1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاندلسي :

أخبار في سيرة المنصور

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب

الجزء والصفحة:  مج1، ص:407-416

29-4-2022

2317

أخبار في سيرة المنصور

وفي المنصور المذكور أيضا قال بعض مؤرخي المغرب (1) ، مازجا كلامه ببعض كلام الفتح، بعد ذكر استعانته ببعض الناس على بعض، وذكر قتله لجعفر ابن علي، فقال بعده ما صورته: ثم انفرد بنفسه وصار ينادي صروف الدهر هل من مبارز، فلما لم يجده حمل الدهر على حكمه، فانقاد له وساعده، فاستقام أمره منفردا بمملكة لا سلف له فيها، ومن أوضح الدلائل على سعده أنه لم ينكب قط في حرب شهدها، وما توجهت عليه هزيمة،وما انصرف عن موطن إلا قاهرا غالبا، على كثرة ما زاول من الحروب ومارس من الأعداء وواجه من الأمم، وإنها لخاصة ما أحسب أحدا من الملوك الإسلامية شاركه فيها، ومن أظم ما أعين به مع قوة سعده وتمكن جده سعة جوده، وكثرة بذله، فقد كان في ذلك أعجوبة الزمان، وأول ما اتكأ على أرائك الملوك وارتفق، وانتشر عليه لواء السعد وخفق، حط صاحبه المصحفي، وأثار له كامن حقده الخفي، حتى أصاره للهموم لبيسا، وفي غيابات السجن حبيسا، فكتب إليه يستعطفه بقوله (2) :

هبني أسأت فأين العفو والكرم ... إذ قادني نحوك الإذعان والندم

يا خير من مدت الأيدي إليه أما ... ترثي لشيخ رماه عندك القلم

 

(407)

بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر ... إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فما زاده ذلك إلا حنقا وحقدا، وما أفادته الأبيات إلا تضرما ووقدا، فراجعه بما أيأسه، وأراه مرمسه، وأطبق عليه محبسه، وضيق تروحه من المحنة وتنفسه:

الآن يا جاهلا زلت بك القدم ... تبغي التكرم لما فاتك الكرم

أغريت بي ملكا لولا تثبته ... ما جاز لي عنده نطق ولا كلم

فايأس من العيش إذ ق صرت في طبق ... إن الملوك إذا ما استنقموا نقموا

نفسي إذا سخطت ليست براضية ... ولو تشفع فيك العرب والعجم وكان من أخباره الداخلة في أبواب البر والقربة بنيان المسجد الجامع، إلى أن قال (3) :

ومن ذلك بناؤه قنطرة على نهر قرطبة الأعظم، ابتدأ بناءها المنصور سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وفرغ منها في النصف من سنة تسع وسبعين، وانتهت النفقة عليها إلى مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار، فعظمت بها المنفعة، وصارت صدرا في مناقبه الجليلة، وكانت هنالك قطعة أرض لشيخ من العامة، ولم يكن للقنطرة عدول عنها، فأمر المنصور أمناءه بإرضائه فيها، فحضر الشيخ عندهم، فساوموه بالقطعة، وعرفوه وجه الحاجة إليها وأن المنصور لا يريد إلا إنصافه فيها، فرماهم الشيخ بالغرض الأقصى عنده فيما ظنه أنها لا تخرج (4) عنه بأقل من عشرة دنانير ذهبا كانت عنده أقصى الأمنية، وشرطها صحاحا، فاغتنم الأمناء غفلته، ونقدوه الثمن، وأشهدوا عليه، ثم أخبروا المنصور بخبره، فضحك من جهالته، وأنف من غبنه، وأمر أن يعطى عشرة أمثال ما سأل،

 (408)

وتدفع له صحاحا كما قال، فقبض الشيخ مائة دينار ذهبا، فكاد أن يخرج من عقله، وأن يجن عند قبضها من الفرح، وجاء محتفلا في شكر المنصور، وصارت قصته خبرا سائرا.

ومن ذلك أيضا بناء قنطرة على نهر إستجة، وهو نهر شنيل، وتجشم لها أعظم مؤنة، وسهل الطريق الوعرة والشعاب الصعبة.

ومن ذلك أيضا أنه خط بيده مصحفا كان يحمله معه في أسفاره يدرس فيه، ويتبرك به.

ومن قوة رجائه أنه اعتنى بجمع ما علق بوجهه من الغبار في غزواته ومواطن جهاده، فكان الخدم يأخذونه عنه بالمناديل في كل منزل من منازله، حتى اجتمع له منه صرة ضخمة، عهد بتصييره في حنوطه، وكان يحملها حيث سار مع أكفانه، توقعا لحلول منيته، وقد كان اتخذ الأكفان من أطيب مكسبه من الضيعة الموروثة عن أبيه وغزل بناته، وكان يسأل الله تعالى أن يتوفاه في طريق الجهاد، فكان كذلك.

وكان متسما بصحة باطنه، واعترافه بذنبه، وخوفه من ربه، وكثرة جهاده، وإذا ذكر بالله ذكر، وإذا خوف من عقاره ازدجر، ولم يزل متنزها عن كل ما يفتتن به الملوك سوى الخمر، لكنه أقلع عنها قبل موته بسنتين (5) ، وكان عد له في الخاصة والعامة وبسط الحق على الأقرب فالأقرب من خاصته وحاشيته أمرا مضروبا به المثل.

ومن عدله أنه وقف عله رجل من العامة بمجلسه، فنادى: يا ناصر الحق، إن لي مظلمة عند ذلك الوصيف الذي على رأسك، وأشار إلى الفتى صاحب الدرقة، وكان له فضل محل عنده، ثم قال: وقد دعوته إلى الحكم فلم يأت، فقال له المنصور: أو عبد الرحمن بن فطيس بهذا العجز والمهانة، وكنا

 (409)

نظنه أمضى من ذلك؟ اذكر مظلمتك يا هذا، فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نصف، فقال المنصور: ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية؛ ثم نظر إلى الصقلبي وقد ذهل عقله، فقال له: ادفع الدرقة إلى فلان، وانزل صاغرا وساو خصمك في مقامه حتى يرفعك الحق أو يضعك، ففعل، ومثل بين يديه، ثم قال لصاحب شرطته الخاص به: خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه إلى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره، ففعل ذلك، وعاد الرجل إليه شاكرا، فقال له المنصور: قد انتصفت أنت، اذهب لسبيلك، وبقي انتصافي أنا ممن تهاون بمنزلتي، فتناول الصقلبي بأنواع من المذلة، وأبعده عن الخدمة.

ومن ذلك (6) قصة فتاه الكبير المعروف بالبورقي (7) مع التاجر المغربي، فإنهما تنازعا في خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور، وهو يومئذ أكبر خدم المنصور، وإليه أمر داره وحرمه، فدافع الحاكم، وظن أن جاهه يمنع من إحلافه، فصرخ التاجر بالمنصور في طريقه إلى الجامع متظلما من الفتى، فوكل به في الوقت من حمله إلى الحاكم، فأنصفه منه، وسخط عليه المنصور، وقبض نعمته منه ونفاه.

ومن ذلك (8) قصة محمد فصاد المنصور وخادمه وأمينه على نفسه، فإن المنصور احتاجه يوما إلى الفصد، وكان كثير التعهد له، فأنفذ رسوله إلى محمد، فألفاه الرسول محبوسا في سجن القاضي محمد بن زرب (9) لحيف ظهر منه على امرأته قد أن سبيله من الخدمة يحميه من العقوبة، فلما عاد الرسول إلى المنصور بقصته أمر بإخراجه من السجن مع رقيب من رقباء السجن يلزمه إلى أن يفرغ

 (410)

من عمله عنده، ثم يرده إلى محبسه، ففعل ذلك على ما رسمه، وذهب الفاصد إلى شكوى ما ناله، فقطع عليه المنصور، وقال له: يا محمد، إنه القاضي، وهو في عدله، ولو أخذني الحق ما أطقت الامتناع منه، عد إلى محبسك أو اعترف بالحق فهو الذي يطلقك، فانكسر الحاجم، وزالت عنه ريح العناية، وبلغت قصته للقاضي، فصالحه مع زوجته، وزاد القاضي شدة في أحكامه.

وقال ابن حيان (10) : إنه كان جالسا في بعض الليالي، وكانت ليلة شديدة البرد والريح والمطر، فدعا بأحد الفرسان وقال له: انهض الآن إلى فج طليارش وأقم فيه فأول خاطر يخطر عليك سقه إلي، قال: فنهض الفارس وبقي في الفج في البرد والريح والمطر واقفا على فرسه، إذ وقف عليه قرب الفجر شيخ هرم على حمار له، ومعه آلة الحطب،فقال له الفارس: إلى أين تريد يا شيخ؟ فقال: وراء حطب، فقال الفارس في نفسه: هذا شيخ مسكين نهض إلى الجبل يسوق حطبا، فما عسى أن يريد المنصور منه؟ قال: فتركته، فسار عني قليلا، ثم فكرت في قول المنصور، وخفت سطوته، فنهضت إلى الشيخ وقلت له: ارجع إلى مولانا المنصور، فقال له: وما عسى أن يريد المنصور من شيخ مثلي؟ سألتك بالله أن تتركني لطلب معيشتي، فقال له الفارس: لا أفعل، ثم قدم به على المنصور، ومثله بين يديه وهو جالس لم ينم ليلته تلك، فقال المنصور للصقالبة: فتشوه، ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا، فقال: فتشوا برذعة حماره، فوجدوا داخلها كتابا من نصارى كانوا قد نزعوا إلى المنصور يخدمون عنده إلى أصحابهم من النصارى ليقبلوا ويضربوا في إحدى النواحي الموطومة (11) ، فلما انبلج الصبح أمر بإخراج أولئك النصارى إلى باب الزاهرة، فضربت أعناقهم، وضربت رقبة الشيخ معهم.

 (411)

ثم ذكر هذا المؤرخ (12) قصة الجوهري التي قدمنا نقلها من مغرب ابن سعيد، ولكنا رأينا إعادتها بلفظ هذا المؤرخ، لأنه أتم مساقا إذ قال عطفا على دهائه: ومن ذلك قصة الجوهري التاجر، وذلك أن رجلا جوهريا من تجار المشرق قصد المنصور من مدينة عدن بجوهر كثير وأحجار نفيسة، فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه، ودفع إلى التاجر الجوهري صرته، وكانت قطعة يمانية، فأخذ التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر، فلما توسطها واليوم قائظ وعرقه منصب دعته نفسه إلى التبرد في النهر، فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط، فمرت حدأة فاختطفت الصرة (13) تحسبها لحما،وصاعدت في الأفق بها ذاهبة، فقطعت الأفق الذي تنظر إليه عين التاجر، فقامت قيامته، وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بحيلة، فأسر الحزن في نفسه، ولحقه لأجل ذلك علة اضطرب فيها، وحضر الدفع إلى التجار فحضر الرجل لذلك بنفسه، فاستبان للمنصور ما بالرجل (14) من المهانة والكآبة، وفقد ما كان عنده من النشاط وشدة العارضة، فسأله المنصور عن شأنه، فأعلمه بقصته، فقال له: هلا أتيت إلينا بحدثان وقوع الأمر فكنا نستظهر على الحيلة، فهل هديت إلى الناحية التي أخذ الطائر إليها؟ قال:مر مشرقا على سمت هذا الجبل الذي يلي قصرك، يعني الرملة، فدعا المنصور شرطيه الخاص به، فقال له: جئني بمشيخة أهل الرملة الساعة، فمضى وجاء بهم سريعا، فأمرهم بالبحث عمن غير حال الإقلال منهم سريعا، وانتقل عن الإضاقة دون تدريج، فتناظروا في ذلك ثم قالوا: يا مولانا ما نعلم إلا رجلا من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم ويتناولون السبق بأقدمهم عجزا عن شراء دابة، فابتاع اليوم دابة، واكتسى هو وولده كسوة متوسطة، فأمر بإحضاره من الغد، وأمر التاجر

 (412)

بالغدو إلى الباب، فحضر الرجل بعينه بين يدي المنصور، فاستدناه والتاجر حاضر، وقال له: سبب ضاع منا وسقط إليك، ما فعلت به؟ قال: هوذا يا مولاي، وضرب بيده إلى حجرة سراويله فأخرج الصرة بعينها، فصاح التاجر طربا، وكاد يطير فرحا، فقال له المنصور: صف لي حديثها، فقال بينا أنا أعمل في جناني تحت نخلة إذ سقطت أمامي، فأخذتها وراقني منظرها، فقلت: إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار، فاحترزت بها، ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة مثاقيل عيونا كانت معها مصرورة، وقلت: أقل ما يكون في كرم مولاي أن يسمح لي بها، فأعجب المنصور ما كان منه، وقال للتاجر: خذ صرتك وانظرها واصدقني عن عددها، ففعل وقال: وحق رأسك يا مولاي ما ضاع منها شيء سوى الدنانير التي ذكرها وقد وهبتها له، فقال المنصور: نحن أولى بذلك منك ولا ننغص (15) عليك فرحك، ولولا جمعه بين الإصرار والإقرار لكان ثوابه موفورا عليه، ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضا من دنانيره، ولجنان بعشرة دنانير ثوابا لتأنيه عن فساد ما وقع بيده، وقال: لو بدأنا بالاعتراف قبل البحث لأوسعناه جزاء، قال: فأخذ التاجر في الثناء على المنصور، وقد عاوده نشاطه وقال: والله لأبثن في الأقطار عظيم ملكك، ولأنبئن (16) أنك تملك طير أعمالك كما تملك إنسها، فلا تعتصم منك ولا تمتنع، ولا تؤذي جارك، فضحك المنصور وقال: اقصد في قولك يغفر الله لك، فعجب الناس من تلطف المنصور في أمره وحيلته في تفريج كربته.

ثم حكى هذا المؤرخ (17) غزوة المنصور لمدينة شنت ياقب قاصية غليسية، وأعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس، وما يتصل بها من الأرض الكبيرة، وكانت

 (413)

كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا، وللكعبة المثل الأعلى، فبها يحلفون، وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها، ويزعمون أن القبر المزور فيها قبر ياقب الحواري أحد الاثني عشر، وكان أخصهم بعيسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهم يسمونه أخاه للزومه إياه، وياقب بلسانهم يعقوب، وكان أسقفا ببيت المقدس فجعل يستقري الأرضين داعيا لمن فيها حتى انتهى إلى هذه القاصية، ثم عاد إلى أرض الشام فمات بها وله مائة وعشرون سنة شمسية، فاحتمل أصحابه رمته فدفنوها بهذه الكنيسة التي كانت أقصى أثره، ولم يطمع أحد من ملوك الإسلام في قصدها ولا الوصول إليها، لصعوبة مدخلها، وخشونة مكانها، وبعد شقتها، فخرج المنصور إليها من قرطبة غازيا بالصائفة يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وهي غزوته الثامنة والأربعون، ودخل على مدينة قورية، فلما وصل إلى مدينة غليسية وافاه عدد عظيم من القوامس المتمسكين بالطاعة في رجالهم، وعلى أتم احتفالهم، فصاروا في عسكر المسلمين، وركبوا في المغاورة سبيلهم، وكان المنصور تقدم في إنشاء أسطول كبير في الموضع المعروف بقصر أبي دانس (18) من ساحل غرب الأندلس، وجهزه برجاله البحريين وصنوف المترجلين، وحمل الأقوات والأطعمة والعدد والأسلحة استظهارا على نفوذ العزيمة إلى أن خرج بموضع برتقال على نهر دويره (19) ، فدخل في النهر إلى المكان الذي عمل المنصور على العبور منه، فعقد هنالك من هذا الأسطول جسرا بقرب الحصن الذي هنالك، ووجه (20) المنصور ما كان فيه من الميرة إلى الجند، فتوسعوا في التزود منه إلى أرض العدو، ثم نهض منه يريد شنت ياقب، فقطع أرضين متباعدة الأقطار،

 (414)

وقطع بالعبور عدة أنهار كبار وخلجان يمدها البحر الأخضر، ثم أفضى العسكر بعد ذلك إلى بسائط جليلة من بلاد فرطارش (21) وما يتصل بها، ثم أفضى إلى جبل شامخ شديد الوعر لا مسلك فيه ولا طريق، لم يهتد الأدلاء إلى سواه، فقدم المنصور الفعة بالحديد لتوسعة شعابه وتسهيل مسالكه، فقطعه العسكر، وعبروا بعده وادي منيه (22) ، وانبسط المسلمون بعد ذلك في بسائط عريضة وأرضين أريضة، وانتهت مغيرتهم إلى دير قسطان (23) وبسط بلنبو (24) على البحر المحيط، وفتحوا حصن شنت بلاية (25) ، وغنموه، وعبروا سباحة إلى جزيرة من البحر المحيط لجأ إليها خلق عظيم من أهل تلك النواحي، فسبوا من فيها ممن لجأ إليها، وانتهى العسكر إلى جبل مراسية (26) المتصل من أكثر جهاته بالبحر المحيط، فتخللوا أقطاره، واستخرجوا من كان فيه، وحازوا غنائمه، ثم أجاز المسلمون بعد هذا خليجا في معبرين ارشد الأدلاء إليهما، ثم نهر أيلة (27) ، ثم أفضوا إلى بسائط واسعة العمارة كثيرة الفائدة (28) ، ثم انتهوا إلى موضع من مشاهد صاحب القبر تلو مشهد قبره عند النصارى في الفضل، يقصده نساكهم له من أقاصي بلادهم ومن بلاد القبط والنوبة وغيرهما، فغادره الملمون قالعا، وكان النزول بعده على مدينة شنت ياقب البائسة، وذلك يوم الأربعاء لليلتين خلتا من شعبان، فوجدها المسلمون خالية من أهلها، فحاز المسلمون غنائمها،وهدموا مصانعها وأسوارها وكنيستها، وغفوا آثارها، ووكل المنصور بقبر ياقب من يحفظه ويدفع الأذى عنه، وكانت مصانعها بديعة محكمة فغودرت هشيما

 (415)

كأن لم تغن بالأمس، وانتسفت بعوثه بعد ذلك سائر البسائط،وانتهت الجيوش إلى جزيرة شنت مانكش منقطع هذا الصقع على البحر المحيط، وهي غاية لم يبلغها قبلهم مسلم، ولا وطئها لغير أهلها قدم، فلم يكن بعدها للخيل مجال، ولا وراءها انتقال، وانكفأ المنصور عن باب شنت ياقب وقد بلغ غاية لم يبلغها مسلم قبله، فجعل في طريقه القصد على عمل برمند بن أردون ليستقريه عائثا ومفسدا، حتى وقع فيعمل القوامس المعاهدين الذين في عسكره، فأمر بالكف عنها، ومر مجتازا حتى خرج إلى حصن بليقية (29) من افتتاحه، فأجاز هنالك القوامس بجملتهم على أقدارهم، وكساهم وكسا رجالهم وصرفهم إلى بلادهم، وكتب بالفتح من بليقية، وكان مبلغ ما كساه في غزاته هذه لملوك الروم ولم حسن غناؤه من المسلمين ألفين ومائتين وخمسا وثماني شقة من صنوف الخز الطرازي، وأحدا وعشرين كساء من صوف البحر، وكساءين

عنبريين، وأحد عشر سقلاطونا، وخمس عشرة مريشا، وسبعة أنماط ديباج، وثوبي دبياج رومي، وفروي فنك، ووافى جميع العسكر قرطبة غانما، وعظمت النعمة والمنة على المسلمين، ولم يجد المنصور بشنت ياقب إلا شيخا من الرهبان جالسا على القبر، فسأله عن مقامه، فقال: أونس يعقوب، فأمر بالكف عنه.ين، وأحد عشر سقلاطونا، وخمس عشرة مريشا، وسبعة أنماط ديباج، وثوبي دبياج رومي، وفروي فنك، ووافى جميع العسكر قرطبة غانما، وعظمت النعمة والمنة على المسلمين، ولم يجد المنصور بشنت ياقب إلا شيخا من الرهبان جالسا على القبر، فسأله عن مقامه، فقال: أونس يعقوب، فأمر بالكف عنه.

قال (30) : وحدث شعلة قال: قلت للمنصور ليلة طال سهره فيها: قد أفرط مولانا في السهر، وبدنه يحتاج إلى أكثر من هذا النوم، وهو أعلم بما يحركه عدم النوم من علة العصب، فقال: يا شعلة، الملك لا ينام إذا نامت الرعية، لو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة؛ انتهى ما نقلته من الكتاب المذكور.

(416)

 

__________

(1) البيان المغرب 2: 427 وبعضه في أعمال الأعلام: 77.

(2) قال ابن الأبار (الحلة 1: 265) هذه الأبيات متنازعة ينسبها غلى المصحفي جماعة، وقد وجدتها منسوبة إلى أبي عمر ابن دراج القسطلي، وذكر أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم الرقيق في تاريخه أنها لكاتب إبراهيم بن أحمد بن الأغلب؛ قلت انظر البيان المغرب 1: 161 واسم الكاتب هذا محمد بن حيون ويعرف بان البريدي.

(3) البيان المغرب 2: 430، والنقل مستمر حتى بدء النقل عن كتاب " الأزهار المنثورة " .

(4) البيان: ألا تخرج.

(5) ق ط ج: بسنين.

(6) البيان المغرب 2: 433.

(7) البيان: بالميورقي.

(8) المصدر نفسه، وصدرها بقوله: ومن دهائه.

(9) محمد بن يبقى بن زرب (المرقبة العليا: 77 - 82).

(10) المصدر نفسه: 434.

(11) في ج: المرطومة؛ والموطومة (قراءة ق ط ك) لعلها الأرض التي كثر فيها الوطم وهو نبات يشبه الاذخر، وذلك تأويل بعيد، واقدر أن تكون مصحفة عن " الموصوفة " اي التي وصفت في الكتاب.

(12) البيان المغرب 2: 435؛ وانظر ص: 401 فيما سبق.

(13) بعض النسخ: وترك الصرة.

(14) بعض النسخ: ما نال الرجل.

(15) ق ط: تنقص.

(16) ق ط: ولأبينن.

(17) البيان المغرب 2: 439 وهذه بداية ج، فأما في ق ك فقد بدأ بقوله " ومن ذلك " وذلك خطأ لأن القصة ليست من قصص الدهاء التي مرت أمثلتها. وفي ط بياض.

(18) قصر أبي دانس (Alcacer do Sal) مرسى الأسطول، على ساحل البرتغال جنوبي الأشبونة (لشبونة).

(19) نهر دويره (Duero Duoro) يصب عند بورتو في المحيط الأطلسي.

(20) دوزي: ووزع؛ لمطابقة المعنى نقلا عن البيان المغرب.

(21) البيان المغرب: فلطارش.

(22) منيه منيو أو منهو (Minho Rio Mino).

(23) بعض النسخ: قسان.

(24) البيان المغرب: يلنبوط، وفي نسخة: بيلنوا.

(25) شنت بلاة: (San Pelayo).

(26) مراسية (Morrazo).

(27) أيلة (Ulla).

(28) زاد في البيان: منها بسيط أونية وقرجيطة ودير شنت برية.

(29) ابن عذاري: مليقه، ولعلها لميقه لاميجو (Lamego).

(30) ليس هذا الخبر في البيان المغرب وإنما هو في أعمال الأعلام: 76.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي