1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الشين : سورة الشعراء :

تفسير الآية (23-37) من سورة الشعراء

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

22-8-2020

4633

قال تعالى : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوجِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } [الشعراء : 23 - 37] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{قال فرعون وما رب العالمين} أي : أي جنس رب العالمين الذي تدعوني إلى عبادته {قال} موسى في جوابه {رب السماوات والأرض} أي مبدعهما ومنشئهما وخالقهما {وما بينهما} من الحيوان والجماد والنبات {إن كنتم موقنين} بأن الرب من كان بهذه الصفة أو موقنين بأن هذه الأشياء محدثة وليست من فعلكم والمحدث لا بد له من محدث ولم يشتغل موسى لجواب ما سأله فرعون لأن الله تعالى ليس بذي جنس بل اشتغل ببيان ربوبيته وصفاته وبيان الحجة الدالة عليه من خلقه الذي يعجز المخلوقون عن مثله {قال} فرعون {لمن حوله أ لا تستمعون} يريد أ لا تستمعون مقالة موسى عن ابن عباس وقيل معناه أ لا تصغون إليه وتفهمون ما يقوله معجبا من قوله وإنما عجب فرعون من حوله من جوابه لأنه طلب منه أي أجناس الأجسام هو جهلا منه بالتوحيد لأنه لوكان كأحد أجناس الأجسام لكان محدثا كسائر الأجسام التي هي من جنسه لحلول الحوادث فيه ودله موسى على الله بدلالة أفعاله التي بها يجب أن يستدل عليه تعالى فقال فرعون انظروا إلى هذا أسأله عن شيء فيجيب عن غيره فجرى موسى (عليه السلام) على عادته في الرفق وتأكيد الحجة وتكريرها .

{قال ربكم ورب آبائكم الأولين} وإنما ذكره تأييدا لما قبله وتوكيدا له فإن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من قبله فبين إن المستحق للربوبية من هورب أهل كل عصر ومالك تدبيرهم فعند ذلك {قال} فرعون إذ لم يقدر على جواب لكلام موسى (عليه السلام) يموه عليهم {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} لأني أسأله عن ماهية رب العالمين فيجيبني عن غير ذلك كما يفعل المجنون فعند ذلك لم يشتغل موسى (عليه السلام) بالجواب عما نسبه إليه من الجنون ولكن اشتغل بتأكيد الحجة والزيادة في الإبانة بأن {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} ذلك وتدبرونه وقيل إن كنتم تعلمون أنه إنما يستحق العبادة من كان بهذه الصفة فلما طال على فرعون الاحتجاج من موسى {قال} مهددا له {لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} أي من المحبوسين قالوا وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت فلما توعده بالسجن {قال أ ولو جئتك بشيء مبين} معناه أ تسجنني ولو جئتك بأمر ظاهر تعرف به صدقي وكذبك وحجة ظاهرة تدل على نبوتي .

{قال} فرعون لموسى {فأت به إن كنت من الصادقين} أي هات ما ادعيت من المعجزات إن كنت صادقا {فألقى} حينئذ موسى {عصاه فإذا هي ثعبان} أي حية عظيمة وقيل الثعبان الذكر من الحيات {مبين} ثعبان لا شبهة فيه {ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} أي وأخرج يده من كمه أو جيبه على ما روي فإذا هي بيضاء بياضا نوريا كالشمس في إشراقها للناظرين إليها {قال} فرعون {للملأ} الأشراف من قومه {حوله إن هذا} يعني موسى {لساحر عليم} بالسحر والحيل {يريد أن يخرجكم من أرضكم} ودياركم ويتغلب عليها {بسحره فما ذا تأمرون} في بابه وإنما شاور قومه في ذلك مع أنه كان يقول لهم أنه إله لأنه يجوز أن يكون ذهب عليه وعلى قومه إن الإله لا يجوز أن يشاور غيره كما ذهب عليهم أن الإله لا يجوز أن يكون جسما محتاجا فاعتقدوا إلهيته مع ظهور حاجته .

{قالوا أرجه وأخاه} قد مر تفسيره واختلاف القراء فيه في سورة الأعراف {وابعث في المدائن حاشرين} يحشرون الناس من جميع البلدان {يأتوك بكل سحار عليم} وفي الكلام حذف تقديره أنه أنفذ الحاشرين في البلدان فحشروهم .

_________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص325-328 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

حوار بين موسى وفرعون :

- {قالَ فِرْعَوْنُ وما رَبُّ الْعالَمِينَ} . . زعمت يا موسى انك رسول رب العالمين . ألا تبين لنا ما جنس هذا الرب ؟ وما هي حقيقته ؟

- {قالَ رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ وما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } .

قال موسى : ان اللَّه لا يعرف إلا بأوصافه وآثاره ، ومنها خلق هذا الكون العجيب في ترتيبه ونظامه . . فتفكروا وتدبروا ان كان لكم عقول تدرك ان هذا النظام لا يكون إلا بقدرة عليم حكيم .

- {قالَ} - فرعون - {لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} . اسمعوا وتعجبوا . . ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .

- {قالَ رَبُّكُمْ ورَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ} . قال موسى مصرا ومؤكدا : ان اللَّه هو خالق الكون ، وخالقكم ، وخالق آبائكم ، وخالق فرعون هذا الذي ترببون وتعبدون .

- {قالَ} - فرعون - {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} . . موسى مجنون في منطق فرعون . . ولما ذا ؟ لأنه يقول : فرعون مربوب وليس برب ، ومخلوق لا خالق . . وعلى هذا المنطق الفرعوني كل من ادعى شيئا ليس فيه ، فمن يدعي العلم وهو جاهل ، أو الإخلاص وهو خائن ، أو الصدق وهو كاذب فإنه على ملة فرعون وسنته . . ولو وجد هذا الدعي من يصدقه لقال : أنا ربكم الأعلى . . ما علمت لكم من إله غيري تماما كما قال فرعون .

{قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} . أصر موسى على موقفه وان اللَّه هو خالق كل شيء ، وأشار إلى شروق الشمس وغروبها ، حيث لا يجرأ فرعون أن يقول : انه يأتي بها من المشرق ، ويرسلها إلى المغرب . .

ولذا بهت حين سمع هذه المقالة من موسى ، تماما كما بهت نمرود من قبله حين تحداه إبراهيم الخليل (عليه السلام) بقوله : {فَإِنَّ اللَّهً يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة - 258] .

ولما أفرغ فرعون ما في كنانته اضطربت نفسه ، وأخذ يهدد ويتوعد {قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} . . السجن والتنكيل والتعذيب هو السلاح الوحيد لكل طاغ وباغ منذ القديم ضد الحق والعدل والحرية . . ولكن جهاد المحقين الأحرار وصمودهم يجعل سلاح الطغاة يرتد إلى نحورهم وصدورهم ، تماما كما ارتد سلاح فرعون إلى نحره وصدره ، وقديما قيل : من سل سيف البغي قتل به ، قال تعالى : {وقارُونَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ ولَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأَرْضَ ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} [العنكبوت - 40] .

{قالَ أَولَو جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .

لم يخش موسى من تهديد فرعون ، وقال له في ثقة واطمئنان : أتجعلني من المسجونين ، حتى ولو كنت محقا بالدليل الذي يزيل الشك عنك وعن غيرك ؟ . وبماذا يجيب فرعون عن هذا الاحراج ؟ هل يقول له : نعم أسجنك وان كنت محقا . .

كيف وهذا اعتراف صريح بأن موسى رسول رب العالمين ، وان فرعون مفتر بدعواه الربوبية ، ولذا اضطر مرغما أن يقول لموسى : {فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .

{فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ} . هذه الآية وما بعدها إلى قوله تعالى : {سَحَّارٍ عَلِيمٍ} تبلغ ست آيات ، وبها ينتهي المقطع الذي نحن بصدده ، وقد ذكرت هذه الآيات الست في سورة الأعراف من الآية 107 حتى الآية 112 ج 3 ص 375 ، وهي واحدة هنا وهناك في ترتيبها ونصها الحرفي إلا في شيئين :

الأول قال هنا {سحار} . وقال في الأعراف {ساحر} . والمعنى واحد في حقيقته ولا فرق إلا في المبالغة .

الثاني جاء في الآية 109 من سورة الأعراف {قالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} وجاء هنا في الآية 34 من سورة الشعراء {قالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} والفرق كبير بين المعنيين - كما يبدو- لأن آية الأعراف نسبت هذا القول إلى جماعة فرعون ، لا إلى فرعون ، وآية الشعراء نسبته إلى فرعون بالذات ، لا إلى جماعته ، فما هو وجه الجمع ؟ .

وما وجدت أية إشارة إلى ذلك فيما لدي من التفاسير والمصادر ، ولا أدري ما هو السبب . . وأيا كان فالذي أراه في الجواب ان فرعون هو الذي ابتدأ وقال لجماعته : {إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} . ثم أخذ جماعته يتداولون قوله هذا فيما بينهم ، ويقول بعضهم لبعض : حقا ان موسى لساحر عليم . . كما هو شأن المرؤوسين في تقليدهم لرؤسائهم بكل شيء ، وعنايتهم بأقوالهم وحفظها والاستشهاد بها . .

وعليه فلا تنافر بين الآيتين . . قال فرعون ذلك لجماعته ، وجماعته أيضا قالوه تقليدا له .

_____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص492-495 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {قال فرعون وما رب العالمين} - إلى قوله - من المسجونين} لما كلم فرعون موسى (عليه السلام) في معنى رسالته قادحا فيها فتلقى الجواب بما كان فيه إفحامه أخذ يكلمه في خصوص مرسله وقد أخبره أن الذي أرسله هورب العالمين فراجعه فيه واستوضحه بقوله : {وما رب العالمين} ؟ إلى تمام سبع آيات .

واتضاح المراد منها يتوقف على تذكر أصول مذاهب الوثنية في أمر الربوبية وقد تقدمت الإشارة إليها في خلال الأبحاث السابقة من هذا الكتاب كرارا .

فهؤلاء يرون أن وجود الأشياء ينتهي إلى موجد واجب الوجود هو واحد لا شريك له في وجوب وجوده هو أجل من أن يحده حد في وجوده وأعظم من أن يحيط به فهم أو يناله إدراك ، ولذلك لا يجوز عبادته لأن العبادة نوع توجه إلى المعبود والتوجه إدراك .

ولذلك بعينه عدلوا عن عبادته والتقرب إليه إلى التقرب إلى أشياء من خلقه ذوي وجودات شريفة نورية أو نارية ، هي مقربة إليه فانية فيه من الملائكة والجن والقديسين من البشر المتخلصين من ألواث المادة الفانين في اللاهوت الباقين بها ومنهم الملوك العظام أو بعضهم عند قدماء الوثنية وكان من جملتهم فرعون وموسى وبالجملة كانوا يعبدونهم بعبادة أصنامهم ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم بمعنى أن يفيضوا إليهم من الخير الذي يفيض عنهم كما في الملائكة أولا يصيبوهم بالشر الذي يترشح عنهم كما في الجن فإن كلا من هؤلاء المعبودين يرجع إليه تدبير أمر من أمور العالم الكلية كالحب والبغض والسلم والحرب والرفاهية وغيرها أو صقع من أصقاعه كالسماء والأرض والإنسان ونحوها .

فهناك أرباب وآلهة يتصرف كل منهم في العالم الذي يرجع إليه تدبيره كإله عالم الأرض وإله عالم السماء وهؤلاء هم الملائكة والجن وقديسو البشر ، وإله عالم الآلهة وهو الله سبحانه فهو إله الآلهة ورب الأرباب .

إذا عرفت ما ذكرناه بان لك أن لا معنى صحيحا لقولنا : رب العالمين عند الوثنيين نظرا إلى أصولهم إذ لو أريد به بعض هذه الموجودات الشريفة الممكنة بأعيانهم فهورب عالم من عوالم الخلقة وهو العالم الذي يباشر التصرف فيه كعالم السماء وعالم الأرض مثلا ولو أريد به الله سبحانه فهورب عالم الأرباب وإله عالم الآلهة فقط دون جميع العالمين ولو أريد غير الطائفتين من الرب الواجب الوجود والأرباب الممكنة الوجود فلا مصداق له معقولا .

فقوله : {قال فرعون وما رب العالمين} سؤال منه عن حقيقة رب العالمين بيانه أن فرعون كان وثنيا يعبد الأصنام وهو مع ذلك يدعي الألوهية ، أما عبادته الأصنام فلقوله تعالى : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف : 127] ، وأما دعواه الألوهية فللآية المذكورة ولقوله تعالى : { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات : 24] .

ولا منافاة عند الوثنية بين كون الشيء إلها ربا وبين كونه مربوبا لرب آخر لأن الربوبية هو الاستقلال في تدبير شيء من العالم وهولا ينافي الإمكان والمربوبية لشيء آخر وكل رب عندهم مربوب لآخر إلا الله سبحانه فهورب الأرباب لا رب فوقه وإله الآلهة لا إله له .

وكان الملك عند الوثنية ظهورا من اللاهوت في بعض النفوس البشرية بالسلطة ونفوذ الحكم فكان يعبد الملوك كما يعبد أرباب الأصنام وكذلك رؤساء البيوت في بيوتهم ، وكان فرعون وثنيا يعبد الآلهة وهو ملك القبط يعبده قومه كسائر الآلهة .

فلما سمع من موسى وهارون قولهما : {إنا رسول رب العالمين} تعجب منه إذ لم يعقل له معنى محصلا إذ لو أريد به الواجب وهو الله سبحانه فهو عنده رب عالم الأرباب دون جميع العالمين ولو أريد به بعض الممكنات الشريفة من الآلهة كبعض الملائكة وغيرهم فهو أيضا عنده رب عالم من عوالم الخلقة دون جميع العالمين فما معنى رب العالمين .

ولذلك قال : {وما رب العالمين} فسأل عن حقيقة الموصوف بهذه الصفة بما هو موصوف بهذه الصفة ولم يسأل عن حقيقة الله سبحانه فإنه لو ثنيته كان معتقدا بوجوده مذعنا له وهو يرى كسائر الوثنيين أنه لا سبيل إلى إدراك حقيقته كيف؟ وهو أساس مذهبهم الذي يبنون عليه عبادة سائر الآلهة والأرباب كما سمعت .

وقوله : {قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} جواب موسى (عليه السلام) عن سؤاله : {وما رب العالمين} وهو خبر لمبتدأ محذوف ، ومحصل المعنى على ما يعطيه المطابقة بين السؤال والجواب : هورب السماوات والأرض وما بينهما التي تدل بوجود التدبير فيها وكونه تدبيرا واحدا متصلا مرتبطا على أن لها مدبرا - ربا - واحدا على ما يراه الموقنون السالكون سبيل اليقين من البرهان والوجدان .

وبتعبير آخر مرادي بالعالمين السماوات والأرض وما بينهما التي تدل بالتدبير الواحد الذي فيها على أن لها ربا مدبرا واحدا ، ومرادي برب العالمين ذلك الرب الواحد الذي تدل عليه وهذه دلالة يقينية يجدها أهل اليقين الذين يتعاطون البرهان والوجدان .

فإن قلت : لم يطلب فرعون من موسى (عليه السلام) إلا أن يعرفه ما هذا الذي يسميه رب العالمين؟ وما حقيقته؟ لكونه غير معقول عنده فلم يسأل إلا التصور فما معنى قوله : {إن كنتم موقنين} واليقين علم تصديقي لا توقف للتصور عليه أصلا .

على أنه (عليه السلام) لم يأت في جواب فرعون بشيء غير أنه وضع لفظ السماوات والأرض وما بينهما موضع لفظ العالمين فكان تفسيرا للفظ الجمع بأسماء آحاده كتفسير الرجال بزيد وعمرو وبكر فلم يفد بالأخرة إلا التصور الأول ولا تأثير لليقين في ذلك .

قلت : كون فرعون يسأله أن يصور له {رب العالمين} تصويرا مسلم لا شك فيه لكن موسى بدل القول بوضع {السماوات والأرض وما بينهما} مكان العالمين وهو يدل على ارتباط بعض الأجزاء ببعض والاتصال بينها بحيث يؤدي إلى وحدة التدبير الواقع فيها والنظام الجاري عليها ثم قيده بقوله : {إن كنتم موقنين} ليدل على أن أهل اليقين يصدقون من ذلك بوجود مدبر واحد لجميع العالمين .

فكأنه قيل له : ما تريد برب العالمين ؟ فقال : أريد به ما يريده أهل اليقين إذ يستدلون بارتباط التدبير واتصاله في عوالم السماوات والأرض وما بينهما على أن لجميع هذه العوالم مدبرا واحدا وربا لا شريك له في ربوبيته لها وإذ كانوا يصدقون بوجود رب واحد للعالمين فهم يتصورونه بوجه تصورا إذ لا معنى للتصديق بلا تصور .

وبعبارة موجزة : رب العالمين هو الذي يوقن الموقنون بربوبيته لجميع السماوات والأرض وما بينهما إذا نظروا إليها وشاهدوا وحدة التدبير الذي فيها .

والاحتجاج بتحقق التصديق على تحقق التصور قبله أقوى ما يمكن أن يحتج به على أنه تعالى مدرك بوجه ومتصور تصورا صحيحا وإن استحال أن يدرك بكنهه ولا يحيطون به علما .

وقد ظهر بذلك كله أولا : أن الجواب إنما هو بإحالته في مسئوله إلى ما يتصوره منه الموقنون إذ يصدقون بوجوده .

وثانيا : أن الذي أشير إليه من الحجة في الآية هو البرهان على توحيد الربوبية المأخوذ من وحدة التدبير إذ هو الذي يمسه الحاجة قبال الوثنية المدعين للشركاء في الربوبية .

وبذلك يظهر فساد ما ذكروا أن العلم بحقيقة الذات لما كان ممتنعا عدل موسى (عليه السلام) عن تعريف الحقيقة بالحد إلى تعريفه تعالى بصفاته فقال : رب السماوات والأرض وما بينهما وأشار بقوله : {إن كنتم موقنين} إلى دلالتها بحدوثها على أن محدثها ذات واحدة واجبة الوجود لا يشاركها في وجوب وجودها شيء غيرها .

وجه الفساد ما عرفت أن الوثنية قائلون باستحالة العلم بحقيقة الذات وكنهها ، وأن الموجد ذات واجبة الوجود لا يشاركها في وجوب وجودها غيره ، وأن الآلهة من دون الله موجودات ممكنة الوجود كل منها مدبر لجهة من جهات العالم وهي جميعا مخلوقة لله فما قرروه في معنى الآية لا يجدي في مقام المخاصمة معهم شيئا .

وقوله : {قال لمن حوله أ لا تستمعون} أي أ لا تصغون إلى ما يقول موسى؟ والاستفهام للتعجيب يريد أن يصغوا إليه فيتعجبوا من قوله حيث يدعي رسالة رب العالمين ، وإذا سئل ما رب العالمين؟ أعاد الكلمة ثانيا ولم يزد على ما بدأ به شيئا .

وهذا تمويه منه عليهم يريد به الستر على الحق الذي لاح من كلام موسى (عليه السلام) فإنه إنما قال إن جميع العالمين تدل بوحدة التدبير الذي يشاهده أهل اليقين فيها على أن لها ربا مدبرا واحدا هو الذي تسألني عنه ، وهو يفسر كلامه أنه يقول : أنا رسول رب العالمين ، فإذا سألته ما رب العالمين؟ يجيبني بأنه رب العالمين .

وبما تقدم بأن عدم سداد قولهم في تفسير هذا التعجيب أن مراده أني سألته عن الذات فأجاب بالصفة وذلك أن السؤال إنما هوعن الذات من حيث صفته على ما تقدم بيانه ، ولم يفسر موسى الذات بالوصف بل غير قوله : رب العالمين إلى قوله : {رب السماوات والأرض} فوضع ثانيا قوله : {السماوات والأرض} مكان قوله أولا : {العالمين} كأنه يومىء إلى أن فرعون لم يفهم معنى العالمين .

وقوله : {قال ربكم ورب آبائكم الأولين} جواب موسى (عليه السلام) ثانيا فإنه لما رأى تمويه فرعون على من حوله وقد كان أجاب عن سؤاله {وما رب العالمين} بتفسير العالمين من العالم الكبير كالسماوات والأرض وما بينهما عدل ثانيا إلى ما يكون أصرح في المقصود فذكر ربوبيته تعالى لعالمي الإنسانية فإن العالم الجماعة من الناس أو الأشياء فعالمو الإنسان هو الجماعات من الحاضرين والماضين ولذلك قال : {ربكم ورب آبائكم الأولين} .

فإن فرعون ما كان يدافع في الحقيقة إلا عن نفسه لما كان يدعي الألوهية فكان يحتال في أن يبطل تعلق ربوبية الرب به في ضمن تعلقه بالعالمين لاستلزام ذلك بطلان ربوبية الأرباب وهومن جملتهم وإن كان يرى أنه أعلاهم وأهمهم كما حكى الله تعالى عنه : {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 24] .

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص : 38] .

فكأنه كان يقول إن أردت برب العالمين الله تعالى فهورب الأرباب لا غير وإن أردت غيره من الآلهة فكل منهم رب عالم خاص فما معنى رب العالمين؟ فأجاب موسى بما حاصله أن ليس في الوجود إلا رب واحد فيكون رب العالمين فهو ربكم وقد أرسلني إليكم .

وكان محصل تمويه فرعون أن موسى لم يجبه بشيء إذ كرر اللفظ فأجابه موسى ثانيا بالتصريح على أن رب العالمين هورب عالمي الإنسانية من الحاضرين والماضين وبذلك تنقطع حيلته .

وقوله : {قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قول فرعون ثانيا وقد سمى موسى رسولا تهكما واستهزاء وأضافه إلى من حوله ترفعا من أن يكون رسولا إليه ، وقد رماه بالجنون مستندا إلى قوله (عليه السلام) : {ربكم ورب آبائكم} إلخ .

كأنه يقول : إنه لمجنون لما في كلامه من الاختلال الكاشف عن الاختلال في تعقله يدعي رسالة رب العالمين؟ فأسأله ما رب العالمين فيكرر اللفظ تقريبا أولا ثم يفسره بأنه ربكم ورب آبائكم الأولين .

وقوله : {قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} ظاهر السياق أن المراد بالمشرق جهة شروق الشمس وسائر الأجرام النيرة السماوية وطلوعها وبالمغرب الجهة التي تغرب فيها بحسب الحس ، وبما بينهما ما بين الجهتين فيشمل العالم المشهود ويساوي السماوات والأرض وما بينهما .

فيكون إعادة لمعنى الجواب الأول بتقرير آخر وهو مشتمل على ما اشتمل عليه من نكتة اتصال التدبير واتحاده فإن للشروق ارتباطا بالغروب والمشرق والمغرب يتحققان طرفين لوسط بينهما ، كما أن للسماء أرضا ولهما أمر بينهما وهذا النوع من الاتحاد لا يقبل إلا تدبيرا متصلا واحدا ، وكما أن كل أمة حاضرة لها ارتباط وجودي بالأمم الماضية ارتباط الأخلاف بالأسلاف فالنوع واحد والتدبير واحد فالمدبر واحد .

وقد بدل قوله في الجواب الأول : {إن كنتم موقنين} من قوله هاهنا : {إن كنتم تعقلون} تعريضا له حيث قال لمن حوله : {أ لا تستمعون} استهزاء به وإهانة له ، ثم رماه ثانيا بالجنون واختلال الكلام فأشار (عليه السلام) بقوله : {إن كنتم تعقلون} إلى أنهم هم المحرومون من نعمة التعقل والتفقه ولو كانوا يعقلون لفهموا أن جوابه الأول ليس بتكرار غير مفيد ولكفاهم حجة على توحيد الرب وأن القائم بتدبير جميع العالمين من السماوات والأرض وما بينهما مدبر واحد لا مدبر سواه ولا رب غيره .

وقد تبين بما ذكر أن الآية أعني قوله : {رب المشرق} إلخ ، تقرير آخر لقوله في الجواب الأول : {رب السماوات والأرض وما بينهما} وأنه برهان على وحدة المدبر من طريق وحدة التدبير وفي ذلك تعريف لرب العالمين بأنه المدبر الواحد الذي يدل عليه التدبير الواحد في جميع العالمين ، نعم البيان الذي يشير إليه هذه الآية أوضح لاشتماله على معنى الشروق والغروب وكونهما من التدبير ظاهر .

وقد ذكروا أن الحجج المودعة في الآيات حجج على وحدانية ذات الواجب بالذات ونفي الشريك في وجوب الوجود وقد تقدم عدم استقامته البتة .

وقوله : {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} تهديد منه لموسى (عليه السلام) لو دام على ما يقول به من ربوبية رب العالمين مدعيا أنه رسول منه وهذا دأب الجاهل المعاند إذا انقطع عن الحجة أخذ في التهديد وتشبث بالوعيد .

واتخاذ إله غيره كناية عن القول بربوبية رب العالمين الذي يدعو إليه موسى وإنما لم يذكره صونا للسانه عن التفوه باسمه ، ولم يعبأ بسائر الآلهة التي كانوا يعبدونها استكبارا وعلوا ، وكأن السجن كان جزاء المعرضين عنه المنكرين لألوهيته .

والظاهر أن اللام في المسجونين للعهد ، والمعنى : لو دمت على ما تقول لأجعلنك في زمرة الذين في سجني على ما تعلم من سوء حالهم وشدة عذابهم ، ولهذا لم يعدل عن هذا التعبير إلى مثل قولنا : لأسجننك مع اختصاره .

قوله تعالى : {قال أ ولو جئتك بشيء مبين} القائل هو موسى (عليه السلام) والمراد بشيء مبين شيء يبين ويظهر صحة دعواه وهو آية الرسالة التي تدل على صحة دعوى الرسالة من مدعيه فإن الآية المعجزة إنما تدل على صدق الرسول في دعواه الرسالة وأما المعارف الإلهية التي يدعو إليها كالتوحيد والمعاد وما يتعلق بهما فالسبيل إلى إثباته الحجة البرهانية وعلى ذلك كانت تجري سيرة الأنبياء في دعوتهم وقد تقدم كلام فيه في الجزء الأول من الكتاب .

والمعنى : قال موسى : أ تجعلني من المسجونين ولو أتيتك بشيء يوضح صدقي فيما ادعيت من الرسالة .

قوله تعالى : {قال فأت به إن كنت من الصادقين} القائل فرعون وقد فرع أمره بإتيانه على استفهام موسى المشعر بأنه يدعي أن عنده شيئا مبينا ولذا قيد الأمر بالإتيان بقوله : {إن كنت من الصادقين} أي إن كنت صادقا في أن عندك شيئا كذلك .

قوله تعالى : {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} هاتان الآيتان اللتان أوتيهما موسى ليلة الطور ، والثعبان : الحية العظيمة وكونه مبينا ظهور واقعيته بحيث لا يرتاب فيه ، والمراد بنزع يده نزعه من جيبه بعد وضعها فيه كما في سورتي : النمل الآية 12 والقصص الآية 32 .

قوله تعالى : {قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فما ذا تأمرون} القائل فرعون وقد قال لموسى : {فأت به إن كنت من الصادقين} رجاء أن يأتي بأمر فيه موضع معارضة ومناقشة فلما أتى بما لا مغمض فيه لم يجد بدا دون أن يبهته بأنه ساحر عليم .

ولذا أتبع رميه بالسحر بقوله : {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} إغراء لهم عليه وحثا لهم على أن يتفقوا معه على دفعه بأي وسيلة ممكنة .

وقوله : {فما ذا تأمرون} لعل المراد بالأمر الإشارة عليه لما أن المشير يشير على من يستشيره بلفظ الأمر فالمعنى إذا كان الشأن هذا فما ذا تشيرون علي أن أعامله به حتى أعمل به وذلك أنه كان يرى نفسه ربهم الأعلى ويراهم عبيده ولا يناسب ذلك حمل الأمر على معناه المتعارف .

ويؤيد هذا المعنى أنه تعالى حكى في موضع آخر هذا الكلام عن الملإ أنفسهم إذ قال قال : {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [الأعراف : 109 ، 110] .

وظاهر أن المراد بأمرهم إشارتهم على فرعون أن افعل بهما كذا .

وقيل : إن سلطان المعجزة بهره وأدهشه فضل عن عجبه وتكبره وغشيته المسكنة فلم يدر ما ذا يقول؟ ولا كيف يتكلم؟ قوله تعالى : {قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم} القائلون هم الملأ حوله وهم أشراف قومه ، وقوله : {أرجه} بسكون الهاء على القراءة الدائرة وهو أمر من الإرجاء بمعنى التأخير أي أخر موسى وأخاه وأمهلهما ولا تعجل إليهما بسياسة أو سجن ونحوه حتى تعارض سحرهما بسحر مثله .

وقرىء {أرجه} بكسر الهاء و{أرجئه} بالهمزة وضم الهاء وهما أفصح من القراءة الدائرة ، والمعنى واحد على أي حال .

وقوله : {وابعث في المدائن حاشرين} المدائن جمع مدينة وهي البلدة والحاشر من الحشر وهو إخراج إلى مكان بإزعاج أي ابعث في البلاد عدة من شرطائك وجنودك يحشرون كل سحار عليم فيها ويأتوك بهم لتعارضهما بسحرهم .

والتعبير بالسحارون الساحر للإشارة إلى أن هناك من هو أعلم منه بفنون السحر وأكثر عملا .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص212-219 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الإتهام بالجنون والتهديد بالسجنِ :

حين واجه موسى(عليه السلام) فرعون بلهجة شديدة : وأجابه بضرس قاطع ، وأفحم فرعون في ردّه ، غيّر فرعون مجرى كلامه ، وسأل موسى عن معنى كلامه أنّه رسول ربّ العالمين ، و{قال فرعون وما ربّ العالمين} . .

ومن المستبعد جدّاً أن يكون فرعون قد سأل موسى (عليه السلام) هذا السؤال لفهم الحقيقة ومعرفة الموضوع ، بل يبدو أنّه سأله متجاهلا ومستهزئاً .

إلاّ أنّ موسى ـ على كل حال ـ لم يجد بُداً كسائر الباحثين الواعين اليقظين ، أن يجيب على فرعون بجدّ . . . وحيث أن ذات الله سبحانه بعيدة عن متناول أفكار الناس ، فإنّهُ أخذ يحدثه عن آيات الله في الآفاق وآثاره الحيّة إذْ {قال ربّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتُمْ موقنين} .

فالسماوات بما فيهن من عظمة ، والأرض على سعتها . . . والموجودات المتعددة بألوانها بحيث لا تساوي أنت وقصرك بإزائها إلاّ ذرّة في مقابل المجرّة ! كلّها من خلق ربّي ، فمثل هذا الخالق المدبّر لهذا العالم جدير بالعبادة ، لا الموجود الضعيف التافه مثلك ! . . .

وينبغي الإلتفات إلى أن عبدة الأوثان كانوا يعتقدون أنّ لكلّ موجود في هذا العالم ربّاً ، وكانوا يعدّون العالم تركيباً من نُظُم متفرقة ، إلاّ أن كلام موسى (عليه السلام) يشير إلى أن هذا النظام الواحد المتحكم على هذه المجموعة في عالم الوجود دليل على أن له ربّاً واحداً . . .

وجملة {إن كنتم موقنين} لعلها إشارةً إلى أنّ موسى (عليه السلام) يريد أن يفهم فرعون ومن حوله ـ ولو تلويحاً ـ أنه يعرف أن الهدف من هذا السؤال ليس إدراك الحقيقة . . . لأنّه لو أراد إدراك الحقيقة والبحث عنها لكان استدلاله كافياً . . فكأنّه يقول لهم : افتحوا أعينكم قليلا وتفكروا ساعة في السماوات والأرض بما فيهما من الآثار وعجائب المخلوقات . . . لتطلعوا على معالمها وتصححوا نظرتكم نحو الكون !

إلاّ أن فرعون لم يتيقظ من نومة الغافلين بهذا البيان المتين المحكم لهذا المعلم الكبير الرّباني السماوي . . . فعاد لمواصلة الإستهزاء والسخرية ، واتبع طريقة المستكبرين القديمة بغرور ، و {قال لمن حوله ألا تستمعون} .

ومعلوم من هم الذين حول فرعون ؟ فهم أشخاص من نسيجه وجماعة من أصحاب القوّة والظلم والقهر والمال .

يقول ابن عباس : كان الذين حول فرعون هناك خمسمائة نفر ، وهم يعدّون من خواص قومه . (2)

وكان الهدف من كلام فرعون أن لا يترك كلام موسى المنطقي يؤثر في القلوب المظلمة لأُولئك الرهط . . . فعدّه كلاماً بلا محتوى وغير مفهوم .

إلاّ أن موسى (عليه السلام) عاد مرّةً أُخرى إلى كلامه المنطقي دون أي خوف ولا وهن ولا إيهام ، فواصل كلامه و{قال ربّكم وربّ آبائكم الأولين} .

إن موسى (عليه السلام) بدأ في المرحلة الأُولى بـ «الآيات الآفاقية» ، وفي المرحلة الثّانية أشار إلى «الآيات الانفسية» ، وأشار إلى أسرار الخلق في وجود الناس أنفسهم وآثار ربوبية الله في أرواح البشر وأجسامهم ، ليفكر هؤلاء المغرورون على الأقلّ في أنفسهم ويحاولوا التعرّف عليها وبالتالي معرفة من خلقها .

إلاّ أن فرعون تمادى في حماقته ، وتجاوز مرحلة الإستهزاء إلى اتهام موسى بالجنون ، فـ {قال إنّ رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون} . . .

وذلك ما اعتاده الجبابرة والمستكبرون على مدى التاريخ من نسبة الجنون إلى المصلحين الرّبانيين ! . . .

وممّا يستجلب النظر أن هذا الضالَّ المغرور لم يكن مستعدّاً حتى لأنّ يقول : «إنّ رسولنا الذي أرسل إلينا» ، بل قال : «إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم» ، لأن التعبير برسولكم ـ أيضاً ـ له طابع الاستهزاء المقترن بالنظرة الإستعلائية . . . يعني : إنني أكبر من أن يدعوني رسول . . . وكان الهدف من اتهامه موسى بالجنون هو إحباط وإفشال منطقه القويّ المتين لئلا يترك أثراً في أفكار الحاضرين .

إلاّ أن هذه التهمة لم تؤثر في روح موسى (عليه السلام) ومعنوياته العالية ، وواصل بيان آثار الله في عالم الإيجاد في الآفاق والأنفس ، مبيناً خط التوحيد الأصيل فـ {قال ربّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} .

فإذا كنت ـ يا فرعون ـ تحكم حكما ظاهريّاً في أرض محدودة تدعى مصر ، فإنّ حكومة ربّي الواقعية تسع المشرق والمغرب وما بينهما جميعاً ، وآثاره تشرق في وجوه الموجودات ! . . . وأساساً فإنّ هذه الشمس في شروقها وغروبها وما يتحكم فيها من نظام ، كل ذلك بنفسه آية له ودليل على عظمته . . . إلاّ أنّ العيب كامن فيكم ، لأنّكم لا تعقلون ، ولم تعتادوا التفكير (وينبغي الإلتفات إلى أن جملة {إن كنتم تعقلون} هي إشارة إلى أنه لوكنتم تتفكرون وتستعملون العقل في ماضي حياتكم وحاضرها لتوصلتم إلى إدراك هذه المسألة) .

وفي الواقع إن موسى (عليه السلام) أجاب على اتهامهم إياه بالجنون بأسلوب بليغ بأنّه ليس مجنوناً ، وأن المجنون هومن لا يرى كل هذه الآثار ودلائل وجود الخالق ، والعجيب أنه مع وجود الآثار على باب الدار والجدار ، فانه يوجد من لا يفكر في هذه الآثار !» .

وصحيح أنّ موسى (عليه السلام) أشار بادىء الأمر إلى تدبير أمر السماوات والأرض ، إلاّ أنه حيث أن السماء عالية جداً ، وأن الأرض ذات أسرار غربية ، فقد وضع موسى(عليه السلام) أخيراً إصبعه على نقطة لا يمكن لأحد إنكارها; ويواجهها الإِنسان كلّ يوم ، وهي نظام طلوع الشمس وغروبها وما فيها من منهج دقيق . . . وليس لأحد من البشر أن يدعي أنّ بيده نظامها أبداً . . .

والتعبير بـ «ما بينهما» إشارة إلى الوحدة والإرتباط في ما بين المشرق والمغرب ، وهكذا كان التعبير في شأن السماوات والأرض . {قال ربّ السماوات والأرض وما بينهما} .

ويبيّن التعبير {ربُكم ورب آبائكم الأولين} أيضاً ارتباط النسل والوحدة فيه . . .

غير أن هذا المنطق المتين الذي لا يتزعزع غاظ فرعون بشدة ، فالتجأ إلى استعمال «حربة» يفزع إليها المستكبرون عند الإندحار ، فجابه موسى و{قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} .

فأنا لا أعرف كلماتك ، إنّما أعرف وجود اله ومعبود كبير وهو أنا . . . ومن قال بغيره فهو محكوم بالإعدام أو السجن ! . . .

ويعتقد بعض المفسّرين أن الألف واللام في «من المسجونين» هما للعهد ، وهي إشارة إلى سجن خاص من ألقي فيه يبقى سجيناً حتى تخرج جنازته . (3)

وفي الواقع كان فرعون يريد أن يسكت موسى بهذا المنطق الارهابي ، لأن مواصلة موسى (عليه السلام) بمثل هذه الكلمات ستكون سبباً في إيقاظ الناس ، وليس أخطر على الجبابرة من شيء كإيقاظ الناس ! . . .

 

قال تعالى : {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } [الشعراء : 30 - 37] .

 

بلادكم في خطر :

رأينا في الآيات المتقدمة كيف حافظ موسى (عليه السلام) على تفوّقه ـ من حيث المنطق ـ على فرعون ، وبيّن للحاضرين إلى أيّة درجة يعوّل مبدؤه على منطقه وعقله ، وأن ادعاء فرعون واه وضعيف ، فتارة يسخر من موسى ، وتارةً يرميه بالجنون ، وأخيراً يلجأ إلى التهديد بالسجن والإعدام ! . . .

وهنا يقلب موسى (عليه السلام) صفحة جديدة ، فعليه أن يسلك طريقةً أخرى يخذل فيها فرعون ويعجزه . عليه أن يلجأ إلى القوّة أيضاً ، القوّة الإلهية التي تنبع من الإعجاز ، فالتفت إلى فرعون متحدّياً و{قال أولو جئتك بشيء مبين} . . .

وهنا وجد فرعون نفسه في طريق مغلق مسدود . . . لأن موسى (عليه السلام) أشارَ إلى خطّة جديدة! ولفت انظار الحاضرين نحوه ، إذ لو أراد فرعون أن لا يعتدّ بكلامه ، لإعترض عليه الجميع ولقالوا : دعه ليرينا عمله المهم ، فلوكان قادراً على ذلك فلنرى ، ونعلم حينئذ أنّه لا يمكن الوقوف امامه ، وإلاّ فستنكشف مهزلته !! وعلى كل حال ليس من اليسير تجاوز كلام موسى ببساطة . . .

فاضطر فرعون إلى الإستجابة لا قتراح موسى (عليه السلام) و{قال فأت به إن كنت من الصادقين} .

{فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} «بأمر الله» .

ثمّ أظهر إعجازاً آخر حيث أدخل يده في جيبه (اعلى الثوب) وأخرجها فاذا هي بيضاء منيرة : {ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} .

في الحقيقة إن هاتين المعجزتين الكبيرتين ، إحداهما كانت مظهر الخوف ، والأُخرى مظهر الأمل ، فالأُولى تناسب مقام الإنذار ، والثّانية للبشارة ! والأُولى تبيّن عذاب الله ، والأُخرى نورٌ وآية رحمة ! لأنّ المعجزة ينبغي أن تكون منسجمةً مع دعوة النّبي (عليه السلام) .

«الثعبان» معناه الحية العظيمة ، ويحتمل الراغب في مفرداته أن «الثعبان» من مادة (ثعب) المأخوذ معناه من جريان الماء ، لأنّ حركة هذا الحيوان تشبه الأنهار المتحركة !

والتعبير بـ «المبين» لعله إشارة إلى هذه الحقيقة ! وهي أنّ عصّا موسى (عليه السلام) تبدلت إلى ثعبان عظيم فعلا ، ولم يكن في الأمر من إيهام أو سحر .

ولا بأس بذكر هذه اللطيفة الدقيقة هنا ، وهي أنّ الآية محل البحث عبرت

[عن تبدل العصا] بـ «ثعبان» . أمّا الآية العاشرة من سورة النمل ، والآية الحادية والثلاثون من سورة القصص ، فقد عبرت عنها بـ «جان» «ما تجنّه (4) الأرض وما يمشي عليها من الأفاعي الصغار بسرعة وقفز» . أمّا الآية العشرون من سورة طه فقد عبّرت عنها بأنّها «حية» «المشتقّة من الحياة» .

وهذا التفاوت أو الإختلاف في التعابير مثير للسؤال في بدو النظر ، إلاّ أنّ الإختلاف أو التفاوت إنّما هو لبيان واحد من أمرين :

1 ـ لعله إشارة إلى حالات ذلك الثعبان المتباينة ، ففي البداية تبدلت العصا إلى جانّ أو حية صغيرة ، ثمّ بدأت تكبر حتى صارت ثعباناً مبيناً ! . . .

2 ـ أو أنّ هذه الألفاظ الثلاثة «الثعبان ، والجان ، والحية» كلٌّ منها يرمز إلى بعض الخصائص الموجودة في تلك العصا المتبدلة إلى حالة جديدة ! فالثعبان إشارة إلى عظمتها ، والجان إشارة إلى سرعتها ، والحية إشارة إلى حياتها !

غير أن فرعون اضطرب لهذا المشهد المهول وغرق في وحشة عميقة ولكي يحافظ على قدرته الشيطانية التي أحدق بها الخطر بظهور موسى (عليه السلام) ، وكذلك من أجل أن يرفع من معنويات أصحابه والملأ من حوله في توجيه معاجز موسى ولفت نظرهم عنها ، فقد {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم} .

ذلك الإنسان الذي كان يدعوه مجنوناً إلى لحظات آنفة ، وإذا هو الآن يعبر عنه بالعليم ، وهكذا هي طريقة الجبابرة وأسلوبهم ، حيث تتبدل كلماتهم في مجلس واحد عدّة مرّات ، ويحاولون التشبث بأي شيء للوصول إلى هدفهم .

وكان فرعون يعتقد أن اتهام موسى بالسحر ألصق به وأكثر قبولا عند السامعين ، لأنّ ذلك العصر كان عصر السحر ، فإذا أظهر موسى (عليه السلام) معاجزه فمن اليسير توجيهها بالسحر .

ومن أجل أن يعبّىء الملأ ويُثيرَ حفيظتهم ضد موسى (عليه السلام) ، قال لهم : {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ؟} .

والغريب في الأمر أن فرعون الذي قال هذا الكلام هو الذي كان يقول من قبل : {أليس لي ملكُ مصر} ؟!

والآن حيث يرى عرشه متزعزعاً ينسى مالكيته المطلقة لهذه الأرض ، ويعدّها ملكَ الناس ، فيقول لهم : أرضكم في خطر ، إن موسى يريد أن يخرجكم من أرضكم ، ففكروا في حيلة ! . . .

فرعون هذا لم يكن قبل ساعة مستعداً لأن يصغي لأحد ، كان الآمر بلا منازع ، أمّا الآن فهو في حرج شديد يقول لمن حوله : «ماذا تأمرون» ؟! إنّها استشارة عاجزة ومن موقف الضعف فحسب ! . . .

ويستفاد من الآية (110) من سورة الأعراف أنّ أتباع فرعون ومن حوله ائتمروا فيما بينهم وتشاوروا في الأمر ، وكانوا في حالة من الإِضطراب النفسي بحيث كان كلُّ منهم يسأل الآخر قائلا : وأنت ما تقول ؟ وماذا تأمرون ؟!

أجل هذه سُنّةُ الجبابرة في كل عصر وزمان . . . فحين يسيطرون على الأوضاع يزعمون أن كل شيء لهم ، ويعدون الجميع عبيدهم ، ولا يفهمون شيئاً سوى منطق الإستبداد . إلاّ أنّهم حين تهتزّ عروشهم الظالمة ويرون حكوماتهم في خطر ، ينزلون مؤقتاً عن استبدادهم ويلجأون إلى الناس ويتحدثون باسم الناس ، فالأرض أرض الشعب ، والحكومة تمثل الشعب ويحترمون آراء الشعب ، ولكن حين يستقر الطوفان ويهدأ التيار ، فاذا هم أصحاب الأمس و«عادت حليمة إلى عادتها القديمة» .

ورأينا في عصرنا بقايا السلاطين القدامى كيف يحسبون أن الدولة ملكهم المطلق حين تُقبل الدنيا عليهم ، ويأمرون من يرفض إتباعهم بالخروج عن تلك البلاد قائلين له : اذهب في أرض الله العريضة الواسعة ، ففي هذا البلد لابدّ من تنفيذ ما نقول لا غير . ورأينا هذه الحالة عندما بدأت هبّت رياح الثورة الإسلامية كيف أن الطواغيت أخذوا باحترام الشعب وتعظيمه ، وحتى أنّهم أقروا بذنوبهم وطلبوا العفو ، ولكن الناس الذين عرفوا سجيّتهم طوال سنين مديدة لم ينخدعوا بذلك .

وبعد المشاورة فيما بينهم التفت الملأ من قوم فرعون إليه و{قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين} . (5) أي أمهلهما وابعث رسلك الى جميع المناطق والأمصار .

{يأتوك بكل سحّار عليم} .

وفي الواقع أن رهط فرعون إمّا أنّهم غفلوا ، وإمّا أنّهم قبلوا اتهامه لموسى واعين للأمر . فهيأوا خطةً على أنّه ساحر ، ولابدّ من مواجهته بسحرة أعظم منه وأكثر مهارة ! . . .

وقالوا : لحسن الحظّ إنّ في بلادنا العريضة سحرةً كثيرين ، فلابدّ من جمع السحرة لإحباط سحر موسى (عليه السلام) .

وكلمة (حاشرين) مأخوذة من مادة (الحشر) ومعناه التعبئة والسوق لميدان الحرب وأمثال ذلك ، وهكذا فينبغي على المأمورين أن يعبئوا السحرة لمواجهة موسى (عليه السلام) بأيّ ثمن كان ! . . .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص285-292 .

2 ـ راجع تفسير أبي الفتوح الرازي ذيل الآية محل البحث .

3 ـ راجع تفسير الميزان ، والفخر الرازي ، وروح المعاني ذيل الآية محل البحث .

4 ـ جنّ يجن «من الأضداد في اللغة» والضدّ في الألفاظ ما يحمل معنيين متضادين ، مثل الجون يطلق على الأسود والأبيض ، وجنّ بمعنى ستره وأظهره .

5 ـ (أرجه) مشتقّة من «الإِرجاء» ، ومعناها التأخير وعدم الإِستعجال في القضاء ، والضمير في (أرجه) يعود على موسى ، وأصل الكلمة كان (أرجئه) وحذفت الهمزة للتخفيف ! 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي