1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاندلسي :

وفود أردون على المستنصر

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب

الجزء والصفحة:  مج1،ص: 388-393

24-5-2022

2037

وفود أردون على المستنصر

وفي آخر صفر من سنة إحدى وخمسين أخرج الخليفة الحكم المستنصر بالله مولييه محمدا وزيادا ابني أفلح الناصري بكتيبة من الحشم لتلقي غالب الناصري صاحب مدينة سالم المورد للطاغية أردون بن أذفونش الخبيث في الدولة المتملك على طوائف من أمم الجلالقة والمنازع لابن عمه المملك قبله شانجة بن رذمير، وتبرع هذا اللعين أردون بالمسير إلى باب المستنصر بالله من ذاته، غير

 (388)

طالب إذن ولا مستظهر بعهد، وذلك عندما بلغه اعتزام الحكم المستنصر بالله في عامه ذلك على الغزو إليه، وأخذه في التأهب لهن فاحتال في تأميل المستنصر بالله والارتماء عليه، وخرج قبل أمان بعقد له أو ذمة تعصمه في عشرين رجلا من وجوه أصحابه، تكنفهم غالب الناصري الذي خرجوا إليه، فجاء به نحو مولاه الحكم، وتلقاهم ابنا أفلح بالجيش المذكور فأنزلاهم، ثم تحركا بهم ثاني يوم نزولهم إلى قرطبة، فأخرج المستنصر بالله إليهم هشاما المصحفي في جيش عظيم كامل التعبية، وتقدموا إلى باب قرطبة، فمروا بباب قصرها، فلما انتهى أردون إلى باب السدة وباب الجنان سأل عن مكان رمس الناصر لدين الله فأشير إلى ما يوازي موضعه من داخل القصر في الروضة، فخلع قلنسوته، وخضع نحو مكان القبر، ودعا، ثم رد قلنسوته إلى رأسه. وأمر المستنصر بإنزال أردون في دار الناعورة، وقد كان تقدم في فرشها بضروب الغطاء والوطاء، وانتهى من ذلك إلى الغاية، وتوسع له في الكرامة ولأصحابه، فأقام بها الخميس والجمعة، فلما كان يوم السبت تقدم المستنصر بالله باستدعاء أردون ومن معه بعد إقامة الترتيب وتعبية الجيوش والاحتفال في ذلك من العدد والأسلحة والزينة، وقعد المستنصر بالله على سرير الملك في المجلس الشرقي من مجالس السطح، وقعد الإخوة وبنوهم والوزراء ونظراؤهم صفا في المجلس فيهم القاضي منذر بن سعيد والحكام والفقهاء، فأتى محمد بن القاسم بن طملس (1) بالملك أردون وأصحابه وعالي لبوسه (2) ثوب ديباجي رومي ابيض وبليوال (3) من جنسه وفي لونه، وعلى رأسه قلنسوة رومية منظومة

(389)

بجوهر، وقد حفته جماعة من نصارى وجوه الذمة بالأندلس يؤنسونه ويبصرونه، فيهم وليد بن خيزران (4) قاضي النصارى بقرطبة وعبيد الله بن قاسم مطران طليطلة (5) وغيرهما، فدخل بين صفي الترتيب يقلب الطرف في نظم الصفوف، ويجيل الفكر في كثرتها وتظاهر أسلحتها ورائق حليتها، فراعهم ما أبصروه، وصلبوا على وجوههم،وتأملوا ناكسي رؤوسهم غاضين من أجفانهم قد سكرت أبصارهم حتى وصلوا إلى باب الأقباء أول باب قصر الزهراء، فترجل جميع من كان خرج إلى لقائه، وتقدم الملك أردون وخاصة قوامسه على دوابهم، حتى انتهوا إلى باب السدة ، فأمر القوامس بالترجل هنالك والمشي على الأقدام، فترجلوا، ودخل الملك أردون وحده راكبا مع محمد بن طملس، فأنزل في برطل (6) البهو الأوسط من الأبهاء القبلية التي بدار الجند على كرسي مرتفع مكسو الأوصال بالفضة، وفي هذا المكان بعينه نزل قبله عدوه ومناوئه شانجة بن رذمير الوافد على الناصر لدين الله - رحمه اله تعالى - فقعد أردون على الكرسي، وقعد أصحابه بين يديه، وخرج الإذن لأردون الملك من المستنصر بالله بالدخول عليه، فتقدم يمشي وأصحابه يتبعونه إلى أن وصل إلى السطح، فلما قابل المجلس الشرقي الذي فيه المستنصر بالله وقف وكشف رأسه وخلع برنسه، وبقي حاسرا إعظاما لما بان له من الدنو إلى السرير، واستنهض فمضى بين الصفين المرتبين في ساحة السطح، إلى أن قطع السطح وانتهى إلى باب البهو، فلما قابل السرير

 (390)

خر ساجدا سويعة، ثم استوى قائما، ثم نهض خطوات، وعاد إلى السجود ووالى ذلك مرارا إلى أن قدم بين يدي الخليفة وأهوى إلى يده فناوله إياها وكر راكعا مقهقرا على عقبه إلى وساد ديباج مثقل بالذهب، جعل له هنالك، ووضع على قدر عشرة أذرع من السرير، فجلس عليه، والبهر قد علاه، وأنهض خلفه من استدنى من قوامسه وأبتاعه، فدنوا ممتثلين في تكرير الخنوع وناولهم الخليفة يده فقبلوها وانصرفوا مقهقرين فوقفوا على رأس ملكهم، ووصل بوصولهم وليد بن خيزران قاضي النصارى بقرطبة، فكان الترجمان عن الملك أردون ذلك اليوم، فأطرق الحكم عن تكليم الملك أردون إثر قعوده أمامه وقتا كيما يفرخ (7) روعه، فلما رأى أن قد خفض عله افتتح تكليمه فقال: ليسرك إقبالك ويغبطك تأميلك،

فلدينا لك من حسن رأينا ورحب قبولنا فوق ما قد طلبته، فلما ترجم له كلامه إياه تطلق وجه أردون، وانحط عن مرتبته، فقبل البساط، وقال: أنا عبد أمير المؤمنين مولاي، المتورك على فضلهن القاصد إلى مجده، المحكم في نفسه ورجاله، فحيث وضعني من فضله وعوضني من خدمته رجوت أن أتقدم فيه بنية صادقة، ونصيحة خالصة، فقال له الخليفة: أنت عندنا بمحل من يستحق حسن رأينا، وسينالك من تقديمنا لك وتفضيلنا إياك على أهل ملتك ما يغبطك، وتتعرف به فضل جنوحك إلينا، واستظلالك بظل سلطاننا، فعاد أردون إلى السجود عند فهمه مقالة الخليفة، وابتهل داعيا، وقال: إن شانجة ابن عمي تقدم إلى الخليفة الماضي مستجيرا به مني، فكان من إعزازه إياه ما يكون من مثله من أعاظم الملوك وأكارم الخلفاء لمن قصدهم وأملهم، وكان قصده قصد مضطر قد شنأته رعيته، وأنكرت سيرته، واختارتني لمكانه من غير سعي مني علم الله ذلك، ولا دعاء إليه، فخلعته وأخرجته عن ملكه مضطرا مضطهدا، فتطول عليه - رحمه الله - بأن صرفه إلى ملكه،

 (391)

وقوى سلطانه، وأعز نصره، ومع ذلك فلم يقم بفرض النعمة التي أسديت إليه، وقصر في أداء المفروض عليه وحقه وحق مولاي أمير المؤمنين من بعده، وأنا قد قصدت باب أمير المؤمنين لغير ضرورة، من قرارة سلطاني وموضع أحكامي، محكما له في نفسي ورجالي ومعاقلي ومن تحويه من رعيتي، فشتان ما بيننا بقوة الثقة ومطرح الهمة، فقال الخليفة: قد سمعنا قولك، وفهمنا مغزاك، وسوف يظهر من إقراضنا إياك على الخصوصية شأنه، ويترادف من إحساننا إليك أضعاف ما كان من أبينا - رضي الله تعالى عنه - إلى ندك وإن كان له فضل التقدم بالجنوح إلينا والقصد إلى سلطاننا، فليس ذلك مما يؤخرك عنه، ولا ينقصك مما أنلناك، وسنصرفك مغبوطا إلى بلدك، ونشد أواخي ملكك ونملكك جميع من انحاش إليك من أمتك (8) ونعقد لك بذلك كتابا يكون بيدك نقرر به حد ما بينك وبين ابن عمك، ونقبضه عن كل ما يصرفه من البلاد إلى يدك، وسيترادف عليك من إفضالنا (9) فوق ما احتسبته، والله على ما نقول وكيل.

فكرر أردون الخضوع، وأسهب في الشكر، وقم للانصراف مقهقرا لا يولي الخليفة ظهره، وقد تكنفه الفتيان (10) ، فأخرجوه إلى المجلس الغربي في السطح، وقد علاه البهر وأذهله الروع، من هول ما باشره وجلالة ما عاينه من فخامة الخليفة وبهاء العزة، فلما أن دخل المجلس ووقعت عينه على مقعد أمير المؤمنين خاليا منه انحط ساجدا إعظاما له، ثم تقدم الفتيان يه إلى البهو الذي بجوفي هذا المجلس، فأجلسوه هنالك على وساد مثقل بالذهب، وأقبل نحوه الحاجب جعفر، فلما بصر به قام إليه، وخنع له (11) ، وأومأ إلى تقبيل يده،

 (392)

فقبضها الحاجب عنه، وانحنى إليه فعانقه، وجلس معه، فغبطه، ووعده من إنجاز عدات الخليفة له بما ضاعف سروره، ثم أمر الحاجب جعفر فصبت عليه الخلع التي أمر له بها الخليفة، وكانت دراعة منسوجة بالذهب، وبرنسا مثلها له لوزة مفرغة من خالص البر مرصعة بالجوهر والياقوت ملأت عين العلج تجلة، فخر ساجدا وأعلن بالدعاء، ثم دعا الحاجب أصحابه رجلا رجلا فخلع عليهم على قدر استحقاقهم، فكمل جميع ذلك بحسب ما يصلح لهم، وخر جميعهم خانعين (12) شاكرين، ثم انطلق الملك أردون وأصحابه، وقدم لركابه في أول البهو الأوسط فرس من عتاق خيل الركاب عليه سرج حلي ولجام حلي مفرغ، وانصرف مع ابن طملس إلى قصر الرصافة مكان تضييفه، وقد أعد له فيه كل ما يصلح لمثله من الآلة والفرش والماعون، واستقر أصحابه فيما لا كفاء له من سعة التضييف وإرغاد المعاش.

واستشعر الناس من مسرة هذا اليوم وعزة الإسلام فيه ما أفاوضوا في التبجح به والتحدث عنه أياما، وكانت للخطباء والشعراء بمجلس الخليفة في هذا اليوم مقامات حسان، وإنشادات لأشعار محكمة متان، يطول القول في اختيارها، فمن ذلك قول عبد الملك بن سعيد المرادي من قصيدة حيث يقول (13) :

ملك الخليفة آية الإقبال ... وسعوده موصولة بتوالي (14)

والمسلمون بعزة وبرفعة ... والمشركون بذلة وسفال

ألقت بأيديها الأعاجم نحوه ... متوقعين لصولة الرئبال

هذا أميرهم أتاه آخذا ... منه أواصر ذمة وحبال

متواضعا لجلاله متخشعا ... متبرعا لما يرع بقتال

سينال بالتأميل للملك الرضى ... عزا يعم عداه بالإذلال

 (393)

لا يوم أعظم للولاة مسرة ... وأشده غيظا على الأقيال

من يوم أردون الذي إقباله ... أمل المدى ونهاية الإقبال

ملك الأعاجم كلها ابن ملوكها ... والي الرعاة وللأعاجم والي

إن كان جاء ضرورة فلقد أتى ... عن عز مملكة وطوع رجال

فالحمد لله المنيل إمامنا ... حظ الملوك بقدره المتعالي

هو يوم حشر الناس إلا أنهم ... لم يسألوا فيه عن الأعمال

أضحى الفضاء مفعما (15) بجيوشه ... والأفق أقتم أغبر السربال

لا يهتدي الساري لليل قتامه ... إلا بضوء صوارم وعوالي

وكأن أجسام الكماة تسربلت ... مذ عريت عنه جسوم صلال

وكأنما العقبان عقبان الفلا ... منقضة لتخطف الضلال

وكأن منتصب القنا مهتزة ... أشطان نازحة بعيدة جال (16)

وكأنما قبل التجافيف اكتست ... نارا توهجها (17) بلا إشعال

 

 

__________

(1) محمد بن قاسم بن طملس: كان يشغل في ايام المستنصر منصب الوزير صاحب الحشم، وقد قتل في حروب العدوة أول سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بفحص مهران (المقتبس: 96 ط. بيروت).

(2) ق: لباسه.

(3) لعلها من اللفظة (Pluvial)، أو (Palio) (فتقرأ: بليون)، وفي ق: ويلبوال؛ ج: يلنوال؛ ك: بليوان.

(4) كذا في ق ج ط ودوزي؛ وهو مضطرب في النسخ فهو: خيزان؛ حيزون (في ك)؛ خيرون؛ ولعل الأخيرة " خيرون " هي الصواب؛ وهذا القاضي فيما يبدو هو الذي أعان على ترجمة كتاب هروشيوش حين أهداه إمبراطور القسطنطينية إلى الناصر (ابن خلدون 2: 88) وفي أحداث سنة 360 من المقتبس أن قاضي النصارى بقرطبة كان اسمه " اصبغ بن نبيل " (ص: 64، 146).

(5) سماه في المقتبس (47) مطران إشبيلية، وكان المستنصر يعتمد عليه في الترجمة وفي مرافقة الوفود وشؤون السفارات.

(6) البرطل: يقابل بالإسبانية (Portal) أي المدخل.

(7) في الأصول: يفرج.

(8) من أمتك: سقطت من ك.

(9) ق: إحساننا.

(10) زاد بعدها في ق: من جملة الفتيان.

(11) ك: وخضع له.

(12) ك: خاضعين.

(13) منها أربعة أبيات ف البيان المغرب 1: 235 (ط. ليدن).

(14) في الأصول: بنوال.

(15) في نسخة: مغيما.

(16) النازحة: البئر البعيدة الغور؛ الجال والجول: صفحة البئر.

(17) ك: تؤججها.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي