
جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
) أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ تَسْتَعيِنُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ (
الدعوةُ والتنبيهُ إلى أمرٍ مُهِمٍّ جداً يغفُلُ أو يَتَغافَلُ عنهُ كثيرٌ مِنَ العِبادِ وَهُوَ أنَّ الإنسانَ يتمَتَّعُ بِما أنعَمَ اللُه تعالى عليهِ مِن صِحّةٍ وعافيةٍ وجاهٍ ومالٍ وَقُوَّةٍ ونُفوذٍ .. إلّا أنّهُ قد يستَعمِلُها فيما لا يُرضي اللهَ تعالى بِصَرفِ هذهِ النِّعَمِ فيهِ كالمُحرَّمَاتِ التي نَهى تعالى عَن اقترافِها والاقترابِ مِن حدودِها وأمرَ –عَزَّ وَجَلَّ- بالابتعادِ عَنها والانزِجَارِ النفسيِّ عَن ممارَسَتِها، بينَما الواقِعُ يفرِضُ مُقابلةَ النِّعَمِ بالتَّعامُلِ المُناسِبِ مِنَ الشُّكرِ والثَّناءِ وعدمِ التوصُّلِ بِها إلى ما يُغضِبُ المُنعِمَ – أيّاً كانَ – وهذا شيءٌ أساسيٌّ تفرِضُهُ قواعِدُ الآدابِ الاجتماعيّةِ العامّةِ فكيفَ – إذَنْ – إذا كانَ المُنعِمُ هُوَ خالِقُ السماواتِ والأرضِ، المُحيطُ بِكُلِّ شيءٍ ، الذي لا يُعجِزُهُ شيءٌ ، الذي لا تَضُرُّهُ معصِيَةُ مَن عَصاهُ كما لا تَنفَعُهُ طاعةُ مَن أطاعَهُ، وإنَّما المُتضَرِّرُ والمُنتَفِعُ بالدَّرَجَةِ الأولى هُوَ العَبدُ . فالإمامُ -عليهِ السَّلامُ- يُؤكِّدُ على هذهِ النُّقطَةِ المُهِمَّةِ في استدامَةِ الألطافِ الإلهيّةِ واستمرارِ الإمداداتِ الربّانيّةِ والتي يحتاجُها كُلُّ مَخلوقٍ مَهما كانَ حجمُهُ أو شأنِهِ، فَلَو لم نلتَزِمْ بهذهِ الحِكمَةِ لحَكمنا على أنفُسِنا بالحِرمانِ وزوالِ النِّعَمِ فإنَّها تزولُ إذا لم تَجِدْ الجَوَّ الملائِمَ والظَّرفَ المُناسِبَ والتعامُلَ اللائِقَ. فلا بُدَّ للإنسانِ العاقِلِ أنْ يُحسِنَ التعامُلَ معَ ما يرزُقُهُ اللهُ مِن مُتَطلَّباتِ الحياةِ ومُهِمَّاتِ البقاءِ في الدُّنيا مِنَ الأمورِ المَعنويّةِ والاعتباريّةِ أوِ الماديّةِ والشأنيّةِ، فلا يُقابَلُ هذا كُلَّهُ بالتمادي في الطُّغيانِ والتَّمَرُّدِ بَل يلزَمُهُ – بحُكمِ الدليلِ العَقليّ – أنْ يَشكُرَ ولا أقلَّ مِن عَدَمِ الاستعانةِ بالنِّعَمِ على ما لا يَرضى بهِ تَعالى.