الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
عود إلى النقل عن بدائع البدائه
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة: مج3، ص: 318-320
2023-05-04
1545
عود إلى النقل عن بدائع البدائه
وقال صاحب " البدائع "(1) ركب الأستاذ أبو محمد ابن صارة مع أصحاب له في نهر إشبيلية في عشية سال أصيلها على لحين الماء عقيانا ، وطارت زواريقها في سماء النهر عقبانا ، وأبدى نسيمها من الأمواج والدارات شرراً وأعكانا ، في زورق يحول جولان" الطرف، ويسود اسوداد الطرف ، فقال بديها:
تأمل حالنا والجو طلق محياه وقد طفل المساء
وقد جالت بنا عذراء حبلى تجاذب مرطتها ريح رخاء
بنهر كالسجنجل كوثري تعبس وجهها فيه السماء
واتفق أن وقف أبو إسحاق ابن خفاجة على القطعة واستظرفها واستلطفها ، فقال يعارضها على وزنها وروبها وطريقتها:
ألا يا حبذا ضحك الحميا بحانتها وقد عبس المساء
وأدهم من جياد الماء مهر(2) تنازع جله ريح رخاء
إذا بدت الكواكب فيه غرقى رأيت الأرض تحسدها السماء
وقال الأديب ابن خفاجة في ديوانه(3): صاحبت في صدري من المغرب سنة ثلاث وثمانين واربعمائة أبا محمد عبد الجليل بن وهبون شاعر المعتمد ، وكان أبو جعفر ابن رشيق يومئذ قد تمنع ببعض حصون مرسية ، وشرع في النفاق فقطع السبيل ، وأخاف الطريق ، ولما حاذينا قلعته وقد احتدمت جمرة الهجير،
318
ومل الركب رسيمه وذميله ، وأخذ كل منا يرتاد مقيله ، اتفقنا على أن لا نطعم طعاما، ولا تذوق مناماً ، حتى نقول في صورة تلك الحال ، وذلك الترحال ، ما حضر ، وشاء الله أن أجبل" ابن وهبون واعتذر ، وأخذت عفو خاطري ، فقلت أتربص به(4)، وأعرض بعظم لحيته:
ألا قل للمريض القلب مهلا فإن السيف قد ضمن الشفاء
ولم أر كالنفاق شكاة حر ولا كدم الوريد له دواء
وقد دحي النجيع هناك أرضاً وقد سمك العجاج به سماء
وديس به انحطاطاً بطن واد من أعشب شعر لحيته ضراء
وقال ابن خفاجة أيضاً : حضرت يوما مع أصحاب لي ، ومعهم صبي متهم في نفسه ، واتفق أنهم تحاوروا في تفضيل الرمان على العنب ، فانبرى ذلك الصبي فأفرط في تفضيل العنب ، فقلت بديها أعبث به:
صلني لك الخير برمانة لم تنتقل عن كرم العهد
لا عنبا أمتص عنقود ثدياً كأني بعد في المهد
وهل يرى بينهما نسبة من عدل الخصية بالنهد
فخجل خجلا شديدا وانصرف.
قال : وخرجت يوما بشاطبة إلى باب السمارين ، ابتغاء الفرجة على خرير ذلك الماء بتلك الساقية ، وذلك سنة 480 ، وإذا بالفقيه أبي عمران ابن أبي تليد رحمه الله تعالى قد سبقني إلى ذلك ، فألفيته جالساً على دكان كانت هناك مبنية لهذا الشأن ، فسلمت عليه ، وجلست إليه ، مستأنسا به فجرى أثناء ما تناشدناه ذكر قول ابن رشيق:
319
يا من يمر ولا تمر به القلوب من الفرق
بعمامة من خـده أو خده منها استرق
فكـأنه وكأنها قمر تعمم بالشفق
فإذا بدا واذا انثنى وإذا شدا وإذا نطق
شغل الخواطر والجوا نح والمسامع والحدق
فقلت ، وقد أعجب بها جداً ، وأثنى عليها كثيراً : أحسن ما في القطعة سياقة الاعداد ، وإلا فأنت تراه قد استرسل فلم يقابل بين ألفاظ البيت الأخير والبيت الذي قبله فينزل بإزاء كل واحدة منها ما يلائمها وهل ينزل بإزاء قوله "وإذا نطق" قوله " شغل الحدق "، وكأنه نازعني القول في هذا غاية الجهد ، فقلت بديها:
ومهفهف طاوي الحشا خنث المعاطف والنظر
ملأ العيون بصورة تليت محاسنها سور
فإذا رنا وإذا مشى وإذا شدا وإذا سفر
فضح الغزالة والغما مة والحمامة والقمر
فجن بها استحسانا، انتهى .
قال ابن ظافر : والقطعة القافية ليست لابن رشيق ، بل هي لأبي الحسين علي ابن بشر الكاتب أحد شعراء اليتيمة(5).
وكان بين السميسر الشاعر(6) وبين بعض رؤساء المرية واقع لمدح
320
مدحه فلم يجزه عليه ، فصنع ذلك الرجل دعوة للمعتصم بن صمادح صاحب المرية واحتفل فيها بما يحتفل مثله في دعوة سلطان مثل المعتصم ، فصبر السميسر إلى أن ركب السلطان متوجها إلى الدعوة ، فوقف له في الطريق ، فلما حاذاه رفع صوته بقوله :
يا أيها الملك الميمون طائره ومن لذي مأتم في وجهه عرس
لا تفرسن(7) طعاماً عند غيركم إن الأسود على المأكول تفترس
فقال المعتصم : صدق والله ، ورجع من الطريق ، وفسد على الرجل ما كان عمله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بدائع البدائه: 2 : 142.
2- ب : نهد ؛ ق : نهر .
3- وردت هذه القصص المتعلقة بابن خفاجة في بدائع البدائه 2 : 143 ، 145.
4- البدائع : أريض نار نزوته .
5- هذا وهم من ابن ظافر تابعه فيه المقري فإن أبا الحسن ( لا أبا الحسين ) علي بن أبي البشر الكاتب هو أحد شعراء الدرة الخطيرة لابن القطاع ، وهو من ثم أحد شعراء الخريدة ( 1/4 : - وسماء ابن أبي البشائر ) ؛ وقد ترجم له السفدي في الجزء الثالث من الواني ، نسخة مكتبة أحمد الثالث ؛ وذكره أبو الصلت في رسالته المصرية ( نوادر المخطوطات 1 : 22) .
6- البدائع 2 : 148 .
7- البدائع : لا تقربن.