1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : مفاهيم ونظم تربوية :

مفهوم الجهاد الأكبر

المؤلف:  الشيخ علي رضا بناهيان

المصدر:  النظام التربوي الديني

الجزء والصفحة:  ص 20 ــ 37

2024-07-10

538

غربة مفهوم (الجهاد الأكبر) في معرفة الإنسان/ لا فائدة لمعرفة الإنسان واختياره بدون (الجهاد الأكبر)

في مقام الإجابة عن سؤال (ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟) عادة ما تسلط الأضواء على كون الإنسان يشتمل على العقل والمعرفة والإرادة والاختيار دون الحيوان. أما السؤال الأهم هو أن ما الفائدة من هذه الخصائص كالإرادة والاختيار والمعرفة التي تميز بها الإنسان عن (الحيوان) و (المَلَك) وتفضل عليهما؟ ولماذا حظينا بالمعرفة والإرادة والاختيار؟

إن (المعرفة) و(الإرادة) من المفاهيم المشهورة جدا في حياة الإنسان. ولكن هناك مفهوم آخر مهمش وغريب، ولولاه لم تبق فائدة للمعرفة والاختيار وهو (الجهاد الأكبر)

إن الجهاد الأكبر مفهوم غريب وعادة ما يهمّش في معرفة الإنسان وتعريفه. فيا ترى لماذا حظينا بالإرادة والاختيار وما ينبغي أن نختار بها؟ فهل أن موقعنا سواء بالنسبة إلى مختلف الخيارات؟ ولماذا يحظى اختيار الإنسان بقيمة وثمن؟ وهل عملية اختيار الإنسان أمر تابع للصدفة؟

إن قيمة اختيار الانسان تابعة لاختياره ما يكره، وإلا فلا يفرق حينئذ عن اختيار الحيوان إن لم تؤخذ نزعات الإنسان بعين الاعتبار، يصبح (حرية اختيار) الإنسان مفهوما مضحكا لا معنى له. فإن نزعات الإنسان ورغباته هي التي تحدد نسبة الإنسان تجاه مختلف خياراته، ولن يكون اختيار الإنسان قيما إلا إذا اختار ما يكره وما لا يحب، وإلا فلا فرق حينئذ بين اختياره وبين اختيار الحيوان.

الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه، وإلا فتبقى مواهب الإنسان كاختياره وحريته ومعرفته مواهب بلا فائدة. إن هوية الإنسان وذاته والأساس في تعريفه هو أن يجاهد رغباته وأهواءه. وأنا لا أدري لماذا لا يؤخذ جهاد النفس في مقام تعريف الإنسان وبيان أحد مقومات ذات الإنسان.

إن مصداقية معرفة الإنسان واختياره لا تكون إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته.

لو لم يكن لدى الإنسان ميل إلى أي مفردة من الخيارات الممكنة، لما بقت مصداقية لاختياره وحريته. فهو عندئذ كالخروف إذا خيرته بين مفهومي السعادة والشقاء لا يميل إلى أي واحد من خياراته. ولو كان الانسان يميل إلى أحد أطراف الخيارات، دون الخيار المقابل، لجرى نفس الكلام أيضا في انتفاء الاختيار عن الإنسان. وسوف يكون شأنه كشأن الخروف أيضا فإنك أن خيرته بين أكل العشب أو أكل الحديد لن يختار الحديد أبدا بل يختار العشب دون أي ترديد. فلا تكون مصداقية لمعرفة الإنسان واختياره إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته. وفي مثل هذا الاختيار تتبلور كرامة الإنسان. ففي الواقع إن الإنسان عادة ما يختار خياره المفضل من بين مجموعة من الرغائب والمطلوبات.

السؤال الآخر هو أن كيف يجب أن تكون نسبة هذه الأميال والرغائب مع بعض لكي يتحقق الاختيار ويكون ذا قيمة؟ فاذا كانت هذه الرغائب والأميال المختلفة تستهوينا وتجرّنا إلى نفسها بشكل مساوٍ بلا أن يكون أحدهم أقوى جاذبية من غيره، تبقى المشكلة على حالها ولم يتحقق الاختيار ويبقى الانسان بلا فارق يفرقه عن الحيوان. كما إذا كان ميلنا إلى أحد أطراف الرغائب أكثر من غيره، سنختاره دائما بطبيعة الحال وسينتفي الاختيار كذلك.

إن أطروحة الله سبحانه وتعالى لتحقق اختيار الانسان هو جعل (الرغائب القيّمة الخفية) في مقابل (الرغائب غير القيّمة الظاهرة).

لقد أعد الله سبحانه وتعالى نظاما لطيفا جدا لتحقق اختيار الانسان، وهو أن قد جعل للإنسان نوعين من الرغائب، قسم منها أعمق وأمتن وأقوى وأكثر قيمة ولكنها أخفى، وقسم آخر سطحية وأقل قيمة وأخف وأقل لذة ولكنها أجلى وأوضح. وهنا يتبلور الاختبار وهو أن تمر مرور الكرام من رغباتك الجلية السطحية وتشتغل برغباتك العميقة والقيمة الكامنة. وهذه هي نقطة انطلاق الانسان في حركته الانسانية وهنا تتبلور هويته الإنسانية وأساسا هذه هي فلسفة وجود الانسان.

(هوى النفس) هي رغبات الإنسان السطحية والدانية

لا يتحقق الاختيار إلا في هذه الحالة وهي أن يغض الإنسان طرفه عن إحدى رغباته الدانية والمجربة والملموسة والسطحية، ثم يركن إلى إحدى رغباته العميقة. فإن هذه الرغائب الدانية والسطحية هي ما يسمى بهوى النفس.

إن فلسفة خلقك كإنسان هي أن تختار من بين هاتين الرغبتين. إن هاتين الرغبتين ليست سواء وإلا لبقيت متحيرا بينهما. ثم إنها رغبتان وليست رغبة واحدة، وإلا لما كان للاختبار قيمة وثمن. ثم إن إحداهما أثقل وألصق بالفؤاد، فهي تأمن عشقك وما تهواه، وتبعث في قلبك هيجانا وحماسا، ثم تمتعك بلذة أمتع، وتنفعك بمصلحة أكبر، كما أنها تهديك إلى رشدك وتشعر بالسعادة في أجوائها، ولكنها خفية كامنة، بل تهلك حتى تكشف هذه العلائق الكامنة. وفي مقابل هذه الرغبة هناك رغبة لا قيمة لها وسطحية، تجدها في نفسك بسرعة وتستطيع أن تجربها أو تعيشها بأسرع ما يكون.

لقد خلق الإنسان لهذا الأمر وحسب. ومن أجله أعطى المعرفة ومن أجله منح الاختيار ومن أجله حظي بالإرادة ومن أجله أعطى الحرية. هذا هو معنى الإنسان الذي يشتمل على نوعين من الرغبات؛ الرغبات الدانية وهي (هوى النفس)، والرغبات العالية وهي (النزعات الفطرية).

لقد قال الخميني في خصوص التجافي عن العلائق السطحية والركون إلى العلائق العميقة: (كل شيء منّا وراجع إلينا وهو رد فعل لنا. لابد أن ننتبه جميعا إلى أن آفة الانسان هي هوى نفسه، وهي موجودة في الجميع ومستقاة من فطرة التوحيد، حيث إن الفطرة هي فطرة التوحيد وفطرة الميل إلى الكمال. فان الإنسان يطلب الكمال المطلق وهو لا يدري. يزعم أنه يطلب الجاه ولكن بعد أن وصل إليه يشعر بانه ليس ذاك الأمر الذي يطلبه. فلو جمعوا العالم باسره وأعطوه للإنسان لن يقنع. تلاحظون أن القوى التي تحظى بقوة عالية هم أكثر طلبا لها، وأكثر سعيا لتنمية قدرتهم. فانهم لو سيطروا على الفضاء والبحار والأرض والسماء لن يقنعوا. فان لم يسيطر الانسان على نفسه، سوف يقضي عليه جموحه الذي لا حد له. لابد من صد هذا الجموح والسيطرة على النفس... والأهواء النفسانية التي هي مصدر كل أنواع هذا الفساد)، [صحيفة امام / ج 19/ ص 376].

ناجو ربكم (أعزاءي) في جوف الليل ولتكن مناجاتكم بتفكر؛ (يتفكرون في خلق السماوات والأرض). إن بعض المؤمنين ليسوا من أهل التفكر، بل قد اكتفوا بالتمتع بمناجاة ربهم وهذه ليست بحالة جيدة أبدا. أنا لا أريد أن أتكلم بكلمة جارحة لبعض الإخوة المتدينين الذين قد يعيشون أجواء روحانية ومعنوية في عباداتهم ولكنهم لم يتعودوا على التفكر.

قد يتبادر في ذهن بعض الإخوة أن أين تناسب هذه الأبحاث النظرية الفكرية مع ليالي شهر رمضان ولا سيما أول ليلة جمعة من شهر رمضان ونحن جئنا لنستمع ما يعيننا على تجربة أجواء معنوية وروحية مع الله، فما هذه الأبحاث؟! فأقول لهم: حاولوا أن تبكوا وتسكبوا الدموع بهذه الأبحاث. فإن (أولى الالباب) الذين تتحدث عنهم الآية، هم (يتفكرون في خلق السماوات والارض) ثم يخرجون بنتيجة رائعة بعد تفكّرهم هذا فيقولون: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) فإنك لم تخلق العالم باطلا ولم تخلقنا عبثا، بل خلقتنا لنجاهد هوانا ومن أجل هذا الجهاد قد أعطيتنا الاختيار والمعرفة وكرامة الإنسانية. ولولا ذلك لكنا كالبهائم، أو كنا كالملائكة لا نجاهد أنفسنا. ثم يقولون: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]، فيا له من طريق رائع يسلكونه بتفكرهم في جوف الليل!

لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية

لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية. لابد أن نضع هذه الرغبات السطحية على جانب. فإن وراء هذه الرغبات السطحية شيء آخر لابد من كشفه. فعلى سبيل المثال قد تكون حاجتك السطحية هي أن تملك بيتا، بيد أن الحاجة العميقة التي وراءها هي لقاء الله. فلابد من كشف تلك الرغبات الكامنة. إن إنسانية الإنسان بمجاهدة هذه العلائق السطحية، ولكن لا أن تكون هذه المجاهدة ضمن برنامج صحيح. فإن أراد الإنسان برنامجا لجهاد النفس، ندعوه إلى الإسلام فقد أعطى الإسلام هذا البرنامج.

التقيت ذات يوم في بيتي بأحد أساتذة الجامعة الفرنسيين الذي كان أصله من الجزائر وكان مديرا متقاعدا في اليونسكو، فدار بيننا حديث إلى أن قال لي: هل تعلم متى يدخل الفرنسيون في دين الإسلام، وما هو موسم إسلامهم هناك؟ فقلت له: لا أدري. فقال: في شهر رمضان! ثم ذكر السبب قائلا: لأن في شهر رمضان يشاهدون المسلمين لا يشربون ولا يأكلون بالرغم من عطشهم وجوعهم، فيستحسنون هذا الدين ويميلون إليه. فكأنهم يقولون بلسان حالهم: نريد أن ندخل في هذا الدين كي لا نأكل كما تعتلف البهائم. فإذا أكلنا وشربنا ما طاب لنا كل حين، نشعر كأنما أصبحنا كالحيوانات. ونشعر بأنك أيها المسلم إنسان لأنك لا تأكل وتشرب كل ما طاب لك واشتهيته. فإن هذا الجهاد بحد ذاته هو من اللقطات الجميلة والرائعة في العالم ولهذا استهوت الكثير من الفرنسيين غير المسلمين ودعتهم إلى الإسلام.

الأساليب المتعارفة في كتابة القصص والروايات غير إنسانية.

ولكن في مقابل هذه الحقيقة الجميلة، تجد أن قالب القصص والروايات والأسلوب المتعارف في كتابتها قائم على أساس مشتهيات بطل القصّة، ثم تكتب أحداث القصة ومنعطفاتها ليرى المشاهد أو القارئ متى يصل بطل القصة إلى أمنيته ومراده، فهل سينال ما رامه أم سيرجع خائبا. فان مثل هذه القصة تعيسة وغير إنسانية من أصلها، فكيف تريد أن تجعلها قصة إسلامية؟! هل يمكن لهذه القصة التي قامت أركانها على أهواء بطلها ومثابرته من أجل ما يهواه أن تصبح قصة إسلامية إنسانية بمجرد تطعيمها ببعض المظاهر أو الأفعال الإسلامية؟! وهل تصبح هذه القصة إسلامية إذا صحبناها بصوت أذان أو قبة مسجد؟!

إذا تجافينا عن الرغبات الواضحة وركنا إلى العلائق الخفية فقد تحقق بهذا (الجهاد الأكبر)

إنما يتحقق الاختيار عندما تكون بين خيارين، أحدهما أثمن وأكثر قيمة ولكنه أخفى من نظيره، والآخر أقل قيمة ولكنه أجلى وأوضح من نظيره. فإنك إن مررت مرور الكرام عن الرغبة الواضحة وصولا إلى الرغبة الخفية فقد حققت الجهاد الأكبر وجهاد النفس الذي هو خيط سبحة جميع الفضائل والمكارم. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (نظام الدين مخالفة الهوى) (غرر الحكم / حديث 32) وقال في مجال آخر: (رأس الدين مخالفة الهوى).

(غرر الحكم / حديث 35)

وقد قال النبى الأعظم (صلى الله عليه وآله) حول أبواب جهنم: (...وعلى الباب الخامس مكتوب: لا تتبع الهوى فالهوى مجانب الايمان) (الروضة في فضائل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ) (ص177)

إن جهاد النفس أمر عسير

طبعا إن جهاد النفس أمر عسير. فقد جاء في الحديث القدسي: (يموت الناس مرة ويموت أحدهم في كل يوم سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم) (ميزان الحكمة / الحديث 2916).

كم مرة مت اليوم؟! فإن قلت: كانت الأوضاع ماشية، فلم تمش الأوضاع على مرامك، بل كنت أنت تمشي على ما تهواه نفسك. أو لعلك كنت منسابا مع الدنيا وتياراتها. ولعلك تقول: لم أعثر اليوم على مواطن جهاد النفس، مع أني لم أرتكب ذنبا ولم أترك واجبا... وهذا يعني أنك لم تستطع أن تجد مواطن جهاد النفس من شدة استئناسك بنفسك وأهوائك. فلابد أن تفتش عنها وتنقب بين دفائن وجودك لتجدها، إذ لم تظهر نفسك الأمارة نفسها دائما، فلابد من التنقيب عنها وكشفها. فهل زعمت أن أرباب جهاد النفس الذين يموتون في اليوم الواحد سبعين مرة، هم أناس ملوثون إلى هذا الحد حيث يشتهون الفجور والذنوب سبعين مرة في اليوم؟! كلا! بل إنهم يبحثون عن خفايا أهوائهم ويحاربونها؛ تلك الأهواء التي استأنسنا بها نحن واعتدنا عليها وألفناها. بيد أنه يذهب مفتشا عنها غير منفك عن محاربتها.

خطة الله سبحانه في تسهيل عملية جهاد النفس ماذا يمكن أن يقوم به الله سبحانه لتسهيل عملية جهاد النفس علينا؟ لا بأس أن تتأملوا في هذا الموضوع.

ولكن أروع الطرق وأكثرها تأثيرا وكفاءة وألصقها بالفؤاد هو أن يظهر لنا واحدة من تلك الرغبات الفطرية الخفية ويفعلها ثم يقول لنا: تنح عن رغباتي الدانية والرخيصة بحب هذا الحبيب الغالي الذي كان حبه كامنا في زمرة سائر رغباتك الفطرية الخفية. فلا سبيل في هذا العالم إلا حب أولياء الله. ومع أن حب أولياء الله حب مشهود وظاهر، وتجد في نفسك هذا الحب بكل وضوح، حيث تشعر بحرارتها في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) وعندما تزور الحسين (عليه السلام) لا تريد أن تخرج ويضيق صدرك شوقاً عندما ترجع من كربلاء الحسين (عليه السلام).

سيدي يا أبا عبد الله! انظر إلى هوانا هذا حين نهواك، فإنه الحب والهوى الوحيد الذي في غاية الحسن والروعة بالرغم من ظهوره. إن الله سبحانه قد أظهر لنا بعض النزعات الفطرية ليأخذ بأيدينا ويهدينا بحافزها وطاقتها، ولكن من أروعها هو حب أهل البيت (عليهم السلام). فما أن تتردد على حرم الحسين (عليه السلام) برجلك أو بقلبك تتعلق به وتعجز عن وصف مدى حبك للحسين (عليه السلام). ثم تحضر مجالس الوعظ والذكر منتظرا نعي الخطيب على الحسين (عليه السلام). ولعلك تبتهج بحلول شهر رمضان لكونه يعطيك الفرصة الكافية لاستماع مصائب الحسين (عليه السلام) لمدة ثلاثين ليلة متتالية. ولعل هذه الفرصة الرائعة هي إحدى علامات رحمة هذا الشهر المبارك للناس، إذ أن الحسين (عليه السلام) هو رحمة الله الواسعة.

إن هذه الليلة هي أول ليلة جمعة من شهر رمضان فيا ليتنا كنا نقضيها في كربلاء؛ في ذاك الحرم العظيم وبجوار تلك الأجساد المرملة بالدماء وتلك الأجساد المقطعة التي لا تزال مدماة بدم عبيط. عندما يتوجه جمع من الموالين إلى حرم سيد الشهداء، كأنه يعبق المكان بعطر حرم الحسين (عليه السلام)، ويزدهر المكان بنور الحسين (عليه السلام).

ماذا تفعل يا موالي إن ضاق صدرك لهفة إلى سيد الشهداء (عليه السلام)؟ فلعلك تذهب إلى مجلس من مجالس الحسين (عليه السلام) لتستمع مصائبه وتبكي عليه، أما العقيلة زينب فكلما كانت تشتاق إلى أخيها الحسين (عليه السلام) كانت تنحّى قليلا من ستار المحمل، لترى قمرها المنير في لياليها الظلماء. عندما يكون البدر في ليلة تمامه لا ترى النجوم حوله، أما إذا كان هلالا فبإمكانك أن ترى النجوم حول الهلال، ولهذا كانت ترى زينب نجوما حول هلالها، من رأس أخيها العباس وابن أخيها علي الأكبر والقاسم وغيرهم من نجوم بني هاشم.

ما هذه المصائب التي كانت تجرعها زينب؟ كأن هذه القصة كلها هي قصة زينب وهي الرميّة لجميع سهام بلايا كربلاء. كأن العالم بأسره مشاهد ومتفرج ليُظهر الله أمته زينب ويباهي بعشقها وصبرها في هذا الدرب... إن واقعة كربلاء هي قصة زينب في الواقع ونحن مشاهدون.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين... 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي