معظمها أجورًا لآلاف الجنود المرتزقة من الإغريق، ومن ثم نجد أن هذا الفرعون قد جمع مادة هائلة لضرب النقود التي سُكَّت على عَجَل، ولكن كان من جراء تعسفه في جمع المال أن قامت ثورة داخلية كان من نتائجها أن عرقلت في الحال حمْلته ثم أدت إلى خلعه عن عرشه، على أن أنانية هذا الرجل لم يكن في الإمكان إقناعها بسكِّ نقود دون أن يكون عليها اسمه بل كان لا بد أن يحمل بعضها اسمه بالإغريقية لتوطيد جنوده المرتزقين، وبالديموطيقية لفائدة رعايا المصريين، والخلاصة أنه يمكن أن نضع تاريخًا لاستعمال العملة المسكوكة في مصر الفرعونية كالآتي:
من 392–380 ق.م: كان الملك «أوكوريس» يناهض بلاد الفرس، وقد عقد محالفات مع أثينا وقبرص واستخدم في جيشه فِرَقًا إغريقية بقيادة قواد إغريق، وقد ضرب من أجل ذلك نقودًا من طراز أثيني لدفع أجور الجند الإغريق.
وفي 378–361 ق: هزم نقطانب الأول نفريتيس الثاني، وبذلك وضع أساس الأسرة الثلاثين وكان للجنود المرتزقين الذين جهزهم «أوكوريس» اليد العليا في حماية البلاد المصرية من هجوم الشطربة «فارناناسوس» واستمر استعمال قطع النقد المضروبة على النمط الإغريقي، وفي العهد الذي تلا ذلك — وكان عهد سلام ورخاء — استمر ضرب بعض نقود إضافية من العملة الفضية الصغيرة عليها صور إغريقية، غير أنها كانت تحتوي على صور هيروغليفية، وبذلك كانت تؤلف أول نقد مصري حقيقي.
361–359 ق.م: وفي تلك الفترة كان الملك «تيوس» يجهز جنودًا مرتزقين وجيشًا مصريًّا لغزو «آسيا»، وقد ابتز من مصر مقادير كبيرة من الذهب والفضة لضرب العملة، وكان من جراء ذلك أن ضُرِبت نقود أثينية أضيف إليها (الاستاتر الإغريقي Staters = 105 قروشٍ تقريبًا) عليه اسم الفرعون بالإغريقية، وكذلك قطع من ذوات ثلاث الدرخمات عليها اسم فرعوني ولقب، وقطع صغيرة من الفضة تشبه قطع نقود «نقطانب الأول» ولكن على ظهرها رسم مصري.
359–341 ق.م: قَمَعَ في هذه الفترة نقطانب الثاني بمساعدة الجنود الإسبرتيين الاضطرابات الداخلية التي قامت بسبب عزل «تيوس» وتولى هو حكم مصر، وبعد ذلك بعامين هَزَم الحملة الفارسية التي حاولت غزو مصر بمساعدة جيش من المصريين والإسبرتيين والأثينيين، وفي خلال سنينِ الرخاءِ التي تلت ذلك بقي جيش الجنود المرتزقين قائمًا يتألف من عدد كبير من هؤلاء الجنود لدرجة أن فِرَقًا منه كانت تُرسل لمساعدة حلفاء مصر مثل «صيدا» وفي تلك الفترة استمر ضرب النقود الأثينية وأُدخل كذلك ضرب النقود الذهبية بالأسلوب المصري، وكانت تُسَكُّ بعدد لا بأس به، ومن المحتمل أن نقودًا مصرية مختلطة الأسلوب قد استمر سكُّها حتى نهاية هذا العصر.
341 ق.م: وفي هذا العام هُزم الفرس على يد القائد الفارسي «باجوس» الملك نقطانب الثاني الذي هرب إلى أعالي النيل ومع كنز كبير يشمل عددًا كبيرًا من النقود التي نُقش عليها «نفر-نب».
شكل 1: نقود مصرية ضُربت في عهد الأسرة الثلاثين، رقم (2) من عهد نقطانب الأول، ورقم (3، 4) من عهد الملك تيوس، ورقم 5 من عهد الملك نقطانب الثاني.
شكل 2: قطعة نقد تساوي أربع درخمات من الفضة من عهد بطليموس الأول وعلى ظهر النقد رأس الإسكندر بمسلاخ فيل. (4) قطعة نقد من عهد بطليموس الأول وعلى وجهها مثل بطليموس الأول وعلى رأسه إكليل ودرع لحمايته وعلى ظهرها مثل نسر. (5) قطعة نقد تساوي ثماني درخمات باسم أرسنوي (ضربها بطليموس الثاني بعد موتها) ومثل على وجه هذه القطعة رأس أرسنوي الثانية وصور على ظهرها قرن الكثرة.
....................................................
1- راجع: J. E. A. Vol. 43. P. 71; Preaux, L’Economic Royale Des Lagides. P. 267; Rostovtzeff Social and Economic Hist. P. 89, 263, 264
2- راجع: Curtis Media of Exchange in Ancient Egypt in the Numismatist 1951. P. 482–491
3- راجع: Jenkins, Greek Coins recently acquired by the British Museum in The Numismatic Chronicle (1955). P. 144–50
4- راجع: Vermeule Ancient Dies & Coining Methods in The Numismatic Circular (1953). PP. 397–401
4- راجع: The Numismatic Chronicle (1947). Nos. 12–14, Pl. 5.
5- راجع: Curtis, Ioc. cit
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
