علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
المفضّل بن عمر.
المؤلف: محمد علي صالح المعلّم.
المصدر: أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق.
الجزء والصفحة: ص 574 ـ 588.
2024-02-22
1138
وهو ممّن وقع الاختلاف فيه، فذهب بعضهم إلى وثاقته، وذهب آخرون إلى ضعفه.
وورد له في الكتب الأربعة فيما يقرب من مائة وستة موارد (1).
وقد استدلّ للقول بوثاقته بأمور:
الأوّل: عدّه الشيخ المفيد في الارشاد من خاصّة أبي عبد الله (عليه السلام)، وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين، ممّن روى النصّ بالإمامة منه على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام) (2).
الثاني: عدّه الشيخ في الغيبة من الوكلاء الممدوحين، وحسن الطريقة، وذكر في حقّه ثلاث روايات (3) نقلها الكشي في رجاله مع اختلاف في السند ـ وسنذكره ـ.
وأمّا في الفهرست والرجال فلم يذكره بمدح أو ذمّ.
وفي التهذيب بعد أن أورد رواية ينتهي سندها إلى محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، قال في آخرها: فأوّل ما في هذا الخبر انّه لم يروه غير محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر، ومحمد بن سنان مطعون عليه، ضعيف جدّا (4).
فعدم تعرّض الشيخ للمفضّل ربّما يُجعل دليلا على اعتماده عليه وانّه غير مطعون عليه، كما ذكر ذلك السيد الاستاذ قدس سره (5).
ويرد عليه أنّ الشيخ إذا كان لا يرى اعتبار الوثاقة، فكيف جعل عدم تعرّض الشيخ للمفضّل دليلا على الوثاقة، فإنّ عدم الخدشة ـ على مبناه قدس سره ـ ليس دليلا على التوثيق، ولعلّ الشيخ اكتفى بضعف محمد بن سنان عن القدح في غيره، إلّا أنّا قد ذكرنا أنّ الشيخ ممّن يعتبر الوثاقة.
الثالث: ما ذكره ابن شهرآشوب في المناقب، في باب إمامة أبي عبد الله قال: من خواصّ أصحابه، وفي مورد آخر ذكر انّه من الثقاة الذين رووا صريحا النصّ على موسى بن جعفر، عن أبيه، المفضل، وذكر أيضا انّ المفضّل باب موسى بن جعفر (6).
الرابع: وقوعه في أسناد تفسير علي بن ابراهيم القمّي (7) في كلا القسمين.
الخامس: ما ذكره ابن بسطام في طبّ الائمّة عليهم السلام من أنّ المفضّل كان بابا لأبي عبد الله (عليه السلام) (8)، إلّا أنّا قد ذكرنا فيما تقدّم انّ هذا الكتاب وإن ذكره صاحب الوسائل وعدّه من الكتب الواصلة إليه، إلّا أنّ الطريق إليه غير معتبر.
السادس: أنّ ابن طاووس في كتاب الأمان، أوصى ابنه باصطحاب كتاب المفضل بن عمر الذي رواه عن الصادق (عليه السلام)، وقال لابنه في كتاب المحجّة: انظر كتاب المفضّل بن عمر الذي أملاه الصادق (عليه السلام)، فيما خلق الله (عز وجل) من الآثار (9).
وفي آخر كتاب المفضّل ذكر أنّ الامام (عليه السلام)، وضع يده على صدر المفضّل وقال: احفظ بمشيئة الله فخرّ مغشيّا عليه، فلمّا أفاق قال: كيف ترى نفسك؟ فقال: استغنيت بمعونة مولاي وتأييده عن الكتاب الذي كتبه، وصار ذلك بين يدي، كأنّي أقرأه من كفّي.. إلى أن قال (عليه السلام) للمفضّل: فأنت منّا بالمكان الرفيع، وموضعك من قلوب المؤمنين موضع الماء من الصدي (10).
إلّا أنّ هذا الوجه لا ينهض دليلا على التوثيق، وذلك:
أوّلا: انّ ابن طاووس في عداد المتأخرين، وثانيا: انّ الرواية وإن كان فيها دلالة على جلالة قدر المفضّل إلّا أنّ راويها هو المفضّل نفسه.
السابع: رواية الأجلّاء عنه، مثل ابن أبي عمير، ومحمد بن مسلم، وجعفر ابن بشير، ويونس بن عبد الرحمن، وعثمان بن عيسى، والحسن بن محبوب، وغيرهم (11).
إلّا أنّ رواية ابن أبي عمير ومحمد بن مسلم في غير الكتب الأربعة.
الثامن: انّ ابن الوليد لم يستثنه من كتاب نوادر الحكمة، وقلنا: إنّ عدم الاستثناء دليل على التوثيق.
التاسع: الروايات الكثيرة الواردة في مدحه، فقد أورد الكشّي في رجاله سبعة عشر رواية منها: ثلاث روايات ذكرها الشيخ في الغيبة كما أشرنا إلى ذلك وأضاف المحدّث النوري ثمان روايات أخرى.
وأكثر هذه الروايات ضعيفة السند، وبعضها ينتهي إلى نفس المفضّل، نعم بعض هذه الروايات صحيح السند، ومنها:
ما أورده الكشّي، قال: حدّثني إبراهيم بن محمد، قال: حدّثني سعد بن عبد الله القمّي، قال: حدّثنا احمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد، عن أسد بن أبي العلاء، عن هشام بن أحمر، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام): وأنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحرّ والعرق يسيل على صدره، فابتدأني فقال: نعم، والله الذي لا إله إلّا هو المفضّل بن عمر الجعفي، حتى أحصيت نيّفا وثلاثين مرّة يقولها ويكرّرها، قال: إنّما هو والد بعد والد (12).
وقد أورد الشيخ هذه الرواية في الغيبة إلّا أنّ صدر السند يختلف فقد رواها الشيخ بهذا السند: الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد (13)، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقرّي، عن أسد بن أبي علاء، عن هشام بن أحمر.. وفي كلا السندين أسد بن أبي العلاء وهو لم يذكر بمدح، وقد ذكر السيد الاستاذ في المعجم (14)، رواية الكشّي وفيها: عن هشام بن أحمد إلّا أنّ نسخة الكشّي الموجودة عندنا فيها هشام بن أحمر، وهو الصحيح، إذ لا وجود لهشام بن أحمد، فما نقله السيّد الاستاذ قدس سره إمّا سهو من قلمه الشريف، وإمّا من النسخة التي اعتمد عليها.
ومنها: ما رواه الكشي عن محمد بن مسعود، قال: حدّثني عبد الله بن محمد بن خلف (15)، قال: حدّثنا علي بن حسّان الواسطي، قال: حدّثني موسى ابن بكر (16)، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لمّا أتاه موت المفضّل بن عمر، قال: رحمه الله، كان الوالد بعد الوالد، أما انّه قد استراح (17).
ونظيرها ما رواه بسنده عن عيسى بن سليمان، عن أبي ابراهيم (عليه السلام)، قال: قلت: جعلني الله فداك خلفت مولاك المفضل عليلا فلو دعوت له، قال: رحم الله المفضل، قد استراح، قال: فخرجت الى أصحابنا فقلت لهم: قد والله مات المفضل، قال: ثم دخلت الكوفة، وإذا هو قد مات قبل ذلك بثلاثة أيام (18).
ومنها: ما رواه أيضا عن محمد بن مسعود، عن إسحاق بن محمد البصري، قال: أخبرنا محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن بشير الدهّان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمحمد بن كثير الثقفي: ما تقول في المفضّل بن عمر؟
قال: ما عسيت أن أقول فيه، لو رأيت في عنقه صليبا وفي وسطه كستيجا لعلمت انّه على الحقّ، بعد ما سمعتك تقول فيه ما تقول: قال: رحمه الله لكن حجر بن زائدة، وعامر بن جذاعة أتياني فشتماه عندي، فقلت لهما: لا تفعلا فإنّي أهواه، فلم يقبلا، فسألتهما وأخبرتهما أنّ الكفّ عنه حاجتي، فلم يفعلا، فلا غفر الله لهما، اما إنّي لو كرمت عليهما، لكرم عليهما من يكرم عليّ، ولقد كان كثير عزّة في مودّته لها أصدق منهما في مودّتهما لي حيث يقول:
لقد علمت بالغيب انّي أخونها * إذا هو لم يكرم عليّ كريمها
اما انّي لو كرمت عليهما * لكرم عليهما من يكرم كريمهما (19).
ونظير هذه الرواية، ما رواه بسنده عن يونس بن ظبيان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك لو كتبت إلى هذين الرجلين بالكف عن هذا الرجل فإنّهما له مؤذيان.. الحديث ورواها الكليني رحمه الله بسنده عن يونس بن ظبيان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ألا تنهى هذين الرجلين عن هذا الرجل؟ فقال: من هذا الرجل ومن هذين الرجلين؟ قلت: ألا تنهى حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر.. الحديث (20) وفيها التصريح بأسماء الرجل والرجلين.
ومنها: ما ذكره الكشّي، قال: قال نصر بن الصباح، رفعه، عن محمد بن سنان، انّ عدّة من أهل الكوفة كتبوا إلى الصادق (عليه السلام) فقالوا: إنّ المفضّل يجالس الشطّار، وأصحاب الحمام، وقوما يشربون الشراب، فينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألّا يجالسهم، فكتب إلى المفضّل كتابا وختم ودفع إليهم، وأمرهم أن يدفعوا الكتاب من أيديهم إلى يد المفضّل، فجاؤوا بالكتاب إلى المفضّل منهم زرارة، وعبد الله بن بكير ومحمد بن مسلم، وأبو بصير، وحجر بن زائدة، ودفعوا الكتاب إلى المفضّل ففكّه وقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: اشترِ كذا وكذا، واشترِ كذا، ولم يذكر قليلا ولا كثيرا ممّا قالوا فيه: فلمّا قرأ الكتاب دفعه إلى زرارة، ودفع زرارة إلى محمد بن مسلم، حتى أرى الكتاب إلى الكلّ فقال المفضّل: ما تقولون؟ قالوا: هذا مال عظيم حتى ننظر، ونجمع، ونحمل إليك، لم ندرك إلّا نراك بعد ننظر في ذلك، وأرادوا الانصراف فقال المفضّل: حتى تغدّوا عندي فحبسهم لغدائه ووجّه المفضّل إلى أصحابه الذين سعوا بهم فجاؤوا فقرأ عليهم كتاب أبي عبد الله (عليه السلام) فرجعوا من عنده، وحبس المفضّل هؤلاء ليتغدّوا عنده، فرجع الفتيان وحمل كلّ واحد منهم على قدر قوته ألفا وألفين وأقلّ وأكثر فحضروا أو أحضروا ألفَي دينار وعشرة آلاف درهم قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء.
فقال لهم المفضّل: تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي، تظنّون انّ الله تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم.
وحكى نصر بن الصباح عن ابن أبي عمير، بأسناده أنّ الشيعة حين أحدث أبو الخطّاب ما أحدث: خرجوا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقالوا: أقم لنا رجلا نفزع إليه في أمر ديننا وما نحتاج إليه من الأحكام.
قال: لا تحتاجون إلى ذلك، متى ما احتاج أحدكم عرج إليّ، وسمع منّي وينصرف، فقالوا: لا بدّ. فقال: قد أقمت عليكم المفضّل اسمعوا منه واقبلوا عنه، فإنّه لا يقول على الله وعليّ إلّا الحقّ، فلم يأت عليه كثير شيء حتى شنّعوا عليه وعلى أصحابه، وقالوا: أصحابه لا يصلّون، ويشربون النبيذ، وهم أصحاب الحمام، ويقطعون الطريق، والمفضّل يقرّبهم ويدنيهم (21).
ومنها: ما رواه عن حمدويه بن نصير، قال: حدّثني محمد بن عيسى، عن محمد بن عمر بن سعيد الزيّات، عن محمد بن حبيب (وفي المعجم حريز) (22)، قال: حدّثني بعض أصحابنا، من كان عند أبي الحسن (عليه السلام) جالسا، فلمّا نهضوا قال لهم: القوا أبا جعفر (عليه السلام) فسلّموا عليه وأحدثوا به عهدا، فلمّا نهض القوم التفت إليّ وقال: يرحم الله المفضّل، إن كان ليكتفي بدون هذا (23).
ومنها: ما رواه عن محمد بن قولويه، قال: حدّثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح الجوّان، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): ما تقولون في المفضّل بن عمر؟
قلت: يقولون فيه: هبه يهوديّا أو نصرانيّا وهو يقوم بأمر صاحبكم.
قال: ويلهم، ما أخبث ما أنزلوه، ما عندي كذلك ومالي فيهم مثله (24).
ومنها: ما رواه عن علي بن محمد، قال: حدّثني سلمة بن الخطّاب، عن علي بن حسّان، عن موسى بن بكر، قال: كنت في خدمة أبي الحسن (عليه السلام) ولم أكن أرى شيئا يصل إليه إلّا من ناحية المفضّل بن عمر، ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول أوصله إلى المفضّل (25).
والرواية الأخيرة أوردها الشيخ في الغيبة، كما أورد رواية أخرى وهي عن هشام بن أحمر، قال: حملت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) إلى المدينة أموالا، فقال: ردّها فادفعها إلى المفضّل بن عمر، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضّل (26).
ومنها: ما تقدّم ذكره في محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلى ابنه (عليه السلام) بين يديه فقال لي: يا محمد، فقلت: لبيّك. قال: إنّه سيكون في هذه السنّة حركة ـ إلى أن قال: ـ يا محمد، إنّ المفضّل كان أنسي ومستراحي (27).
ومنها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن مفضّل، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي (28).
وبالإسناد عن ابن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاجّ، قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثم قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده، حتى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وافتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (عليه السلام) (29).
وروى عن محمد بن يحيى، عن علي بن الحكم، عن يونس بن يعقوب، قال: أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن آتي المفضّل وأعزّيه بإسماعيل وقال: أقرأ المفضّل السلام، وقل له: إنّا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا، إنّا أردنا أمرا وأراد الله (عز وجل) أمرا، فسلّمنا لأمر الله (عز وجل) (30).
وروى: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخدري، عن المفضّل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): اكتب وبثّ علمك في إخوانك فإن متّ فأورث كتبك بنيك فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم (31).
وغيرها من الروايات (32) والحاصل: انّ هذه الروايات إمّا دالّة أو مؤيّدة لما عليه المفضّل بن عمر من الوثاقة والجلالة والمنزلة عند الأئمة (عليهم السلام).
وقد ذكر المحدّث النوري ثمان روايات أخرى (33)، وهي وإن كان أكثرها لا دلالة فيها على الوثاقة، إلّا أنّه يستفاد من بعضها براءة المفضّل بن عمر من نسبته إلى الخطّابية.
وأمّا ما استدلّ به على ضعفه فأمور:
الأوّل: ما ذكره النجاشي في ترجمته، قال: كوفي، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقيل: إنّه كان خطّابيا، وقد ذكرت له مصنّفات لا يعوّل عليها وإنّما ذكرناه للشرط الذي قدّمناه.. والرواة له مضطربو الرواية (34).
الثاني: ما ذكره ابن الغضائري، قال: ضعيف، متهافت، مرتفع القول، خطّابي، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما، ولا يجوز أن يكتب حديثه (35).
الثالث: ما ذكره الكشّي من أنّه سأل أبا النضر محمد بن مسعود عن جماعة منهم إسحاق بن محمد البصري فقال: ..وأمّا أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري، فإنّه كان غاليا وصرت إليه إلى بغداد لأكتب عنه، وسألته كتابا أنسخه؟ فأخرج إليّ أحاديث المفضّل بن عمر في التفويض فلم أرغب فيه (36).
وفيه إشعار بترك رواية المفضّل بن عمر.
الرابع: ما أورده الكشّي من الروايات الذامّة وهي تسع روايات، وبعضها معتبر، منها: ما رواه عن جبرئيل بن أحمد، قال: حدّثني محمد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول للمفضّل بن عمر الجعفي: يا كافر، يا مشرك، مالك ولابني ـ يعني إسماعيل بن جعفر ـ وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطّابيّة، ثم رجع بعد (37).
ومنها: ما رواه عن حمدويه بن نصير، قال: حدّثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم وحمّاد بن عثمان، عن إسماعيل بن جابر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ائتِ المفضّل وقل له: يا كافر، يا مشرك، ما تريد إلى ابني؟ تريد أن تقتله (38)؟
ومنها: ما رواه عن الحسين بن الحسين بن بندار القمّي (39)، قال: حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي، قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، قال: دخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقالا له: جعلنا فداك، إنّ المفضّل بن عمر يقول: إنّكم تقدّرون أرزاق العباد. فقال: والله ما يقدّر أرزاقنا إلّا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري، وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه، قالا: أفتلعنه وتتبرّأ منه؟ قال: نعم، فالعناه وابرءا منه، برئ الله ورسوله منه (40).
ومنها: ما رواه عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير، قالا: حدّثنا محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن المفضّل بن عمر انّه كان يشير انّكما لمن المرسلين.
قال الكشّي: وذكرت الطيّارة الغالية في بعض كتبها عن المفضّل انّه قال: لقد قتل مع أبي إسماعيل يعني أبا الخطّاب سبعون نبيّا كلّهم رأى وهلّل بنبوّته، (وهلك نبيّنا فيه) وإنّ المفضّل قال: أدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن اثني عشر رجلا، قال: فجعل أبو عبد الله (عليه السلام): يسلّم على رجل رجل منّا ويسمّي كلّ رجل منّا باسم نبي، وقال لبعضنا: السلام عليك يا نوح، وقال لبعضنا: السلام عليك يا إبراهيم، وكان آخر من سلّم عليه وقال: السلام عليك يا يونس، ثم قال: لا تخاير بين الأنبياء.
قال أبو عمرو الكشّي: قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في كتابه ـ المؤلّف في إثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) قلت لشريك: إنّ اقواما يزعمون أنّ جعفر بن محمد، ضعيف في الحديث، فقال: أخبرك القصّة.
كان جعفر بن محمد رجلا صالحا، مسلما، ورعا، فاكتنفه قوم جهّال، يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون: حدّثنا جعفر بن محمد ويحدّثون بأحاديث كلّها منكرات موضوعة على جعفر، يستأكلون الناس بذلك، ويأخذون منهم الدراهم، فكانوا يأتون من ذلك بكلّ منكر، فسمعت العوامّ بذلك منهم، فمنهم من هلك، ومنهم من أنكر، وهؤلاء مثل المفضّل بن عمر، وبنان وعمرو النبطي وغيرهم، ذكروا انّ جعفرا حدّثهم أنّ معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة، وحدّثهم عن أبيه، عن جدّه وأنّه حدّثهم قبل يوم القيامة، وإنّ عليّا عليه السلام في السحاب يطير مع الريح، وأنّه كان يتكلّم بعد الموت، وأنّه كان يتحرّك على المغتسل، وانّ إله السماء، وإله الأرض الإمام، فجعلوا لله شريكا، جهّال، ضلّال، والله ما قال جعفر شيئا من هذا قطّ، كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك، فسمع الناس ذلك فضعّفوه، ولو رأيت جعفرا لعلمت انّه واحد الناس (41).
ومنها: ما رواه عن حمدويه، قال: حدّثني محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن إسماعيل بن عامر، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فوصفت له الأئمّة حين انتهيت إليه قلت: وإسماعيل من بعدك؟
فقال: أمّا ذا فلا.
قال حمّاد: فقلت لإسماعيل: وما دعاك إلى أن تقول وإسماعيل من بعدك؟
قال: أمرني المفضّل بن عمر (42).
وهذه الروايات الذامّة ضعيفة السند إلّا روايتان أو ثلاث.
ثمّ انّ السيّد الاستاذ ذهب إلى انّ ما صحّ من الروايات الذامّة لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها، فإنّها لا تعارض الروايات المادحة لكثرتها وتضافرها واشتمالها على ما هو الصحيح سندا، بحيث لا يبعد دعوى العلم بصدورها عن المعصومين (عليهم السلام) إجمالا (43). هذا من جهة الروايات.
وأمّا تضعيف ابن الغضائري فلا اعتبار به؛ لأنّه ممّن يبادر إلى التضعيف، مضافا إلى عدم ثبوت نسبة كتابه إليه.
وامّا تضعيف النجاشي، فهو راجع إلى مذهب المفضّل وعقيدته، ولعلّ نسبة فساد المذهب إليه لاتّهامه بالغلو ولهذا قال: وقيل إنّه خطابي، وذكر الكشّي كما في الرواية الاولى من روايات الذمّ ثمّ رجع بعد. وهكذا بالنسبة إلى اضطرابه في الرواية.
ثمّ إنّ تضعيف النجاشي يعارضه توثيق الشيخ المفيد وعدّه من الفقهاء الصالحين ومن خاصّة أبي عبد الله (عليه السلام) وبطانته كما تقدّم، وكلامه مقدّم على كلام النجاشي، لاعتضاده بالروايات الكثيرة المادحة.
والحاصل: انّ تضعيف النجاشي إمّا انّ يكون مرجوحا أو يحمل على انّه من جهة الغلو لا مطلقا، وحينئذٍ تكون الوجوه المادحة سليمة عن المعارضة فيحكم بوثاقة المفضّل بن عمر، ولكن ما ذكره السيّد الاستاذ قدس سره بالنسبة إلى الروايات محلّ تأمّل؛ وذلك لأنّ عدد الروايات المادحة وإن كان كثيرا، وقد يبلغ إلى ستّة وعشرين رواية، إلّا أنّها كلّها ضعيفة والصحيح منها على مبنى السيّد الاستاذ قدّس سره رواية واحدة، وهي رواية الكليني، عن محمد بن يحيى، عن علي بن الحكم، عن يونس بن يعقوب الواردة في تعزية الامام (عليه السلام) للمفضّل في وفاة إسماعيل بن الامام (عليه السلام) ودلالتها على الوثاقة محلّ نظر، نعم فيها إشعار بالمنزلة والمكانة وشدّة العلاقة بين الامام (عليه السلام) وبين المفضّل.
وأمّا بقيّة الروايات فعلى مبناه (عليه السلام) ضعيفة، ففي بعضها محمد بن سنان، وهو يرى ضعفه، وفي بعضها إرسال من ابن أبي عمير وهو لا يرى صحّة مراسيله، كما أنّ في بعضها لم يرد التوثيق في رواتها.
وأمّا على ما نذهب إليه فعدد الروايات المعتبرة يبلغ ثلاث روايات فما أفاده السيّد الاستاذ رحمه الله من دعوى العلم بالصدور إجمالا وضرورة ردّ علم الروايات الذامّة إلى أهلها، وحملها على ما حملت عليه الروايات الذامّة لزرارة ومحمد بن مسلم (44)، محلّ إشكال؛ وذلك لأنّ الروايات الذامّة وإن كان عددها تسعا، إلّا انّها تشتمل على الصحيح سندا فيقع التعارض قطعا بين الروايات.
فعلى مبناه رحمه الله يكون الجمع بما ذكره ـ بضميمة تضعيف النجاشي ـ مشكلا جدّا.
والذي نذهب إليه أنّ الأصحّ في الجمع بين الطائفتين من الروايات هو أنّ التضعيف إنّما كان من جهة نسبته إلى الغلو وهو لا يوجب تضعيفه من جهة الحديث والرواية، فما ورد من التضعيفات والروايات الذامّة يرجع إلى مذهبه وما ورد من التوثيقات والروايات المادحة يرجع إلى وثاقته وصحّة حديثه، نعم قد يقع التعارض بالنسبة إلى مذهبه، ولا يعنينا أمر تحقيقه وإن كنّا نرجح انّه رجع إلى الاستقامة كما هو الحال في محمد بن سنان، ولكن لا يضرّ بالمقام والحاصل انّ المفضّل بن عمر ثقة في حديثه ولا إشكال فيه والله العالم.
__________________
(1) معجم رجال ج 19 ص 315 الطبعة الخامسة.
(2) الارشاد ص 288 الطبعة الثالثة.
(3) كتاب الغيبة ص 210 الطبعة الثانية.
(4) تهذيب الاحكام ج 7 باب المهور والاجور الحديث 27 ص 324 دار التعارف للمطبوعات.
(5) معجم رجال الحديث ج 19 ص 319 الطبعة الخامسة.
(6) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 281، وص 325 المطبعة العلمية ـ قم.
(7) تفسير القمي ج 1 ص 411 الطبعة الاولى المحققة.
(8) مستدرك الوسائل ج 1 ص 411 الطبعة الاولى القديمة.
(9) مستدرك الوسائل ج 1 ص 57 الطبعة الاولى القديمة.
(10) مستدرك الوسائل ج 3 ص 570 الطبعة القديمة.
(11) مشايخ الثقاة الحلقة الاولى ص 114 الطبعة الثانية ومعجم رجال الحديث ج 19 ص 316 الطبعة الخامسة.
(12) رجال الكشي ج 2 ص 614 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(13) كتاب الغيبة ص 210 وفي رواية الكشي سقط فقد جاء في رواية الغيبة فقال: نعم والله الذي لا إله الا هو الرجل المفضل ... الخ فلفظه الرجل ساقطة من رواية الكشي فلاحظ.
(14) وقد صحّح ذلك في الطبعة الخامسة لاحظ ص 318 من الجزء 19 من معجم رجال الحديث.
(15) ورد في المعجم عبد الله بن خلف لاحظ معجم رجال الحديث ج 19 ص 319 الطبعة الخامسة.
(16) ورد في المعجم موسى بن بكير لاحظ ص 319 من ج 19 من المعجم.
(17) رجال الكشي ج 2 ص 612 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(18) رجال الكشي ج 2 ص 612 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(19) رجال الكشي ج 2 ص 613 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(20) روضة الكافي الحديث 561 الطبعة الثانية 1389 ه.
(21) رجال الكشي ج 2 ص 619 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(22) ورد في المعجم محمد بن حريز لاحظ معجم رجال الحديث ج 19 ص 321 الطبعة الخامسة.
(23) رجال الكشي ج 2 ص 620 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(24) رجال الكشي ج 2 ص 620 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(25) رجال الكشي ج 2 ص 621 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(26) كتاب الغيبة ص 210 الطبعة الثانية.
(27) رجال الكشي ج 2 ص 797 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(28) اصول الكافي ج 2 باب الاصلاح بين الناس الحديث 3 ص 209 مطبعة الحيدري.
(29) أصول الكافي ج 2 باب الاصلاح بين الناس الحديث 4 ص 209 مطبعة الحيدري.
(30) أصول الكافي ج 2 باب الصبر الحديث 16 ص 92 مطبعة الحيدري طهران.
(31) أصول الكافي ج 1 باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب الحديث 11 ص 52.
(32) بقيت روايتان ذكرهما الكشي في رجاله الأولى: علي بن محمد قال: حدثني محمد بن أحمد، عن أحمد بن كليب، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، قال بلغ من شفقة المفضل أنّه كان يشتري لأبي الحسن (عليه السلام) الحيتان، فيأخذ رؤوسها ويبيعها ويشتري بها حيتانا شفقة عليه، رجال الكشي ج 2 ص 621 الحديث 599، وهذه كما ترى فليست هي رواية عن المعصوم (عليه السلام).
والثانية: حدثني محمد بن مسعود، قال: حدثني اسحاق بن محمد البصري، قال: حدثني عبد الله بن القاسم، عن خالد الجوان، قال: كنت والمفضل بن عمر وناس من اصحابنا بالمدينة، وقد تكلّمنا في الربوبيّة، قال: فقلنا مرّوا الى باب أبي عبد الله حتى نسأله، قال: فقمنا بالباب، قال: فخرج الينا وهو يقول: بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
قال الكشي: اسحاق وعبد الله وخالد من أهل الارتفاع، رجال الكشي ج 2 ص 68 الحديث 591، وقد جعل السيد الاستاذ قدس سره هذه الرواية لا مادحة ولا ذامة، ولكن لا ندري كيف لا تكون مادحة إذا كان المراد تطبيق الآية الشريفة على المفضل وزملائه، نعم إذا كان في المنام قرينة على أن كلامهم في الربوبيّة يشتمل على نسبتها الى الائمة (عليهم السلام)، فتخرج عن كونها مادحة الى انّها واردة في مقام بيان حالهم (عليهم السلام) وأنّهم عباد لله.
(33) مستدرك الوسائل ج 3 ص 565 الطبعة القديمة.
(34) رجال النجاشي ج 2 ص 359 الطبعة الاولى المحققة.
(35) مجمع الرجال ج 6 ص 131 مؤسسة اسماعيليان.
(36) رجال الكشي ج 2 ص 813 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(37) رجال الكشي ج 2 ص 612 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(38) معجم رجال الحديث چ 19 ص 323 الطبعة الخامسة.
(39) ورد في المعجم الحسين بن علي بندار القمي لاحظ معجم رجال الحديث ج 19 ص 323 الطبعة الخامسة.
(40) رجال الكشي ج 2 ص 614 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(41) رجال الكشي ج 2 ص 615 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(42) رجال الكشي ج 2 ص 618 مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(43) معجم رجال الحديث ج 19 ص 329 الطبعة الخامسة.
(44) معجم رجال الحديث ج 19 ص 329 الطبعة الخامسة.