الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
رسالة إلى أبي حمو
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج6، ص:195-204
2024-10-07
366
ومن بديع نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه لسلطان تلمسان
إثر قصيدة سينية حازت قصب السبق ولنثبت الكل هنا فنقول : قال الإمام الحافظ عبد الله التنسي نزيل تلمسان رحمه الله تعالى عندما جرى ذكر أمير
المسلمين السلطان أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يغمراسن بن
زیان رحمه الله تعالى : ، ما صورته : وكان الفقيه ذو الوزارتين أبو عبد الله ابن الخطيب كثيراً ما يوجه إليه بالأمداح، ومن أحسن ما وجه له قصيدة سينية فائقة ، وذلك عندما أحس بتغير سلطانه عليه، فجعلها مقدمة بين يدي نجواه ، لتمهد له مثواه ، وتحصل له المستقر ، إذا ألجأه الأمر إلى المفر ، فلم تساعده الأيام ، كما هو شأنها في أكثر الأعلام ، وهي هذه 1 :
النديم غروسا مهموسا
أطلعن في سدف الفروع شموسا ضحلك الظلام لها وكان عبوسا
وعطفن قضباً للقدود نواعماً بوتن أدواح النعيم غروسا
وعد لن عن جهر السلام مخافة ال واشي فجئن بلفظه مهموسا
وسفرن من دهش الوداع وقوم هُنَّ إلى الترحل قد أناخوا العيسا
وخلسن من خلل الحجال إشارة فتركن كل حجالها مخلوسا
لم أنسها من وحشة والحي قد زجر الحمول وآثر التغليسا
195
لا الملتقى من بعدها كثب ولا عوج الركائب تسأم التخييسا
فوقفت وقفة هائم برحاؤه وقفت عليه وحبست تحبيس
ودعوت عيني عاتبا وعيونها بعصا النوى قد بجست تبجيسا
نافست يا عيني در دموعهم فعرضت درا للدموع نفيسا
ما للحمى بعد الأحبة موحشا ولكم تراءى آهلا مأنوسا
ولسربه حول الخميلة نافرا عمن يحس به وكان أنيسا
ولظله المورود غمر قليبه لا يقتضي وردا ولا تعريسا
حييته فأجابني رجع الصدى لا فرق بينهما إذا ما قيسا
ما إن يزيد على الإعادة صوته حرفا فيشفي بالمزيد نسيسا
نضب المعين وقلص الظل الذي ظلنا عكوفا عنده وجلوسا
نتواعد الرجعى ونغتنم اللقا وندير من شكوى الغرام كؤوسا
فإذا سألت فلا تسائل مخبرا وإذا سمعت فلا تحس حسيسا
عهدي به والدهر يتحف بالمنى وقد اقتضت نعماه أن لا بوسا
والعيش غض الريع والدنيا قد اجتليت بنغناه علي عروسا
أترى يعيد الدهر عهدا للصبا درست مغاني الأنس فيه دروسا
أوطان أوطار تعوض أفقها من رونق البشر البهي عبوسا
هيهات لا تغني لعل ولا عسى في مثلها إلا لآية عيسى
والدهر في دست القضاء مدرس فإذا قضى يستأنف التدريسا
تفنن في جمل الورى أبحاثه لا سيما في باب نعم وبيسا
وسجية الإنسان ليس بناصل من صبغها حتى يرى مرموسا
يغر مهما ساعدت آماله فإذا عسراه الخطب كان يؤوسا
196
فلو أن نفساً مكنت من رشدها يوماً وقدسها الهدى تقديــــا
لم تستفز رسوخها النعمى ولا هلعت إذا كشرت إليها البوسى
قل للزمان إليك عن متذمم بضمان عن لم يكن ليخيسا
فإذا استخر جلاده فأنا الذي استغشيت من سرد اليقين لبوسا
وإذا طغى فرعونه فأنا الذي من ضُره وأذاه عُذْتُ بموسى
أنا ذا أبو مثواه من يحمي الحمى ليثاً ويعلم بالزئير الخيســـا
لما اختبرت الليث والعريسا بحمى أبي حمو حططت ركائبي
أسد الهياج إذا خطا قدماً سطا فتخلف الأسد الهزبر فريسا
بدر الهدى يأبى الضلال ضياؤه أبدا فيجلو فيجلو الظلمة الظلمة الجنديسا
جبل الوقار رسا وأشرف واعتلى وسما فطأطأت الجبال رؤوسا
غيث النوال إذا الغمام حلوبة مثلت بأيدي الحالبين بسوسا
تلقاه يوم الأنس روضاً ناعماً وتراه بأساً في الهياج بئيسا
كم غمرة جلى وكم خطب كفى إن أوطأ الجرد العتاق وطيسا
كم حكمة أبدى وكم قصد هدى للسالكين أبان منه دريسا
أعلى بني زيان والفد" الذي ليس الكمال فزين الملبوسا
جمع الندى والبأس والشيم العلا والسؤدد المتواتر القـــــد مـوســـــا
والحلم ليس" يباين الخلق الرضى والعلم ليس يعارض الناموسا
والسعد يغني حكمه عن نصبة تستخبر التربيع والتسديسا
كم راض صعباً لا يراض مُعاصياً كم خاض بحراً لا يخاص ضروسا
197
بلغ التي لا فوقها متمهلا وعلا السها واسفل البرجيسا
يا خير من خفقت عليه سحابة للنصر تمطره أجش بجيسا
وأجل من حملته صهوة سابح إن كر ضعضع كره الكردوسا
قسما بمن رفع السماء بغير ما عمد ورفع فوقها إدريسا
ودحا البسيطة فوق لج مزبد ما إن يزال على القرار حبيسا
حتى يهيب بأهله الوعد الذي حشر الرئيس إليه والمرؤوسا
ما أنت إلا ذخرا دهرك دمت في الصون الحريز ممتعسا محروسا
لو ساومته الأرض فيك بما حوت لرآك مستاما بها مبخوسا
حلف البرور بها ألية صادق ويمين من عقد اليمين غموسا
من قاس ذاتك بالذوات فإنه جهل الوزان وأخطأ التقيسا
لا تستوي الأعيان فضل مزية وطبيعة فطر الإله وسوسا
لعناية التخصيص سر غامض من قبل ذرء الخلق خص نفوسا
من أنكر الفضل الذي أوتيته جحد العيان وأنكر المحسوسا
من دان بالأخلاص فيك فعقده لا يقبل التمويه والتلبيسا
والمنتمى العلوي عيصك لم تكن لترى دخيلا في بنيه دسيسا
بيت البتول ومنبت الشرف الذي تحمي الملائك دوحه المغروسا
أما سياستك التي أحكمتها ورميت بالتقصير أسطاليسا
فلو أن كسرى الفرس أبصر بعضها ماكان يطمع أن يعدي سوسا
لو سار عدلك في السنين لما اشتكت بخسا ولم يك بعضهن كبيسا
198
ولو الجواري الخنس انتسبت الى إقدام عزمك ما خنسن خنوسا
قدت الصعاب فكل صعب سامح لك بالقياد وكان قبل شموسا
تلقى الليوث وللقتام غمامة قدح الصفيح وميضها المقبوسا
وكأنها تحت الدروع أراقم ينظرون من خلل المغافر شوسا
ما لا بن مامة في القديم وحاتم ضرب الزمان بجودهم ناقوسا
من جاء منهم مثل جودك كلما حسبوا المكارم كسوة أو كيسا
أنت الذي افتك السفين وأهله إذ أوسعت سبل الخلاص طموسا
أنت الذي أمددت ثغر الله بالصدقات تبلس كرة إبليسا
وأعنت أندلسا بكل سبيكة موسومة لا تعرف التدليسا
وشحينة بالبر في سبل الرضى والبر قارب قاعها القاموسا
إن لم تجر بها الخميس فطالما جهزت فيها للنوال خميسا
ومللأت أيديها وقد كادت على حكم القضاء تشافه التفليسا
صدقت للآمال صنعة جابر وكضيتها التشميع والتشميسا
والحل والتقطير والتصعيد والتخمير والتوصيل والتكليسا
فسبكت نت آمالها مالا ومن أوراقها ورقا وكن طروسا
بهتوا فلما استخبروا لم ينكروا وزنا ولا لونا ولا ملموسا
وتدير من قلب السطور سبائكا منها ومن طبع الحروف فلوسا
ونحوت نحو الفضل تعضد منه بالمسموع ما ألفيت منه مقيسا
وجبرت بعد الكسر قومك جاهدا تغني العديم وتطلق المحبوسا
199
ونشرت راية عزهم من بعد ما دال الزمان فسامها تنكيسا
أحكمت حيلة برئهم بلطافة قد أعجزت في الطب جالينوسا
وفللت من حد الزمان وإنه أوحى وأمضى من غيرار الموسى
وشحذت حداً كان قبل مثلما و نعشت جدا كان قبل تعيسا
لم ترجُ إلا الله جل جلاله في شدة تكفى وجرح يوسى
قدمت صبحاً فاستضأت بنوره ووجدت عند الشدة التنفيسا
ما أنت إلا فالح متيقن بالنُّجح تعمر ممرعاً ويبيسا
ومتاجر جعل الأريكة صهوة عربية والمتكا القربوسا
ما إن تبايع أو تشاري واثقاً بالربح إلا المالك القدوسا
والعزم يفترعُ النجوم بناؤه مهما أقام على التقى تأسيسا
ومقام صبرك واتكالك مذكر بحديثه الشبلي أو طاووسا
ومن ارتضاه الله وفق سعيه فرأى العظيم من الحظوظا خسيسا
ما ازددت بالتمحيص إلا جدة ونضوت من خلع الزمان لبيسا
ولطالما طرق الخسوف أهلة ولطالما اعترض الكسوف شموسا
ثم انجلت قسمانها عن مشرق للسعد ليس بحاذر تتعيسا
خذها إليك على النوى سينية ترضى الطباق وتشكر التجنيسا
إن طوولت" بالدر من حول الطلى يوماً تشكت حظها الموكوسا
لولاك ما أصغت الخطبة خاطب ولعنست في بيتها تعنيسا
قصدت سليمان الزمان وقاربت في الخطو تحسب نفسها بلقيسا
لي فيك ود لم أكن من بعد ما أعطيت صفقة عهده لأخيسا
كم لي بصحة عقده من شاهد لا يحذر التجريح والتدليسا
200
يقفو الشهادة باليمين وإنه لمؤمن من أن يعد فسيسا
لا يستقر قرار أفكاري الى أن أستقر لدى علاك جليسا
ورأى تجاهك مستقيم السير للقصد الذي أعلمته معكوسا
هي دين أيامي فإن سمحت به لم يبق من شيء عليه يوسى
لا زال صنع الله مجنونا إلى مثواك يهدي البشر والتأنيسا
متتابعا كتتابع الأيام لا يذر التعاقب جمعة وخميسا
فلو انصفتك إيالة الملك التي رضت الزمان لها وكان شريسا
قرنت بذكرك والدعاء لك الذي تختاره التسببيح والتقديسا
القلب أنت لها رئيس حياها لم تعتبر مهما صلحت رئيسا
ثم قال الحافظ التنسي رحمه الله تعالى بعد سرد هذه القصيدة ما معناه : إن
لسان الدين ابن الخطيب حذا في هذه القصيدة السينية حذو أبي تمام في قصيدته التي أولها :
أقشيب ربعهم أراك دريسا تقري ضيوفك لوعة ورسيسا
واختلس كثيرا من ألفاظها ومعانيها انتهى
ووصل لسان الدين هذه القصيدة بنثر بديع نصه :
هذه القصيدة - أبقى الله تعالى المثابة المولوية الموسوية ممتعة بالشمل
المجموع والثناء المسموع والملك المنصور الجموع - نفثة من باح بسر
هواه ولبى دعوة الشوق العابث بلبه وقد ظفر بمن يهدي خبر جواه الى محل هواه ويختلس بعث تحيته الى مثير أريحيته وهي بالنسبة الى مايعتقد /201
من ذلك الكمال ، الشاذ عن الآمال ، عنوان من كتاب ، وذواق من أوقار ذات أقتاب، وإلا فمن يقوم بحق تلك المثابة لسانه ، أو يكافىء إحسانها إحسانه ، أو يستقل بوصفها يراعه ، أو تنهض بأيسر وظيفها ذراعه ؟ ولا مكابرة بعد الاعتراف . والبحر لا ينفد بالاغتراف ، لاسيما وذاتكم اليوم والله تعالى يبقيها ، ومن المكاره ،يقيها، وفي معارج القرب من حضرة القدس يرقيها ، ياقوتة اختارها واعتبرها ، ثم ابتلاها بالتمحيص في سبيل التخصيص واختبرها ، وسبيكة أخلصها مسجرها ، فخلصها بتسجيره من الشوب ، وأبرزها من لباب الذوب ' ، وقصرت عن هذه الأثمان ، وسُرَّ بصدق دعواه البهرمان 2، ليفاضل بين الجهام والصيب و ليميز الله الخبيث من الطيب ) الأنفال) : 37 ) فأراكم أن لا جدوى للعديد ولا للعدة ، وعرفكم بنفسه في حال الشدة ، ثم فسح لكم بعد ذلك في المدة ، لتعرفوه إذا دال الرخاء . وهبت بعد تلك الزعازع الريح الرخاء ، وملأكم من التجارب . وأوردكم من ألطافه أعذب المشارب ، ونقلكم بين إمرار الزمان وإحلاته . ولم يسلبكم إلا حقيراً عند أوليائه ، وأعادكم المعاد المطهر، وألبسكم من أثواب اختصاصه المعلم المشهر ، فأنتم اليوم بعين العناية ، بالإفصاح والكناية ، قد وقف الدهر بين يديكم موقف الاعتراف بالجناية ، فإن كان الملك اليوم علماً يدرس، وقوانين في قوة الحفظ تغرس، وبضاعة برصد التجارب تحرس، فأنتم مالك دار هجرته المحسوبة ، وأصمعي شعوبه المنسوبة ، إلى ما حزتم من أشتات الكمال ، المربية على الآمال، فالبيت علوي المنتسب ، والملك بين الموروث
والمكتسب ، والجود يعترف به الوجود ، والدين يشهد به الركوع والسجود والبأس تعرفه التهائم والنجود والخلق يحسده الروض المجود والشعر يغرف من عذيب نمير ويصدق ما قال: بدىء بأمير وخم بأمير وإن مملوككم حوم ( 202
-
من بابكم على العذب البرود ، فعاقه الدهر عن الورود ، واستقبل أفقه الرصد ، ولكنه أخطأ القصد ، ومن أخطأ الغرض أعاد ، ورجا من الزمان الإسعاد،
فربما خبىء نصيب ، أو كان . مع الخواطىء سهم مصيب ) ، وكان يؤمل صحبة ركاب الحجاز ، فانتقلت الحقيقة منه إلى المجاز ، وقطعت القواطع التي لم ينلها الحساب ، ومنعت الموانع التي خلص منها إلى الفتنة الانتساب ، ومن طلب الأيام أن تجري على اقتراحه ، وجب العمل على الراحه ، فإنما هي البحر الزاخر ، الذي لا يدرك منه الآخر ، والرياح متغايرة ، والسفينة الحائرة ، فتارة يتعذر من المرسى الصرف ، وتارة تقطع المسافة البعيدة قبل أن يرتد الطرف ، هذا إن سالمها عطبها ، وأعفي من الوقود حطبها ، ولقد علم الله جل جلاله أن لقاء ذلك المقام الكريم عند المملوك تمام المطلوب ، ممن يجبر كسر القلوب ، فإنه مما انعقد على كماله الإجماع ، وصح في عوالي معاليه السماع ، وارتفعت في وجود مثاله الأطماع ، أخلاقاً هذبها الكرم الوضاح ، وسجية كلف بها الكمال الفضاح ، وحرصاً على الذكر الجميل وما يتنافس فيه إلا من سمت هممه ، وكرمت ذممه ، وألفت الخلد رممه ، إذ الوجود سراب ، وما فوق التراب تراب، ولا يبقى إلا عمل راق ، أو ذكر بالجميل يسطر في أوراق ، حسبما قلت من قصيدة كتبتها على ظهر مكتوب موضوع أشار به من كانت له طاعة ، فوفت
بمقترحه استطاعة:
يمضي الزمان وكلُّ فان ذاهب إلا جميل الذكر فهو الباقي
لم يبق من إيوان كسرى بعد ذا ك الحفل إلا الذكر في الأوراق
هل كان للسفاح والمنصور وال مهدي من ذكر على الإطلاق
أو للرشيد وللأمين وصنوه لولا شباة براعة الوراق
رجع التراب إلى التراب بما اقتضت في كل خلق حكمة الخلاق
203
إلا الثناء الخالد العطر الشذا يهدي حديث مكارم الأخلاق
والرغبة من مقامكم الرفيع الجناب، أن يمكنها من حسن المناب ، فتحظى بحلول ساحته ، ثم بلثم راحته، ثم بالإصغاء ، ولا مزيد للابتغاء ، إلى أن ترتفع الوساطة، وتغني عن التركيب البساطة ، وينسى الأثر بالعين ، ويحسن الدهر قضاء الدين . ونسأل الذي أغرى بها القريحة ، ولم يجعل الباعث إلا المحبة الصريحة ، أن يبقي تلك المثابة زيناً للزمان ، وذخراً مكنوفاً باليمن والأمان ، مظللاً برحمة الرحمن. بفضله وكرمه .