استهل ممثل المرجعية الدينية العليا الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ (16 /6 /2017م) بقراءة دعاء الامام السجاد (عليه السلام) عند دخول شهر رمضان والذي جاء فيه (أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِفْنَـا فِيْـهِ عَلَى مَـوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا الْحَافِظِينَ لاِرْكَانِهَا الْمُؤَدِّينَ لَهَـا فِي أَوْقَاتِهَـا عَلَى مَا سَنَّـهُ عَبْدُكَ وَرَسُـولُكَ صَلَوَاتُـكَ عَلَيْهِ وَآلِـهِ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ).
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان الامام يؤكد في المقطع اعلاه على مسألة الحفاظ على اوقات الصلاة لانها عمود الدين وان قبول الاعمال يدور مدار قبول الصلاة، مبينا ان تشبّه الصلاة واداءها في خمس اوقات بمثل وجود نهر جار امام بيت احدنا، كلما تعرّض الانسان الى الاتساخ بمجموعة من القاذورات والاوساخ فانه يحتاج الى أن يغتسل في هذا لينقي جسده من الاوساخ والادران والقاذورات، مشبها الصلاة بذلك النهر الذي يحتاجه الانسان كلما حصل عنده اتساخ قلبي ونفسي واجتماعي بسبب الذنوب والمعاصي ليطهر قلبه ونفسه وروحه.
واستدرك ان الكثير منّا لا يؤدي هذا الاغتسال الروحي المطلوب، لذا لابد ان نتعرف كيف نوظف الصلاة لكي نطهر قلوبنا وارواحنا من تلوث المعاصي والذنوب، مبينا ان هنالك جملة من الاحاديث التي تتناول منزلة وموقع الصلاة في حياتنا من بينها ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (يا علي: انّما منزلة ُ الصلوات الخمس لامتي كنَهرٍ جار ٍ على باب احدكم فما ظَنُّ احدِكم لَو كان في جسده دَرَنٌ ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات ٍ في اليوم أكان يبقى في جَسَدِهِ دَرَنٌ؟ فكذلك والله الصلواتُ الخمسُ لأمتّي)، وعن الامام الصادق (عليه السلام) (هذه الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن أتى الله يوم القيامة وله عنده عهدٌ يدخله به الجنة، ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقى الله ولا عهد له ان شاء عذبّه وان شاء غفر له)، منوها انه لا شك ان كل واحد منّا يتمنى ويحب حينما يلقى الله تعالى يوم القيامة ان يكون له عند الله تعالى عهد يدخله به الجنة.
واوضح ان المحافظة على الصلاة من خلال الحرص على ادائها في اول وقتها حتى اشعار من المصلي بأنه مهتم بالصلاة ويعطيها حقها ومنزلتها بخلاف ذلك ان لم يحرص على ادائها بأول وقتها استخفاف واستهانة بالصلاة، لا يبالي ان اداها في اول وقتها او آخر وقتها وهذا يكشف عن استخفاف بالصلاة، لذلك يقول الامام السجاد (عليه السلام) يقول في هذا الدعاء: (وَقِفْنَـا فِيْـهِ عَلَى مَـوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ) أي اجعلنا نقف عند هذه الحدود ولا نتجاوزها والمحافظة على اوقات الصلاة واحكام الصلاة وواجباتها.
واردف ثم يقول الامام (عليه السلام): (وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا الْحَافِظِينَ لاِرْكَانِهَا) أي اجعلنا ندرك ونوفق بأن نصل الى ان نعطي للصلاة منزلتها بحسب مرتبة شرفها وفضلها والحفاظ على الاداب والسنن التي بينها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة من اداب الركوع والسجود.
وتابع الكربلائي ان الامام (عليه السلام) يشير في حديثه: (وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ) اي انه يقصد الاتيان بتمامية الطهور وفق احكامه الشرعية، و (اسبغهِ) اي تمامية الوضوء والاتيان به بالمستحبات الواردة فيه.
واسترك عند قوله (وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ)، مبينا ان مسألة الخشوع جزء اساسي في الصلاة للوصول الى الهدف من الصلاة في انها تنهى وتردع الانسان عن ارتكاب الفحشاء والمنكر، ثم يقول الامام (عليه السلام): (وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ)، موضحا ان البر هو التوسعة في الخير، والصلة: هو الاحسان والعطية، وان الكثير من الاحاديث تؤكد على مسألة صلة الرحم، وبينت عظم وثواب اجر صلة الرحم وورد في الاحاديث: (اعجل الخير ثواباً صلة الرحم).
واكد ان من جملة آثار صلة الرحم تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء وتطيل في العمر، مستشهدا بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ان الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عزوجل ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقى من عمره ثلاثين سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ثم تلا: (يمحُوا اللهُ ما يشاءُ ويُيثبِتُ وعندهُ أمَّ الكتابِ)، مبينا ان الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قال (ما من خطوة أحبّ الى الله عزّوجل من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفاً في سبيل الله، وخطوة الى ذي رحم قاطع).
ونوه الشيخ الكربلائي الى مسالة عقوق الوالدين، قائلا اذكّر بعض الاخوة الذين يعقون ابائهم وامهاتهم والعجب ان البعض يصل الى ضرب الوالد والوالدة وما افضع هذا العمل وربما يصلّي ويصل الى هذه الحالة، مشيرا ان الامام الصادق (عليه السلام) يقول (ملعونٌ معلونٌ من ضربَ والدهُ او والدته، ملعونٌ ملعونٌ من عَقَّ والديهِ، ملعونٌ ملعونٌ قاطعُ رحِم).
واختتم الشيخ الكربلائي خطبته بحديث الامام الصادق عليه السلام الذي جاء فيه (وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ) منوها ان من حقوق الجيران في هذا الشهر المبارك هو التواصل معهم والتعاهد وتجديد العهد والتفقد، وانه ينبغي للصائم ان يتفقد جيرانه ربما بحاجة الى طعام او مساعدة او الى مواساة او بحاجة الى كلمة طيبة.