مثلما تهتم بالجانب الروحي، فإنها تهتم كذلك بالجانب المادي للإنسان، ومن أهم الجوانب المادية الاهتمام بالصحة وسلامة البدن من الأمراض الفتاكة، هذا ما لمسناه من المرجعية الدينية العليا من خلال مؤسساتها الثقافية والخدمية والصحية بالخصوص، لما لهذه الخدمات من أثر مادي ومعنوي في تكامل الانسان وبلوغه أعلى المراتب في خدمة العباد والبلاد وهي مكتنزة في اطاعة الله تعالى من أوسع أبوابها.
هذا ما أشار اليه ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في تصريح له الخميس الموافق 21/9/2023م ، وأضاف: (إن العتبة الحسينية وبالتعاون مع الجهات المعنية تسعى لإعادة العراق الى ما كان عليه سابقا في عدد من القطاعات، ومنها القطاع الصحي).
وقال ممثل المرجعية الدينية العليا: (في السابق القريب كان المرضى يأتون من خارج العراق للعلاج فيه، والنهوض بالواقع الصحي مجددا ليس بالمستحيل حتى لو كان فيه صعوبة، وأن هذا الهدف ممكن أن يتحقق).
وأوضح أن (العتبة الحسينية ومن سياساتها تسعى الى جذب الكفاءات العراقية الطبية وغير الطبية الى داخل العراق، للاستفادة من الخبرات وتطوير الجانب الصحي، ولدينا تفاؤل كبير في تحقيق هذا الهدف بسبب توفر الكوادر والامكانيات، لذا سنصل إلى القمة في هذا المجال، ولابد أن نصل اليها).
ومن المعلوم أن العتبة الحسينية المقدسة، تعمل على تقديم العديد من الخدمات الثقافية والخدمية والصحية وفي مختلف المحافظات، حيث أكد ممثل المرجعية الدينية العليا في وقت سابق: (إن العتبات المقدسة لا تريد أن تكون بديلا عن الوزارات والجهات الحكومية، من خلال مشاريعها التعليمية والخدمية والصحية، بل تريد أن تكون عضدا وسندا لها في خدمة المجتمع والارتقاء به).
وفي هذا المضمار وتأكيدا على ضرورة الارتقاء بالجانب الروحي والبدني فانه قد وردت عدّة نصوص شرعية ومن ضمنها أحاديث عن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين تتناول بشكل مسهب صحّة الروح والبدن وما يدور في فلكهما من أشربة وأطعمة وألبسة تؤثر بشكل مباشر على سلامة جسم الانسان وتألق روحه في حياة ملؤها التفاؤل والرضا والقناعة، فالإسلام أولى تلك العلاقة التكاملية أهمية بالغة ولا تزال تهتف بأوساطنا ان نقتفي الأثر اذا ما اردنا العيش الرغيد بدون اية منغصات في معترك الحياة الدنيا.
ومن المعروف أن الأكل الطيب والحلال الهني المري يؤثر ايجابا وبشكل مباشر على سلوكيات ومنهجيات الانسان بخلاف الأكل الخبيث، ولقمة الحلال الطيبة بعدما تنزل الجوف فإنها تصقل الروح والبدن، وتساهم في ترسيخ الأهداف النبيلة بين شرائح المجتمع، وبث روح المحبة والتآخي بين الأفراد، وطالما ان تلك العلاقة تبني العقول السليمة وتساعد في تنمية الطاقات في التوجه الى الخالق المتعال بقلوب مطمئنة راضية مرضية.
الانسان الذي يحمل بين جنباته روحا طيبة يكون ديدنه العمل الصالح بخلاف الذي يحمل روحا خبيثة فلا يطفح منه سوى الشرور والآثام، انك لا ترى من الصالح الا الصلاح والفلاح، تراه متعبدا في ذات الله تعالى، جسمه منه في عناء والآخرين منه في راحة، يحب لنفسه ما يحب لسائر الخلق، يؤدي الخدمات الجليلة لسائر طبقات المجتمع، ويسعى الى تسريع عجلة اعمار الأرض، تراه يخدم تطلعات الانسان الطموحة في ايجاد أرضية مناسبة لإسعاد البشرية قاطبة ريثما تصل الى الأنموذج الأمثل في التعاطي مع مفردات الحياة المادية والمعنوية.
كما هو واضح إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده، وما أفضل من الطيب لبسا وأكلا وشربا ورائحة وبركة لكي يتجول الانسان في هذه المعاني الراقية ويتنعم بنعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، متباهيا أمام أقرانه بأنه غارقا في الطيب والجمال وهو ما أغدقه الرحمن على عباده الأوفياء، مستوجبا الحمد والثناء والرجاء لإبقائها واستدامتها لما فيها من خيرات وبركات وحسنات.
فلو تمعنا في نعمة الماء فانه يعد سيد الأشربة في الدنيا والآخرة كما جاء في الأثر، لا شيء من السوائل والعصائر مهما بلغت فائدتها يروي كالماء المعين الذي لولاه لانعدمت الحياة بما فيها من حيوان ونبات وحتى جماد، فيا لها من نعمة عظيمة ينتشي منها العطشان ويكون انتشاءه أشد وأجمل وأوفى اذا ما حصل عليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في وسط الصحراء القاحلة، فالماء وحده هو الذي ينتشله من مخالب الموت المحقق.
في معرض اشارته الى نبي الله موسى عليه السلام وبني اسرائيل عندما كانوا تائهين في البيداء، أشار الله تعالى الى ركني الحياة "الأكل والشرب" وهما رافدان يضخان الحياة بأبهى صورها ويدلان على عظمة الله تعالى في مخلوقاته، وحري بكل ذي لب ان يشكر الله على هذه النعم ويبتعد عن كل عصيان وفساد وانحراف: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الاْرْضِ مُفْسِدِينَ) .
يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: (أن نعمة الأكل والشرب هو الإنعام التاسع من الإنعامات المعدودة على بني إسرائيل، وهو جامع لنعم الدنيا والدين، أما في الدنيا فلأنه تعالى أزال عنهم الحاجة الشديدة إلى الماء ولولاه لهلكوا في التيه، كما لولا إنزاله المن والسلوى لهلكوا، فقد قال تعالى: ( وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام ) الأنبياء: 8. وقال: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) الأنبياء: 30. بل الإنعام بالماء في التيه أعظم من الإنعام بالماء المعتاد؛ لأن الإنسان إذا اشتدت حاجته إلى الماء في المفازة وقد انسدت عليه أبواب الرجاء لكونه في مكان لا ماء فيه ولا نبات، فإذا رزقه الله الماء من حجر ضرب بالعصا فانشق واستقى منه علم أن هذه النعمة لا يكاد يعدلها شيء من النعم، وأما كونه من نعم الدين فلأنه من أظهر الدلائل على وجود الصانع وقدرته وعلمه ومن أصدق الدلائل على صدق موسى عليه السلام) .
نعم ان الانسان خلق في أحسن تقويم وبهذا الخلق الرائع والرائق باستطاعته ان يتماهى في الدنيا بمظهر لائق بالاعتناء بصحته ونظافته ولياقته وطيبه، ويتفاخر بالآخرة بشكره للمنعم وتعبده ودماثة خلقه، وما أكثر نعم الله تعالى لتجييرها في تشذيب وترشيد حياة الانسان في هذه الدنيا الزائلة، وأهم موردين من هذه النعم الجمة هي: نعمة التقويمية الحسنة، ونعمة الأكل والشرب، فالحفاظ على خصلة الأحسنية بحاجة الى جهود جبارة من قبيل التمعن بنظافة وطهارة الجسم والملبس والمأكل والمشرب ليتذوق طعم الطهر والنقاء والحلاوة والانتشاء، فبحسن التصرف ازائهما باستطاعة الانسان ان يصل الى مراتب الكمال بأبهى صورها ويعيش عيشة راضية في حياته وبعد مماته.
ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م )
قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر .
المزيد