د. صباح خيري العرداوي
على الرغم من الوعي المبكر بالمختلف أو الاختلاف أو مايقابله ,إلا أننا لا نجد المعجم يعنى كثير عناية في رصد تطور هذا المصطلح .وهو يورد لفظاً مرادفا أو مما هيا له وهو(التخالف ,وأختلف ,وخلفه),ونحن نرصد الجذر اللغوي لكلمة في (خلف) لاحظنا المعجم يتجاهل ذكر(الاختلاف) بهذا اللفظ, علماً انه اكتفى بلفظة (التخالف) جذراً وكان منها تفريع (اختلف,ومختلف), وهي تحقق المعنى الذي نريده, وهذا مما يؤخذ على المعاجم اللغوية عموماً:
المعنى اللغوي:
قال ابن منظور في (لسان العرب) : ( التخالف الأمران واختلفا:لم يتفقا وكل مالم يتساو, فقد تخالف وأختلف).
ففي هذا الميناء من اللفظ الذي يُريدهُ هو التخالف – أي ابن منظور- لكنه يحتقر احد طرفيه من خلال تكريس (عدم التساوي) على أنها سمة للتخالف وبتالي للاختلاف.
فضلاً عن الفراق(لم يتفقا) ,ونخلص من هذا النص لحدود يمكن أن نضعها لدلالة الاختلاف اللغوي
التي يكرس المعجم وهو المبين من الكلام:
1- انه يفترض طرفين للاختلاف.
2- إن يكون غير متساويين,وعدم التساوي قد يكون في الجانب المعنوي والمادي.
3- هذا وما يلاحظ على المعجم إن يتجاوز القيمة الجمالية التي تتصل بالحوار والفكر إلا إذا فهماً (تخالف الأمران)و(القوم خلقة) بان الأمر يتصل بالعقل والفكر وتحديداً بالرأي وهو ما نبحثه.
الاصطلاحي:
الاختلاف هو الاعتراف بالآخر . والقبول بالحوار وبالتعدد. شرط أن لايكون الاختلاف للاختلاف وحسب.وإنما للنهوض بقضية خلافية لكي تتكامل من كل وجوهها.
وهو في كل ذلك يرتكز فضلاً عن العقل والعلم ,على شرط أخلاقي يرتقي بالإنسان إلى احترام كيانه وكيان الآخرين من التعزيز للإنساني.
الاختلاف:
الاختلاف حقيقة واقعة, وعرضها وأثبتها الإسلام في عهده الأول وقد مثل الاختلاف الديني احد أهم مظاهر الاختلاف بين الإفراد والجماعات آنذاك على الرغم من وجود لغات وأعراق . هذا ما نشاهده في شعيرة الحج في اختلاف الحجاج من كل صور وألوان بين الأعراف وهذا في البداء كان مقدمات لظاهرة لرفع التميز والاضطهاد. وتحقيق المساواة بأمل التسوية.لكن التعنت بين الإطراف والدواعي فانتهى عنها رفع الحوار ألاختلافي .
فنرى الاختلاف الديني يخصص لنا اكثر من وجهة نظر:
أولا: هي نظرة المسلمين لبعضهم كسنة وشيعة مع تفريعاتهما وهم يؤولون النص القرآني وقد كان الاختلاف حاداً وتكفيرياً.
ثانياً: نظرة المسلمين لغير المسلمين كالبعد المكاني والموضوعي فالنظرة البوذية غير النظرة الزرداشتية.
وكثير من المؤلفين عنت بذلك مثل كتاب(الملل والنحل) لشهرستاني,و(الفصل بين الملل والأهواء والنحل)لأبن حزم,وكتاب (الفرق بين الفرق)للبغدادي.
فنجد موقف الاعتزالية في القول بخلق القرآن التي بدأت في زمن الخليفة العباسي المأمون, إذ حضر كلمن له علاقة بهذه القضية ليقر بأن القرآن حادث وليس قديماً.
وصودرت معه كل وجهات النظر المغايرة كما نجدها تتمظهر بشكل آجر في محنة رجل مثل ابن الحديد , فقد احتاجت أسرته لكي تتقلد مناصب الدولة العباسية ,أن تنتحل غير مذهبها عندما تشفعت وهي شيعية الأصل, ولما ألف ابن أبي الحديد كتابه شرح نهج البلاغة كان ينظر بعين الخليفة العباسي الشافعي , وبعين للوزير الشيعي .وحاول يراعه أن يحافظ على هذه المعادلة وهو يرقم شرح النهج وبعد ذلك فهو مخضرم في التشيع والتشفع والاعتزال .وتستمر هذه المحنة إلى أن تصل إلى جمال الدين الأفغاني ,فقد وعى الأخير بان من (الخير لك في عالم التعبير بالعربية أحيانا أن تكون سنياً من أن تكون شيعياً , حتى تجد متنفساً لأفكارك وحسن استقبال لها يزيد ألف مرة عما لو كنت غير سني).
كما نرى اختلاف المناظرات في التأليف والأدب,ونجد أن مميزات التي تتخذها الجلسات الأدبية والحوار الذي يدور بينهما من ترادف وهجاء ومديح بالقصائد أو في طرح الأفكار المختلفة وقد تصل إلى ما يسمى بعلم(المناظرات) وهو قد اتسع إلى أن وصل ما يسمى به المشتغلين بعلم الكلام في العصر العباسي فنجد ذلك في مجلس البرامكة للمتكلمين من أهل النحل ,يتباحثون في الكون والقِدْم والحدوث والإثبات والنفي للصفات والجبر والاختيار وغيرها من الأبحاث الفلسفية أو قضايا علم الكلام واهتم الخلفاء بهذه المجالس ولاسيما بعد أن ظهره القول المزعوم بخلق القرآن وقام به المأمون كما ذكرنا.
فنتجت عن ذلك إطلاق حرية البحث في كل شيء وكان من رواد هذه المجالس من العلماء بمختلف طبقاتهم كمجلس أبي حامد الاسفراييني كان يحضره ثلاثة مائة فقيه .
أما مجال اللغوي الأدبي كانت هناك مواضيع عالجتها الكثير من المؤلفات التي كانت بين البصريين والكوفيين ككتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف )وهذا الكتاب هو عبارة عن حوار حوله المسائل الخلافية النحوية مفصلاً ومسهباً.وكتاب (الموازنة بين الطائيين)وهما أبو تمام والبحتري.وهي محاولة لتذليل الهوة بين فريقين كان كل منهما يناصر احد الشاعرين .هذا عكس أبو حيان التوحيدي الذي كان يغلب عليه طابع المناظرة في تعرضه للحوار حول القضايا الفلسفية والكلامية والأدبية العامة.
وأخيرا لابد بحمل هذه الأسئلة على أن هذا الموضوع حَمَلَ اكسر من التحديد لمفهوم مفهوم البحث عن تأصيل المختلف في اللغة والأدب والتاريخ وقد تتقرب من الطرح الشيء الأخر هو هل الاختلاف جذر في ثقافتنا أو شيء وارد عليه. الاختلاف جذر موجود في ثقافتنا كظاهرة ,عاشت الثقافة العربية الاختلاف بدليل أي كما قال أبو حيان التوحيدي في كتابه (الإمتاع والمؤانسة )في الجزء الأول ص 113,يقول فيه (..بمعنى أن الاختلاف كظاهرة كان موجوداً ومعاشاً من الناس وتعاملوا معه) لكن إلى أي مدى استطاعوا ممارسة الاختلاف خارج القيود والموانع التي وجدت,ولهذا عندما بحثت عن الاختلاف في أي زمن محدد هو العصر العباسي , لم أجد أن الاختلاف أصبح ممارسة يومية متداولة فقط . كان موجوداً على مستوى المفهوم والنظر .
أننا نستطيع أن نتحدث عن الكتب المقدسة والأحاديث المروية عن أزمانها,بأنها رحبت بالاختلاف ولكن هل استطعنا جعل الاختلاف ثقافة يومية متداخلة مع حركة المجتمع قد يجتمع المختلفون على مسائل نظرية تهتم بالدين والمذهب ,لكننا نلاحظ اختلاف هؤلاء المختلفين ساعة تصطدم بجوانب أخرى ,قد تكون اجتماعية وسياسية إذا الاختلاف في مستوى الترف الفكري موجود .
أما في الواقع العملي غير موجود وهذه سمة حملتها الثقافة العربية حيث هناك الغاء كبير وواضح لرأي الأخر.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN