أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2020
1366
التاريخ: 21-9-2018
1717
التاريخ: 8-6-2020
1243
التاريخ: 9-5-2017
2134
التاريخ: 9-1-2020
1549
|
شدّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا على ضرورة تحصين المجتمع والاهتمام بتربية الأبناء، مؤكّدةً في الوقت نفسه أنّه كلّما تطوّرت التكنلوجيا زاد التحدّي في تربية الأجيال. جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (4جمادى الأولى 1440هـ) الموافق لـ(11كانون الثاني 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصُّها: أيّها الإخوة والأخوات سبق أن تحدّثنا بخدمتكم عن موضوع الأسرة والأهميّة الكبيرة التي لابُدّ أن تكون لها لأنّها النواة، إن طابت طاب المجتمع وإن كانت الأخرى -لا قدّر الله- فستكون هناك مفاسد عامّة، طبعاً الكثير من المشاكل الإنسان إذا كان يتكلّم حولها بلا أن يدخل في التفاصيل قد لا تُشخّص المشكلةُ بشكلٍ دقيق، وحتّى الحلّ قد لا يُفهم، لكن عندما يتكلّم الإنسان عن مشكلة حقيقيّة بعض الناس يتصوّر أنّ الكلام لا يعنيهم، وهو متلبّس بالإشكال ويتصوّر أنّ الكلام لا يعنيه، إمّا لأنّه جاهل -كما ذكرنا في الخطبة الأولى- أو أنّه غافل، أو أنّه غير مكترث وبالنتيجة هناك بناء سيُبنى بشكلٍ معوجّ وسيدفع جميعُنا الثمن، باعتبار أنّ هذه الأسرة هي النواة التي لابُدّ أن يكون الانطلاق منها. وعليه فكلُّ مجتمعٍ لابُدّ أن تتوفّر فيه حصانة، والمقصود من الحصانة هي الحصانة الاجتماعيّة، يعني أهل هذه المحلّة أو أهل هذه القرية أو أهل هذه المدينة أو أهل هذا البلد كيف يتعاملون ويسمحون لأشياء ولا يسمحون لأشياء أخرى، مقصودي من هذه الحصانة هو البناء الذي يتكوّن منه المجتمع، هذا البناء فيه بعض الأمور التي يصعب معها أن ينهدّ أو ينهدم بناء هذا المجتمع، تارةً أفراد هذا المجتمع يكونون على مستوى كبير من الوعي فلا تمرَّر كثيرٌ من الأشياء من خلالهم، هؤلاء واعون وهم يقفون كالسدّ المنيع الذي يترقّب خوفاً من أن يحدث شيء في هذا النسيج الاجتماعيّ الذي لابُدّ منه، وتارةً الأُسر الكريمة ملتفتةٌ الى أنّ بعض المشاكل هي بنفسها تحلّها لأنّها ستصدّر جيلاً الى الشارع الى المصنع الى المدرسة أو الى أيّ مكان. وتارةً مجتمعاتٌ تدخل في اهتمام الدولة، لابُدّ للدولة أيضاً أن تراعي هذا الجانب وتعطيه ميزانيّة مهمّة وأهميّة كبيرة، وتختار الرجال الأمناء للاهتمام بهذا البناء كلٌّ على شاكلته ومقدار أهميّة هذا المورد، الآن الكلام في فحوى الوضع الاجتماعيّ، من جملة الأشياء التي يشكو منها البعض هي غياب ربّ الأسرة في الاهتمام بالأسرة، لا من جهة الإنفاق المالي -التفتوا للقضيّة حتى يتّضح المطلب أين نحبّ أن نتكلّم-، لا من جهة الإنفاق المالي، نعم.. قد يشكو البعض أنّ ربّ الأسرة لا يُنفق على الأسرة، تارةً ربّ الأسرة لا يوجد عنده مال فيسعى ويسترزق وهذا مقدار ما في يده، وتارةً عنده مال لكن عنده شحّ فهو لا يُنفق على الأسرة، أكرّر أنّ كلامي الآن ليس في الإنفاق المالي، هذا له وضعه الخاصّ وحديثٌ خاصّ لمسألة الإنفاق، أنا لا أتحدّث عن هذا إنّما أتحدّث عن مورد الاهتمام بالأسرة، يعني الإنسان عندما يسعى أن تتكوّن له أسرة تجده يختار الزوجة المناسبة ويسأل عنها، وأهل الزوجة أيضاً يسألون عن الزوج المناسب، هل هو الشخص المناسب؟ ثمّ تتكوّن الأسرة، فبدأت هذه الأسرة تنتج وبدأ الأولاد يعيشون جوّ الأسرة، هنا تبدأ مسؤوليّة ربّ الأسرة، ماذا على ربّ الأسرة أن يفعل، الحديث كلّما يكون صريحاً نستطيع أن نصل الى نتائج، لكن إذا بقي الحديث مغلّفاً فالبعض قد يرى أنّ هذا الموضوع لا يهمّه، والبعض الآخر يرى أنّ هذه أمور عامّة والبعض غير مكترث، وعلى شاكلة الناس، هل هناك دور؟ نعم.. هناك دور، وكلّما تصعّبت الأمور أو تسهّلت الأمور في عالم التكنولوجيا كلّما أثّر على الأسرة في تفكيك عرى المودّة والتماسك الأسريّ. ماذا نفعل؟ عالم التكنولوجيا نحتاجه لكن لابُدّ من أن تتضاعف مسؤوليّة الأب ومسؤوليّة ربّ الأسرة، من المسؤول عن هذه الأسرة؟ لابُدّ أن تتضاعف مسؤوليّته ولابُدّ أن يجلس والأسرة تراه، الأسرة يجب أن تشعر بوجوده الحقيقيّ، وجوده الحقيقيّ غير وجوده المعنوي، وجوده الحقيقيّ أن يجلس معهم ويشاطرهم ويستفسر ويسأل، الأبناء خارج الأسرة قد يسبّبون مرضاً لربّ الأسرة قد يسبّبون مشكلةً لربّ الأسرة وهؤلاء فلذّات الكبد، الأسرة لا تُعطي الأولاد مالاً فقط بزعم أنّك تحبّه هذا غير كافٍ، أعطِهِ مالاً ووسّع عليه، فالتوسعة على العيال من المستحبّات شرعاً أنّ الإنسان يوسّع على عياله، لكن لا تنسَ الوظيفة الأساسيّة ولا تنسَ التربية أنت اسمُك ربّ الأسرة، وربّ الأسرة هذا اللفظ من التربية يعني هناك حالة من السلطنة التي يُمارسها ربّ الأسرة في حالة التربية، أنّه لابُدّ أن تربّي. عندما أقول ذلك سوف أستشهد لك بنصّ وأدعو الإخوة أيضاً أن يلفتوا النظر الى هذه القضيّة، أميرُ المؤمنين(عليه السلام) بعد عودته من معركة صفّين، بحسب النسب مَنْ هو أقرب شخصٍ الى أمير المؤمنين؟ أقرب الناس اليه أولاده. نعم أمير المؤمنين من جهة كونه إماماً فالكلّ من جهة الإمامة عنده سواء، ولذلك كان يتأذّى بل يقول إنّ ذمّيةً إذا يُسلب قرطها -في مضمون عبارته لبعض وُلاته ولعلّنا ذكرناها سابقاً، يقول ذمّيّة أو مُعاهِدة يُسلب قرطها ولا يدفع أحدٌ عنها هذا الظلم، فالإنسان إذا من هذه مات -قال- لم يكنْ عندي ملوماً، لأنّه لا يستطيع أن يدفع الظلم فتبقى في نفسه، وهذا يموت من الحسرة يموت من الغيظ جرّاء كتمان هذا الهمّ، يقول لم يكن عندي ملوماً، لاحظ كيف يرى أمير المؤمنين الأمور. بعد واقعة صفين كتب أميرُ المؤمنين(عليه السلام) كتاباً الى ولده الحسن(عليه السلام)، هذا الكلام الى جميع الآباء -وأنا منهم-، ولكن ذكر في مقدّمة الكتاب شيئاً جدّاً مهمّ على الآباء أن يلتفتوا اليه، حرصُ الآباء على أولادهم لابُدّ أن نتعلّمه من أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقطعاً الإمام الحسن(عليه السلام) لا أقول هو في غنىً عن والده، الإمام الحسن(عليه السلام) إمامٌ لكن قطعاً أمير المؤمنين(عليه السلام) له المقام الأكبر، لكن هذه الكتابة عندما وصلت الى الإمام الحسن(عليه السلام) من خلاله وصلت الينا وبالنتيجة نحن المخاطبون، أبٌ يخاطب أو يكتب لولده من مقدّمةٍ طويلة لاحظوا المقطع الذي أريد أن أبيّنه بخدمتكم، ماذا قال أمير المؤمنين للإمام الحسن(عليهما السلام)؟ قال: (ووجدتُك بعضي...) يقول أنت جزءٌ منّي، (...بل وجدتك كلّي). الآن الأب عندما يجتمع مع أفراد أسرته فيسأل عن هذا ويتفقّد هذه ويجلس مع ذاك، هذه الحالة إذا حصلت الأسرة تكون أسرة مباركة، المجتمع يُنتج أسراً متعدّدة تحمي المجتمع من الدمار، أمّا إذا كان الأب ليست له علاقة بالأسرة أصلاً فهذا خطأ، أيّها الآباء الأعزّة هذه أُسركم وهؤلاء الأولاد بحاجة ماسّة لكم، مع الطعام يريد أن يراك ويريد أن يسمع منك، أنت عندك تجارب وأنت أكبر منه فعلّمْ هذا الولد كيف سيدخل الى المجتمع، تتبّع ولدك في المدرسة وفي خارجها، فالسؤال عنه والاستفسار يُعطي لهذا الولد حصانة، سيعلم أنّ وراءه أباً ووراءه أمّاً، مَنْ يكون ربّ الأسرة غير الأب والأم، ووراءه أخاً كبيراً يتفقّد أحواله. لاحظوا الإمام(عليه السلام) عندما يتكلّم مع ولده قال: (حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني)، لاحظوا مدى هذه المودّة والشفقة والرحمة، والله -إخواني- أنا أرى بعض الأشياء وأذكرها بمرارة، أبٌ يطفئ أعقاب السجائر في جلد ولده!! هل تتصوّرون هذه الحالة؟! حقيقةً لا أعرف كيف أصف هذه الحالة، هذا الأب بمنتهى القسوة، طفلٌ لا يبلغ العشر سنوات يقول له: اذهب وائتني بالمال، طريقة تعاملنا مع الأولاد بهذه الطريقة؟! على المجتمع أن يعمل بمسؤوليّته اجتماعيّاً. كلّنا مسؤولون عن ضياع بعض الأطفال وبعض الفتيات وعن هذا التفكّك الأسريّ الذي عصف بنا بدعوى أو بغير دعوى، لاحظوا عمليّة الشفقة كيف يتكلّم أميرُ المؤمنين(عليه السلام) مع ولده قال: (حتّى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموتَ لو أتاك أتاني)، هذا رجلٌ يسأل الإمام الصادق(سلام الله عليه) يقول له: لماذا أحبّ ولدي أكثر ممّا يحبّني؟ -معنى الرواية- قال له الإمام(عليه السلام): (لأنّه منك ولست منه)، لاحظوا التعليم بمعنى أنّ ولدك جزءٌ منك وتكوّن منك. قال: (وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني -يعني أهمّني- من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت اليك كتابي هذا -هو معه- مستظهراً به...) أي حتّى تراه ويراه الآخرون ويسمع الآخرون ماذا كان يصنع عليٌّ مع ولده الحسن(عليه السلام) (...مستظهراً به إن أنا بقيتُ لك أو فنيت)، -إخواني- كثيرٌ من العلماء والأجلّاء قديماً وحديثاً كانوا في وصاياهم بل في حياتهم يكتبون كتاباً الى أولادهم، حرصاً منهم على الأولاد، نعم.. الإنسان يوصي أنْ تركتي لفلان وفلان هذا شيءٌ مستحبّ، لكن ليست الوصيّةُ في التركة المالية فقط يا إخواني بل في الجانب المعنويّ أيضاً، أيّها الأب قبل أن تفارق الدنيا -الله يطيل بعمرك- لابُدّ أن تجلس لابُدّ أن تتكلّم لابُدّ أن تحيط الولد برعايتك، تحيط الولد بشفقتك تحيط الولد بأبوّتك وأنا أتكلّم عن جميع الآباء. كلّنا مسؤولون والأولاد يرون أنّ الأب هو الربّ، طفل لا يعرف شيئاً فتح عينيه على الأب فيرى أنّ الأب هو الذي يرزق وهو الذي يحمي وهو الذي يهتمّ، الطفل لا يعرف شيئاً خصوصاً في المراحل التي يتحسّس منها هذا الولد، إخواني هذا الموضوع طويلُ الذيل جدّاً وقطعاً لا ينتهي بهذه النصف ساعة، لكن هذا الموضوع من أهمّ المواضيع وأنا لا أستطيع أن أتحدّث بكلّ التفاصيل، لأنّ الموضوع يحتاج الى أمثلة كثيرة ويحتاج الى تحميل المسؤوليّة الى جهات كثيرة، فعلى الدولة أن تدخل وعلى المنظّمات المجتمعيّة أن تدخل وعلى الجميع، إنّما أنا أتحدّث عن قضيّة حقيقيّة وهي دور ربّ الأسرة، فهذه الأسرة تحتاج الى ربّ الأسرة والى الدور الحقيقيّ له. نسأل الله أن يرينا في أسرنا كلّ خير، وأن يرينا في بلدنا كلّ خير، والأسر الكريمة المربّية جزاها الله كلّ خير، وعلى الذين قد غفلوا أن ينتبهوا الى أنّ الأولاد والأسرة في أمسّ الحاجة اليكم، وفّق الله الجميع في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين |