تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (1-9) من سورة الشعراء
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
22-8-2020
6203
قال تعالى : {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء : 1 - 9] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{طسم} قد بينا معاني هذه الحروف المقطعة في أول البقرة فلا معنى لإعادته وقال مجاهد والضحاك إن {طسم} وطس من أسماء القرآن وقال ابن عباس في رواية الوالبي طسم قسم وهومن أسماء الله عز وجل وقال القرظي أقسم الله بطوله وسنائه وملكه وروي عن ابن الحنفية عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزلت {طسم} قال الطاء طور سيناء وسين الإسكندرية والميم مكة وقيل الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) {تلك آيات الكتاب المبين} أشار بتلك إلى ما ليس بحاضر لكنه متوقع فهو كالحاضر لحضور المعنى في النفس والتقدير تلك الآيات التي وعدتم بها هي آيات الكتاب أي القرآن والمبين الذي يبين الحق من الباطل .
{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} أي لعلك مهلك نفسك وقاتل نفسك بأن لا يكونوا مؤمنين وبأن يقيموا على الكفر إنما قال ذلك سبحانه تسلية لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتخفيفا عنه بعض ما كان يصيبه من الاغتمام لذلك {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية} أي دلالة وعلامة تلجئهم وتضطرهم إلى الإيمان {فظلت أعناقهم لها} أي لتلك الآية {خاضعين} منقادين وقيل في ذلك وجوه (أحدها) إن المراد فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة الكلام عليه (وثانيها) أنه جعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون (وثالثها) إن الخضوع مردود إلى المضمر الذي أضيف الأعناق إليه عن الأخفش والمبرد وأبي عبيدة وأنشدوا قول جرير :
أرى مر السنين أخذن مني *** كما أخذ السرار من الهلال (2)
(ورابعها) إن المراد بالأعناق الرؤساء والجماعات يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة (وخامسها) إنه لما وصف الأعناق بصفة ما يعقل نسب إليها ما يكون من العقلاء كما قال الشاعر :
تمززتها والديك يدعو صياحه *** إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا (3)
وروي نادى صياحه وذكر أبوحمزة الثمالي في هذه الآية أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان وتخرج له العواتق من البيوت وقال ابن عباس نزلت فينا وفي بني أمية قال سيكون لنا عليهم الدولة فتخضع لنا أعناقهم بعد صعوبتها وتلين {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين} أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنه لا يأتيهم ذكر من الرحمن محدث أي جديد يعني القرآن كما قال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال إن هو إلا ذكر إلا أعرضوا عن الذكر ولم يتدبروا فيه {فقد كذبوا فسيأتيهم} فيما بعد يعني يوم القيامة {أنباء ما كانوا به يستهزءؤن} وهي مفسرة في سورة الأنعام .
{أ ولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج} معناه من كل نوع معه قرينة {كريم} أي حسن وقيل نافع محمود مما يحتاج إليه وقيل من كل صنف يكرم على أهله وقيل كريم مما يأكل الناس والأنعام عن مجاهد وقال الشعبي الناس نبات الأرض كما قال سبحانه والله أنبتكم من الأرض نباتا فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم {إن في ذلك لآية} أي لدلالة على وحدانيتنا وكمال قدرتنا {وما كان أكثرهم مؤمنين} أي لا يصدقون بذلك ولا يعترفون به عنادا وتقليدا لأسلافهم وهربا من مشقة التكليف قال سيبويه كان هنا مزيدة ومجازه وما أكثرهم مؤمنين {وإن ربك} يا محمد {لهو العزيز} أي القادر والذي لا يعجز والغالب الذي لا يغلب {الرحيم} أي المنعم على عباده بأنواع النعم .
________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص319-321 .
2- السرار : آخر الشهر ليلة يستسر الهلال .
3- مر البيت بمعناه في هذا الجزء .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{ طسم} . تقدم الكلام عن مثله في أول سورة البقرة { تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} . تلك إشارة إلى آيات هذه السورة ، والكتاب القرآن ، والمبين يبين الحق ويظهره {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} . الخطاب من اللَّه لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) يعاتبه فيه على شدة حزنه وأسفه لاعراض قومه عن الهدى والحق . وتقدم مثله في الآية 35 من سورة الأنعام ج 3 ص 183 والآية 6 من سورة الكهف .
{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ} . يقول سبحانه لنبيه الكريم : هوّن عليك ، لو أردنا أن يؤمنوا قسرا وجبرا لأنزلنا عذابا من السماء يرونه عيانا ، وقلنا لهم : اختاروا ، اما الهلاك ، واما الايمان . .
وليس من شك انهم يستسلمون أذلاء خاضعين . . ولكن هل يعد هذا ايمانا يستحقون عليه الثواب ؟ كلا ، ان الايمان الحق ما كان بالإرادة والاختيار ، لا بالإكراه والإجبار ، ولذا أقدرناهم على فعل الشر والخير ، وأمرناهم بهذا ، ونهيناهم عن ذاك ، وتركنا لهم أن يختاروا ليستحقوا الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية .
وتسأل : لقد فعل سبحانه ذلك ببني إسرائيل في عهد موسى (عليه السلام) بدليل قوله تعالى : {وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ } [الأعراف - 171] . فكيف أثبته هناك ، ونفاه هنا ؟ .
الجواب : ان القرآن الكريم يدل بصراحة ووضوح على أن اللَّه سبحانه عامل اليهود معاملة لا تشبه شيئا مما عامل به سائر العباد ، لأن لهم في نظر القرآن طبيعة شاذة لا يقاس عليها . . وقد تكلمنا عن ذلك مفصلا في ج 1 ص 122 بعنوان « لا قياس على اليهود .
{وما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} . أقدرنا المشركين وأرشدناهم بلسانك يا محمد إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم ، فأعرضوا وسخروا . . فدعهم وشأنهم ، فإنهم ملاقون ما وعدناهم من العذاب لا محالة . وتقدم مثله في الآية 67 من سورة الأنعام ج 3 ص 205 .
{أَولَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً وما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} . كفر من كفر باللَّه ، وهو يرى الدلائل والبينات على وجوده وعظمته ، ومن هذه الدلائل إخراج النبات أصنافا وألوانا من الأرض الميتة . أنظر تفسير الآية 99 من سورة الأنعام ج 3 ص 234 والآية 3 من سورة الرعد ج 4 ص 375 . {وإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} . وبعزته يقهر الطغاة ، وبرحمته يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقاب حتى يأتيهم من عنده البشير النذير ، ويدع لهم الفرصة للتدبر والتوبة . قال الإمام علي (عليه السلام) : لا يشغله غضب عن رحمة ، ولا تلهيه رحمة عن عقاب .
_________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج5 ، ص 487-488 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
غرض السورة تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبال ما كذبه قومه وكذبوا بكتابه النازل عليه من ربه - على ما يلوح إليه صدر السورة : تلك آيات الكتاب المبين - وقد رموه تارة بأنه مجنون وأخرى بأنه شاعر ، وفيها تهديدهم مشفعا ذلك بإيراد قصص جمع من الأنبياء وهم موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب (عليهما السلام) وما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم لتتسلى به نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يحزن بتكذيب أكثر قومه وليعتبر المكذبون .
والسورة من عتائق السور المكية وأوائلها نزولا وقد اشتملت على قوله تعالى : {وأنذر عشيرتك الأقربين} .
وربما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة ووقوع قوله : {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} في سورة الحجر وقياس مضمونيهما كل مع الأخرى أن هذه السورة أقدم نزولا من سورة الحجر وظاهر سياق آيات السورة أنها جميعا مكية واستثنى بعضهم الآيات الخمس التي في آخرها ، وبعض آخر قوله : {أ ولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} وسيجيء الكلام فيهما .
قوله تعالى : {طسم تلك آيات الكتاب المبين} الإشارة بتلك إلى آيات الكتاب مما سينزل بنزول السورة وما نزل قبل ، وتخصيصها بالإشارة البعيدة للدلالة على علو قدرها ورفعة مكانتها ، والمبين من أبان بمعنى ظهر وانجلى .
والمعنى : تلك الآيات العالية قدرا الرفيعة مكانا آيات الكتاب الظاهر الجلي كونه من عند الله سبحانه بما فيه من سمة الإعجاز وإن كذب به هؤلاء المشركون المعاندون ورموه تارة بأنه من إلقاء شياطين الجن وأخرى بأنه من الشعر .
قوله تعالى : {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} البخوع هو إهلاك النفس عن وجد ، وقوله : {ألا يكونوا مؤمنين} تعليل للبخوع ، والمعنى : يرجى منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك .
والكلام مسوق سوق الإنكار والغرض منه تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قوله تعالى : {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} متعلق المشية محذوف لدلالة الجزاء عليه ، وقوله : {فظلت} إلخ ، ظل فعل ناقص اسمه {أعناقهم} وخبره {خاضعين} ونسب الخضوع إلى أعناقهم وهو وصفهم أنفسهم لأن الخضوع أول ما يظهر في عنق الإنسان حيث يطأطىء رأسه تخضعا فهومن المجاز العقلي .
والمعنى : إن نشأ أن ننزل عليهم آية تخضعهم وتلجئهم إلى القبول وتضطرهم إلى الإيمان ننزل عليهم آية كذلك فظلوا خاضعين لها خضوعا بينا بانحناء أعناقهم .
وقيل : المراد بالأعناق الجماعات وقيل : الرؤساء والمقدمون منهم ، وقيل : هو على تقدير مضاف والتقدير فضلت أصحاب أعناقهم خاضعين لها . وهو أسخف الوجوه .
قوله تعالى : {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين} بيان لاستمرارهم على تكذيب آيات الله وتمكن الإعراض عن ذكر الله في نفوسهم بحيث كلما تجدد عليهم ذكر من الرحمن ودعوا إليه دفعه بالإعراض .
فالغرض بيان استمرارهم على الإعراض عن كل ذكر أتاهم لا أنهم يعرضون عن محدث الذكر ويقبلون إلى قديمه وفي ذكر صفة الرحمن إشارة إلى أن الذكر الذي يأتيهم إنما ينشأ عن صفة الرحمة العامة التي بها صلاح دنياهم وأخراهم .
وقد تقدم في تفسير أول سورة الأنبياء كلام في معنى الذكر المحدث فراجع .
قوله تعالى : {فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون تفريع على ما تقدم من استمرار إعراضهم ، وقوله : {فسيأتيهم} إلخ تفريع على التفريع والأنباء جمع نبأ وهو الخبر الخطير ، والمعنى لما استمر منهم الإعراض عن كل ذكر يأتيهم تحقق منهم وثبت عليهم أنهم كذبوا ، وإذ تحقق منهم التكذيب فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون من آيات الله ، وتلك الأنباء العقوبات العاجلة والآجلة التي ستحيق بهم .
قوله تعالى : {أ ولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} الاستفهام للإنكار التوبيخي والجملة معطوف على مقدر يدل عليه المقام والتقدير أصروا واستمروا على الإعراض وكذبوا بالآيات ولم ينظروا إلى هذه الأزواج الكريمة من النباتات التي أنبتناها في الأرض .
فالرؤية في قوله : {أ ولم يروا} مضمنة معنى النظر ولذا عديت بإلى ، والظاهر أن المراد بالزوج الكريم .
وهو الحسن على ما قيل : النوع من النبات وقد خلق الله سبحانه أنواعه أزواجا ، وقيل : المراد بالزوج الكريم الذي أنبته الله يعم الحيوان وخاصة الإنسان بدليل قوله : {والله أنبتكم من الأرض نباتا} .
قوله تعالى : {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} الإشارة بذلك إلى ما ذكر في الآية السابقة من إنبات كل زوج كريم حيث إن فيه إيجادا لكل زوج منه وتتميم نقائص كل من الزوجين بالآخر وسوقهما إلى الغاية المقصودة من وجودهما وفيه هداية كل إلى سعادته الأخيرة ومن كانت هذه سنته فكيف يهمل أمر الإنسان ولا يهديه إلى سعادته ولا يدعوه إلى ما فيه خير دنياه وآخرته . هذا ما تدل عليه آية النبات .
وقوله : {وما كان أكثرهم مؤمنين} أي لم يكن المترقب من حال أكثرهم بما عندهم من ملكة الإعراض وبطلان الاستعداد أن يؤمنوا فظاهر الآية نظير ظاهر قوله : { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [يونس : 74] وتعليل الكفر والفسوق برسوخ الملكات الرذيلة واستحكام الفساد في السريرة من قبل في كلامه تعالى أكثر من أن تحصى .
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم : إن المراد ما كان في علم الله أن لا يؤمنوا غير سديد لأنه مضافا إلى كونه خلاف المتبادر من الجملة ، مما لا دليل على أنه المراد من اللفظ بل الدليل على خلافه لسبق الدلالة على أن ملكة الإعراض راسخة لم تزل في نفوسهم .
وعن سيبويه أن {كان} في قوله : {وما كان أكثرهم مؤمنين} صلة زائدة والمعنى : وما أكثرهم مؤمنين .
وفيه أنه معنى صحيح في نفسه لكن المقام بما تقدم من المعنى أوفق .
قوله تعالى : {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} فهو تعالى لكونه عزيزا غير مغلوب يأخذ المعرضين عن ذكره المكذبين لآياته المستهزءين بها ويجازيهم بالعقوبات العاجلة والآجلة ، ولكونه رحيما ينزل عليهم الذكر ليهديهم ويغفر للمؤمنين به ويمهل الكافرين .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص200-202 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
إنهم يُعرضون عن كل جديد !
مرّةً أُخرى نواجه في بداية هذه السورة مثلا آخر من الحروف المقطعة وهو : (طَسَمَ) .
وكان لنا في تفسير هذه الحروف المقطعة بحوث مُسهَبة ومستقلّة في مستهل سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة الأعراف ! فلا نرى حاجةً إلى التكرار والإعادة !
إلاّ أنّ ما ينبغي أن نضيفه هنا هوما ورد من روايات متعددة عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعض أصحابه في تفسير «طسم» ويدلّ جميعُها على أنّ هذه الحروف علامات «مختصرة» عن أسماء الله تعالى ، أو أسماء القرآن ، أو الأمكنة المقدسة ، أو بعض أشجار الجنّة ! . . .
وهذه الرّوايات تؤيد التّفسير الذي نقلناه في مستهلّ سورة الأعراف في هذا الصدد ، كما أنّها في الوقت ذاته لا تنافي ما قلناه في مستهل سورة البقرة من أن المراد من هذه الحروف بيان أعجاز القرآن وعظمته ، حيث أن هذا الكلام العظيم مؤلف من حروف بسيطة وصغيرة !
والآية التالية تبيّن عظمة القرآن بهذا النحو : {تلك آيات الكتاب المبين} .
وبالطبع فإنّ «تلك» في لغة العرب اسم إشارة للبعيد ، ويشار بها للمؤنث «المفرد» و«الجمع»; كما قد يشار بها لجمع التكسير . (2)
وكما بيّنا آنفاً فقد يعبّر في لغة العرب عن عظمة الشيء ـ وإن كان قريباً ـ باسم الإشارة (للبعيد) فكان الموضوع لأهميّتهِ وارتفاع «وعلوّ» مرتبته بعيد عنّا ، ومكانه في السماوات العُلى !
وممّا ينبغي الإلتفات إليه وملاحظته أنّ هذه الآية بنصّها وردت في بداية سورة يوسف وسورة القصص ـ أيضاً ـ دون زيادة أو نقصان . كما أنّها وردت بعد الحروف المقطعة في مستهلّ السور آنفة الذكر ، وهي تدل على ارتباط هذه الحروف بعظمة القرآن .
ووصفُ القرآن بـ «المبين» المشتق من «البيان» ، هو إشارة إلى كونه جليّاً بيّناً عظيماً معجزاً ـ فكلّما أمعن الإنسان النظر في محتواه تعرّف على إعجازه أكثر فأكثر . . . ثمّ بعد هذا فإنّ القرآن يبيّن الحق ويميزه عن الباطل ، ويوضّح سبيل السعادة والنصر والنجاة من الضلال !
والآية التالية تُسرّي عن قلب النّبي وتثبته فتقول : {لعلك باخعٌ نفسَك أن لا يكونوا مؤمنين} .
كلمة «باخع» مشتقّة من (البَخْع) (على وزن الدَّمع) ! ومعناه إهلاك النفس من شدة الغمّ . . . وهذا التعبير يدلّ على مدى تحرّق قلب النّبي وشفقته لأُمته ، وأداء رسالته ، وما كان عليه من إصرار في خِطته ، وتجلّد في مواجهة شدته ومحنته ، لأنّه يرى القلوب المتعطشة الظامئة في جوار النبع القرآني الزلال ، ولكنّها لا تزال على ظمئها ولا ترتوي من معينه العذب ، فكان يتحرق لذلك !
كان قلقاً ـ وباخعاً نفسه ـ أن يرى الإنسان الذي منحه الله العقل واللبّ يسير في الطريق المظالم ، بالرغم من كل هذا الضياء ، ويهوي في الوادي السحيق ليكون من الهالكين !
أجل ، كان جميع الأنبياء على هذه الشاكلة من الإشفاق على أُممهم ولا سيما الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ورد في شأنه هذا التعبير القرآني أكثر من مرّة . . .
قال بعض المفسّرين : إن سبب نزول الآية الأنفة الذكر هو أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعو أهل مكّة إلى توحيد الله باستمرار ، إلاّ أنّهم لم يؤمنوا . فأسف النّبي وتأثر تأثراً بالغاً حتى بدت أماراته في وجهه ، فنزلت الآية آنفة الذكر لتسرّي عن قلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) . (3)
ولبيان أنّ الله على كل شيء قدير حتى أنّه يستطيع أن يسوقهم إلى الإيمان به سوقاً ويضطرّهم إلى ذلك ، فإنّ الآية التالية تقول : {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} .
وهي إشارة إلى أن الله قادر على إنزال معجزة مذهلة ـ من السماء ـ أو أن يرسل عليهم عذاباً شديداً فيذعنوا له ، يطأطئوا برؤوسهم خضوعاً له ، يستسلموا الأمره وحكمه ، إلاّ أن الإيمان بإكراه لا قيمة له . فالمهم أن يخضعوا للحق عن إرادة ووعي وإدراك وتفكر .
ومن الواضح أنّ المراد بخضوع الأعناق خضوع أصحابها . . . فاللغة العربية تذكر الرقبة أو العنق كناية عن الإنسان لأنّها جزء مهمٌّ منه ، ويقال مثلا كناية عن البغاة القساة : غلاظ الرقاب ، وعن المضطهدين والضعفاء : الرقاب الذليلة !
وبالطبع فهناك احتمالات أُخرَ لتفسير «أعناقهم» من جملتها أنّ الأعناق تعني الرؤساء ، كما أن من التفاسير أن الأعناق تعني طوائف من الناس . وجميع هذه الإحتمالات ضعيفة .
ثمّ يتحدث القرآن عن مواقف المشركين والكفار من آيات القرآن فيقول : {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلاّ كانوا عنه معرضين} .
والتعبير بـ «ذكر» هو إشارة إلى أن القرآن موقظ ومنبّه ، وهذا الأمر متحقّق في جميع آياته وسوره ! إلاّ أن هذه الجماعة معرضة عن ذكره وتنبيهه ، فهي تفرّ عن كل ذلك ! . . .
والتعبير بـ «الرحمن» إشارة إلى أن نزول هذه الآيات من قبل الله إنّما هومن رحمته العامّة ، إذ تدعو جميع الناس دون استثناء إلى السعادة والكمال !
كما أن هذا التعبير ـ أيضاً ـ ربّما كان لتحريك الإحساس بالشكر لله ، فهذا الذكر من الله الذي عمّت نعمه وجودكم من القرن إلى القدم ، فكيف يمكن الإعراض عن ولي النعمة ؟ ! وإذا كان سبحانه لا يتعجل بإنزال العذاب عليكم ، فذلك من رحمته أيضاً . . .
والتعبير بـ «محدث» ـ أي جديد ـ إشارة إلى أن آيات القرآن تنزل واحدةً تلو الأُخرى ، وكلُّ منها ذو محتوى جديد ، ولكن ما جدوى ذلك ، فهم مع كل هذه الحقائق الجديدة ـ معرضون . . . فكأنّهم اتّفقوا على خرافات السلف وتعلّقوا بها ـ فهم لا يرضون أن يودّعوا ضلالهم وجهلهم وخرافاتهم !! فأساساً مهما كان الجديد موجباً للهداية ، فإنّ الجهلة والمتعصبين يخالفون الحق ولا يذعنون له . . .
ونقرأ في سورة «المؤمنون» الآية 68 منه إذ تقول : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون : 68] فبذريعة مالم يأت آباءهم تجدهم متعصبين مخالفين !
ثمّ يضيف القرآن : أنّ هؤلاء لا يقفون عند حدود الإعراض ، بل يتجاوزون إلى مرحلة التكذيب ، بل إلى أشدّ منه ليصلوا إلى الإستهزاء به ، فيقول : {فقد كذّبوا فسيأتيهم أنباؤا ما كانوا به يستهزئون} .
«الأنباء» : جمع «انبأ» ، أي الخبر المهمّ ، والمراد من هذه الكلمة ما سيصيبهم من العقاب الشديد الدنيوي والأخروي . على أنّ بعض المفسّرين كالشيخ الطوسي في «التبيان» ، قال بأن هذا العقاب منحصر العقاب الآخرة . إلاّ أن أغلب المفسّرين يعتقدون بشموله لعقاب الدارين ، وهو في الواقع ـ كذلك ! . . . لأنّ الآية مُطْلَقَةٌ .
وبغض النظر عن كل ذلك فإنّ للكفر والإِنكار انعكاسات واسعة وشاملة في جميع حياة الإنسان . . . فكيف يمكن السكوت عنها !
والتحقيق في هذه الآية والآية السابقة يكشف أن الإنسان حين ينحرف عن الجادة المستقيمة فإنّه يفصل نفسه عن الحق ـ بشكل مستمر ـ .
ففي المرحلة الأُولى يعرض عن الحق ويصرف بوجهه عنه . . . ثمّ بالتدريج يبلغ مرحلة الإنكار والتكذيب . . ثمّ يتجاوز هذه المرحلة إلى السخرية والإستهزاء . . . ونتيجةً لذلك ينال عقاب الله وجزاءه «وقد ورد نظير هذا التعبير في الآيتين 4 و5 من سورة الأنعام» .
وقوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء : 8 ، 9]
الزوجية في النباتات :
كان الكلام في الآيات المتقدمة عن إعراض الكفار عن الآيات التشريعية (أي القرآن المجيد) ، أمّا في الآيات محل البحث فالكلام عن الآيات التكوينية ودلائل الله في خلقِه وما أوجده سبحانه ، فالكفار لم يَصمّوا آذانهم ويوصدوا أبواب قلوبهم بوجه أحاديث النّبي وكلماته فحسب ، بل كانوا يحرمون أعينهم رؤية دلائل الحق المنتشرة حولهم .
فتقول الآية الأُولى من هذه الآيات : {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} . (4)
والتعبير بـ «زوج» في شأن النباتات يستحق الدقّة . . . فبالرغم من أنّ أغلب المفسّرين قالوا بأن الزوج يعني النوع أو الصنف ، وأن الأزواج معناها الأصناف والانواع ، إلاّ أنّه ما يمنع أن نفسر معنى الزوج بما يتبادر إلى الذهن من المعنى المعروف وهو الإشارة إلى الزوجيّة في النباتات ؟!
كان الناس فيما مضى يدركون أن بعض النباتات لها جنسان (ذكر وأُنثى) وكانوا يستعينون بتلقيح النباتات لتثمر . . . وكانت هذه المسألة معروفة وواضحة تماماً في النخيل . . .
إلاّ أنّ العالم السويدي والخبير بعلم النبات «لينه» وُفّق لأول مرّة في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي لاكتشاف هذه الحقيقة ، وهي أن الزوجية في عالم النباتات قانون عام تقريباً ، والنباتات كسائر الحيوانات تحمل عن طريق تلقيح الذكر لأنثاه ثمّ تقذف بالثمار . . .
غير أنّ القرآن المجيد أشارَ إلى هذه الظاهرة «الزوجية في النبات» في آيات مختلفة مراراً قبل هذا العالم السويدي بقرون ، كما هي الحال في الآيات محل البحث . وفي الآية الرّابعة من سورة الرعد ، والآية العاشرة من سورة لقمان ، والآية السابعة من سورة ق . وهذه الإشارة بنفسها إحدى معاجز القرآن العلمية !
وكلمة «كريم» في الأصل تعني كل شيء قيّم وثمين ، فقد تستعمل في الإنسان ، وقد تستعمل في النبات ، وقد تستعمل في الكتاب
[أي الرسالة المعهودة بين المتراسلين] أيضاً . . . كما هي الحال في شأن حديث ملكة سبأ عن كتاب سليمان إليها إذا قالت : {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل : 29] .
والمراد من (كم أنبتنا فيها من كلّ زوج كريم) هو النباتات المهمّة ذوات الفائدة ، وطبعاً ما من نبات إلاّ وله فائدة أو فوائد جمّة ، ومع تقدم العلم تتجلى هذه الحقيقة يوماً بعد يوم .
وتأتي الآية التالية لتقول مؤكّدةً بصراحة : {إنّ في ذلك لآية} .
أجل إن الإلتفات إلى هذه الحقيقة ، وهي أن هذا التراب الذي لا قيمة له ظاهراً ، بما فيه من تركيب معين هو مبدأ ظهور أنواع الأزهار الجميلة ، والأشجار المثمرة الظليلة ، والفواكه ذات الألوان الزاهية ، وما فيها من خواص مختلفة . وهو أي التراب ـ يبيّن منتهى قدرة الله ، إلاّ أن أُولئك الذين طُبع على قلوبهم في غفلة وجهل إلى درجة يرون معها آيات الله بأعينهم ، ومع ذلك يجحدونها ويكفرون بها ، ويترسخ في قلوبهم العناد والجدل !
لذلك فإنّ الآية هذه تعقّبُ قائلة : {وما كان أكثرهم مؤمنين} .
أي إنّ عدم الإيمان لدى أُولئك أمسى كالصفة الراسخة فيهم ، فلا عجب أن لا ينتفعوا من هذه الآيات ، لأنّ قابليّة المحل من شرائط التأثير الأصيلة أيضاً كما نقرأ قوله تعالى : {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة : 2] .
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يرد الخطاب في تعبير يدلُّ على التهديد والترهيب والتشويق والترغيب ، فيقول سبحانه : {وإن ربّك لهو العزيز الرحيم} . . .
«العزيز» معناه المقتدر الذي لا يغلب ولا يُقهر ، فهو قادر على إظهار الآيات العظمى ، كما أنه قادر على إهلاك المكذبين وتدميرهم . . إلاّ أنّه مع كل ذلك رحيم ، ورحمته وسعت كل شيء ، ويكفي الرجوع بإخلاص إليه في لحظة قصيرة ! لتشمل رحمته من أناب إليه وتاب ، فيعفو عنه بلطفه ورحمته !
ولعل تقديم كلمة «العزيز» على «الرحيم» لأنّه لو تقدمت كلمة الرحيم على العزيز لأشعرت الإحساس بالضعف ، إلاّ أنّه قدم سبحانه الوصف بالعزيز ليُعلم أنّه وهو في منتهى قدرته ذو رحمة واسعة !
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص267-275 .
2 ـ كقوله تعالى (وتلك الأيّام نداولها بين الناس) .
3 ـ تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 8 ذيل الآية محل البحث .
4 ـ يتعدي الفعل «يرى» عادة إلى المفعول بدون حرف الجر (إلى) وقد تتعدى إلى المفعولين ، وإنّما تعدت هنا بحرف الجر (إلى) لأنّ المراد منها النظر العميق الدقيق لا الرؤية السطحية . . .