بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.. والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ والمرسلين.. أبي القاسم محمد النبي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين..
السلام على الإمامين الهمامين الكاظمين الجوادين.. السلام على صاحب العصر والزمان..
السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من جوار الإمامين الهمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد عليهما السلام نرحب بكم جميعا أجمل ترحيب وأنتم في ضيافة هذه الرحاب الطاهرة.. في بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَالْآصَالِ..
قال رسول الله محمد صلى الله عليه و آله: ألا كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِه ؛ فَالأَميرُ الَّذي عَلَى النّاسِ راعٍ وهُوَ مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ راعٍ عَلى أَهلِ بَيتِهِ وهُوَ مَسؤولٌ عَنهُم، وَالمرأةُ راعِيةٌ عَلى بَيتِ بَعلِها ووُلدِهِ وهِيَ مَسؤولَةٌ عَنهُم، وَ العَبدُ راعٍ عَلى مالِ سَيِّدِهِ وهُو مَسؤولٌ عَنهُ، ألا فَكُلُّكُم راعٍ كُلُّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ .
لا يخفى عليكم أيها الإخوة أن هذا الحديث الشريف يضع على عاتقنا مسؤولية تاريخية وأخلاقية وتربوية.. تلك المسؤولية التي لا تنحصر في دائرة محددة بل يتسع مداها لتشمل جميع مناحي الحياة وفي كل الاتجاهات..
وابتداؤنا بهذا الحديث نقصد منه الإشارة بأننا مسؤولون عن أفراد المجتمع كل حسب عنوانه بل مسؤولون حتى على الممتلكات الخاصة والعامة .. لذا كان الحفاظ على معاني هذا الحديث وصون من نحن مسؤولين عنهم هو واجب ديني وأخلاقي وتاريخي ووطني.
ولعل الحفاظ على سلمية التظاهرات وعدم اعتداء أي طرف على الآخر سواء أكان هذا الطرف يمثل المتظاهرين أو الجهة الأمنية أو الأموال الخاصة سيؤدي حتما إلى الحفاظ على دماء أبنائنا وممتلكاتنا العامة والخاصة هو واجب على الجميع ينطلق من الحديث الذي ذكرناه قبل قليل.. ونحن من هذا المكان المقدس نضم صوتنا إلى صوت الحكمة والاعتدال والإنصاف صوت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف حيث أكدت وتؤكد على إنّ التظاهر السلميّ حقٌّ لكلّ عراقيّ بالغٍ كامل، ولكن هناك أطرافاً وجهاتٍ داخليّة وخارجيّة كان لها دورٌ في تعرّض العراق والعراقيين إلى الأذى والضرر، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجيّة الجارية لتحقيق بعض أهدافها، فينبغي للمشاركين في الاحتجاجات وغيرهم أن يكونوا على حذرٍ كبير من استغلال هذه الأطراف والجهات لأيّ ثغرةٍ يُمكن من خلالها اختراق جمعهم، وتغيير مسار الحركة الإصلاحيّة..
ولا ننسى أبناءنا في القوّات المسلّحة ومن التحق بهم في محاربة الإرهاب الداعشيّ والدفاع عن العراق شعباً وأرضاً ومقدّسات، لهم فضلٌ كبير على الجميع، فلا ينبغي أن ننسى فضلهم، فلولا هؤلاء الرجال الأبطال لما تيسّر إقامة التظاهرات والاعتصامات السلميّة بعيداً عن أذى الإرهابيّين.
إنّ المرجعيّةَ الدينيّة قد أوضحت موقفَها من الاحتجاجات السلميّة المُطالِبة بالإصلاح والتأكيدَ على سلميّتها وخلوّها من العنف وعدم السماح بانجرارها الى استخدام أعمال الشغب والتخريب. والتشديد على حُرمة الدم العراقيّ، وضرورة استجابة القوى السياسيّة للمطالِب المُحقّة للمحتجّين، وضرورة الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوّضيّتها، لأنّهما يُمهدّان لتجاوز الأزمة الكبيرة التي يمرّ بها البلد.
فالمحافظة على سلميّة المظاهرات أيها الإخوة وخلوّها من أعمال العنف والتخريب تحظى بأهميّةٍ بالغة، وهي مسؤوليّة تضامنيّة يتحمّلها الجميع، فإنّها كما تقع على عاتق القوّات الأمنيّة بأن تحمي المتظاهرين السلميّين وتفسح المجال لهم للتعبير عن مطالباتهم بكلّ حريّة، تقع أيضاً على عاتق المتظاهرين أنفسهم بأن لا يسمحوا للمخرّبين بأن يتقمّصوا هذا العنوان، ويندسّوا في صفوفهم ويقوموا بالاعتداء على قوى الأمن أو على الممتلكات العامّة أو الخاصّة، ويتسبّبوا في الإضرار بمصالح المواطنين.
إنّ مساندة القوّات الأمنيّة واحترامها وتعزيز معنويّاتها وتشجيعها على القيام بدورها في حفظ الأمن والاستقرار على الوجه المطلوب واجبُ الجميع، فإنّه لا غنى عن هؤلاء الأعزّة في تفادي الفوضى والإخلال بالنظام العامّ، وقد لاحظ الجميعُ ما حلّ ببعض المناطق لمّا لم تستطع القوّاتُ الأمنيّة القيام بما يُتوقّع منها في هذا الصدد، الى أن هبّ رجالُ العشائر الكرام فقاموا بدورٍ مشهود في حماية السلم الأهليّ ومنع الفوضى والخراب، فلهم كلّ الشكر والتقدير على ذلك، ولكن ينبغي العمل على أن ترجع الأمور الى سياقها الطبيعيّ في جميع المناطق من تحمّل القوى الأمنيّة الرسميّة مسؤوليّة حفظ الأمن والاستقرار وحماية المنشآت الحكوميّة وممتلكات المواطنين من اعتداءات المخرّبين، مع التزامها بالتصرّف بمهنيّةٍ تامّة في التعامل مع كلّ الأعمال الاحتجاجيّة لئلّا تتكرّر المآسي الماضية.
وعلينا أن لا ننسى أنّ الأعداء وأدواتهم يخطّطون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخليّ، ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتوريّة المقيتة، فلا بُدّ من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك.
إنّ الإصلاح الحقيقيّ والتغيير المنشود في إدارة البلد ينبغي أن يتمّ بالطرق السلمية، وهو ممكنٌ إذا تكاتف العراقيّون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بحقوقهم المشروعة بما يضمن العيش الكريم لأبناء الشعب الواحد.
فلنعمل على مد جسور المحبة والوئام.. جسور الألفة والمودة.. جسور الأخوة والرحمة.. وننبذ كل معاني التخندق الطائفي والفئوي ولنضع كل الخلافات خلف ظهورنا ولنبني وطناً محصناً يصعب على الأعداء اختراقه.. ولنضع نُصب أعيننا قوله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
حفظ الله العراق ارضاً وشعباً وعرضاً ومقدسات، ورحم الله شهدائنا الأبرار، وعافى الله جرحانا ورد كيد الكائدين الذين يريدون بالعراق وأهله ومقدساته سوءاً إلى نحورهم وجعل دائرة السوء تدور عليهم انه سميع مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على رسوله والأئمة من آله الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.