1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : معلومات عامة :

غرفة الأحزان

المؤلف:  الشيخ محمد تقي فلسفي

المصدر:  الشاب بين العقل والمعرفة

الجزء والصفحة:  ج1 ص281 ــ 289

2023-05-13

1606

تحت هذا العنوان كتب مصطفى لطفي المنفلوطي قصة مؤلمة عن حياة شاب وشابة ، يلحظ من يرجع إلى القصة عواقب الإفراط في إشباع الشهوة وصراع الرغبات والميول وما ينجم عن هذا الصراع . وهنا ننقل القصة كاملة لتكون عبرة لمن أراد من الشباب والشابات أن يعتبر .

كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه أكثر مما أحبه لصلاحه ودينه ، فكان يروقني منظره ويؤنسني محضره ، ولا أبالي بعد ذلك بشيء من نسكه وعبادته ، أو فسقه واستهتاره ، لأني ما فكرت قط أن أتلقى منه علوم الشريعة أو دروس الأخلاق.

السفر الطويل:

قضيت في صحبته عهداً طويلاً ما أنكر من أمره ولا ينكر من أمري شيئاً حتى سافرت من القاهرة سفراً طويلاً ، فتراسلنا حيناً ثم انقطعت عني كتبه ، فرابني من أمره ما رابني، ثم رجعت فجعلت أكبر همي أن أراه، فطلبته في جميع المواطن التي ألقاه فيها فلم أجده ، فذهبت إلى منزله فحدثني جيرانه أنه هجره من عهد بعيد وأنهم لا يعرفون أين مصيره، فوقفت بين اليأس والرجاء برهة من الزمان ، يغالب أولهما ثانيهما حتى غلبه ، فأيقنت أني قد فقدت الرجل، وأني لن أجد بعد اليوم إليه سبيلاً .

فقدان الصديق:

هناك ذرفت من الوجه دموعاً لا يذرفها إلا من قل نصيبه من الأصدقاء ، وأقفر ربعه من الأوفياء ، وأصبح غرضاً من أغراض الأيام ، لا تخطئه سهامها ، ولا تغبه آلامها .

عهد مع الله :

بينما أنا عائد إلى منزلي في ليلة من ليالي الأسرار (من الليالي الأخيرة للشهر) إذ دفعني الجهل بالطريق في هذا الظلام المدلهم إلى زقاق موحش مهجور يخيل للناظر إليه في مثل تلك الساعة التي مررت فيها أنه مسكن الجان، أو مأوى الغيلان، فشعرت كأني أخوض بحراً أسود يزخر بين جبلين شامخين ، وكأن أمواجه تقبل بي وتدبر ، وترتفع وتنخفض ، فما توسطت لجته حتى سمعت في منزل من تلك المنازل المهجورة أنّةً تتردد في جوف الليل ثم تلتها أختها ثم أخواتها ، فأثر في نفسي مسمعها تأثيراً شديداً وقلت يا للعجب ، كم يكتم هذا الليل في صدره من أسرار البائسين ، وخفايا المحزونين ، وكنت قد عاهدت الله قبل اليوم ألا أرى محزوناً حتى أقف أمامه وقفة المساعد إن استطعت ، أو الباكي إن عجزت ، فتلمست الطريق إلى ذلك المنزل حتى بلغته فطرقت الباب طرقاً خفيفاً فلم يفتح، فطرقته أخرى طرقاً شديداً ففتحت لي فتاة صغيرة لم تكد تسلخ العاشرة من عمرها ، فتأملتها على ضوء المصباح الصئيل الذي كان في يدها، فإذا هي في ثيابها الممزقة ، كالبدر وراء الغيوم المتقطعة ، وقلت لها: هل عندكم مريض، فزفرت زفرة كاد ينقطع لها نياط قلبها ، وقالت : أدرك أبي أيها الرجل فهو يعالج سكرات الموت ، ثم مشت أمامي فتبعتها حتى وصلت إلى غرفة ذات باب قصير مسنم فدخلتها فخيل إلي أي قد انتقلت من عالم الأحياء إلى عالم الأموات ، وأن الغرفة قبر، والمريض ميت ، فدنوت منه حتى صرت بجانبه ، فإذا قفص من العظم يتردد فيه النفس تردد الهواء في البرج الخشبي، فوضعت يدي على جبينه ففتح عينيه وأطال النضر في وجهي ثم فتح شفتيه قليلاً قليلاً وقال بصوت خافت (أحمد الله فقد وجدت صديقي) ، فشعرت كأن قلبي يتمشى في صدري جزعاً وهلعاً وعلمت أني قد عثرت بضالتي التي كنت أنشدها، وكنت أتمنى الا أعثر بها وهي في طريق الفناء ، وعلى باب القضاء ، وألا يجدد لي مرآها حزناً كان في قلبي كميناً ، وبين أضالعي دفيناً ، فسألته ما باله ، وما هذه الحال التي صار إليها ، وكأن انسه بي امد مصباح حياته الضئيل بقليل من النور، فأشار إلي أنه يحب النهوض ، فمددت يدي إليه فأعتمد عليها حتى استوى جالساً وأنشأ يقص عليّ القصة التالية :

قصر عظيم وفتاة ساحرة :

منذ عشر سنين كنت أسكن أنا ووالدتي بيتاً يسكن بجانبه جار لنا من أرباب الثراء والنعمة، وكان قصره يضم بين جناحيه فتاة ما ضمت القصور أجنحتها على مثلها حسناً وبهاء ، ورونقاً وجمالاً ، فألم بنفسي من الوجد بها ما لم أستطع معه صبراً ، فما زلت بها أعالجها فتمتنع ، وأستنزلها فتعذر ، وأتأتى إلى قلبها بكل الوسائل فلا أصل إليه، حتى عثرت بمنفذ الوعد بالزواج فانحدرت منه إليها ، فسكن جماحها ، وأسلس قيادها ، فسلبتها قلبها وشرفها في يوم واحد، وما هي إلا أيام قلائل حتى عرفت أن جنيناً يضطرب في احشائها ، فأسقط في يدي ، وطفقت أرتئي بين أن أفي لها بوعدها ، أو أقطع حبل ودها ، فآثرت اخراهما على اولاهما وهجرت ذلك المنزل إلى المنزل الذي كنت تزورني فيه ، ولم أعد أعلم بعد ذلك من أمرها شيئاً .

رسالة تهز الكيان:

مرت على تلك الحادثة أعوام طوال وفي ذات يوم جاءني منها مع البريد هذا الكتاب ، ومد يده تحت وسادتهم وأخرج كتاباً بالياً مصفراً فقرأت فيه ما يأتي :

ولو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً ، أو وداً قديماً ، ما كتبت 

أساس الخوف والفضيحة:

إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبي ناراً تضطرم ، وجنيناً يضطرب، تلك للأسف على الماضي ، وذاك للخوف من المستقبل ، فلم تبال بذلك وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤونة النظر إلى شقاء أنت صاحبه ، ولا تكلف يدك مسح دموع أنت مرسلها ، فهل أستطيع بعد ذلك أن أتصور أنك رجل شريف ، لا بل لا أستطيع أن أتصور أنك إنسان ، لأنك ما تركت خلة من الخلال المتفرقة في نفوس العجماوات وأوابد الوحوش إلاً جمعتها في نفسك وظهرت بها جميعها في مظهر واحد.

وسيلة لإرضاء الشهوة:

كذبت عليّ في دعواك أنك تحبني ، وما كنت تحب إلا نفسك ، وكل ما في الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضائها، فمررت بي في طريقك إليها، ولولا ذلك ما طرقت لي باباً ، ولا رأيت لي وجهاً .

خنتني إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج امرأة مجرمة ساقطة، وما هذه الجريمة ولا تلك السقطة إلا صنعة يدك ، وجريرة نفسك ، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة ، فقد دافعتك جهدي حتى عييت بأمرك فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير ، بين يدي الجبار الكبير.

سلب العفة.

سرقت عفني ، فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب، أستثقل الحياة وأستبطىء الأجل، وأي لذة في العيش لامرأة لا تستطيع أن تكون زوجة لرجل ، ولا اماً لولد ، بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات البشرية إلا وهي خافضة رأسها ، مسبلة جفنها ، واضعة خدها على كفها ، ترتعد أوصالها وتذوب أحشاؤها ، خوفاً من عبث العابثين وتهكم المتهكمين .

سلبتني راحتي ، لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثة إلى الفرار من ذلك القصر الذي كنت متمتعة فيه بعشرة ابي وامي ، تاركة ورائي تلك النعمة الواسعة وذلك العيش الرغد إلى منزل حقير في حي مهجور لا يعرفه أحد ، ولا يطرق بابه طارق ، لأقضي فيه الصبابة الباقية لي من أيام حياتي .

قتلت أمي وأبي ، فقد علمت أنهما ماتا ، وما أحسب موتهما إلا حزناً لفقدي ، ويأساً من لقائي .

مرارة السم :

قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك ، والهم الطويل الذي عالجته بسببك ، قد بلغا مبلغهما من جسمي ونفسي ، فأصبحت في فراش الموت كالذبابة المحترقة تتلاشى نفساً في نفس ، وأحسب أن الله قد صنع لي ، واستجاب دعائي ، وأراد أن ينقلني من دار الموت والشقاء ، إلى دار الحياة والهناء.

فأنت كاذب خادع ، ولص قاتل ، ولا أحسب أن الله تاركك دون أن يأخذ لي بحقي منك.

على باب القبر:

ما كتبت إليك هذا الكتاب لأجدد بك عهداً ، أو أخطب إليك ودّاً ، فأنت أهون علي من ذلك، على أنني قد أصبحت على باب القبر وفي موقف وداع الحياة بأجمعها خيرها وشرها ، سعادتها وشقائها ، فلا أمل لي في ود ، ولا متسع لعهد ، وإنما كتبت إليك لأن لك عندي وديعة وهي فتاتك ، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك أبقى لك منها رحمة الأبوة ، فأقبل إليها وخذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء ما أدرك أمها من قبلها.

جرائم مروعة:

فما أتممت قراءة الكتاب حتى نظرت إليه فرأيت مدامعه تنحدر على خديه فسألته ، وماذا تم له بعد ذلك ؟ ، قال إني ما قرأت هذا الكتاب حتى أحسست برعدة تتمشى في جميع أعضائي ، وخيل إلي أن صدري يحاول أن ينشق عن قلبي حزناً وجزعاً ، فأسرعت إلى منزلها وهو هذا المنزل الذي تراني فيه الآن . فرأيتها في هذه الغرفة على هذا السرير جثة هامدة لا حراك بها ، ورأيت فتاتها إلى جانبها تبكي بكاءً مراً ، فصعقت لهون ما رأيت ، وتمثلت لي جرائمي في غشيتي كأنما هي وحوش ضارية، وأساود ملتفة، هذ ينشب أظافره ، وذاك يحدد أنياه ، فما أفقت حتى عاهدت الله ألا أبرح هذه الغرفة التي سميتها (غرفة الأحزان) حتى أعيش فيها عيشها ، وأموت وموتها.

وها أنذا أموت اليوم راضياً مسروراً . فقد حدثني قلبي أن الله قد غفر لي سيئاتي بما قاسيت من العناء ، وكابدت من الشقاء . 

الكلمة الأخيرة:

وما وصل من حدينه إلى هذا الحد حتى انعقد لسانه واكفهر وجهه وسقط على فراشه فأسلم الروح وهو يقول : ابنتي يا صديقي ، فلبثت بجانبه ساعة قضيت فيها ما يجب على الصديق لصديقه ، ثم كتبت إلى أصدقائه ومعارفه ، فحضروا تشييع جنازته ، وما رئي مثل يومه يوم كان أكثر باكية وباكياً.

ولما حثونا الترب فوق ضريحه      جزعنا ولكن أي ساعة مجزع

يعلم الله أني أكتب قصته ، ولا أملك نفسي من البكاء والنشيج ولا أنسى ما حييت نداءه لي وهو يودع نسمات الحياة وقوله «ابنتي يا صديقي»(1).

عذاب الضمير الأخلاقي:

لقد وقعت هذه الحادثة المؤسفة نتيجة اعتداء جنسي قام به شاب على فتاة سرعان ما استسلمت. والذي أوصلهما إلى هذه المأساة تضاد الميول والرغبات لديهما وعذاب الضمير الأخلاقي، فكان ما كان .

فلو كان الطرفان قد أقدما منذ البداية على تعديل ميولهما الجنسية ، وسيطرا على أهوائهما النفسية ، ولم يختلطا بشكل مناف للعفة والقانون ، لما بلغا ما بلغاه من مأساة يندى لها الجبين وتهتز لها المشاعر .

فالشاب غشيته شهوته وتملكته ميوله الجنسية ، ولم يعد يفكر سوى بإرضاء نزوته ، فوعد كذباً لبلوغ مراده .

أما الفتاة فكانت تفقد السيطرة على أهوائها النفسية ، والمقاومة أمام الغريزة الجنسية ، ولم تكن تخشى إلا على شرفها وكرامتها، وعندما وعدها الشاب بالزواج استسلمت له متصورة أن هذا الوعد قد رفع كل تضاد ما بين الرغبة الجنسية والرغبة في الحفاظ على الشرف ، وأن سمعتها ستبقى مصانة.

نقض العهد:

وبعد أن أفرغ الشاب شهوته وأشبع غريزته ، هجر الفتاة ناقضاً عهده لها بالزواج ، وذلك خلافاً للفطرة الأخلاقية والصفات الإنسانية ، أما الفتاة فبعد أن خسرت شرفها وكرامتها ، دفعها الخوف من الفضيحة وسوء السمعة إلى هجر الدنيا ومن فيها وما فيها حتى أبويها ، وتقبل تلك الحياة رغم مرارتها وصعوبتها ، لكن الإحباط النفسي الذي عاشته الفتاة بعد انهدار كرامتها قد ساهم في دنو أجلها وهي في ريعان شبابها .

تأنيب الضمير :

وقد تألم الشاب كثيراً بعد ان اطلع في الرسالة على نتيجة نقضه للعهد وخيانته ، ولما صار عندها وشاهد الفتاة المسكينة جثة هامدة اغمي عليه. ولم يعد بعد موت الفتاة يستطيع مواصلة حياته بشكل طبيعي نتيجة تأنيب الضمير والندم ، فأجبره الشعور بالذنب على هجر الحياة ليبقى حبيس غرفة الأحزان تلك حتى يفارق الحياة .

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : كم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلا(2).

المنزلق الخطير:

تعتبر الغرائز وخاصة الغريزة الجنسية منزلقاً خطيراً في حياة الشباب. والشاب الذي يبحث عن سعادته وهنائه في الحياة ، عليه أن يسرع في تعديل أهوائه النفسية وتسليم لجام غرائزه لعقله ، ليصون نفسه من مخاطر تمردها وطغيانها ، ويجنبها شقاء العمر وتعاسته .

عباد الهوى:

تطلق كلمة «المترف» في اللغة العربية على كل من لم يعمل على تعديل غرائزه، ويعيش أسير شهواته ونزواته، ولم يسع إلى تحجيم رغباته وميوله في أطرها الصحيحة، ويبقى عبداً لهواه، وينفق من نعم الله في غير محلها، ولا يخشى الإتيان بالمعاصي إرضاءً لشهواته.

ومثل هذا الإنسان المترف الأناني عبد الهوى، لا يجلب الشقاء والتعاسة لنفسه فقط نتيجة عدم تفكيره في تعديل ميوله وغرائزه ، بل إن مثل هذا العنصر الخطير يتسبب في شقاء مجتمع بأكمله. إذ بمقدوره أن يجرف الآخرين نحو الفساد والرذيلة، ويقضي على كل الموازين الأخلاقية والإنسانية، ويدمر منازل السعادة في المجتمع ، وبالتالي يأخذ بيد هذا المجتمع نحو السقوط والدمار . وقد صرح القرآن الكريم بهذا الأمر الاجتماعي والتربوي المهم ، وتطرق إلى خطر وجود المترفين من عباد الهوى على المسلمين .

قال تبارك وتعالى:

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].  

_____________________________

(1) النظرات ج1 ، ص 245 .

(2) وسائل الشيعة ج 4، ص29 . 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي