Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
فينكس

منذ 9 سنوات
في 2016/11/02م
عدد المشاهدات :1311
فينكس
: حسين السنيد
كم اتمنى ان اكون طفلا مرة اخرى ...
كان يكرر هذه الجملة جارنا " حاج حمد " مرات ومرات في اليوم و هو يجلس على كرسي بلاستيكي قديم بعينين صغيرتين و جفون متورمة مرتديا ثوبا يبدو انه كان رصاصي اللون في يوم ما.
ثم يبدأ يبث شكواه عن غلاء الاسعار و ارتفاع الايجار و مرض الاطفال و تذمر الزوجة و تكاليف مراجعة الاطباء مصاريف المدراس و ضيق ذات اليد.
وكان محقا في شكواه هذه .. كيف يمكن لنجار بسيط يعيش على تصليح الطاولات القديمة اوالابواب العتيقة للبيوت المهملة في اطراف المدينة ان يعيل تسعة اطفال و زوجة تحمل في رحمها الطفل العاشر
كان يقول حاج حمد :
اتمنى ان اعود طفلا مرة اخرى حتى لا اخطأ كل هذا الكم الهائل من الاخطاء التي ارتكبتها طيلة عمري . فلا اتزوج و انا في السابعة عشرة من عمري واذا اردت الزواج فلن اتزوج ابنة عمي و لما كنت عملت مع والدي في محل النجارة كل سني مراهقتي. لفعلت مثلما فعل اغلب اصدقائي اسيح في الارض شرقا وغربا قافزا ... كبلبل عاشق يتقافز من نخلة الى اخرى.
ثم كان يصمت و هو يطير بعينيه الى الافق و يستدرك :
هل تعرف كم صديق لي في اروبا و امريكا كنا نلعب معا في هذه الدروب في صغرنا هم الان في اجمل بلدان العالم فيما انا ما ازال امشي على نفس دروب الطفولة.
قال لي ذات ليلة مقمرة : انا اعشق السفر ..الا اني لم اسافر في حياتي ابعد مكان وطئته اقدامي هي قرية في اطراف المدينة حيث اخوالي .
كانت بطن زوجته تكبر و الجنين فيها ينمو ..وكان حاج حمد يحدق في بطن زوجته ثم يزفر بحرقة : مسكين هذا الطفل كان يمكن ببساطة ان يكون طفلا لاحد اثريا المدينة و تجارها ابن ضابط كبير او موظف عالى الرتبة . و لكن حظه السيئ قاده نحو حاج حمد النجار المغمور الفقير ببساطة كان يمكن ان يسافر هذا الطفل و يكون اكثر سعادة في اسرة اخرى يا لحظك السيئ ايها الطفل يا ابني ..اذا كنت ولدا فلن تكون اكثر من فقير يعيش على هامش الحياة و اذا كنت بنتا فلن تكوني الا امرأة جليسة الدار تطبخ و تنظف و تحمل و تلد
و كان هاجس حاج حمد في السفر يزداد يوما بعد يوم حتى انه جمع عددا كبيرا من صور المدن من الجرائد القديمة و لصقها على جدار دكانه وراح يتكلم عنها بشغف عن نقاء هوائها و جمال طبيعتها ...
هذا برج ايفل .. وهذه مدريد .. و هذه امستردام .. وهذا برج بيزا و هو مائل مثل الشجرة المائلة امام دكاني
هذه الصورة لمدينة البندقية و لي صديق طفولة يعيش فيها ويعمل كسائق سيارة اجرة ..طبعا هناك يستقلون القوارب بدل السيارات ولكنه سائق اجرة على اي حال.
و بكين فيها سور عظيم يمتد لمئات الكيلومترات . و هذه الهند و فيها تاج محل .

امتلأ جدار دكان الحاج بصور العواصم و المدن كلها مئات الصورالتي كانت ملصوقة على جدار قديم رطب وصارت افكارالسفر والعواصم و البلدان تستقر في رأس الحاج حمد و تنمو دون توقف .ينام حاج حمد ليحلم انه على ساحل البحر و يتمدد على الرمل ... يستيقظ من نومه فيغط في افكاره و خيالاته متصورا انه يستقل القطار الرابط بين مدينتين خضراويتين في صباح شتائي ماطر و ينظر عبر نافذة القطار التي ترشقها قطرات المطر الى الشجيرات الراقصة.

في ليلة خريفية اشتدت الرياح فيها لمحنا ألسنة نيران تتصاعد من مكان ما في الحي و حين هرعنا الى ذلك المكان حاملين بيدينا دلاء الماء والتراب وجدنا انفسنا امام دكان نجارة " الحاج حمد " و النيران كانت تلتهم الدكان باخشابه و محتوياته كوجبة اثيرة . وصل الحاج حمد مهرولا بقدمين حافيتين وهو يعض على طرف ثوبه و هم ان يقتحم ألسنة النيران دون تردد كل محاولات الرجال والشباب لثنيه لم تفلح و ما اثار استغراب الكل انه لم يكن يريد اطفاء النار بل كان يصرخ بوجه متعرق وعيون تقدح: جدار السفر .. الصور ... هذه المدن كل حياتي و ذكرياتي كان يصرخ بجنون لم يفهم احد عن اي ذكريات كان يتحدث فهي صور جائت من الصحف القديمة فحسب قفز الحاج حمد في كورة النار و راح يجمع الصور من على الجدار و كانت ألسنة النيران تحاصره من كل مكان كلما كان يطلق صرخة كانت النار تعلو و كأنها تصرخ هي الاخرى ..بدأ النار يجلد جدار الصور و الحاج حمد مايزال مصرا على حمايته لصق نفسه على الجدار و بسط يديه و هو يصرخ بوجه مليء بالرماد المتطاير .و في هذه الاثناء كنا نحن في الخارج نحاول جاهدين اطفاء النار الدكان القديم المتهرئ لم يصمد امام هجمة النيران تلك فخر السقف و اطلق حاج حمد صرخة مدوية كصوت صاعقة سمعها كل اهالي الحي و صمت.
حين كنا مشغولين باطفاء الدكان المحترق و كان الحاج حمد يحاول ان يحمي جدار الصور بكل وسيلة حتى بجلده ولحمه ..في الجهة الاخرى من الحي ..حيث داره المتواضعة والكئيبة . احست زوجته بالم المخاض ..و شعرت بانها ستضع مولودها الان ..
تزامنت الصرخة الاولى للطفل الوليد مع الصرخة المدوية الأخيرة للحاج حمد.

بعد اعوام واعوام .. و كانت ماتزال حادثة مقتل الحاج حمد تتناقل على الالسن حتى انها صارت اشبه باسطورة يقصها آباء الحي لابنائهم ..و كيف ان فرق الاسعاف لم تجد جثة حقيقية له الا بقايا من رماد ملابسه .
وكان يقول البعض ان شخصا ما قد رأى الحاج حمد على ساحل بحر و الآخر يدعي انه تسلق جدار الصور و قفز على سطح دكانه ليفر بعيدا . و الآخر كان يؤكد انه رأى جثته في المشرحة وهي مغطاة برماد الصور تماما و كانه اصبح مومياء.
وخلال هذه الاعوام المليئة بالاساطير و الاخبار والكلام عن الحاج حمد صار ذلك الطفل شابا يافعا اقصد الولد الأصغر آخر العنقود الذي تزامنت صرخة ولادته مع الصرخة الأخيرة لوالده.. و اذا نظرت اليه سترى بكل تأكيد الحاج حمد بلحمه وشحمه اذ كان يشبهه الى درجة عالية ولكن ذلك الشاب لم يكن يرى كثيرا في الحي ودروبه او في بيتهم او دكان والده القديم يقول اهل الحي انه من عشاق السفر و الترحال ويقضي ايام واسابيع و اشهر في السفر والتنقل بين البلدان و المدن الجميلة حتى ان الكثير من الاهالي شككوا بوجوده اصلا
رأيت ذلك الشاب للمرة الاولى والاخيرة وكانت الشمس شقت الدجى باشعتها للتو خرج بالتزامن مع بداية زقزقة العصافير وصفير البلابل حاملا حقيبة سفر على ظهره ويصفر هو الآخر مناغيا الطيور و الصباح والشمس الوليدة للتو.اندهشت حين وقعت عيني عليه بدا لي انه الحاج حمد مشى الشاب باتجاه دكان والده القديم ثم ضاع في دروب الحي القديمة.

اعضاء معجبون بهذا

حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 3 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 3 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 3 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )