ايقونة تاريخ اليوم : الخميس ٢٩ رجب ١٤٤٦هـ المصادف ۳۰ كانون الثاني۲۰۲٥م
بحوث ودراسات

الخطاب الوطني عند السيستاني فتوى الدفاع أنموذجا

خطاب الوحدة الوطنية
بين الشيخ الشيرازي والسيد السيستاني
فتوى الدفاع (نموذجا)

الخطاب الوطني عند السيستاني فتوى الدفاع أنموذجا

من أرض العرب إلى مدينة أصفهان مكث الجد الأكبر لمرجعنا المفدى، واستقر بعائلته التي نبغ منها فيما بعد الفيلسوف المحقق السيد محمد باقر الداماد، ثم تحولت الأسرة إلى مقاطعة سيستان المدينة المتنوعة المتلونة في الأطياف العرقية والدينية وصارت مدينة العائلة العلمية تبعاً لجدهم السيد محمد الملقب الذي عين بمنصب شيخ الإسلام هناك في العهد الصفوي، إلا أن سماحة السيد علي السيستاني ولد في مدينة مشهد الرضا لا ليستلهم منها القداسة والعلم. وقد حضر على أساطين الحوزة هناك.
ولما اشتد سنه شد الرحال إلى مدينة قم المقدسة، ليلتحق بدرس العلم الجهبذ السيد حسين الطباطبائي البروجردي.

وفي تلك السنة (الواحد والعشرين كانت لسماحته مراسلات مع أجلاء حاز من خلالها على الثناء والمدح العالي لمهارته وحدة ذكائه وتتبعه.. إلّا إنه سرعان ما انتقل منها إلى النجف الأشرف ليحضر أشهر أستاذ عرفته النجف في القرن الماضي فلازم السيد الخوئى حتى حصوله على إجازة الاجتهاد المطلق التي لم يمنحها أستاذه إلا للنوادر من تلامذته، بينما خصه الشيخ حسين الأصولي الشهير بإجازته الفريدة الوحيدة دون غيره على الإطلاق!

بعد السجل الحافل بالعطاء، بدأ سماحته بالتصدي لشأن المرجعية الدينية لما رحل سيد المشايخ والأساتيذ السيد أبو القاسم الخوئي، وكانت الأيام الأولى لمرجعيته المباركة شهدت حالة من الحذر والتقرب والتثبت بسبب معاصرتها الأخطر طاغية حكم العراق وكانت تحركاتها حثيثة ودقيقة، اتسمت بالهدوء واتخذت طريقة الحيطة والحذر المسلك للوصول بالمرجعية واتباعها إلى بر الأمان، وطيلة تلك الفترة المنصرمة لم يستعمل المرجع الأعلى (دام ظله) أي خطاب تحريضي أو طائفي متبعاً في ذلك طريقة العلماء والحكماء الذين سبقوه ولا ريب أن تلك الأيام تعدّ من أبشع الأيام التي مرّ بها العراق، وبالرغم من مرارتها وقساوتها ولوعتها على الشعب العراقي. وكذا المرجعية الدينية في النجف الأشرف لم يخرج سماحته من البلاد مطلقاً، فبقي فيها يعيش الألم والحسرة والمرارة ويتقاسم رغيف العيش مع أبنائه وأحبائه، ولم يكن المرجع الكبير والأعلى لتفوقه العلمي فحسب، بل مواقفه أيضاً كانت ترفع من شخصيته في قلوب جميع الناس ولم يقتصر على الإعجاب على أتباعه ومحبيه، بل تعدى ذلك إلى كبار الشخصيات التوجهات والقوميات مما يدل على الأفعال الحكيمة والخطابات السليمة التي تصدر منه (دام ظله)، وأصبح الرقم الأول بين المرجعيات الكبيرة، للمواقف التي تميز بها وطروحاته في شأن صياغة المنظومة السياسية للبلاد) وكذا المواقف لوطنية والاجتماعية والانسانية.

إن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف المتمثلة بسماحة السيد السيستاني (دام) (ظله منذ أيامها الأولى وإلى يومنا هذا لم تستعمل الخطاب الطائفي مرة واحدة وكان خطابها الرسمي للشعب العراقي كافة دون فئة ما. وقد استعملت الخطاب الوطني في مواقف كثيرة جداً، ولعل ذلك مما لا يحتاج إلى دليل كي يعرف فالواقع العراقي يشهد بذلك.

وكانت رؤيتها منذ زمن بعيد، وقد أثبتت التجارب صحتها دون رتوش، وإذا عدنا إلى السنوات الأولى من أيام الاحتلال نجد أن المرجعية في بياناتها وخطبها وتوجهاتها كانت تدعم الخطاب الوطني وتتبناه بصورة واضحة جداً، وقد دوّن أرشيف تلك الأيام، وبإمكان كل واحد منا مراجعته بنفسه ليتأكد جداً كيف أن الخطاب في وقتها كان وطنياً للغاية.
ولعل البحث لا يستوعب أن نأتي بتلك الشواهد والأدلة وإجمالاً يظهر الخطاب الوطني عند سماحة السيد السيستاني (دام ظله) من خلال رفضه للاحتلال وتواجده في العراق وندائه بحفظ سيادة البلد وعدم التعدي عليها، وحرصه الشديد على تشكيل الحكومة العراقية وبإرادة الشعب العراقي دون أن تكون لأي طرف فيها من حصة، وحفظه للدماء العراقية من أي فتنة وحدث. ولعل من أبرز مصاديق حفظه للعراق وشعبه وحرصه الشديد على ذلك هو إصداره فتوى الدفاع لما شعر بالخطر المحدق بالعراق وشعبه. وقد صدر أول بيان يتعلق بالفتوى وهو يصف الذين يسقطون في أرض الدفاع بالشهداء:

تتابع المرجعية الدينية العليا بقلق بالغ، التطورات الأمنية الأخيرة في محافظة نينوى والمناطق المجاورة لها وهي إذ تشدّد على الحكومة العراقية وسائر القيادات السياسية في البلد ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الإرهابيين وتوفير الحماية للمواطنين من شرورهم تؤكد على دعمها وإسنادها لأبنائها في القوات المسلحة وتحثهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين. رحم الله شهداءهم الأبرار، ومنّ على جرحاهم بالشفاء العاجل؛ إنه سميع مجيب).
إن لغة البيان ذات لهجة ومضمون وطنيين بلا ريب حيث استعملت فيه اللغة الوطنية بعيداً عن الميلان لتوجه ما . ورسائل المرجعية الدينية العليا كانت وما زالت تنهج هذا النهج الوحدوي وفي البيان ما ليس بحاجة إلى بيان.

وقد أعلنت الفتوى بشكل صريح يوم الجمعة الموافق لـ(الثالث عشر من حزيران ٢٠١٤م) الموافق لـ (الرابع عشر من شعبان ١٤٣٥هـ) والذي جاء فيها:

١. إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الإرهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط، بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم. ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفة دون أخرى أو بطرف دون آخر.

۲. إنّ التحدي وإن كان كبيراً، إلا أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر.

٣. إنّ دفاع أبنائنا في القوات المسلحة وسائر الأجهزة الأمنية هو دفاع مقدس ويتأكد ذلك حينما يتضح أن منهج هؤلاء الإرهابيين المعتدين هو منهج ظلامي بعيد عن روح الإسلام يرفض التعايش مع الآخر بسلام ويعتمد العنف وسفك الدماء وإثارة الاحتراب الطائفي وسيلة لبسط نفوذه وهيمنته على مختلف المناطق في العراق والدول الأخرى.

4. اجعلوا قصدكم ونيتكم ودافعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدسات من الهتك ودفع الشر عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح.

5. وفي الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية الدينية العليا دعمها وإسنادها لكم فإنها تحتكم على التحلي بالشجاعة والبسالة والثبات والصبر وتؤكد على أن من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى.

٦. إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه، وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، بمعنى أنه إذا تصدى له من بهم الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين.

7. فإن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية.

من خطبة الجمعة المادة التي تنفع البحث والملاحظ أن هذه الفتوى تكن مجرد فتوى وانتهى الأمر، بل إنها تحمل صياغة نفسية وصياغة وطنية وصياغة اجتماعية ولكن الصياغة المنظورة في البحث هي الصياغة الوطنية، فنلاحظ أن الخطاب من أوله لآخره لم يصدر أو يوجه لفئة مجتمعية دون أخرى ولا لفئة دينية محددة وخلو الخطاب من العنصرية والتوجهية والمناطقية والطائفية جعله يرتقي لمصاف الخطابات الكبيرة جداً، إضافة لصدوره من شخصية حكيمة شهد لها الجميع بالاعتدال والحكمة والموضوعية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ربما نحتاج إلى فترة ليست بالقليلة لفهم الخطاب الوطني الوحدوي للمرجعية الدينية العليا.

إن لسان فتوى الدفاع كان توحيدياً للغاية، لم تظهر منه أي كلمة تدعو لغير ذلك مما قد يفهمه البعض لغايات سياسية خارج إطار الدولة ولشدة وضوح المفردات وعموم البيان يكون من غير الصحيح أن الباحث ليشرحها أو يسعى يوضحها، فهي في غاية الدقة والوضوح.

إن فتوى الدفاع الكفائي في هذا القرن لا تختلف كثيراً عن فتوى الدفاع قبل أكثر من تسعين عاماً التي أصدرها الميرزا الشيرازي حيث إنهما ولدا في فترة
الفتنة، وكان معولاً عليهما في صد العدو ودرء الفتنة وإيقاف شعلتها المريرة.

إضافة إلى أن فتوى الدفاع التي أصدرها الشيخ الشيرازي (قدس) كانت تحمل وطنية في غاية الوضوح، إذ كان الشيخ الشيرازي يصرح بالحفاظ على الوحدة الوطنية والاهتمام بسيادة العراق ككل دون جزء عن جزء. وهذا ما توافر في فتوى الدفاع الكفائي التي صدرت من المرجعية العليا في النجف الأشرف، إذ إنها ركزت على مفهوم الوطن وحمايته من أي اعتداء خارجي ومفردات بيان الفتوى قد أوضح ذلك بما لا ريب فيه.

إن الخطاب الوطني الوحدوي الذي خطه علماء الامامية قد آتي أكله كل حين، وجنى الثمار كما ينبغي، وقد كانت إسهاماتهم الوطنية تتجلى بكل وضوح لمن عرف تحركاتهم وخطاباتهم. وقد تجلت تلك الصور البديعة الناصعة في خطابات المرجعية الدينية العليا منذ أيام المرجع الديني الأعلى في زمانه الشيخ محمد تقي الشيرازي و تواصلاً إلى مرجعية السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) اذ قدما في حكمتهما السيادية الوطنية الدفاعية الوقائية والتي سميت بفتوى الدفاع خطاباً وطنياً قوياً للغاية، وإن مسار فتوى الدفاع من عهد الشيخ الشيرازي إلى السيد السيستاني لم ينحرف عن الجادة الحكيمة والبصيرة النافذة. ومن يقرأ نص الفتوى الدفاع قبل أكثر من تسعين عاماً ويقرأ النص الجديد لسماحة السيد السيستاني لا يجد التغير الكبير، بل يجد أن الروحية والعقلية واحدة، مما يكشف بدقة عن أصالة مدرسة أهل البيت، وحكمتها، كما تكشف عن عمق المرجعية الدينية على مسار الشيعة منذ غياب الإمام المهدي ابن الحسن وإلى يومنا هذا. والمعرفة هذه تحتم علينا أن نحافظ على هذا الكيان الديني الكبير والبوابة الدينية العريقة والحرز والسر العظيم من أي خطر محدق ومن أي فتنة تصدر من هنا وهناك فإن عزّنا اليوم يتمثل بها، وكذلك هويتنا وفخرنا وأملنا ومستقبلنا حتى يظهر الله نوره الذي تتم به الحجة البالغة على جميع العالمين.


فتوى الدفاع الكفائي


النص الكامل لخطبة صلاة الجمعة بتاريخ (14شعبان 1435هـ)

ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م ) قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر . المزيد

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+