التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
موارد الضرائب التي يُشَدِّد عليها الاحتكار (احتكار الثروة المعدنية)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 481 ــ 495
2025-08-09
103
تدل البحوث على أن المواد التي كانت تُحتكر في مصر لم تكن قاصرة على الزيت والورق بل امتد هذا الاحتكار إلى منتجات البلاد المعدنية بوجه عام، وقبل أن نتحدث عن تثمير الثروة المعدنية في مصر في العهد البطلمي يجدر بنا أن نلفت النظر إلى أننا قد تحدثنا عن أحجار مصر ومعادنها بشيء من التفصيل في بعض أجزاء هذه الموسوعة، وكذلك عن الدور الذي لعبته في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والحربية في تاريخ دولة الفراعنة من أول نشأتها حتى دخول الإسكندر الأكبر، ويكفي أن نشير هنا إلى بعض أحجار مصر ومعادنها، والواقع أن الطبيعة حبت أرض مصر أنواعًا عدة من الأحجار الصلبة واللينة الجميلة مما جعل مصر مهد صناعة الأحجار واستعمالها منذ عصر ما قبل الأسرات، وهناك أحجار أخرى استعملها المصري في غير البناء مثل حجر الظران والبرشيا وغيرهما، هذا وتحتوي أرض مصر على أحجار كريمة وشبه كريمة استعملوها للزينة.
هذا وتدل الآثار المكشوفة في مصر على أن سكان وادي النيل كانوا يستعملون معادن مختلفة الأنواع وُجد معظمها في تربة مصر، وكان الملك هو المسيطر على استخراجها وصناعتها وأهمها الذهب والحديد والقصدير والفضة والرصاص والسام والنحاس والشب والنطرون، قد تحدثنا عنها ببعض التفصيل في الجزء الثاني من مصر القديمة،56 وقد كانت كل هذه الأحجار والمعادن تُستعمل في مصر بدرجة كبيرة ويسيطر على استخراجها فراعنة مصر إلى حد بعيد في العهود الأولى من تاريخ البلاد عندما كانت كل السلطة تتجمع في يد الفرعون وقد بقيت على أية حال ملك الفراعنة بدرجة عظيمة حتى نهاية حكمهم.
وتدل كل الظواهر على أن البطالمة قد استغلوا هذه المحاجر والمناجم وإن كان المصريون القدامى لم يتركوا لهم شيئًا كثيرًا في مناجم المعادن وبخاصة الذهب والنحاس، وعلى أية حال استولى البطالمة على كل المحاجر والمناجم حتى أصبحت شبه احتكار لهم، كما كانت الحال في مصر القديمة، وكذلك لم يستعمل البطالمة الأحجار الصلبة في مبانيهم الدنيوية بل كانوا يقيمونها على غرار بيوت قدماء المصريين من اللَّبِن، وقد لوحظ ذلك في مباني المستعمرين من الإغريق في قرية فيلادلفيا من أعمال الفيوم، هذا وكان الأهالي يضعون على المباني المصنوعة من اللبنات طبقة مِلاط بلون المرمر، كما كان يفعل المصريون من قبلهم، وقد شوهد ذلك في مباني مدينة تل العمارنة «أختاتون»، ولم تُستعمل الأحجار في المباني الدنيوية إلا في الإسكندرية التي كانت مقر البطالمة، أما معظم استعمال الأحجار الصلبة فكان في إقامة المعابد وصنع التماثيل.
والظاهر أن البطالمة كانوا يطرحون قطع الأحجار في مزاد، وكان المقاول يتسلم أجره من بطليموس نقدًا أو عينًا كالقمح والزيت، وكانت المستودعات الملكية هي التي تمد العمال بالآلات اللازمة لقطع الأحجار وتهذيبها، وكان الملك هو الذي يقوم بنقل الأحجار.
والظاهر أن أعمال السُّخرة واستعمال الأسرى والمجرمين في المحاجر لم يكن شائعًا، وذلك لأن المحاجر دائمًا كانت قريبة من الأراضي الزراعية، وكان الملك يفضل بقاء الفلاحين في زراعة الأرض لأن المحاصيل الزراعية كانت مفضلة على قطع الأحجار لحاجة البلاد إلى قوتهم، يضاف إلى ذلك أن قطع الأحجار وتهذيبها كان يحتاج إلى عمال مهرة، وفي كثير من الأحيان كان الملك يستعمل الجنود في غير أوقات الحرب في قطع الأحجار منذ أقدم العهود.
هذا وكان العمال الأحرار الذين يعملون في المحاجر يتقاضون أحيانًا أجرًا محترمًا نسبيًّا، فكان مرتب الفرد في الشهر يبلغ أحيانًا اثنتي عشرة درخمة، هذا بالإضافة إلى إردب من القمح ومقدار من الزيت شهريًّا أيضًا، أما الأسرى فكان على كل واحد منهم أن يقطع أكثر من متر مكعب يوميًّا، وذلك على حسب ما جاء في إحدى برديات «زينون» الذي عاش في عهد بطليموس الثاني، وإذا قرنَّا ما كان يأخذه العامل الماهر من أجر بما كان يتقاضاه العامل في عهد الفراعنة وجدنا أن الأخير كان أحسن حالًا بدرجة عظيمة، فقد ذكر لنا «رعمسيس الثاني» في إحدى لوحاته التي يتحدث فيها عن قطع تمثال ضخم له بما لم نسمع به حتى في أيامنا هذه من حسن معاملة العمال والعناية بأمرهم.
فاستمع إليه وهو يخاطب عماله: «كل واحد منكم عليه عمل شهر ولقد ملأت لكم المخازن من كل شيء من خبز ولحم وفطائر ونعال وملابس وعطور لتعطير رؤوسكم كل أسبوع ولأجل كسائكم كل سنة ولأجل أن تكون أخمص أقدامكم صلبة دائمًا، وليس من بينكم من يمضي الليل يئن من الفقر، ولقد عينت خلقًا كثيرًا ليمونوكم من الجوع وكذلك سمَّاكين ليحضروا لكم سمكًا وآخرين بستانيين لينبتوا لكم الكروم، وصُنعت أوانٍ واسعة على عجلة صانع الفخار لتبريد الماء لكم في فصل الصيف، وفي الوجه القبلي يحمل لكم حب للوجه البحري، والوجه البحري يحمل للوجه القبلي قمحًا وملحًا وفولًا بكميات وفيرة، ولقد قمت بعمل كل هذا لأجل أن تسعدوا وأنتم تعملون بقلب واحد.» ولسنا في حاجة إلى التعليق على ما جاء في خطاب «رعمسيس الثاني» هذا؛ فهو حلم العامل الحديث ولا أظن بعد هذا يمكن أن يصدق ما جاء في الأساطير عن ظلم الفراعنة وجبروتهم.
وإذا قرنَّا ما جاء في خطاب رعمسيس الثاني هذا بالمعاملة التي كان يعامل بها البطالمة المصريين وجدنا أنه كان هناك فرق شاسع وعسف وظلم لا يتصوره العقل، فقد حدثتنا بردية من هذا العصر أنه في الأقاليم الصحراوية التي كانت مهددة بالقحط والبرد إذا تأخرت عن العمال البعير أو السفن لتسليم الأحجار التي تم قطعها فإن ذلك كان خطرًا على العمال الذين كانوا كثيرًا ما يكون قد أعياهم العمل، هذا فضلًا عن عدم تسلم أجورهم بانتظام فيشيع بينهم الجوع، وسواء أكان هؤلاء العمال من الذين يعملون بأجر أم من الجنود أم من الأسرى فإنهم كانوا يشكون في مثل هذه الأحوال مُرَّ الشكوى بل كانوا أحيانًا يهددون بالعودة إلى بلادهم العامرة، وإذا لم تُجَبْ طلباتهم فإنهم كانوا يهددون بالإضراب عن العمل خوفًا من أن يُتْركوا في مجاهل الصحراء في بؤس وضنك قاتلَيْنِ.
هذا وكان العمل في مناجم المعادن وبخاصة مناجم الذهب قاسيًا؛ فقد صُور لنا بأبشع وأفظع صورة كما سنرى بعد.
والآن نتحدث عن بعض هذه المنتجات الطبيعية التي كانت تُستخرج من مصر:
الملح: الواقع أن الملح قد لعب دورًا هامًّا في تاريخ الضرائب في معظم ممالك العالم في الأزمان الحديثة، ولا غرابة إذن أن نجد احتكار الملح في مصر كان شديدًا وعليه مراقبة تامة، غير أننا لا نعلم بكل أسف النظم التي كانت تستعملها البطالمة للحصول على الملح، ولا شك في أنه كان يُحصل عليه من مناجم الملح ومن بحيرات ملحة ومن ماء البحر، ولا نزاع في أن أواني الملح كانت ملك الحكومة، وعلى أية حال لم تكن تجارة الملح حرة فقد كان حق بيعه بالتجزئة يُعلَن في مزاد علني، والوثيقة التي تُحدثنا عن ذلك يرجع عهدها إلى حوالي عام 142ق.م ولكن تدل شواهد الأحوال على أن هذه العملية كانت ترجع إلى القرن الثالث، هذا وكان مثل الملح كمثل السلع الأخرى كالزيت والشعير والنطرون يسلم للتجار بوساطة عمال الملك، هذا ونجد في الوثائق الإغريقية التي عُثر عليها في «الفيوم» وترجع إلى القرن الثالث ضريبة كانت تُضرب على الملح64 تتسلمها الحكومة.
الشب: ومن المواد التي كانت تجبى عليها ضرائب يفرضها الملك مادة الشب وكان مثلها كمثل المعادن الأخرى التي تُستخرج من أرض مصر، وكانت ملكًا لملكها، وهذه المادة تُستعمل في تثبيت ألوان النسيج، ومما يؤسف له أنه ليس في متناولنا وثائق من العهد الهيلانستيكي تؤكد فرض ضريبة على الشعب، والوثيقة الوحيدة التي لدينا تؤكد دفع ضرائب على الشعب ترجع إلى نهاية النصف الأول من القرن الثاني بعد الميلاد، وهذه المادة كانت تستخرج من الواحتين الداخلة والخارجة، هذا وكانت أول إشارة لوجود الشب في مصر قد جاءت على لسان «هردوت» وذلك عندما قال: إن الملك أمسيس الثاني (569–526 ق.م) قد أرسل كمية من الشب لبلاد اليونان، وذلك عند إعادة بناء معبد «دلفي» وقد سُمِّي مادة قابضة.
نتحدث بعد ذلك عن المعادن الشهيرة التي كانت موجودة في مصر منذ القِدَم واستغل مناجمها البطالمة:
المعادن: ولا نزاع في أن شهرة مصر من حيث المعادن الثمينة كانت تنحصر في كمية الذهب التي كانت تُستخرج من مناجمها التي كانت عالمية ويُضرب بها الأمثال، والواقع أن قدماء المصريين قد استغلوا المناجم الشاسعة الواقعة بين وادي النيل والبحر الأحمر وبخاصة الصحراء الشرقية جنوبًا من طريق قنا والقصير إلى حدود السودان، والوديان التي وُجد فيها الذهب كانت مجهزة بطرقٍ مُعَبَّدةٍ ومَحَاطَّ قديمةٍ حُفرت فيها آبار ماء.
هذا ولا تزال آثار عمليات استخراج الذهب في العهد الفرعوني باقية في أماكن عدة ببلاد النوبة، ونجد كذلك في وادي فواخير بالقرب من مناجم وادي حمامات على الطريق الذي يربط فقط بميناء «لوكوس ليمن» Leuko Limen معبدًا أقامه بطليموس «أيرجيتيس» للإله «مين» وهناك نقوش تدل على أن الإغريق قد جاءوا إلى هذا المكان للبحث عن الذهب، وكذلك وُجدت في نقط كثيرة في الصحراء شرقي «إدفو» وفي وادي علاقى ببلاد النوبة آثار لاستغلال البطالمة لمناجم الذهب.
ومن أهم المعادن التي كانت تحتاج إليها مصر الفضة، غير أنها لا توجد في التربة المصرية كثيرًا، وقد كُشف أن الذهب يحتوي أحيانًا على جزء من الفضة أما الحديد الذي يُستخرج الآن من الصحراء الغربية فلم يكن معروفًا عند قدماء المصريين، هذا ولا نجد أثرًا للحديد إلا في منجم واحد يرجع إلى عهد قدماء المصريين.
أما النحاس الذي كان يوجد في مصر بكثرة في العهد القديم وبخاصة في شبه جزيرة «سيناء» فلم يهتم بالبحث عنه البطالمة لأنه كان يوجد بكثرة في جزيرة قبرص التي كانوا يسيطرون عليها.
وأخيرًا نجد في الصحراء الشرقية بالقرب من برنيكي فلزات زمرد في «سكت» حيث يوجد معبد منحوت في الصخر عليه نقوش إغريقية تشهد بنشاط البطالمة في هذه الجهة.
وكل هذه الفلزات المعدنية والحجرية تقع في الأقاليم الصحراوية أو في مواقع جبلية وعرة، غير أن المعضلة كانت في كيفية استخراج هذه المواد سواء أكانت مناجم نحاس أم فلزات كوارتز تحتوي على ذهب أم استخراج قطع الزمرد والزبرجد والكورنالين والأمتست والأحجار نصف الكريمة. والواقع أن استخراج هذه المواد من الصحاري والجبال كان يحتاج إلى عمل شاق مُضْنٍ.
تنظيم العمل: كان لا بد من جمع العمال المهرة المختصين في استخراج هذه المعادن وإمدادهم بكل ما يلزم في مكان العمل نفسه، كما كان يحتاج إلى عمال آخرين لنقل هذه الكنوز بعد استخراجها، وهذا كان من أصعب الأمور، يضاف إلى ذلك أن الأمر كان يحتاج إلى معالجة هذه المعادن في المكان الذي عثر فيه عليها إلى درجة يمكن بعدها أن يصبح الشيء الذي سيُنقل أقل ما يمكن من حيث الوزن.
هذا وكان لا بد من تنظيم جماعة من رجال المناجم على أن يكون معسكرهم محروسًا بشرطة خاصين بهم، ويكون لهم رؤساء وآلهة يتعبدون لهم، وأخيرًا كان لا بد من المحافظة على المناجم والطرق المؤدية لها، ومما سبق نفهم ضمنًا أن الملك وحده هو الذي كان في استطاعته القيام بكل ذلك كما كانت الحال في عهد الفراعنة، أما من الناحية المالية فكان الملك يمكنه أن يعطي المشروع لملتزمين من أصحاب المؤسسات المالية الذين كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال، ولا نعلم إذا كان البطالمة قد مارسوا مثل هذه العمليات المالية الخاصة باستغلال المناجم أو أنهم لم يمارسوها.
اليد العاملة: ومما سبق لا يمكننا أن نصف سير العمل في مثل هذه المناجم إلا التي كانت تحت السلطة الملكية مباشرة، ولحسن الحظ لدينا سلسلة قصص مما تركها لنا «ديودور» الذي عاش في عهد قيصر وأوغسطس، أي إنه كان قريبًا من عهد البطالمة وسأنقل هنا الصورة التي وضعها «ديودور»، للعمل في مناجم الذهب والمعاملة التي كان يعامَل بها العمال المصريون في عهد البطالمة، وعلى القارئ أن يحكم بعدها على هؤلاء البطالمة بعد قرنها بالصورة التي نقلناها عن رعمسيس الثاني ومعاملته للعمال في مناجم قطع الأحجار، وهاك ما ذكره ديودور حرفيًّا:
عند نهاية حدود مصر وفي الإقليم المتاخم لكل من بلاد العرب وأثيوبيا يوجد إقليم يحتوي مناجم ذهب كبيرة عدة حيث كان يمكن الحصول على الذهب بكميات عظيمة بعد متاعب كثيرة ومصاريف كبيرة، وذلك لأن الأرض هناك سوداء بطبيعة الحال وتحتوي على طبقات وعروق من حجر الكوارتز، وهي على غير العادة بيضاء وتفوق في نصوع بياضها أي شيء آخر يلمع بإشراق بطبعه، وهنا يحصل المشرف على العمل في المناجم على الذهب بوساطة جَمٍّ غفير من الكادحين، وذلك أن ملك مصر كان يجمع سويًّا لاستخراج الذهب أولئك المدنيين الذين أدينوا بجريمة، هذا بالإضافة إلى أسرى الحرب وأولئك الذين اتُّهموا ظلمًا وألقي بهم في السجن بسبب غضبهم، على أن ذلك لم يقتصر على مثل هؤلاء الأشخاص بل أحيانًا كان يؤخذ معهم كل أقربائهم أيضًا، وبهذه الكيفية لم يكن العقاب يوقَّع على أولئك الذين وُجدوا مجرمين بل كان في الوقت نفسه يجني الملك دخلًا عظيمًا من كدحهم، وهؤلاء المحكوم عليهم بهذه الطريقة — وكانوا جمهرة عظيمة كُبِّلوا كلهم في الأغلال — يكدحون في عملهم دون انقطاعٍ ليلَ نهارَ لا يتمتعون براحة كما أن سبل الهرب قد انقطعت عنهم، وذلك لأنه كان يراقبهم حراس من الجنود الأجانب يتكلمون لغة مختلفة عن لغتهم لدرجة أن الفرد منهم لم يكن في استطاعته بالمحادثة أو التَّحابِّ أن يغوي واحدًا من حراسه، وكانت الأرض التي تحتوي على ذهب وهي أصلب ما يكون تُحرق أولًا بنار حامية وبعد أن يُفتِّتوها بهذه الكيفية يستمرون في العمل فيها باليد، وكان الصخر اللين الذي يمكن التغلب عليه بقوة معتدلة يهشم بمطارق من الحديد يستعملها عشرات الآلاف من أولئك الأشقياء الذي أخطأهم الحظ، وكانت إدارة كل العملية في يد عامل ماهر يعرف كيف يميز الحجر ويريه للعمال، وكان أقوى هؤلاء الذين خُصصوا لهذا العمل المضني هو الذي يوكل إليه كسر صخر الكوارتز بمطارق من حديد، وكان لا يقوم بأي عمل يحتاج إلى مهارة غير مجرد القوة، وكانوا يقطعون النفق في الحجر لا في خط مستقيم بل على حسب ما يقودهم إليه الصخر البرَّاق، وهؤلاء الكادحون الذين كانوا يعملون في الظلام كانوا يحملون مصابيح معقودة على جباههم بسبب الانحناءات والالتفاتات التي في الممرات، ولما كانوا في معظم الوقت يغيرون أوضاع أجسامهم ليتتبعوا طبيعة الحجر فإنهم كانوا يلقون قطع الحجر كلما قطعوها على الأرض، وكانوا يكدحون في هذا العمل دون هوادة خوفًا من صرامة سوط المشرف وضرباته القاسية.
أما الأولاد هناك الذين لم يكونوا قد بلغوا الحُلُم فكانوا يدخلون النفق في الممرات التي نتجت من إزالة الأحجار ويجمعون بمشقة قطع الصخر الملقاة قطعة قطعة ويحملونها إلى الخارج في خارج المدخل، وأما أولئك الذين جاوزوا الثلاثين من عمرهم فكانوا يأخذون هذه الأحجار التي قُطعت ويطحنون مقدارًا مميزًا منها في هاونات من الحجر إلى أن تصبح كل قطعة من حجم حبة الجلبان (مثل الفول) وبعد ذلك كان على النساء والرجال الأكبر سنًّا أن يأخذوا منهم الأحجار التي بهذا الحجم ويلقونها في المطاحن المنصوبة صفًّا هناك ويأخذون أماكنهم في جماعات مؤلفة كل واحدة من شخصين أو ثلاثة عند مقبض كل طاحون ويطحنون هذه الأحجار الصغيرة إلى أن تصبح كالدقيق الناعم جدًّا، ولما لم تكن لدى أي واحد منهم فرصة للعناية بجسمه ولم يكن لديهم كذلك من الملابس ما يستر عورتهم فإنه لم يكن في استطاعة أي فرد أن ينظر إلى هؤلاء النساء دون أن تأخذه الشفقة بسبب الآلام البالغة التي يقاسونها، وذلك أنه لم يكن يمنح أي تساهل أو هدنة من أي نوع لأي فرد أصابه المرض أو بُتِرَ عضو من أعضائه، أو أقعدته الشيخوخة، أما النساء فلم يكن يشفع لهن ضعفهن أو مرضهن بل كان الكل سواء دون استثناء مضطرين تحت تهديد السياط إلى الاستمرار في كدحهم إلى درجة أنهم كانوا يموتون غارقين في آلامهم وعذابهم، ومن ثم فإن هؤلاء الفقراء البائسين كانوا يعتقدون بسبب ما كانوا يلاقون من عقاب صام أن المستقبل سيكون أعظم فظاعة أكثر مما هم فيه الآن، ومن أجل ذلك كانوا يتطلعون إلى الموت على أنه أحب إليهم من الحياة.
وفي آخر خطوة من البحث عن الذهب كان مهرة العمال يتسلمون الحجر الذي طُحن حتى أصبح كالدقيق لآخر مرحلة من معالجته، وذلك أنهم كانوا ينظفون بالفرك قطع الكورتز التي كانت قد وُضعت على لوح عريض مائل بعض الشيء وصب عليه الماء كل الوقت، وعلى ذلك كانت المادة الطينية التي فيه تذوب بفعل الماء وتجري إلى أسفل اللوح المائل في حين أن المادة التي تحتوي على الذهب تبقى على الخشب بسبب ثقلها، وكانت هذه العملية تكرَّر عدة مرات، فكانوا أولًا يفركون المادة برفق بأيديهم ثم يضغطون عليها بإسفنج ذي مسامَّ مفتوحةٍ، وبذلك كانوا يزيلون الأجسام الغريبة ولا يبقى إلا التبر فقط، وبعد ذلك يأخذ عمال آخرون مهرة ما بقي ويضعونه بمكيال ووزن محدودين في أوانٍ من الطين ويخلطونه بكتلة من القصدير مناسبة للمادة وكذلك بقطع من الملح وبعض الصفيح ثم يضاف إلى ذلك نخالة شعير، وبعد ذلك يُسَدُّ الإناء بسدادة محكمة ويوضع عليه ملاط من الطين، ثم يؤخذ إلى الفرن لمدة خمسة أيام متتالية بلياليها، وفي نهاية هذه المدة تبرد الأواني، وبعد فتحها لا يوجد فيها إلا الذهب الخالص، وليس هناك من المواد الغريبة إلا الشيء القليل.
هذا وكان الإشراف على مثل هذه المناجم مُوكَلًا إلى ضباط عظام كان عليهم أن يؤمِّنوا السلع التي كانت تأتي من الشرق كما كان عليهم أن يؤمنوا الطرق المؤدية إلى قطع الأحجار والبحث عن المعادن، وأكبر دليل لدينا على ذلك نقش عُثر عليه للإله «مين» رب «قفط» الذي يحفظ الطريق ويؤمنها للباحثين عن المعادن والأحجار الصلبة.
ومما يؤسف له أن الأوراق البردية لم تكشف لنا عن شيء عن الأعمال الثانوية الخاصة بالقرى التي كان يعيش فيها عمال المناجم من حيث نقلهم وتجهيزهم ونظامهم المدني، ومن المتوقع أن يكون لهم في هذه القرى على الأقل قضاتهم وشرطتهم، والآن يتساءل المرء هل يمكن أن نقرن ذلك بما كان عند قدماء المصريين في مثل هذه الأحوال وأن نفرض أن الأحوال لم تتغير منذ عهد الفراعنة؟ إذا كان ذلك صحيحًا فإن النص الذي تركه لنا رعمسيس الرابع في نقش شهير نعرف منه أنه أرسل بعثتين إلى محاجر «وادي حمامات» الأولى كشفية، والثانية عملية، وتعد أكبر بعثة معروفة لدينا حتى الآن؛ فقد كانت تحتوي على كل ما يلزم على غرار الحملات الحديثة الآن فلم يكن ينقص رجالها شيء قط، وقد تحدثنا عنها بإسهاب في الجزء الثامن من مصر القديمة، ولم تكن هذه هي الحملة الأولى المنظمة التي أُرسلت لقطع الأحجار بل سبقتها حملات.
قيمة المناجم: ليس لدينا نقوش تمكننا من تقدير محصول المناجم في عهد البطالمة كالتي وُجدت في عهد الفراعنة، وإن كانت الأخيرة غير شاملة كما جاء في حملات تحتمس الثالث من ذكر محصول مناجم بلاد النوبة من الذهب، غير أن الذهب لم يكن المادة الهامة التي يحتاج إليها ملوك البطالمة كما كانت الحال في عهد الفراعنة، بل إن مقتضيات الأحوال كانت تحتم الحصول على الحديد حتى تقوم بدورها في العالم الهيلانستيكي، وذلك لأن الحديد كان ضروريًّا لصناعة آلات الحرب والزراعة وكان لا بد لهم من الفضة كذلك لأنها كانت تعد المعيار النقدي الإغريقي السائد في تلك الفترة من تاريخ العالم.
والآن يتساءل الإنسان هل كان في مقدور مصر أن تدفع بما لديها أو بما تستخرجه من مناجمها ثمن البضائع التي تشتريها من الخارج ويجيب على ذلك «ديودور» بقوله: إن مناجم الذهب كانت تدر على الملوك دخلًا عظيمًا. غير أن هذا لا يخرج عن كونه تعبيرًا نسبيًّا، وذلك لأن مناجم الذهب في مصر كان استغلالها صعبًا ومحصولها قليلا لا يكفي ثمنًا لتبادل السلع.
وهذا هو السبب الذي يفسر لنا الجهود التي كان يبذلها البطالمة في التشديد على زيادة المحصول، ومراقبة الاحتكار للبضائع التي كانت تصدَّر للخارج مقابل نقد، وهذا يكشف لنا الغطاء عن الربح المفرط الذي نلحظه في الاقتصاد البطلمي.
وسنرى بعدُ في السياسة النقدية التي سار على نهجها البطالمة أن مصر استعانت بالذهب الأجنبي وفق سياسة بطليموس الثاني إلى أن زيفت قطع النقود في البلاد، كما نشاهد ذلك في نهاية القرن الثالث مما أفقر البلاد في المعادن الثمينة.
والواقع أن ثمن تكاليف الذهب الذي كان يُستخرج من تربة مصر كان أغلى من الذهب الذي يدخل البلاد بوصفه ثمن بضائع مصدَّرة؛ فقد دل الفحص على أن ثمن تكاليف الدرخمة الواحدة من الذهب المستخرج من أرض مصر لا يساوي أكثر من الذي يبذله الإنسان من تكاليف من مقدار القمح المباع في الخارج في مقابل درخمة من الذهب، وعلى أية حال يظهر أن المصريين القدامى كانوا قد استنفدوا كل مناجم الذهب، فلما جاء البطالمة لم يجدوا فيها ما يساوي النفقات التي تُصرف عليها كما هي الحال في أيامنا.
ولم تقتصر مصادر مصر المعدنية على وادي النيل في عهد البطالمة، وذلك لأنه عندما مد البطالمة سلطانهم في عهد بطليموس الأول ومن بعده ابنه بطليموس الثاني على أقاليم، كانت فيها النقود وفيرة، هذا بالإضافة إلى أن الخراج الذي يُجبى من هذه الأقاليم والأسلاب التي يُستولى عليها بالفتح كان كل ذلك يؤلف دخلًا من المعادن الثمينة عظيمًا لا يكلف مصر شيئًا، يضاف إلى ذلك مقدار ما كانت تجلبه تجارة مصر من ذهب إلى خزانة البلاد، ويقول إسترابون إن الإسكندرية في زمنه كانت تصدِّر أكثر مما تستورد، غير أننا لا نعلم إذا كانت قيمة البضائع المصدرة أقل من المستوردة أم لا، وعلى أية حال فإن الأحوال كانت قد تغيرت في مدة ثلاثة القرون التي حكمها البطالمة حتى العهد الذي كتب فيه «إسترابون»، وأخيرًا يجب علينا كذلك بهذه المناسبة أن نفرق من الوجهة الاقتصادية بين مصر وبين ملك مصر، والواقع أن ريف مصر وقراه في مقدوره أن يعيش باقتصاد مغلق (مكتفٍ ذاتيًّا) في حين أن ملك مصر كان مرتبطًا بالمعاملات الخارجية، ولذلك فإن سكان مصر الأصليين كان لهم تاريخهم وحياتهم التي ورثوها منذ أقدم العهود وظلوا محافظين عليها حتى نهاية العهد الروماني.
وبجانب المصادر الخارجية التي لها علاقة بثروة البلاد المعدنية لا بد أن نشير هنا إلى كنوز المعابد المصرية، فهذه كانت تكدَّس في خزائن الكهنة منذ قرون طويلة، وكانت تعتبر دليلًا على جمود اقتصادي، ومع ذلك نجد على نقود عهد البطالمة خاتم الآلهة كما نجد أن تماثيل العبادة كانت مصنوعة من الذهب ومرصَّعة بالأحجار الكريمة، وكذلك نلحظ أن الأثاث المقدس كان كله مشغولًا بالفضة هذا إلى القرابين التي كان يقدمها الأتقياء للمعابد، وهذه الكنوز هي التي كانت تبهر الغزاة الأجانب من آشوريين وفرس، هذا ولا بد أن نفهم أن ثروة البلاد كانت أحيانًا في يد الملك وأحيانًا في يد المعابد عن طريق القربان والمصادرات، وهنا كذلك نجد دورة في نقل المتاع لم يكن للقرى فيها نصيب.
وسواء أكانت المعادن تأتي عن طريق المناجم أم عن طريق الخراج من البلاد الأجنبية أم كانت تمثل أثمان البضائع المصرية المصدرة إلى الخارج فإنه كان لا يدخل البلاد المصرية إلا القليل من المعادن التي لم تكن معروفة للإدارة الملكية، غير أننا نجهل إذا كان هناك احتكار مطلق لتجارة المعادن الثمينة وبخاصة الطرق التي كان يمكن أن تدخل بوساطتها هذه المعادن في الاقتصاد المصري ولم يكن للملك حق في السيطرة عليها بطرق قانونية مختلفة.
وهاك الأوجه الرئيسية لبيان المصروفات والواردات من الذهب أو المعادن الثمينة كان على الملك أن يدفع مرتبات موظفيه وجيشه والأشغال العامة وشئون العبادة ومصاريف السياسة الأجنبية، غير أنه يجب علينا ألا ننسى أن جزءًا كبيرًا من مرتبات رجال الحكومة كان يُدفع عينًا وذلك إما قمحًا أو مقابل إيجار أرض.
وكان الملك يشتري من الفلاحين منتجات متنوعة كالقمح والنسيج والحبوب الدهنية، ولكن النقود التي كان يدفعها تعود إليه ثانية من وجوه عدة، وذلك أن المنتجين الذين تسلموا هذه النقود كانوا يشترون بها عن طريق الملتزمين منتجات مصنوعة مثل الجعة والزيت، وكانوا يدفعون له فضلًا عن ذلك بعض ضرائب، وفوق كل ذلك كان الملك يشتري منتجات أخرى ويبيعها في الخارج إما بنفسه أو بأشخاص اشتروا حقوق بيعها، ومن جهة أخرى كانت مصر تشتري بضائع من الخارج لا تنتجها مصر، ويقول «إسترابون» إن البضائع التي كانت تصدَّر من الإسكندرية أكثر من التي ترد إليها بدرجة ملحوظة، ولكن لا يغيب عن الذهن أنه على الرغم من أن كثيرًا من البضائع المصدرة كانت قد أتت من الخارج من الجنوب والشرق، فإن الإسكندرية لم تكن ميناء التوريد للشرق بل كانت السلع السورية تأتي عن طريق «بلوز»، وكانت «رودس» على ما يظهر في خلال القرن الثالث مستودع تجارة الشرق.
ومن بين «الدخوليات» التي كانت ترد إلى مصر دون مقابل جزية البلاد البطلمية في البحار النائية في خلال القرن الثالث، وأخيرًا كان الملك مضطرًّا أن يقدم للمعابد هدايا نقدية أو أشياء ثمينة، وكانت هذه عبارة عن حماية إجبارية.
ويبقى بعد ذلك كمية قليلة نسبيًّا تورد للصناعة، والآن يتساءل المرء هل الملك هو صاحب الحق الوحيد في أن يبيع ما يحتاجه الصُّيَّاغ وصناع الجواهر الذين كان عددهم كبيرًا في الإسكندرية وفي المدن الكبيرة من الذهب والفضة والأحجار شبه الكريمة والنحاس والصفيح لصانعي البرونز؟
والواقع أنه ليس لدينا معلومات عن نظام صناعة المعادن الثمينة، وأقل ما يقال في هذا الصدد إن تجارة الذهب والفضة التي لم تصنع نقودًا كان يفرض عليها دفع مبلغ من المال بمثابة ترخيص أو ضريبة، وذلك لأننا وجدنا في قرية مقاطعة «البهنسة» في خلال القرن الثالث أو القرن الثاني ملتزمين ينزلون لفرد آخر عن حقوق جمع دخل على الذهب.
هذا ولدينا قائمة ضرائب جُمعت من قرى عدة بالفيوم جاء فيها ما يثبت وجود ضريبة على صناعة الصياغة التي كانت على ما يظهر تباع لملتزمين في كل قرية لجمع الضرائب عليها.
وليس لدينا شك في أن صناعة المعادن وبخاصة إنتاج الألواح من الذهب والفضة والبرونز كانت منتشرة في مصر القديمة، كما أنه ليس لدينا أي ريب في أن مصر الهيلانستيكية قد ورثت هذه التقاليد القديمة الفاخرة، ولدينا براهين كثيرة على ذلك نشاهدها في الكنوز العدة من ألواح الذهب والفضة وأواني العبادة والمجوهرات التي عُثر عليها في باكورة القرن الثالث ق.م في مصر، وسنذكر هنا بعض الأمثلة، وأغنى الكنوز التي عُثر عليها من هذا القبيل كنز «طوخ القرموص» ويحتوي على نقود من عهد بطليموس الأول والسنين الأولى من عهد بطليموس الثاني، وقد كُشف عام 1905 ميلادية، وهذه القرية تقع في شمال الدلتا، وتحتوى على مجموعة مؤلفة من لوحة من الذهب والفضة ومقدسات شعيرية ومجوهرات مصنوعة محليًّا طرازها إغريقي ومصري وإغريقي فارسي، ويشبه هذا الكنز، ولكنه أقدم منه بقليل، الآثار التي عُثر عليها في منديس.
ويأتي بعد كنز «طوخ القرموص» بمدة قصيرة الكنز الذي عُثر عليه في «ميت رهينة» ويحتوي على قوالب من الجبس مصنوعة من أوانٍ من المعدن وأشياء أخرى من المعدن، ومعظم هذه الأشياء ترجع إلى القرن الثالث ق.م، ولا نزاع في أن هذه القوالب كانت لمصنع مملوء بالمعادن في «منف»، هذا ولا يغيب عن الذهن أنه توجد قوالب ونماذج كثيرة مصنوعة من الجبس والطين والحجر لأشياء مختلفة من المعدن عُثِر عليها في مصر، والعدد الأكبر من هذه القوالب التي يرجع إلى العهد الهيلانستيكي وُجد في مصانع «منف»، والكشوف العديدة التي عُثِر عليها في «منف» تشهد بأهمية هذه المدينة بوصفها مركزًا لصناعات الأدوات المعدنية.
الحديد
وأخيرًا نجد أن البطالمة قد أدخلوا صناعة الحديد في مصر، وتعد من أعظم الأعمال التي تمت على أيديهم، وقد تحدثنا عن الحديد في عهد الفراعنة ورأينا أن استعماله كان محدودًا، والواقع أن الحديد لم يدخل في مصر إلا منذ الدولة الحديثة، والآن يتساءل الإنسان هل احتكر البطالمة تجارة الحديد في مصر؟ وهل سيطروا على مراقبة تجارة استيراده من الغرب وبخاصة من إيطاليا؟ وقد شرح لنا الإجابة على هذا السؤال المؤرخ «رستوفتزوف» فقد عزاها لأسباب اقتصادية ترجع إلى مهارة بطليموس الثاني في الاقتصاد، وفي خلال الحرب التأديبية التي وقعت بين «روما» و«قرطاجنة» عرف كيف يظهر ميوله إلى «روما» التي كانت قابضة على مواد الحديد كما أظهر عطفه على قرطاجنة التي كانت مشهورة بمواردها من القصدير، وذلك دون أن يُغضب واحدة منهما.
وعلى أية حال يظهر أنه حتى في مصر لم يكن استعمال الحديد سائدًا بالدرجة المطلوبة في خلال القرن الثالث ق.م على الأقل؛ إذ نجد أن الفلاحين كانوا لا يملكون آلات من الحديد؛ إذ في ضيعة «أبوللونيوس» نجد أن المناكيش والمسامير والمحاور والأذرعة (للمقاس) والخردوات والسلاسل وسنارة الصيد، كل هذه الأشياء كانت توزن بعناية قبل أن تُعطَى الصناع لاستعمالها، هذا وقد وُجدت قائمة من هذه الأشياء المصنوعة من الحديد مدونة على إحدى أوراق «زينون»، هذا ولدينا دفتر تسجيل من السنة التاسعة والثلاثين من عهد بطليموس الثاني يحتوي مناكيش وزعتها الإدارة على موظفين وأصحاب كروم يظهر أنها كانت كرومًا ملكية.
وفي خلال القرن الثالث كذلك كان نقل الحديد إما محرَّمًا أو مراقَبًا كما يشهد بذلك موظف كبير، وذلك أن قاربًا من التي كان يملكها هذا العظيم قد جرده مراقبو الملك من آلات السياحة التي لا غنى عنها.
ولا بد أن نبحث عن أسباب هذا الاحتكار المشدد، فالواقع أن بطليموس لم يكن يريد من وراء ذلك أن يجني كسبًا بل كان يريد الاقتصاد في هذه المادة إلى وقت الحاجة وبخاصة في الاستعمال الحربي، ولا سيما أن الحديد لم يكن بعدُ مادة غزيرة في مصر في تلك الفترة من تاريخها، وعلى أية حال فإن الحديد لم يكثر وجوده في مصر إلا تدريجًا عن طريق الاستيراد، هذا فضلًا عن أنه لم يبحث عنه بطرق علمية.
وعلى أية حال نجد أن الحديد المستورد كان مستعملًا بدرجة عظيمة في فيلادلفيا، ويُحتمل أن السبب في ذلك لأنها كانت قرية نموذجية أُريدَ استعمالُ كل الآلات الحديثة في تنمية ثرواتها.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
