التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
إصلاح العملة في عهد بطليموس الثاني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 505 ــ 511
2025-08-10
80
تحدثنا فيما سبق عن التغيير الذي أدخله «بطليموس الأول» في عيار الذهب والفضة على حسب العيار الفينيقي، وهذا النظام في العملة كان على حسب النظام المتبع في كل العالم الهيلانستيكي، ويتلخص في أنه ضرب عملة من الذهب والفضة مُقدَّرة على حسب قيمة هذين المعدنين في السوق كما ضرب قطع عملة من النحاس يصل قطرها حتى ثلاثين مليمترًا ذات قيمة اسمية، أو يعبر عنها بمثابة رمز لقيمتها كما هو الواقع في أيامنا.
ولكن في عهد بطليموس الثاني حدث تغير مُحَسٌّ في عام 270 ق.م وأهم مميز لهذا التغير هو إدخال قطع كبيرة من النقد النحاسي يحتوي على ثلاثة مسميات جديدة في العملة النحاسية يبلغ قطر كل منها على التوالي 48، 42، 36، وهذه العُملات هي التي أصبحت قطع العملة السائدة الاستعمال في كل بلاد القُطر، وهذا التغيير لم تكن أهميته اقتصادية وحسب، بل كان له أهمية أخرى سنذكرها، وأول ما يجب ملاحظته في هذا الصدد أن مثل هذه القطع الضخمة من النحاس لم يكن لها نظير في كل العالم الإغريقي، والواقع أن هذا التجديد يعد انفصالًا مميَّزًا عن تقاليد النقد الهيلانستيكي بالنسبة لملك من أصل هيلاني كبطليموس الثاني.
والسبب في هذا التجديد مقتضيات الشئون الداخلية للمملكة المصرية، وذلك أن استعمال النقود المسكوكة في البيع والشراء لم يكن يعد تجديدًا في مصر وحسب، بل إن فكرة استعمال عيار للفضة كانت فكرة غريبة لدى عامة الشعب المصري الأصيل، فإن معاملتهم التقليدية منذ أقدم العهود كما أشرنا من قبل كانت بالنحاس، وعلى ذلك فإنه من المحتمل أن التجار قد أظهروا ميلهم بصورة مُحَسَّة إلى بقاء استعمال النحاس في معاملتهم لدرجة جعلت الحكومة تمدهم بنقود من المعدن الذي اعتادوا التعامل به، وهذا الغرض قد يعضده الطابع الذي كان على ظهر العملة الجديدة؛ ففيما سبق كانت الصور التي تُطبع على النقود ذات طابع إغريقي، بل وكانت إغريقية محضة فنجد على وجه النقود المصنوعة من الذهب بعد أن أصبح بطليموس ملكًا على البلاد صورة رأسه، في حين كان على النقد النحاس صورة رأس الإسكندر (وذلك في نوعين واحد منهما بمسلاخ فيل، والثاني عارٍ) ورأس الإله «زيوس» وفي حين نجد من جهة أن هذه الصور قد بقيت لمدة على قِطَع النحاس الصغيرة القديمة نجد من جهة أخرى أن القطع الأكبر التي ضربها بطليموس الثاني قد طُبع عليها رأس إله له علاقات محلية بمصر وهو الإله «آمون» في «سيوة»، ومن الجائز أن هذا الطراز قد انتُخب ليميز هذه النقود بأنها نقود مصرية محضة.
ومما تجدر ملاحظته أن صورة «آمون» التي انتُخبت هنا كانت صورة «آمون» في شكله الإغريقي أي إله ذو لحية وقرن قصير ملتوٍ حول الأذن، ومن الجائز أنه قد جيء به إلى «سيريني» بالمستعمرين الدوريين، ومن هناك حمل إلى الواحة، وعلى أية حال فإن طراز هذا الإله كان موجودًا في «سيريني» من أقدم عهد فني سُجِّلت فيه صورته، هذا وقد أشرنا فيما سبق إلى أن الوحي في «سيوة» قد ظهر في التاريخ الإغريقي قبل أن يظهر في التاريخ المصري، وإن كان وجود الإله «آمون» في «سيوة» يرجع إلى زمن بعيد، ولكن منذ غزو الفرس لمصر كانت عبادة آمون رع قد وُحِّدت بعبادة «آمون» سيوة، كما أوضحنا ذلك في غير هذا المكان في فصل سابق من هذا الكتاب، ومن المحتمل أن سبب ذلك يرجع إلى جماعة من كهنة آمون طيبة قد هربوا من الاضطهاد الفارسي واحتموا في واحدة سيوة وغيرها حيث كانت المعابد المصرية قائمة هناك، وكان توحيد الإلهين سهلًا ميسورًا، وذلك لأنه كان يوجد في «سيوة» إله يتفق في الاسم والمظهر مع إلههم آمون، وكان له قرنان، غير أن قَرْنَي الإله المصري الذي كان يمثَّل في طيبة وغيرها في صورة إنسان برأس كبش من فصيلة أخرى، وهذا التوحيد بين إله إغريقي وإله مصري كان يتفق مع السياسة البطلمية كما تحدثنا عن ذلك من قبل، وعلى ذلك فإنه عندما دعت الحاجة إلى إنشاء طراز ليوضع على النقود بوصفها مصرية فإنه كان لا بد أن يوجد في رأس إله صِفاته وعلاقاته معترَف بها من قِبَل الكهنة المصريين.
هذا وقد قال بعض المؤرخين إنه توجد علاقة في هذا الاختيار — وبيَّن التطور الذي حدث في نفس المدة على ما يظهر — بالنسبة لقصة الإسكندر التي تؤكد بحقٍّ الأهميةَ الدينية لزيارته آمون بواحة سيوة، هذا ولا بد أن نلفت النظر إلى التطور الفني في تمثيل الإسكندر بقرن على معبده؛ فقد كان المقصود أن يُعبد بوصفه ابن آمون، ويقول بعض الأثريين إن هذا القرن ليس مأخوذًا بوجه التأكيد عن آمون؛ أي إنه ليس مشتقًّا من قرن آمن-رع، وذلك لأنه صُوِّر دائمًا قرنًا قصيرًا مقوسًا من طراز إغريقي أي إنه ليس بالقرن الطويل المزدوج الالتواء الذي نشاهده في قَرْنَيْ آمون المصري، وعلى الرغم من أنه مثل قرن آمون فإن رأسه الذي يدل على الشباب يشبه أكثر الرأس الذي يظهر على نقود سيريني الإغريقية الصبغة، وقد وُحِّد برأس الإله الدوري «كارنيوس» Carneius الذي كان يُعبد هناك، وفي أجزاء عدة من بلاد الإغريق مع آمون وكان له قرن مثله، والواقع أن «كارنيوس» قد يُعَدُّ بأنه ابن آمون، وهذا يمكن أن يفسر استعمال رأسه ليمثل رأس الإسكندر، غير أن النقطة الهامة بالنسبة للموضوع الذي نبحثه هي أن صورة الإسكندر ذي القرنين لم تظهر إلا بعد موته بعدة سنين ولم تظهر وقتئذ في مصر بل في «تراقيا» على نقود «ليزيماكوس»، ولما لم يكن لدينا برهان على عبادة آمون و«كارنيوس» في شمالي بحر إيجه فإنه من المحتمل أن «ليزيماكوس» قد أخذ هذا الطراز من عبادات محلية وأنها قد جُلبت إلى مصر على يد «أرسنوي» كما تحدثنا عن ذلك من قبل، وعلى أية حال يحتمل أن «أرسنوي» هي التي ابتدعت ضرب العملة الجديدة من النحاس التي تتفق مع التقاليد والعادات المصرية وصُوِّر عليها رأس إليه معروف في مصر وكانت علاقته مع الإسكندر معروفة بأنه ابنه ووريثه على عرش الفراعنة، ومن ثم أخذت «أرسنوي» كما تحدثنا عن ذلك من قبل تعمل على إحياء هذه الفكرة التي ظلت سائدة حتى نهاية عهد البطالمة، ومن المحتمل أنه اعترافًا لهذه الملكة بإيقاظ هذه الفكرة التي وضع أساسها الإسكندر، من مرقدها، أن القوم قد اتَّبعوا ضرب هذه النقود النحاسية الضخمة الحجم لضرب عدة نقود كبيرة ذات روعة من الذهب والفضة كان حجمها خارجًا عن حد المألوف مُزينة بصورة «أرسنوي» واسمها.1
ومما تجدر ملاحظته أنه منذ ظهور العملة النحاسية الكبيرة الحجم في عهد «بطليموس الثاني» وانتشارها اختفت العملة الفضية من خزائن العملة في مصر وأخذت تحل محلها العملة الجديدة، ومن ثم نفهم أن النقد النحاسي الذي ابتدعه «بطليموس الثاني» كان رمزًا آخر وتوضيحًا للثنائية التي أُسست في مصر على طريقة النظام البطلمي، فمصر القديمة أي مصر التي كان يقطنها الفلاحون كان لها عُملاتها الثقيلة العتيقة المصنوعة من النحاس، وجنبًا لجنب معها قامت مصر الجديدة أي مصر الإسكندرية والإغريق بنقدها الأنيق الخفيف الوزن من الفضة والذهب الفاخرة، غير أن غرض بطليموس لم يكن إرضاء مطالب المواطنين المصريين بإدخال هذه العملة المصنوعة من البرونز بل رأى أن هذا النقد الجديد يمكن أن يمنع الفضة والذهب من التداول، وأن العملة المصنوعة من هذين المعدنين يمكن أن تعود شيئًا فشيئًا إلى الخزانة الملكية حيث تُكنز هناك ويستعملها الملك لأغراضه الخاصة، وهذا هو نفس ما حدث بعد حكمه.
والواقع أن نقد البطالمة كما ذكرنا كان الغرض منه أولًا أن يُستخدم في شئون تجارتهم وفي حاجيات مصر كما نظموها، وهذا الغرض نجده واضحًا في فرض قطع عملة ثقيلة الوزن كان مصيرها أن تصبح العملة الرئيسية في الأرياف (القرى)، هذا إلى قطع العملة التي تساوي ثلاث درخمات المصنوعة بكثرة من الفضة، وهي التي كان لها عيار ثابت، وكانت لا تُستعمل تقريبًا إلا في الإسكندرية والأملاك المصرية في الخارج وفي الممالك الأجنبية التي تتَّجر مع مصر، ولكن نجد من جهة أخرى أن العملة البطلمية كانت سلاح دعاية داخلية، وكان الذهب هو الوسيلة، وذلك أن الذهب لم يكن يُستعمل في تجارة البلاد الداخلية وبخاصة أجمل النقود، ونخص بالذكر منها القطع ذات خمس الدرخمات التي ظهرت في عهد «بطليموس سوتر»، وفيما بعد القطع ذات ثماني الدرخمات، وغيرها التي ضُربت في عهد «بطليموس الثاني» و«أرسنوي» وعليها صورتا بطليموس وزوجه «أرسنوي» وهذه النقود كانت تستعمل بوجه خاص في التجارة الخارجية والأمور السياسية، ولا نزاع في أن هذه النقود كان لها تأثير على معاصري بطليموس بما كانت تدل عليه من فخامة وغنًى وقوة.
وبعد أن وطد «بطليموس الثاني» نقده وأصبح يباهي به أخذ يراقب استيراد النقود الأجنبية ويفصل النقد المصري عن نقد العالم الهيلانستيكي، وذلك لأن «بطليموس الثاني»، أراد أن تكون إمبراطوريته وحدة محكمة النسج وبناءً قويًّا له نظام نقد منسجم، وهذا الميل إلى نظام نقد منسجم والكفاية الشخصية قد ظهر في اتخاذه عدة إجراءات في هذا الصدد، وذلك أنه سعى في أن تكون عملته هي النقد الوحيد لكل إمبراطوريته المترامية الأطراف، وبهذا يكون قد خالف ما كانت عليه مملكة السليوكيين في سوريا و«بابل»، وأول خطوة اتخذها في هذا السبيل أنه عمل على إجبار ممتلكاته على أن يستعملوا نظامه النقدي وعملته المصرية، وكانت القاعدة أن المدن الإغريقية التي كانت تحت حكم «بطليموس الثاني» لم يكن مسموحًا لها أن تبقى على عملتها الخاصة، وفي الحالات الخاصة التي كان يسمح لها بذلك كان لزامًا على البلد المصرَّح له أن تحول عيار عملته إلى العيار الفينيقي، يضاف إلى ذلك أن هذا الحظر الذي فرضه بطليموس على النقد قد فُرض على المدن الفينيقية وفلسطين، وعلى ذلك بطل العمل بنقدهم، وقد اتخذت أعظم هذه المدن «فينيقية» مراكز لضرب النقود البطلمية، وكان من جراء هذه السياسة أن أصبح النقد البطلمي النقد الوحيد المستعمل في الأملاك البطلمية، هذا ولم تسفر أعمال الحفر الحديثة عن وجود أي نقد بطلمي في الطبقات الأرضية التي تنسب إلى عهد البطالمة وبخاصة في المدن الفلسطينية التي عُمل فيها حفائر على الطرق العلمية مثل «جيزر» و«ماريسا» و«سماريا» و«بيت زور»، والواقع أنه لم يكن هناك شيء غير عادي في مثل هذا التوحيد في عملة الممتلكات المصرية، وهذا هو ما نجده الآن في توحيد عملة الاسترليني والدولار، ولكن بنظام آخر يختلف بعض الشيء عن نظام البطالمة، وعلى أية حال نجد أن «بطليموس الثاني» لم يكتفِ بهذا الوضع بل اتخذ خطوة أخرى أكثر أهمية وأكثر اعتيادًا في نفس الاتجاه إذ نجد أنه لم يفعل ما كان يفعله السليوكيون وهو السماح بدخول النقد الأجنبي الذي كان بنفس العيار في بلادهم والتعامل به بل اتخذ إجراءات خاصة لمنع النقد الأجنبي من دخول السوق المصرية، وهذا يمكن أن يفسَّر به ما جاء في بردية وصلت إلينا من سجلات «زينون»، وهذه الوثيقة عبارة عن خطاب أرسله موظف يُدعَى «ديمتريوس» (يحتمل أنه كان هو المسيطر على العملة في الإسكندرية) إلى «أبوللونيوس» وزير مالية «بطليموس الثاني» وقد كتب «ديمتريوس» هذا الخطاب بسبب صعوبات قد ظهرت له بسبب منشور الملك عن إعادة سك النقود الذهبية الممسوحة وكذلك النقود الأجنبية التي لم تُضرب في مصر وجُلبت إليها.2
وهذا الخطاب يقدم لنا برهانًا واضحًا على إقامة مصر نوعًا من الاحتكار لتبادل العملة وعلى الأقل العملة الذهبية التي كانت مربحة جدًّا للملك وخسارة ظاهرة للتجار، وذلك أن لم يكن مسموحًا بوجود صرَّافي عملة خاصين ولا يوجد مصارف حرة أو ملكية للقيام بهذه العملية بل كانت كل هذه العملية مركَّزة في الإسكندرية في يد موظف ملكي خاص، ولم تكن مثل هذه الإجراءات معروفة في العالم الإغريقي فيما مضى، والواقع أن مجرد وجود هذا الاحتكار كان يعني منع الذهب الأجنبي من دخول السوق المصري، يضاف إلى ذلك أن أمر الملك بضرب هذه النقود من جديد كان أشد خطرًا، وهذا يعني أن الملك قد فرض أنه من المسلَّم به أن كل أعمال التجارة الهامة في مصر التي كان الذهب يستعمل فيها سبيلًا للمبادلة، لا بد أن تقام على أساس العملة البطلمية، على أن مثل هذا الحظر على حرية التجارة قد زاد في خطورته لتسير على حسب النظام البيروقراطي المُبالغ فيه مما جعل عملية الصرف وإعادة ضرب النقود الأجنبية بطيئة وغير منظمة مما سبب غضب التجار الأجانب وسخطهم.
ومما سبق نفهم أن السياسة النقدية في عهد كل من بطليموس الأول والثاني كانت تتمثل في وجهتين؛ فمن وجهة تدل شواهد الأحوال على أن مصر كانت ملك بطليموس أو بعبارة أخرى ضيعته التي كان لها وجود منفصل، وكانت متصلة بسائر العالم الهيلانستيكي عن طريقه هو وحده، وهذا كان معناه إدخال العملة المضروبة من النحاس في مصر وتعميمها فيها، ومن وجهة أخرى قد ادَّعى البطالمة الأُول لأنفسهم مكانة استثنائية في العالم الهيلانستيكي، ولم يرغبوا في أن يكونوا أعضاء في توازن القوى الهيلانستيكية بل صمموا على أن يعيشوا في برج عاجيٍّ، اللهم إلا إذا كان في مقدورهم أن يجذبوا شيئًا فشيئًا سائر العالم الهيلانستيكي إلى حظيرة دائرة نفوذهم، ومن أجل ذلك مالوا إلى قبول عيار النقد الفينيقي وفرضهم الاحتكار الملكي وذلك باستعمال نقدهم على كل إمبراطوريتهم.
وقد تُوِّجت سياستهم بالنجاح، وعلى الرغم من أنه لم يكن في مقدورهم فرض سيادتهم على العالم الهيلانستيكي، فإنهم بلا نزاع أصبحوا بمعزل عن سائر هذا العالم، وهذه العزلة قد أصبحت شيئًا فشيئًا المميز الرئيسي لحياة البلاد المصرية وقتئذ.
وعلى الرغم من أن النقد البطلمي كان في جملته أداة سياستهم الخارجية ومعاملاتهم التجارية مع المديريات التي يسيطرون عليها، وكذلك سائر العالم فإنه غيَّر كثيرًا من أحوال مصر نفسها، فكما نعلم لم يكن استعمال العملة المسكوكة مجهولًا قبل عهد البطالمة في مصر كما ذكرنا من قبل؛ فقد كانت هناك كميات كبيرة من العملة الأجنبية والمحلية المسكوكة متداولة في البلاد، غير أن استعمالها بمثابة عملة كان محصورًا في الطبقات العليا من السكان وبخاصة بين الأجانب، وكانت المعاملة بالمبادلة تضرب بأعراقها بين السكان الأصليين وبعد عهد «الإسكندر» أخذت النقود المضروبة تحل محل التبادل، وقد استُعمل النقد بين سكان البلاد من الإغريق كأنه أمر طبيعي، ولكن لا نعرف لأي مدًى وبأية سرعة حلت النقود محل المبادلة بين المصريين أنفسهم؛ إذ الواقع أن هذا موضوع يصعب البتُّ فيه، وعلى الرغم من أن معلوماتنا عن هذه النقطة كثيرة فإنها ليست كافية؛ وذلك أنه فضلًا عن ما جاء في سجلات «زينون» وبخاصة ما كان منها خاصًّا بالإحصاءات لدينا مئات من الوثائق، هذا بالإضافة إلى مواضيع خاصة متعلقة بسياسة البطالمة الداخلية؛ مثال ذلك أجور الجنود والموظفين والعمال الذين يأخذون أجورهم عينًا ومنح الجنود أراضيَ مقابل أجورهم، كل ذلك يوحي بنقص في العملة في مصر، ومن جهة أخرى نجد أن الأهالي المصريين كانوا متمسكين بعاداتهم القديمة مما أدى إلى تعلقهم بالمبادلة في كثير من نشاطهم الاقتصادي في مصر، فمن ذلك نجد في سجلات زينون حسابات نقد وحسابات سلع قد سُدِّدت بأرقام تكاد تكون متساوية، ونجد مشابهًا لذلك في النظام البطلمي المالي المبكر ضرائب كثيرة دُفعت عينًا؛ مثال ذلك أجور فلاحي الملك وضريبة السدس Apomoira وغيرها، وذلك جنبًا لجنب مع الضرائب التي دُفعت نقدًا، وتدل شواهد الأحوال على أن قلة النقد المسكوك قد أدت إلى رفع سعر الفائدة على كل القروض في كلٍّ من المصارف الملكية، وعند عامة الناس، غير أن سعر القرض كانت تحدده الحكومة، وقد حُدد سعر الفائدة وهو 24٪ وكان أعلى بكثير عن السعر الجاري في بلاد اليونان حيث كانت النقود المسكوكة كثيرة.3
تلك كانت حالة النقد في عهد كل من «بطليموس الأول» و«بطليموس الثاني» بشيء من الاختصار.
....................................................
1- راجع: Ancient Egypt, 1928. Part II. PP. 37–39.
2- راجع: P. Cairo-Zenon, 59021; A. S. 18, P. 167–171; Bekerman, Inst. des Seleucides. PP. 213-214; Preaux Econom PP. 271 ff
3- راجع: Wilcken Alexander etc., Schmollers Jahrb. XLV (1921). PP. 78 (382) ff.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
