علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الفَارِسُ الشّجَاع.
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: أبو ذر الغفاريّ رمز اليقظة في الضمير الإنسانيّ.
الجزء والصفحة: ص 27 ـ 30.
2023-09-04
1182
الشجاعة أو الجرأة موهبة يتمتع بها غالب عظماء الانسانية، فهي لا تقبل التكلُّفَ ولا تستقيم معها محاكاة وهي ايضاً صفة كريمة تميَّز بها العرب بصورة عامة، والمسلمون بصورة خاصة.
فالعربيّ بطبعه ـ غالباً ـ شجاع غير هياب، يتقحم موارد الهلكة، إن رأى في ذلك ما يرضي مزاجه، حتّى ولو كانت الخسارة عنده أكبر في ميزان الاحتمال، ولعلّ هذه الخصلة الكريمة، هي احدى معطيات الطبيعة الصحراوية، وما فرضته من خشونة العيش على هذا الانسان.
فالمعروف عن العرب القدامى، أنّ ظروفهم المعاشية كانت صعبة للغاية، فكانت جلُّ حياتهم الاقتصادية تقوم على الغزو أو السلب، أو طَرْق الأحياء أو ما شابه ذلك، ممّا كان متسالم عليه لديهم آنذاك (1)، ولا يرون فيه أيّ إخلال بالشرف أو المكانة الاجتماعية، بل على العكس من ذلك، فقد كان هذا العمل يُكسب القائم به رفعة وسؤدداً في قبيلته وبني قومه. فكان المغيرون على الأحياء يتفاخرون بذلك. وينشدون فيه الأشعار.
قال طفيل الغنوي:
وغارة كجراد الريح زعزعها *** مخراق حرب كنصل السيف بهلول (2)
وهم يرون في ذلك ردءاً لهم من الغارات التي يمكن أن تشنّها عليهم القبائل الأخرى، كما يرون في ذلك إظهارا لشجاعتهم وقوتهم حتّى لا يفكّر الآخرون بغزوهم.
قال المثقب العبدي:
ونحمي على الثغر المخوف ويُتقى *** بغارتنا كيد العدى وضُيومُها
وقال الآخر:
ومن لم يذدْ عن حوضه بسلاحه *** يُهدَّم ومن لم يظلم الناس يُظلَم
والمسلمُ الحقيقي شجاع ايضا بمقتضى تركيبته الذهنية الخاصة التي صقلها الاسلام، وروحه الإرسالية المستمدة منه، فهو لا يعرف معنى الخوف من الموت ـ في الله ـ لأنّه مؤمن بسلامة المصير، فلا يرى غير الجنّة اعدت للمتقين في الآخرة، ومتى كان الامر كذلك، يهوّن عليه كلّ شيء في سبيل ذلك حتى نفسه، وتأريخنا الاسلامي حافل بالبطولات والتضحية كما هو بيِّن وواضح لدى كلّ من يتتبّعه.
وصاحبنا أبو ذر رضي الله عنه، الذي هو موضوع بحثنا الآن، كان ممّن اتسم بأعلى معاني البطولة والشجاعة، في الجاهلية، وفي الإسلام.
ففي الجاهليّة كان شجاعاً بطبعه، بل في طليعة الشجعان المغامرين، فالمعروف عنه أنّه كان فارس ليل، لا يعرف معنى الخوف ولا الوجل، يغير على الحي، وعلى القوافل، فيصيب منها، ثم يرجع الى مقرّه.
روى بن سعد في الطبقات، بسنده:
كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً يتفرّد وحده بقطع الطريق، ويغير على الصرم (3) في عملية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه، كأنّه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ، ثم إنّ الله قذف في قلبه الاسلام (4).
وهذه الرواية لا تنافي كونه كان متعبّداً قبل الاسلام، يتألَّه ويعبد الله وحده، فممّا لا يخفى على الباحث والمطلع، أنّ هناك أموراً كانت سائدة لدى العرب في الجاهلية وكانوا متسالمين على أكثرها فأقرَّ الاسلام بعضها، ونهى عن بعضها الآخر، فكان من جملة ما نهى عنه الاسلام هذه الخصال الذميمة وهي قطع الطرق، والإغارة على الناس فيما منهم، فانتهى عنها المسلمون ولا مانع من أن يكون أبو ذر متعبّداً قبل الإسلام بسنوات، ويفعل بعض هذه الأعمال، ثم انتهى عنها حين نهى الإسلام عنها! إنّه لا مانع من ذلك قط، ولا يُخلُّ هذا بشرفه ومكانته، هذا إذا لم نقل بأنّه كان يفعل ذلك مع الفئات والقبائل التي تعبد الأصنام، استحلالا منه لذلك فمن يدري؟
وحين أسلم أبو ذر، زاده الإسلام شجاعة الى شجاعته، ومنحه زخماً لا تدرك حدوده، فكان من فرسان الإسلام وأبطالهم، من أول يوم.
فقد قال للنبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، إنّي منصرف الى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال، فألحق بك، فانّي أرى قومك عليك جميعاً!
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أصبت.
فانصرف، فكان يكون بأسفل ثنية غزال (5) فكان يعترّض لعيرات قريش، فيقتطعها فيقول: لا أرُدّ لكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله.
فإن فعلوا، ردَّ ما أخذ منهم، وإن أبوا، لم يردّ عليهم شيئاً، فكان على ذلك، حتى هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضى بدر، وأحد، ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي (صلى الله عليه وآله) (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وكانتِ التجارة إحدى الدعامات الاقتصادية الهامة، لكن يبدو انّها كانت مختصة بطبقة معيّنة من أصحاب السيادة.
(2) شعر الحرب في العصر الجاهلي 80 و462 (البهلول: السيد الجامع لكلّ خير) و(المخراق: الرجل الحسن الجسيم المتصرّف بالأمور الذي لا يقع في أمر الا خرج منه).
(3) الصَّرم: الفرقة من الناس ليس بالكثير.
(4) أعيان الشيعة 16 / 320.
(5) ثنية غزال موضع بين مكة والمدينة.
(6) أعيان الشيعة 16 / 321 عن الطبقات الكبرى لابن سعد.