الكيمياء والخصائص والاستقلاب

الفيتامين B12 هو فيتامين غير عادي بامتياز ، فهو مادة كيميائية تحوي الكوبالت الذي يرتبط في اثنين من أشكال الفيتامين، وهي عديدة، مع الكربون برابطة هي الوحيدة في الطبيعة، فضلاً عن كونه جزيئاً كبيراً يمتص بآلية هي الأكثر تعقيداً، وكذلك حال نظام نقله في الدم وتخزينه، ورغم محدودية عــدد الإنزيمات التي يعمل معها (3 فقط)، فأعراض عوزه أوسع وأكثر تعقيداً وخطورة مما يوحي به دوره الاستقلابي. ويزداد هذا التعقيـد عندما تعلم، وربما يكون هذا هو سبب التعقيد، أن بعض الكورينوئيدات (وهي مركبات تحوي حلقة الكورين مع الكوبالت) هي أصلاً عوامل نمو للأحياء الدقيقة دون أن تملك أية فعالية فيتامينية، بل انها تلعب أدواراً كمستقلبات مضادة الفيتامين B12 ، ورغم حصرية تخليقها من قبل هذه الأحياء، فإنها، ولأهداف عملية، موجودة فقط في الأطعمة ذات المنشأ الحيواني ولا مصادر نباتية لها رغم أن الكميات الصغيرة التي تخلقها هذه الجراثيم على سطح الفواكه قد تكون كـافيـــة للمتطلبات. وبالتالي، فإن أكثر ما يميز هذا الفيتامين من الناحية التغذوية هو كون مصادره الوحيدة حيوانية ولا يوجد في النباتات إلا ما تلوث منها بالأحياء الدقيقة التي يقتصر تخليقه عليها ولذلك فالنباتيون أكثر عرضة للإصابة بعوز هذا الفيتامين).

فيتاميرات الفيتامين B12 (تسمى أيضاً الكوبالامينات أو الكورينوئيدات corinoids وفق بنيتها) عديدة (الشكل1) وبنيتها معقدة، وأبسطها هو السيانوكوبالامين cyanocobalamin غير الموجود في الطبيعة بكميات مُدركة بل يتشكل خلال عملية العزل الكيميائية لهذا الفيتامين، ويمكن تحويله إلى الأشكال الأخرى، وهو المستحضر التجاري لهذا الفيتامين ويتكون من (الشكل 1):

1- حلقة الكورين corrin ring :وهي النواة الأساسية للفيتامين، وتتكون من أربع حلقات من البيرول تكون متشبعة جزئياً وتحتوي عدداً كبيراً من المتبادلات. يرتبط ثلاث من هذه الحلقات بروابط ميثينية (-CH=) بينما ترتبط اثنتان منها مباشرة.

 2 - الكوبالت (ثلاثي التكافؤ، أحمر اللون) الذي يحتل مركز حلقة الكورين ويرتبط تساندياً بحلقات البيرول الأربع عبر ذرات النتروجين فيها، فضلاً عن ارتباطه بالمكون التالي:

3 - مجموعة السيانيد ^-CN (ومن هنا جاء اسم السيانوكوبالامين وعندما تتبدل هذه المجموعة يتغير الاسم) وبالمكون الآخر وهو:

 4- نوكليوتيد البنزيميدازول :ويتكون من أساس نتروجيني (6.5- ثنائي ميثيل البتريميدازول) وبنتوز (ألفا- ريبوفورانوز اليميني) وفسفات .يرتبط هذا النوكليوتيد بالكوبالت عبر إحدى ذرات النتروجين فيه، بينما يرتبط عبر الفسفات بمجموعة أخرى هي:

-1 -5 أمينو 2- البروبانول :وترتبط مجموعته الكحولية بفسفات نوكليوتيد البنزيميدازول، بينما ترتبط مجموعته الأمينية بحمض البروبيونيك الذي يشكل السلسلة الجانبية لإحدى حلقات البيرول.

وفي الكورينوئيدات الطبيعية تستبدل مجموعة السيانيد (الشكل1) بمجموعات أخرى كالهيدروكسيل (في هيدروكسي الكوبالامين) والنتريت (في النيتروكوبالامين) والكلور (في الكلورو كوبالامين) والسلفات (في السلفوكوبالامين) والماء (في الكوبالامين المائي) والميثيل في (ميثيل الكوبالامين) و5- ديوكسي الأدينوزيل (في 5- ديوكسي أدينوزيل الكوبالامين، أو الكوباميد). و الشكلان الأخيران هما التميمان الإنزيميان وهما الأكثر وجوداً في الطبيعة، ويحملان رابطة بين الكربون والكوبالت لا توجد في أي مكان آخر في الطبيعة. والشكل الآخر الموجود في الأنسجة هـو هيدروكسي الكوبالامين الذي يمكن أن يتحول إلى شكل الميثيل أو الأدينوزيل مع إرجاع الكوبالت من الشكل ثلاثي التكافؤ إلى الأحادي. والشكل الهيدروكسيلي أكثر ألفـــة وارتباطا بالبروتينات، ويحتمل أن يكون هو شكل التخزين، وهو الطليعة التي تتحول بسرعة إلى شكل التميم الإنزيمي، أي الكوباميد. أما الشكل السائد في البلازما فهو ميثيل الكوبالامين، وفي الكريات الحمراء يغلب أدينوزيل الكوبالامين.

انه حقاً أكثر الفيتامينات تعقيداً، وخصوصاً عندما نضيف آليات امتصاصه ونقله في الدم وخزنه.

الشكل (1) بنية السيانوكوبالامين وتميم الفيتامين B12 الانزيمي ( ضمن المربع الأزرق) . تختلف الاشكال الأخرى لهذا الفيتامين بالمجموعة التي تأخذ مكان السيانيد ( انظر النص )

الامتصاص والنقل والتوافر

يجري تخليق الفيتامين B12 من قبل الأحياء الدقيقة حصراً، لكنه يتحول في كبد الحيوانات حيث يوجد على شكل ميثيل الكوبالامين وأدينوزيل الكوبالامين وهيدروكسي الكوبالامين. ولذلك فالكبد هـو مصدر جيد للفيتامين، وكذلك الخمائر، فضلا عن المستحضر التجاري، السيانوكوبالامين الذي يغيب عادة من الطعام أو يوجد بشكل قليل ما عدا في حليب البقر الذي يحتوي على نحو 3 مكغ/لتر.

 يكون الفيتامين B12 في الطبيعة متحداً مع البروتين، وتتدخل عدة عوامل وبروتينات في عمليــة امتصاصه تشمل حموضة المعدة والببسين ،وكلاهما يحرر الفيتامين من البروتين المرتبط به ما يسمح له بالارتباط ببروتين الكوبالوفيلين cobalophillin (تفرزه الغدد اللعابية). وفي الإثنا عشري تقوم إنزيمات البيتيداز البنكرياسية بحلمهة الكوبالوفيلين فيتحرر الفيتامين ثانيةً ليرتبط ببروتين آخـــر هــو العامـــل الداخلي (intrinsic factor (IF، وهو بروتين سكري صغير تفرزه الخلايا الجدارية في مخاطية المعــــدة بتحريض من الهيستامين والبنتاغاسترين وعوامل كولينية الفعل ويربط جميع أشكال الفيتامين B12، ولكن لا يرتبط بالكورينوئيدات الأخرى. وفي الثلث الأخير من اللفائفي توجد مستقبلات خاصـــة عالية النوعية ترتبط فقط بالمعقد المتشكل من ارتباط الفيتامين مع العامل الداخلي، وليس بأي منهما عندما يكون وحده ، لتقوم بإدخاله إلى داخل الخلية المعوية (من المحتمل أن يتم التقام الاثنين معا :العامل الداخلي والكوبالامين). يتطلب عمل هذه المستقبلات وجود أيونات الكالسيوم وهي محدودة العدد ولذا تكون معدلات امتصاص الفيتامين منخفضة.

وفي الدم، يُحمل الكوبالامين مرتبطاً إلى بروتينات تدعى ناقلات الكوبالامين transcobalamins، أو ناقلات الكورين transcorrins، وعددها ثلاثة: I وII وIII، والناقل الثاني أهمها، وهو من الغلوبولينات بيتا وارتباطه بالفيتامين ضعيف ما يسمح له بإيتاء الفيتامين B12 إلى الأنسجة بسرعة. أما الناقلان I وII فارتباطهما به أقوى، ويربطانه لمدة أطول، وربما يكون الارتباط بالناقل I (من الغلوبولينات ألفا) I, أحد أشكال خزن هذا الفيتامين.

يتحرر الكوبالامين الحر، بعد نقله في الدم، إلى العصارة الخلوية للخلايا على شكل هيدروكسي الكوبالامين. وهو إما أن يتحول في العصارة الخلوية إلى ميثيل الكوبالامين، أو أن يدخل للمتقدرات ليتحول إلى ديوكسي أدينوزيل الكوبالامين.

وخلافاً للفيتامينات الذوابة في الماء، يتم خزن 2-5 مغ من هذا الفيتامين في الجسم، ومعظمه في الكبد (نحو 80% من المخزون) بالشكل المرتبط مع ناقل الكوبالامين I ،وفي الكليتين والغدة النخامية.

يتأثر إطلاق الكوبالامين الغذائي المرتبط بالبروتين بالطبخ وطبيعة الطعام الرابط الكوبالامين وأمراض اللفائفي أو البنكرياس أو المعدة أو تقدم العمر. وينقص تركيز كوبالامين البلازما خلال الحمل، لكن تزداد معدلات امتصاصه.

ويمكن لدودة الشريطية العوساء العريضة Diphyllobothrium latum أن تنمو في أمعاء البشر ليصل طولها إلى 15 متراً وتتنافس مع المضيف على الفيتامين B12 ما ينقص امتصاصه، وهذا ما يحدث أيضاً مع الالتصاقات المعوية التي تحدث تلقائياً عند المسنين أو في حالات الربط الجراحي أو الرتوج المعوية.

ويمكن أيضاً لبعض الأدوية (مثل حمض بارا أمينو ساليسيليك والمركبات ثنائية الغوانيــد والتسريب البطيء للبوتاسيوم والكولشيسين) أن تتداخل مع امتصاص الفيتامين B12.

يُفرغ القليل من الفيتامين B12 في البول (لأنه مرتبط بالبروتين) وبعضه يُفرغ في الصفراء، لكن يُعاد امتصاص معظمه (الدوران المعوي الكبدي). ويصل مقدار المفرغ منه في البراز إلى 2 مكغ في اليوم علماً أنه قد يكون منشأ هذا المفرغ هو التخليق الجرثومي في الأمعاء.

الوظائف والعوز والسمية

الإنزيمات التي تتطلب الفيتامين B12 في الجسم ثلاثة فقط:

• موتاز أمينو اللوسين leucine aminomutase: مصاوغة اللوسين من المصاوغ ألفا إلى بيتا.
•  مصاوغة (موتاز) ميثيل مالونيل التميم (أ) اليساري (L-methylmalonyl CoA isomerase (mutase: وهي تحول ميثيل مالونيل التميم (أ) اليساري إلى سكسينيل التميم (أ)، أحد مستقلبات دورة كرييس، بوجود 5- ديوكسي أدينوزيل الكوبالامين كتميم إنزيمي (الشكل 2). يتشكل ميثيل مالونيل التميم (أ) خلال تقويض الفالين ومن إضافة الكربوكسيل إلى بروبيونيل التميم (أ) (يتطلب البيوتين). والأخير ينشأ من تقويض الإيزولوسين والكوليسترول والحموض الدهنية فردية عدد ذرات الكربون (نادرة) أو مباشرة من البروبيونات (وهو أحد المنتجات الرئيسة للتخمير الجرثومي في المجترات، وبالتالي يوجد في الغذاء المشتق منها).

* يقود عوز الفيتامين B12 إلى تراكم ميثيل مالونيل التميم (أ) اليساري وزيادة إطراح ميثيل حمض المالونيك (بيلة حمض المالونيك) ما يؤمن طريقة لقياس حالة الفيتامين في الجسم وتشخيص عوزه .

* كما يؤدي نقص هذا التفاعل في عوز الفيتامين B12 إلى تراكم الحموض الدهنية التي تحوي عددا فردياً من ذرات الكربون (15 و 17 ذرة) والتي تحوي سلاسل متفرعة في الأنسجة العصبية. يتبع ذلك حدوث المشاكل العصبية التي يُعتقد أنّها تنجم عن نقص فعالية إنزيم الموتاز وتراكم ميثيل مالونيل التميم (أ) الذي يُستخدَم بدلاً من أسيتيل التميم (أ) في تخليق الحموض الدهنية مع ما ينجم عن ذلك من خلل في التخليق الحيوي للحموض الدهنية. ويؤدي إقحام الحموض الدهنية فردية عدد الكربونات غير السوي ضمن النخاعين إلى عدم ثباتية غمد النخاعين.

• مخلقة الميثيونين (أو ناقلة ميثيل 5 - ميثيل رباعي هيدرو الفولات) التي تحول الهوموسيستئين إلى الميثيونين بوجود ميثيل الكوبالامين كتميم إنزيمي .

* يقود عوز الفيتامين B12 إلى نقص كبير في هذا التفاعل فيحدث عوز وظيفي ثانوي في الفولات (فخ الفولات) ينجم عنه فقر الدم ضخم الأرومات وخلل تكاثر ظهارة السبيل الهضمي.

* كما يؤدي نقص هذا التفاعل إلى نقص تشكل S- أدينوزيل الميثيونين (SAM)، ولأن ناقلات الميثيل المعتمدة على SAM تُساهم في مثيلة ثمالات الأرجينين ضمن بروتينات النخاعين، فربما يؤدي هذا النقص في النسيج العصبي إلى زوال النخاعين.

* وكذلك فإن تخليق الكولين وفسفاتيديل الكولين (شحميات فسفورية) يتطلب SAM، وبالتالي فنقص تفاعل مخلقة الميثيونين سينقص تخليق هذه الشحميات، فإذا أضفنا نقص هذا الحمض الأميني ذاته ونقص تخليق البروتينات، سيكون من الصعب على الكبد تخليق البروتينات الشحمية وضيعة الكثافة VLDL( التي يصدر الكبد ضمنها ما يخلقه من الشحميات غير القطبية) ما سيؤدي إلى تراكمها في الكبد (تشحم الكبد). ولذا يعتبر الفيتامين B12 ، ومثله حمض الفوليك والكولين وغيرها من العوامل الصارفة للشحم .

يتصف فقر الدم الخبيث pernicious anemia، وهو المرض الناجم عن عوز الفيتامين B12، بما يلي:

- فقر الدم ضخم الأرومات: يحتوي الدم المحيطي على كريات حمراء كبيرة غير ناضجة (ضخامة دون انقسام بسبب عدم وجود النوكليوتيدات لتخليق الدنا)، وينقص عدد الكريات والصفيحات فيه.

- أعراض هضمية (خلل تكاثر الظهارة): التهاب اللسان، وضمور مخاطية المعدة مع عجزها عن إنتاج

الحمض والببسين، والتهاب المعدة.

- اضطرابات عصبية، لا سيما في الأعمدة الخلفية الجانبية من النخاع الشوكي، وتتظاهر بالتهاب الأعصاب المحيطية مع تنكس النخاع وضمور العمودين الجانبي (الحركي) والخلفي (الحسي).

- اضطرابات أخرى فرط حمض ميثيل المالونيك في الدم وبيلة حمض ميثيل المالونيك ونقص النمو (الأطفال) وبيلة الهوموسيستئين ونقص الميثيونين في الدم.

تبدأ معظم حالات فقر الدم الخبيث بعد عمر الستين كنتيجة لنقص إفراز العامل الداخلي، ومن الأسباب والعوامل الأخرى المساعدة على حدوث عوز الفيتامين B12 نقص الامتصاص بسبب الداء البطني أو تشكل الأضداد الموجهة تجاه الخلايا الجدارية والعامل الداخلي أو قطع المعدة (تحتاج الأعراض 3-5 سنوات للظهور) أو قصور البنكرياس (إنزيماته ضرورية للامتصاص، انظر أعلاه) أو قطع اللفائفي؛ والأنظمة الغذائية النباتية الصارمة (عدم تناول البيض والحليب والأغذية ذات المنشأ الحيواني).

أما سمية الفيتامين B12 فقليلة إلى أبعد حد، ويمكن تحمل حتى 3 مغ /يوم.

الشكل (2): دور الفيتامين B12 في استقلاب البروبيونات وميثيل مالونيل التميم (أ). هذه التفاعلات مهمة في تحويل المركبات إلى مستقلب (سكسينيل التميم (أ)) يدخل حلقة كريبس لإنتاج الطاقة أو للتحول إلى الغلوكوز (استحداث الغلوكوز) ، وقد يشارك في تخليق الهيم.

المتطلبات وقياس مخزون الجسم

المدخول اليومي المنصوح به هو 3 مكغ (يكفي 1 مكغ إن كان حقناً). وليس هناك دليل على زيـــادة المتطلبات عند المسنين، كما إنه غير معروف ما إذا كان الحمل يستلزم مدخولاً إضافياً، وربما تفيد زيادة تصل إلى 0.5 مكغ في اليوم في أثناء الإرضاع.

تقدر حالة الفيتامين B12 من تراكيزه في المصل. ويُقاس معدل امتصاصه باختبار شيلينغ Schilling test يُعطي المريض جرعة فموية من الفيتامين B12 المحتوي على الكوبالت المشع (بعد إعطائه جرعة غير مشعة حقناً لملء المخازن) ثم تُقاس نسبة الإشعاع في بول 24 ساعة (أكبر من 12% عند الأسوياء)؛ فإن

كانت أقل من 3% (نقص امتصاص) نعطي جرعة فموية مشعة أخرى مع إضافة العامل الداخلي فإذا عاد الامتصاص والإطراح سويين تكون المشكلة في الأخير وإلا ففي مكان آخر كاللفائفي مثلا.

مواضيع ذات صلة

الكارنيتين Carnitine

الإينوزيتول- ميو Myo-Inositol

The Analysis of Certain Enzymes Aids Diagnosis

حمض الفوليك والحمل وعيوب الأنبوب العصبي وفرط هوموسيستئين الدم

حمض الفوليك ( الفولات ) Folic acid

Prosthetic Groups, Cofactors, & Coenzymes play Important Roles in Catalysis

البيوتين ( الفيتامين H) Biotin

حمض البانتوثينيك Pantothenic acid

النياسين Niacin

Numerous Mutations Affecting Human Hemoglobins have been Identified

الريبوفلافين Riboflavin B2) B2)

الثيامين (B1)