قال الله تبارك وتعالى في سورة الفرقان: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37) وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (39)).
طبعاً هذه الآيات الشريفة تتحدث عن موضوع هو في غاية الاهمية، وسنحاول الاستفادة من هذه الآية في مطلب تبينهُ..
قطعاً الانبياء عليهم السلام مع كونهم مبعوثين من الله تعالى الى اممهم، يمثلون شيئاً خاصاً وهو الحق، لا يوجد نبي من الانبياء لا يدعوا لغير الحق.. فلابد ان يدعو الى الحق..
ولاحظوا هناك ايضاً نكتة ان عادةً الانبياء يتمتعون بقدرة بيانية خاصة، بحيث تكون هذه العبارات التي تصدر منهم مفهومة وواضحة بلسان قومهم فيحتجّ النبي المُصلِح الحكيم المربّي.. يحتج على هؤلاء وتكون عباراته دائماً عبارات ليست تصب في مصلحته الشخصية، بالعكس بعض الانبياء في عائلته من لم يستجب له، وهذه خلاف مصلحته الشخصية لكن مع ذلك الحق بما هو حق لابد ان يبين.. وكان الانبياء سلام الله عليهم.. وانا سأتعامل مع مفردة اقول: هؤلاء الانبياء كانوا يريدون الاصلاح لأممهم وهو بالنتيجة مُصلح.. ونحن نقرأ للحسين (عليه السلام).. (السلام عليك يا وارث آدم.. يا وراث نوح.. يا وارث ابراهيم.. يا وارث موسى.. يا وارث عيسى..) بعد ذلك انما يقول (عليه السلام): خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، مع الوراثة وهو خرج لطلب الاصلاح فإذن هو ورث الاصلاح فإذن هم مُصلِحون..
نوح (عليه السلام) يملك الحق.. صالح (عليه السلام) يملك الحق.. شُعيب (عليه السلام) يملك الحق.. بما هو حق.. يبينه (سلام الله عليه) الى هؤلاء..
التفتوا للنكتة لماذا هؤلاء لا يستجيبون للحق؟! اذا كان هو حق لماذا لا يستجيبون للحق..!! يعني عندما يأتي مُصلح معيّن، حكيم.. عالم.. إمام.. نبي.. ويبيّن لمجموعة من الناس على ان الحق هو هذا.. يُفترض ان هؤلاء يستجيبوا.. لماذا لا يستجيبون..؟! الاستجابة مقتضى القاعدة.. عدم الاستجابة فيها مشكلة..
دعونا نبحث عن المشكلة لماذا لا يستجيبون..؟!
عندما ندقق نرى التالي:
ان هؤلاء يجمعهم شيء وهو ان الاستجابة لهذا المُصلِح تضرّ بمصالحهم.. فماذا يفعلوا؟! تارة يتهموه بأنه ساحر وتارة يتهموه انك تأتينا بأساطير الاولين.. وتارة يتهموه بالجنون.. لماذا؟!
لأنه اذا بقوا لا يستهدفوه بينهم ستكون مشاكل احدهم سيتكلم على الاخر.. يقول لماذا لا تسمع من هذا الحكيم؟! كلامه صحيح.. فيحاولوا ان يجعلوا امام سواد الناس وقاءً وغاشية عن الحق بما هو حق.. اما ان يتّهم او يغذّوا هؤلاء على ان لا تسمعوا..
لاحظوا بلاغة القرآن وهذا من عجيب القول..
نوح (عليه السلام) ضمن المحاججة مع قومه لبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً وحقيقة هذا رقم مهول، ماذا كان يفعل؟ كان يوجّه ويهدي ويُرشد ويُنبه..
ماذا كانت النتيجة؟! يجعلون اصابعهم في آذانهم، حتى لا يسمعوا ما يقول، ونوح (عليه السلام) مع ذلك يبين الى ان استحكم عليهم العذاب والعياذ بالله.. نوح (عليه السلام) دعا عليهم والقرآن هنا ينبّه نتيجة عدم اصغائهم الى الحق وحاولوا ان ينكروا على النبي..
ماذا كانت النتيجة: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37).
لاحظوا تكذيب ونكران لم يُعطوا للعقل فائدته المرجوة لم يعطوا للعقل ان يتأمل.. والضِعاف سمعوا كلام الاقوياء وهذه من اخطر الاشياء ان هناك اُناس هم اراذل..
التفتوا بعض الناس لا يمكن ان يكون الا ذيلا ً لا يمكن الا ان يكون ذنباً.. اسيادهم ماذا يقولوا.. هم معهم آمنوا آمنوا.. كفروا كفروا.. اقتل اقتل.. اترك اترك.. هو حر لكن عندما خنع وخضع وأذل نفسه اصبح ذَنَباً وفرق بين انسان يكون ذَنَب لأسد او ان يكون ذَنَب لحيوان آخر..
الذين كانوا مع نوح (عليه السلام) ماذا كانوا يقولون، يقولون هؤلاء اتبعوك هم اراذلنا.. لا يأتي لهذا ويسأله كيف اتبعت النبي.. لا.. وانما اسيادهم قالوا هؤلاء اراذل هم قالوا ايضاً هؤلاء أرذلنا..
لاحظوا القران الكريم لا يستعجل ويعطي هذه النتيجة.. الانسان اذا أنكفى عن الحق.. انا نبهتك وقلت لك وتكلمت واريتك ما اريتك انت لا تؤمن ماذا يفعل؟!.. (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37))
انتهوا وجعلناهم للناس آية وقليل من الناس من يعتبر بالآيات..
والقران الكريم يقول عن فرعون (ننجيك ببدنك) سننجيه ببدنه حتى يكون آية.. القران الكريم يقول: (وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً)، التفتوا انتبهوا لكن هل يلتفتوا هل ينتبهوا.. وما اكثر ما كان اقوام مثل قوم نوح.. وهذا تاريخ الانبياء والمصلحين ودونك التاريخ اقرأ ما شئت وكيف ان هؤلاء يستعدوهم..
ثم تبيّن الآية الشريفة: (وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37) وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (39)).
ملخص المطلب ان الانسان لابد ان يرجع الى عقله والى ضميره وعندما يسمع كلاماً لابد ان يراجع هذا الكلام ولابد ان يفهم هذا الكلام خصوصاً عندما يأتي الكلام من مُصلِح لا يريد مصلحة نفسه.. وانما يريد مصلحتك.. لابد ان نتأمل الكلام.. لابد ان نسمع الحق.. الانسان اذا لم يسمع الحق يفوته الحق ثم الفوت قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه..
لابد الانسان ان يسمع، العقل نعمة لابد ان نستثمرها وفق ما فيه مصلحتنا.. ان نفهم هذا الكلام عندما يأتي من مُصلِح من إمام من نبي من حكيم.. ما هو اثر هذا الكلام عليَّ..
هؤلاء الذين عادوا نوح (عليه السلام) ما استفادوا؟!.. او ثمود (عليه السلام) ما استفادوا؟!.. او قوم صالح (عليه السلام) ما استفادوا؟!..وهكذا مسيرة الانبياء الكبيرة، لا توجد مصلحة شخصية للنبي.. وانما فقط اسمعوا نعلمكم كيف تعيشوا
ايضاً ستأكلون وتشربون وتتزوجون وتبنون البيوت.. ولكن وفق ضوابط وهذه الضوابط لكم أفضل.. ولكن كما تقول الآية الشريفة: (وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً)
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يسترنا بستره وان يحفظكم جميعاً وان يقينا ويقي بلدنا من كل سوء.. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..