أقيمت في أروقة الصحن الحيدري الشريف فعاليات مهرجان الغدير السنوي الثامن، بالتزامن مع الاحتفال بعيد الغدير الأغر بحضور الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة ، وأعضاء مجلس الإدارة، ومحافظ النجف الأشرف ومسؤولي الدوائر الأمنية والخدمية في المحافظة، وأمناء وممثلي العتبات المقدسة والمزارات الشريفة ، وممثلي مراجع الدين العظام( دام الله ظلهم )، وضيوف المهرجان من الشخصيات الحوزوية والأكاديمية والمجتمعية والإعلامية، والمدير التنفيذي للمشاريع الهندسية في لجنة أعمار العتبات المقدسة .
استهل حفل الافتتاح بقراءة آيٍ من الذكر الحكيم للقارئ الدكتور أحمد النجفي ، ثم كانت كلمة الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة ألقاها الأمين العام للعتبة المقدسة المهندس يوسف الشيخ راضي جاء في نصها :
الحمد لله رب العالمين وأفضل السلام وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وسيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، السلام عليك يا مولاي يا أمير المؤمنين وسيد الوصيين ووارث علم النبيين ويا أمين الله في أرضه وسفيره في خلقه وحجته البالغة على عباده.
من حرم مولى الموحدين أمير المؤمنين (عليه السلام) يطيب لي ويسعدني ويشرفني أن اتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات الى مقام منقذ البشرية مولانا ومقتدانا الحجة بن الحسن (صلوات الله وعلى آبائه الميامين ) والى مراجعنا العظام العلماء الأعلام ، وجميع المؤمنين والمؤمنات ولكم سادتي الحضور ، بمناسبة عيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر يوم تنصيب مولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) خليفة لرسول الله وأميراً للمؤمنين.
اليوم الذي فتح به الله تعالى باب الإمامة على الأمة الإسلامية، وهو اليوم الذي كمل به الدين ، وتمت به النعمة على المسلمين، يوم أداء البلاغ السماوي الذي من دونه لم تبلغ رسالة الاسلام وهو اليوم الذي يعرفه أهل الأرض كما يعرفه أهل السماء ، ألا وهو يوم الغدير، عيد الله الأكبر ، وعيد آل محمد (عليهم السلام).
أيها السادة الأفاضل ، مما لا يخفى عليكم أن مناسبة الغدير لم تكن مجرد حادثة تاريخية شهدها المسلمون، بل هي واقعة عقائدية تحمل في طياتها ركناً من أركان الشريعة المحمدية الأصيلة ، فالإسلام بطبيعته خاتم لكل الأديان، ولابد لهذا الدين من قيم ومعلم يحمل بين جنبيه علم الرسول وفقهه وخلقه وحكمته، ومن غير ذلك لا يؤمن على الدين من التشويه والانحراف والضياع على مدى وجوده الى يوم القيامة .
ومن الذي يحمل تلك الصفات النبوية القدسية غير يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين، الذي جعله النبي (صلى الله عليه وآله) منه بمنزلة هارون من موسى حين قال : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
لقد تميز يوم الغدير عن سائر الأيام بجمعه للكثير من الخصال العظيمة ، فهو دليل على أصل من أصول الدين القويم وأثر مبارك من آثار النبي لا ينكره أحد من المسلمين ، وهو يوم أقرت بفضله الانبياء وأوصيائهم وهو يوم من أعظم أعياد الأمة الاسلامية، كما أنه مناسبة شريفة لأداء كل عمل صالح ، ويشهد بذلك ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) : أعظم الأعياد وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين (عليه السلام) ونصبه للناس إماماً.
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في بيان قيمة ذلك اليوم : (إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات).
وانطلاقا من عظمة هذا العيد السعيد المبارك تفتتح الأمانة العامة مهرجان الغدير الأغر بنسخته الثامنة، وأهم ما يميز فعالياته ونشاطاته افتتاح المنارة الجنوبية والإيوان الجنوبي المتصل بها ، بعد أن تم إعمارها وترميم مفاصلها وإعادة طلاء بلاطاتها بالذهب بجهود استثنائية كبيرة من الإخوة في لجنة إعمار العتبات المقدسة في الجمهورية الإسلامية ، والكوادر الفنية المتخصصة في العتبة العلوية المقدسة ، حيث استمر العمل فيها قرابة سنة ونصف، وكان طول هذه المدة بسبب الظروف المكانية التي تحيط ببدن المنارة وتقييد حركة العمال ومراعاة الدقة في العمل من الناحية الفنية ، والتأكيد على الطابع العمراني والتاريخي الأصيل ، بالإضافة الى الظروف الزمانية من حيث تزامن العمل مع المناسبات الدينية والزيارات المليونية مما كانت سبباً في توقف العمل لمرات عديدة.
المشروع بمراحله كافة ما زال مستمراً بعونه تعالى بجدوله الزمني المخطط والمتفق عليه مع الجهات المنفذة له، ولا يسعنا الا ان نقدم جزيل شكرنا وجميل امتنانا الى الإخوة في لجنة إعمار العتبات المقدسة ولكل من ساهم في هذا المشروع المبارك وآخر دعوانا أن الحمد لله الذي جعل كمال دينه وتمام نعمته بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعدها كانت كلمة رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الموسوي ألقاها نيابة عنه الشيخ حيدر السهلاني ، جاء في نصها :
بِسْم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكمل دينه وأتم نعمته بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) والحمد لله الذي جعلنا من شيعته والمعترفين بفضله والقائلين بإمامته، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لقد بين رسول الاسلام (صلى الله عليه وآله) منزلة أخيه علي بن ابي طالب (عليه السلام) منذ وقت مبكّر في مكة المكرمة في الأيام الاولى للدعوة للإسلام وأوضح بما لا لَبْس فيه انه خليفته من بعده ووصيه على دينه ورسالته، وذلك ابتداءً من حديث (الدار) المشهور ومرورا بالعشرات من المناسبات التي صرح فيها بمنزلة أخيه وإمامته على الخلق من بعده وانتهاءً بيوم الغدير العظيم الذي كان بمثابة الإعلان الرسمي العام عن تلك الحقيقة الإلهية العظيمة وعن الإمامة الكبرى والولاية العظمى والتي لم تأت بقرار من النبي (صلى الله عليه وآله) بل بأمر الهي مباشر لا ريب فيه، ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (المائدة آية 67).
ان مضمون حديث الغدير لم يكن مفاجئا للكثير من الانصار والمهاجرين الذين سمعوا من النبي (صلى الله عليه وآله) مرارا وتكرارا تأكيده على خلافة علي (عليه السلام) وولايته على المؤمنين من بعده في عشرات الأحاديث والتصريحات في شتى المناسبات، نعم قد يكون ذلك مفاجئا للأعراب والساكنين بعيدا عن المدينة من أهل الجزيرة العربية والذين لم يسبق لهم معاشرة أجواء المدينة والسماع من شخص النبي الكريم (صلى الله عليه وآله).
ان عظمة هذا اليوم وما جرى فيه وما صدر من نبي الاسلام في حق علي (عليه السلام) وأهل بيته أمر لا يختلف عليه مسلمان ، وهو مما يعترف به المخالف والمؤالف وان كان المخالف لا يلتزم بالنتائج العملية لأوامر النبي (صلى الله عليه وآله) لكن أحداً لا يستطيع بعد تواتر الحديث واشتهاره ان ينكر صدوره ، ولذا اتجهت همة المخالفين الى تأويله وتحريف محتواه ، الامر الذي ناقشه علماؤنا بشكل وافٍ وأعطوه حقه من النقد العلمي وابطلوا محاولة تحريفه وجعله في غير سياقه.
ان ما تعاني منه الأمة المسلمة اليوم ما هو إلا نتيجة طبيعية للإعراض عن أوامر الله وبيان الرسول في حق أهل البيت وأمير المؤمنين (عليهم السلام) وما يقع على عواتقنا اليوم من واجب ديني مؤكد هو المحافظة على الحقيقة والدفاع عنها وإبلاغها الى الأجيال المتعاقبة جيلا بعد جيل وعدم السماح بتحريفها وطمسها كما هو ديدن الظالمين الذين لا يستقيم أمرهم الا بالكذب والتحريف.
لقد بذل علماؤنا على مر الدهور والى يومنا هذا جهوداً جبارة للحفاظ على حقيقة الغدير وقد ألفوا في ذلك مئات الكتب والمجاميع والموسوعات ، وقد وقعت الأمانة اليوم في يدنا نحن أبناء هذا الجيل فماذا نحن فاعلون ؟ ..(ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) آل (عمران آية 53 ) ، (ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لَّدُنك رحمة انك أنت الوهاب) (آل عمران أية 8).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ثم كانت الكلمة للباحث الإسلامي من جمهورية مصر العربية الدكتور أحمد النفيس ، تناول فيها فضل يوم الغدير وفضل أهل البيت (عليهم السلام) وهم الشجرة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ابتداء من أمير المؤمنين (عليه السلام) وانتهاءً بالإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وفي يوم الغدير الأغر ، أعلن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعليٌ مولاه ، وكانت البداية للتميز بين المؤمنين والذين أعلنوا التمرد على الرسول وآل بيته لتكون حجة على الجميع ولينصر الله دينه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وجاء الدور لفرقة إنشاد العتبة العلوية المقدسة لتتغنى بالغدير الأغر بأناشيد ولائية تفاعل معها الحاضرون من ضيوف المهرجان.
ثم كانت الكلمة للمهندس محمد ذبيح كريمي مدير تنفيذ المشاريع الهندسية في لجنة اعمار العتبات المقدسة، قدم فيها التهنئة بمناسبة حلول عيدي الأضحى المبارك وعيد الغدير الأغر ، مؤكدا ان وجود التعاون المشترك لخدمة زائري العتبات المقدسة في إيران والعراق، وهو يوضح عظمة الفن والصناعة الاسلامية الذي أدهش الجميع.
وأكد كريمي إن التزايد الحاصل في قدوم الجموع المليونية من الزائرين للعتبات المقدسة جعلت من الضروري المشاركة والتعاون من الجميع في توسعة المراقد المقدسة خدمة للزائرين الكرام، وبدعم فعال ومؤثر من المرجعية العليا وتعاون الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة تم تقديم خدمات واسعة للزائرين وأبرز تلك الخدمات هو بناء صحن فاطمة (عليها السلام) ، كما ان هذا التعاون بين لجنة الاعمار والامانة العامة للعتبة العلوية المقدسة أثمر عن نتائج مبهرة أخرى تمثلت في إنهاء المرحلة الأولى بإعادة تأهيل المأذنة الجنوبية للحرم العلوي المطهر، وهو انجاز فني آخر من الفنانين والحرفيين المخلصين .
إن مرحلة الانجاز الحاصلة في قسم الإيوان شهد إعادة إعمار( 6430 ) بلاطة ذهب بمساحة ( 361 ) متراً مربعاً ومشاركة ( 7560 ) حرفياً وفنياً وبإشراف قسم الفنيين في العتبة العلوية المقدسة.
وكان للشعر نصيب في فعاليات افتتاح المهرجان بقصيدة لشاعر العتبة العلوية المقدسة حيدر رزاق شمران.
واختتمت فعاليات افتتاح المهرجان بمبادرة الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة المهندس يوسف الشيخ راضي بدعوته لجميع الضيوف وزائري مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) لإزاحة الستار عن المنارة الجنوبية للحرم العلوي الطاهر.