التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
: المصارف وأعمالها في عهد بطليموس الثاني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 511 ــ 522
2025-08-11
53
لا نزاع في أن تطور النقد في العهد البطلمي ووضْعه على أسس قويمة بوصفه وسيلة للتعامل كان له دخل في إقامة مصارف في طول البلاد وعرضها شيئًا فشيئًا، ثم امتد هذا النظام إلى الخارج، والواقع أن النقد هو أداة للمعاملات المنوعة يقوم بها رجال المصارف بوجه خاص، ولكن المصارف لم تكن في مصر البطلمية حرة كما كانت في الممالك الهيلانستيكية المجاورة لها؛ وذلك لأننا نجد أن المصارف منذ بداية نشأتها كانت كسائر معظم المؤسسات الأخرى يحتكرها البطالمة ويؤجرونها لملتزمين، كما كانت الحال في احتكار الزيوت بأنواعها، والواقع أننا نجد في محتويات «قوانين الإيرادات» منشورا خاصًّا بتأجير المصارف، غير أنه لسوء الحظ وُجد هذا المنشور ممزقًا ولم يبقَ منه إلا بعض أسطر مهلهلة، ومع ذلك يمكن أن نستخلص منه بعض حقائق.
فكان بطليموس يضمن لأصحاب الامتياز، أو بعبارة أخرى أصحاب المؤسسة، الحق المطلق في بيع العملة وشرائها وتحويلها، وكان الملك يورد للمصارف جزءًا من المال الذي تتعامل فيه المؤسسة، وذلك لأن الخزانات الملكية التي في القرى والمدن والمصارف الملكية كان يودع فيها حصيلة الضرائب لحساب المصارف المؤمَّن عليها وهي صاحبة الامتياز، كل عشرة أيام وإلا عوقب من خالف ذلك بدفع غرامة، من ثم نفهم أن الملك كان يمون ملتزمي المصارف بالمادة الأولية وهي العملة كما كان يضمن لمَعاصر الزيت المواد الدهنية التي يُستخرج منها الزيت وهي السمسم وغيره.
وكان الملك يصدر مرسومًا بسعر النقد كما كان يحدد سعر بيع الزيت، وكان على أولئك الذين يشترون حق إدارة هذا المورد الملكي (أي المصرف) أن يجعلوه ينمو ويربح، هذا وقد وُصفت لنا العمليات التي خُوِّلت لرجال المصارف في العمودين 77-78 من «قوانين الإيرادات»، غير أن هذين العمودين بكل أسف قد وُجدا ممزَّقينِ في البردية كلَّ مُمَزَّقٍ، ومن الجائز أن الملك قد دون فيها سعر الفائدة التي تُقرر على القروض، وتدل الظواهر على أن رجال المصارف لم يكونوا محصنين ومحميين فيما يخص موضوع القروض كما كانوا محصنين في موضوع سعر تحويل النقد والاتجار فيه من جهة المنافسة الحرة؛ فقد وجدنا في سجلات بردي «زينون» المشهورة أنه توجد بوجه خاص وسائل عدة للإقراض عُقدت بوساطتها قروض بين أفراد الشعب، والواقع أن السعر القانوني للوارد من العملة يجب أن يكون محددًا بحيث يكون هناك توازن بين الشاري والمشتري، وقبل كل شيء في صالح الملك الذي كان يقرر هذا السعر، ولذلك كان على الملك أن يحتفظ بسعر مرتفع لحد ما، لأجل أن يشتري منه الملتزمون بثمن أغلى حق ثمن إدارة المصارف، وكذلك لأجل أن يودع أصحاب رءوس الأموال نقودهم عن طيب خاطر في مصر، غير أن هذه الاتجاهات التي ترمي إلى ارتفاع السعر كانت محددة فيما يخص المقرضين من أفراد الشعب، ولكن منافساتهم كانت في الواقع ضعيفة، وذلك لأن طلب رءوس الأموال كان يأتي غالبًا من الملك نفسه أو من ملتزمي المصارف.
هذا وكانت رءوس الأموال كذلك مقيدة بصعوبات الدفع التي كانت تجر في ذيولها ربحًا فاحشًا، وعلى أية حال إذا كنا لم نجد سعر القرض قد دُون في «قوانين الإيرادات» فإن سعر القروض الحرة كان قد حُدد بمقتضى القانون منذ منتصف القرن الثالث ق.م، وهذا السعر هو على وجه التقريب 24٪ وقد استمر ثابتًا طوال عهد البطالمة، هذا ونعلم من القانون الذي وضعه الملك «بوكوريس» فرعون مصر على حسب ما رواه ديودور، أنه بمقتضى القانون كان محرَّمًا أن يكون مجموع الأرباح المتراكمة على المدين زائدًا عن قيمة القرض الأصلي، وهذا القانون كان لا يزال معمولًا به في عهد «بطليموس الثاني»، أو أنه جُدِّد في عهده وأصبح معمولًا به، ويمكن أن نستنبط ذلك مما جاء في إحدى وثائق «زينون» التي تحدثنا عن قضية أقامها دائن تَعِس.
وإذا قرنَّا سعر الفائدة في مصر بغيرها من بلدان العالم الهيلانستيكي لوجدنا أنها كانت مرتفعة في مصر بدرجة كبيرة فكان في «ديلوس»، وفي «رودس» مثلًا من 8٪ إلى 10٪، وعلى أية حال فإن هذا الفرق في سعر الفائدة كان لا يمكن أن يستمر في بلد فيها نظام اقتصادي حر، فإذا كانت هذه الحرية الاقتصادية موجودة في مصر لرأينا رءوس الأموال الأجنبية تغزو البلاد، ومن ثم كان لا بد أن أن ينخفض السعر، ولهذا السبب اتخذ «بطليموس الثاني» الحيطة للاحتفاظ بهذا السعر المرتفع، وذلك بإصدار قانون غاية في الشدة فيما يخص استيراد رءوس أموال أجنبية، كما نص على احتكار ذلك لنفسه، وذلك لأنه كان في حاجة لرؤوس أموال أجنبية، ومع ذلك نجد أنه إذا اجتذب أصحاب رءوس الأموال إلى بلاده فإنه كان لا يسمح لهم بصورة أكيدة أن يقوموا بأية منافسة مالية في مصر، ومن ثم نصل إلى نتيجة واحدة وهي أن مصر كانت لا تتصل بالعالم الخارجي إلا عن طريق ملوكها.
وكان يجب أن تحدَّد قوانين الإيرادات والضمانات التي في أيدي رجال المصارف بالنسبة للأفراد الذين يقرضونهم من أموال الملك، ولم يكن الضمان الذي يقدمه أصحاب المصارف من ممتلكات كافيًا على وجه التأكيد، ومن ثم نجد أن الملك كان حَذِرًا أكثر من اللازم من هذه الناحية، فلم يكن يسمح أن يقرض نقد إيرادته إلا إذا كان ذلك مقابل رهن عيني أو ضمانات عقارية. وسنفحص هنا بعض الوثائق الخاصة بالضمانات التي كان يتخذها الملك لحفظ أمواله في المصارف ونرى إذا كانت تؤكد وتكمل ما جاء ناقصًا في «قوانين الإيرادات»، ومن أهم هذه الوثائق خطاب جاء في برديات «زينون»، وهذا الخطاب يكشف لنا في سياقه عن نظام ترتيب الوظائف في المصارف، ومما يؤسَف له أن كلمة مصرف قد وُجدت ممزقة في هذا الخطاب الذي كتبه رجلان من رجال المصارف بعد بضع سنوات خلت من وضع «قانون الإيرادات» ولكن لما كان هذا الخطاب صادرًا عن رجل يُدعَى بيثون Python الذي كان يشغل وظيفة مدير مصرف في مقاطعة «أرسونيت» (الفيوم) ومن أحد زملائه، فإنه من المحتمل أن الكلمة الممزقة هي كلمة مصرف، وهذان الماليان قد عَرَضَا هذا الخطاب على «باناكستور» Panakestor الذي كان وكيلًا لوزير المالية وقتئذ الذي اتفق على أن يأخذ هذا المصرف لنفسه ولا يؤجره لأحد لأنه ملك الملك، ولكن كان في مقدوره أن يؤجر المصارف الأخرى التي في المقاطعات التابعة له، وقد تسلَّم هذان الماليان من «أبوللونيوس» الوزير هذا الضمان.
والمصرف الذي أقامه الملك هو على ما يظهر المصرف المركزي بالإسكندرية، فهل كان «أبوللونيوس» يديره بوصفه أحد موظفي الملك ومدير ماليته أو بوصفه ملتزمًا؟ وتدل شواهد الأحوال على أن الوزير «أبوللونيوس» كان ملتزم مؤسسات، وعلى أية حال فإن المتن يكشف عن وجود مصرف رئيسي وهو مصرف الملك، وكذلك مصارف المقاطعات التي تعمل تحت إشرافها مصارف المراكز والقرى، غير أننا لا نفهم على وجه التأكيد وظيفة المصرف المركزي بالإسكندرية، ولكن يحق لنا أن نقول إنه كان يدير مجموع كل إيرادات الملك ويمد مشاريعه الكبرى بالمال اللازم لإتمامها.
وقد ذكرنا أن رءوس أموال المصارف كانت تحتوي على الأقل على جزء من أموال المصارف الملكية التي في المدن والقرى، ونشاط هذه المصارف معروف جيدًا؛ فقد كانت تتسلم من الممولين ومن جباة الضرائب أو من الملتزمين كل المبالغ المستحقة بكل أنواعها للخزانة، وبخاصة الأموال المحصَّلة على رُخَص الحِرَف والضرائب بكل أنواعها، وكذلك حقوق نقل الملكية وعلى أثمان المشتريات التي تُعمل للملك أو لملتزمي احتكارات البيع، وعلى ثمن شراء الأرض التي باعها الملك، وعلى ثمن بيع الوظائف الدينية والغرامات.
هذا وكانت مؤسسات الإيداع بوصفها إدارات إيرادات ملكية تتسلم كذلك الرهونات العينية أو الرهونات العقارية التي أودعها الملتزمون الملكيون أو مَنْ ضَمِنَهم، والأثمان التي حصلت عن بيع المنتجات التي قَدْ رُهِنَ عليها وفاءَ ضرائبَ معينةٍ، والمبالغ المستحقة للحكومة على المَدِينِينَ.
وقد استُنْبِطَت المهام التي تقوم بها هذه المصارف من وثائق عدة، وهي عبارة عن المخالصات التي كان يصدرها رجال المصارف وإيصالات الدفع، كما جاء ذكر دفعات أُودعت لحساب الملك في كثير من حسابات أوراق «زينون» أو في خطابات من سجلاته وفي دفاتر الوارد التي كان يستعملها رجال المصارف، وتسجيل عقود بيع حيث كان يشهد موظف المصرف بأن حقوق نقل المدفوعات قد حُصلت، ومن جهة أخرى نجد أن المصارف كانت تدفع مبالغ بمقتضى مستند يصدره موظف مختص، كما كان يؤخذ عن بعض المصاريف الملكية إيصالٌ، وذلك مثل المرتبات ومصاريف الإدارة وصيانة الضيعة وثمن المشتريات والمبالغ اللازمة للمشروعات العامة.
والظاهر أن عمليات بعض المصارف كانت مقصورة على هذه المبالغ الخاصة بإيرادات الملك ومصروفاته، ووظائف هذه المصارف نجدها موضحة في اليمين الذين أقسمه «سمتوس» عندما تسلم مهام وظيفته بوصفه مندوب مدير مصرف المقاطعة؛ فاستمع إليه:
أقسم بأن أدير بمقتضى أوامر كليتارك Clitarque مساعد مدير المصرف «أسكلبيادي» خزانة الإيرادات فيبيخيس Phebichis من أعمال مقاطعة «كويتيس» Koites وأن أقدِّم على نهج صحيح وبأمانة تقريرًا عن كل المبالغ التي تُودَع أمانةً في الخزانة الملكية وعن النقد الذي سأتسلمه من «كليتارك» عدَا النقود التي أحفظها، وأن أدفع هذه المبالغ في «مصرف» «أهناسية المدينة» (أي مصرف المقاطعة)، وإذا طُلب مني بعض مصاريف فإنه يجب عليَّ أن أدفعها في الحال، وأن أقدم حسابًا إلى كليتارك من المبالغ المدفوعة، وكذلك عن الرصيد وعن المستحق، وأن أقدِّم إيصالات عن كل ما صرفته، فإذا وُجد أنني مَدِين بشيء ما عند تقديم الحساب فإني سأكون ملتزمًا دفْعَه للمصرف الملكي في مدة خمسة أيام، وسيكون لكليتارك الحق في تنفيذ الحكم على شخصي وعلى ممتلكاتي، وأقسم بأني لن أبدد شيئًا من هذه الممتلكات، وإذا خالفت ذلك فإن الاتفاق الحالي سيكون حربًا عليَّ، وأقسم بأني لن أخفي شيئًا من «كليتارك» ولا عن وكلائه، وأن أبقى خارج أي معبد أو مذبح أو حرم مقدس ولن ألتجئ لأي حماية، وإذا حافظت على قسمي فمن صالحي، وإذا حنثت في يميني فإني أكون قد ارتكبت إثمًا.
والواقع أن «كليتارك»، هذا كان المدير العام لمصرف Koites في نهاية عهد «أيرجيتيس الأول» وهو معروف لنا من إضمامة بردي عُثر عليها في الحيبة أما «إسكليبيادس» رئيسه الذي جاء ذكره في نفس الإضمامة فيظهر أنه كان في وقت واحد السكرتير المالي والمدير العام لمصرف مركز «كويتيس» Koites، وهذه الأوراق تُرينا بالضبط أن «كليتارك» هو الذي كان ينفذ في المصرف الذي تحت إداراته كل العمليات التي وعد «سمتوس» Sentneus نائبه بالقيام بها.
ووكلاء خزانات الملك لم يكونوا ملتزمين، وعلى ذلك يتساءل الإنسان عن الفائدة التي كانوا يجنونها في الواقع من مثل هذه الإدارة؟ ولا نزاع في أن «سمتوس» الذي نتحدث عنه كان موظفًا من موظفي المالية، ولكنه كان موظفًا مسئولًا، قد كان محصلًا في المصرف وكان عرضة لأن ينفَّذ على شخصه أو على ممتلكاته أي حكم عند ظهور عجز فيما عُهد إليه، هذا وكان التعهد باليمين على أية حال يقويه تعهد بِرَهْنٍ أخذ على نفسه أن يقدمه عند أي طلب.
ومهما يكن من أمر فإن إدارة هذه الخزانات كان يراقبها السكرتير المالي، وهاك ما يقول في أعلام ورقة من أوراق تبتنيس:
راجع حسابات الإيرادات في كل قرية إذا أمكن — وهذا على ما يظهر ليس بالأمر المستحيل إذ كنت مخلصًا للأعمال — وإلا ففي كل مركز، ثم صوِّب مراجعتك فيما يخص الدخل النقدي على المبالغ الوحيدة التي أودعت في المصارف، وفيما يخص الإيرادات التي دُفعت قمحًا أو ثمارًا دهنية على الدفعات التي ورَّدها مديرو مخازن القمح، وإذا كان هناك بعض عجز فعليك أن تجبر حكام المراكز والملتزمين بالإيرادات على أن يدفعوها في المصرف، أما عن العجز في القمح فعليهم أن يدفعوه بالثمن المحدد وعن المواد الدهنية بثمن الزيت الذي كان يجب أن تباع به المواد الدهنية، وذلك بالسعر المحدد لكل نوع من الزيت.
ومن ثم نرى أن مخازن الغلال العامة والمصارف كانت مراقبة بنفس الطريقة وبنفس الموظف، وقد يُلحَظ الإنسان أن المسئولية المالية الواقعة على عاتق مدير المصرف وهي التي اعترف بها «سمتوس» لم يأتِ ذكرها هنا.
والواقع أن هذه المسئولية قد جاء ذكرها في أوراق أخرى، وذلك أن اليمين الذي جاء في ورقة «تبتنيس» السالفة الذكر واليمين الذي ذكره في ورقة أخرى هما من عهد واحد، ويظن المؤرخ «روستوفتزف» الذي علق على هذه الورقة السابقة أن مطاردة مديري المصارف المسئولين لا تدين السكرتير المالي في شيء، والواقع أن ورقة تبتنيس رقم 703 ليست إلا ملخصًا لواجبات السكرتير المالي، وعلى ذلك لا يجب أن نستنبط شيئًا من هذا السكوت عن مسئولية السكرتير المالي، ولكن من الممكن أن المطاردات كانت رسالة الموظفين المكلفين خاصة بجميع المبالغ المتخلفة.
وأخيرًا لدينا وثيقة ترجع إلى القرن الثالث تدل على أن السكرتير المالي هو الشخص الذي يلي الوزير بعد الوكيل العام في شئون المقاطعة المالية، وذلك لأن موظفي الخزانة كانوا يُعيَّنون عن طريقه، ولدينا خطاب توصية ورد في سجلات «زينون» يثبت ذلك.
وقد اتضح من قوانين الإيرادات أن الأرصدة الفعلية من الإيرادات التي دخلت الخزانة الملكية قد وكل أمرها لمديري المصارف الذين أجروا من الملك الحق المطلق لاستثمارها.
وكان مجمل المبلغ الذي تملكه المؤسسة يمثل الربح الصافي الذي يجنيه الملك من محصول إيراداته.
ولم يكن عمل رؤساء المصارف قاصرًا على أموال الملك في التعامل بل كانوا يستغلون رءوس الأموال التي كان يودعها أفراد الرعية، فمن ذلك أن الوزير «أبوللونيوس» كان له حساب في عدة مصارف في القرى، والظاهر أن هذه الأموال لم تكن تُستعمل بالربا.
وكانت الودائع في المصارف تزداد بإيداع دفعات متتالية، فقد وُجِدَت بعض إيصالات تدل على توريد مبالغ مضافة إلى الرصيد، وهاك مذكرة بإيداع نقود لحساب الوزير أبوللونيوس جاء فيها:
تسلم المبلغ المذكور أدناه وقُيِّد لحساب أبوللونيوس …
وكان مديرو المصارف يقومون لعُملائهم بعمليات مختلفة، والواقع أن الصيغة التي ذكرناها هنا تظهر أنه كان في الإمكان إضافة مبالغ لحساب شخص ثالث، وذلك بأمر من صاحب الرصيد، ولدينا عدة برديات تبرهن على ذلك، وذلك أن وكلاء «زينون» و«أبوللونيوس» الذين كانوا يقومون بأسفار لبيع محاصيل الضيعة وشراء السلع التي كانوا يبيعونها في أماكن أخرى، كان لا بد أن يجدوا لتيسير أمورهم في محاطِّ تنقلاتِهم مصارف يمكنهم أن يودعوا فيها أو يسحبوا نقودًا منها.
من ذلك نفهم وجود مراسلات بين مديري المصارف مما يجعل عمليات التعامل في نقل النقود عملية واحدة لرصيد شخص بعينه.
والواقع أن عدد الدفعات التي أجريت بوساطة المصارف بهذه الصورة بين رجال الأعمال الذين التفوا حول «أبوللونيوس» كانت كثيرة، فكانت المرتبات تُصرف بشيكات، وكذلك تُعطى وكلاء التجار شيكات لمدهم بالمال، كما كانت تدفع حسابات مقاولين عدة من الذين يعملون في الضيعة بالشيكات، وتحول مبالغ من حساب شخص لآخر بشيكات، غير أنه ليس لدينا أمثلة مؤكدة في هذا الصدد، ومع ذلك فإنه كان لا بد أن «أبوللونيوس» عندما كان يدفع بعض الضرائب المستحقة على ضيعته للملك قد اتبع طريقة التحويل، وعلى أية حال فإن هذه الطريقة لم تكن معروفة في العالم الإغريقي خلال القرن الرابع ق.م كما لم تكن معروفة في مصر في العهد البطلمي، ومع ذلك فإنه ليس لدينا ما يدعو لعدم استعمالها في حسابات «أبوللونيوس» المختلفة.
والمصارف الملكية التي وصفناها حتى الآن تعد مؤسسات إيداع ولكنها كانت كذلك تقرض النقود؛ إذ توجد فقرة في «قوانين الإيرادات» توحي بشروط بمقتضاها كانت المصارف الملكية تقرض المال، والواقع أن أصحاب المصارف كانوا يُقرِضون نقودًا مقابل رهونات.
وكذلك كانت تعطي قروضًا على رهن عقاري، حقًّا إن الوثيقة الوحيدة التي تبرهن على الرهن العقاري كانت لصالح عميل من عُملاء صاحب المصرف، ومن ثم نفهم أنه لم تكن نقود الملك هي التي يقرضها مدير المصرف الملكي.
وتصريف عمليات المصارف بهذه الصورة يفسر لنا النشاط الاقتصادي حيث كانت تُستخدم واردات الملك وهي محصول العمل في مصر، وكذلك رءوس الأموال التي كان يدعها الإغريق على قيمة العمل المصري.
وكانت أعمال المصارف هذه تجري بوجه خاص بين السكان الإغريق، ولكن الصانع المصري كان له كذلك حسابه في المصرف، ولا نزاع في أن مصرف الإيداع كان أداة لا يمكن الاستغناء عنها لتجارة نشطة، بل هو في الواقع المنشئ للحياة التجارية، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن رجال المصارف في القرن الثالث الذين ظهرت أسماؤهم غالبًا في أوراق «زينون» وأوراق «بترى» وأوراق «ليل» وفي خلاصات الملح، وحتى في الاستراكا وفي تسجيلات المصارف التي من القرن الثاني ق.م في إقليم طيبة أننا نجد كل أصحاب هذه الوثائق كانوا يحملون أسماء إغريقية، حقًّا توجد أسماء كَتَبة مصريين وكذلك بعض موظفين يعملون في المصارف مثل «سمتوس» (راجع: P. Gradenwitz 4.) كانوا على الأقل من أصل مصري ولكن نجد أن «بيثون» في «أرسنوي» (الفيوم) و«ستراتوكليس» Stratokles في «ديوسبوليس» الوجه البحري و«برومتيون» Prometheon في «منديس» (تل الربع الحالية) و«بوزيدنيوس» Posidonios في «منف» و«أرتميدوروس» Artemidoros وعشرين غير هؤلاء كانوا رجال أعمال من أصل إغريقي يعاملون إغريقًا مثلهم، والظاهر أن طرقهم في المعاملة كانت لا تختلف عن طرق رجال المصارف الإغريق في القرن الرابع ق.م.
ولأجل أن تقدر أهمية المصرف المصري كان لا بد من معرفة عنصر هام وهو مقدار الأعمال التي كان يقوم بها، والواقع أنه ليس لدينا أية فكرة عن مقدار المبالغ التي كان يتصرف فيها فرد مثل «بثون» أو المبالغ التي كانت تتعامل فيها مصارف «الإسكندرية».
هذا وكانت نسبة العمليات المالية التي تُجرى لحساب الملك كما وُجدت في الوثائق الخاصة بالقرى تؤلف الجزء الأكبر من حيث النقد، وذلك لأن الفلاح المصري كان لا يظهر في المصارف إلا عندما كان يأتي إليها لدفع مبالغ لحساب الملك أو ليتسلم مرتبه، ولكن من جهة أخرى نجد أن الصانع أو التاجر المصري أو الإغريقي كان يحتاج إلى خدمات المصرف الذي كان يصفي له كل أعماله، والواقع أن المصرف الإغريقي كان متأصلًا في حياة المجتمع المصري.
ومع ذلك فإن ما كان يؤديه المصرف من خدمة للمواطنين المصريين لم تكن إلا عملية مربحة تنحصر في دفع مبالغهم التي كانت كل فائدتها تعود على الملك وحده، ومن ثم نجد أن الأوضاع الإغريقية التي أُدخلت في مصر لم تتغير من حياة الفلاح المصري، ومن أجل ذلك نفهم لماذا كانت تعود الحياة المصرية إلى ما كانت عليه عندما كان يضعف سلطان الملك في البلاد، هذا وإذا كان لدينا معلومات عن مصارف الإسكندرية التي كانت لا تعتبر جزءًا من مصر لأمكننا دون شك أن نرى ونقدر اقتصادًا مختلفًا حيث كانت الأعمال الحرة في بلد حرة هي صاحبة السيادة.
ومع ذلك فإن الشعب المصري لم يفقد كل شخصيته من هذه الناحية في أمور أخرى، فقد كانت هناك وحدات اقتصادية قائمة بذاتها منذ أقدم العهود، وأعني بذلك الشعائر الدينية التي كان يمدها الملك بالمال والآلهة المصريين الذين كانوا يملكون الحدائق والكروم الشاسعة التي كان دخلها من النقد ينفق منها على خدمتهم، وجماعات الكهنة الذين كانوا يتمتعون بمعاشات ملكية، والمعابد التي كانت تنظم مراكز صناعة مزدهرة، كل هذه الوحدات كان مثلها كمثل المعابد القديمة تعتبر مؤسسات تملك أموالًا هامة، وهذا أمر لا نزاع فيه لأن الامتيازات كانت من الأشياء الموروثة عن مصر الفرعونية وظلت باقية مستمرة في عهد البطالمة الذين كانوا يَعملون جهدَهم في اكتساب حب رجال الدين إلى جانبهم، وأهم وثيقة تحدثنا عن مبلغ سلطان رجال الدين ومقدار نفوذهم وامتيازاتهم في عهد الفراعنة هي ورقة «هاريس» الكبرى التي خلفها لنا رعمسيس الثالث؛ ففي هذه الوثيقة نجد شرحًا مستفيضًا عن مكانة رجال الدين والآلهة في العهد الفرعوني، وقد أسهبنا القول في محتويات هذه البردية وبخاصة أن كل التراجم التي وُضعت لها قد أخطأها التوفيق بصورة مَشينة مما قلب الأوضاع رأسًا على عقب (راجع مصر القديمة الجزء السابع)، وسنتحدث فيما بعد عن الحياة المصرية في عهد البطالمة الأول بما لدينا من وثائق ديموطيقية من عهدَيْ بطليموس الأول والثاني.
وعلى أية حال لا بد أن نميز وجود عهدين في تاريخ اقتصاد المعابد المصرية في عهد البطالمة، فالعهد الأول يمتد حتى ظهور منشور «حجر رشيد» حيث كانت ممتلكات المعابد على ما يظهر تديرها الحكومة بقوة وحزم، والعهد الثاني وهو الذي أعقب الأول وأصبحت فيه المعابد ثانية بفضل الهبات والمصانع والإعفاء من الضرائب، وحدات سياسية واقتصادية، ففي العهد الأول كان النشاط الاقتصادي في المعابد نشاطًا ملكيًّا، ولدينا ما يبرهن على أنه كان للملك في حرم هذه المعابد خزانة للإيراد والمصروفات، وأن نقود الآلهة قد أُودعت في مصارف للقرض كما كانت تقرض نقود الملك لاستثمارها، هذا ومن الجائز أن المعابد قد حصلت على بعض امتيازات في هذا الصدد منذ القرن الثالث، غير أنه ليس لدينا وثائق تشير إلى ذلك.
وعندما تخلى الملك عن حقوق إدارة ثروة المعابد أصبح من البديهي أن هذه المعابد قد شرعت في القيام بأعمال مالية لاستثمار عقاراتهم ومحاصيلهم، ومن الجائز أنهم كانوا يقرضون أموالهم للملك، وسنتحدث عن ذلك في حينه.
هذا وقد كانت للمصارف أوجه نشاط أخرى لا نعرف عنها إلا القليل وأعني بذلك الرصيد الدولي، ولا بد أن ذلك كان معمولًا به في الإسكندرية بوجه خاص؛ لأنها كانت بلدًا حرًّا، غير أنه مما يؤسف له أن الوثائق التي وصلت إلينا من هذه المدينة في هذا الصدد نادرة، وهاك مع ذلك عملية تسليف دولية حُفظت لنا في إحدى أوراق «زينون»، وتتلخص في أن مدينة «هليكارناسوس» التي كانت تعتبر جزءًا من إمبراطورية بطليموس الثاني قد أجبرها الملك على مده بسفينة ووكل تنفيذ هذا الأمر لرجل يُدعى «كزانتيب» Xanthippe، ولما لم يكن لديه المال اللازم لتنفيذ أمر الملك فإن «أبوللونيوس» الذي كان على ما يظهر يقوم بوظيفة السكرتير المالي لملك في «هليكارناسوس» قد أقرضه مبلغ ألفي درخمة من خزانة المدينة خصمًا على المتحصل من ضريبة الطب، على أن يعاد هذا المبلغ يدًا بيد لشخص يُدعى «مديوس» Medios.
ومن جهة أخرى كلف «أبوللونيوس» مدير المصرف المسمى «سوبوليس» Sopolis الذي دفعت له خزانات مدينة «هليكارناسوس» المبلغ المتحصل من ضريبة Stephanos وهي المستحقة للملك على أن يدفع على حساب هذه الوظيفة إلى «كزانتيب» مبلغ ثلاثة آلاف درخمة، وقد ضمن الوزير «أبوللونيوس» كزانتيب هذا ودفع له هذا المبلغ، ومن ثم كان على «كزانتيب» أن يعترف بدفع مبلغ ثلاثة الآلاف درخمة في الإسكندرية.
ومن هذا التتابع في العمليات نفهم أن المبالغ التي كان يستحقها الملك من مدينة «هليكارناسوس» قد أُودعت في المصرف، وأن هذه الأموال كان يمكن أن تُستعمل في عمليات مالية، وأن سلفيات هامة كانت تعمل بمال الملك الذي كان يعتبر صاحب رأس مال ضخم، وأن النقل الفعلي للنقد إلى ما وراء البحار قد تُجُنِّبَ، وذلك لأن المال المقترض كان قد استُعمل في مكانه في «هليكارناسوس» لإعداد سفينة، وأنه كان سيدفع ثانية في الإسكندرية للوزير «أبوللونيوس» ممثل الملك ودائن المقترض وهو مدينة «هليكارناسوس»، هذا ولا نرى أن هذه السلفيات كانت مربحة، ولكن من المحتمل أنها كانت تأتي بأرباح غير مباشرة.
هذا وتدل شواهد الأحوال على أن البطالمة كانوا يربطون برباط وثيق بين السياسة والشئون العامة، وهذا أمر عام في كل العالم، فمن الممكن مثلًا أن سلفية تُمنح في مناسبة طيبة قد تكون سببًا في أن تجذب محبة الشعب نحو الملك وهذا نفس ما فطن له وعمل به «بطليموس سوتر» عندما أقرض الكهنة المصريين مبلغ خمسين درخمة لتجهيز حفل دفن العجل أبيس، وقد قدمها لهم دون فائدة، والظاهر أنه لم يستردها، وهذه لفتة تدل على حكمة وبُعد نظر من جانب بطليموس الذي كان يرى أنه في حاجة إلى محبة المصريين.
ومن جهة أخرى نجد أن البطالمة الأُول كانوا على استعداد لقرض سلفيات للمالك الأجنبية، فقد طلب القرطاجنيون إلى بطليموس الثاني أن يقرضهم ألفي تالنتا، وإذا كان بطليموس الثاني قد رفض إقراضهم هذا المبلغ في نهاية الأمر فإن ذلك لم يكن بسبب أن هذا الطلب في غير موضعه، بل لأنه لم يكن يريد أن يُغضب الرومان الذين بدئوا يلعبون دورًا هامًّا في السياسة العالمية وقتئذ، وكانوا في الوقت نفسه أكبر مناهضين للقرطاجنيين.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
