أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-4-2018
1085
التاريخ: 26-4-2018
1182
التاريخ: 25-4-2018
1075
التاريخ: 25-4-2018
817
|
الأمية والثقافة اللغوية
تبين لنا مما تقدم أن العرب الجاهليين لم يكونوا يوجه عام أهل كتابة وقراءة، فهل تستلزم هذه الحال أنهم كانوا أيضاً علي قدر ضئيل من الثقافة اللغوية؟
تشهد الآثار الأدبية التي رويت عن العصر الجاهلي أن شعراءهم و خطباءهم قد برعوا في صناعة القول، فمنهم البلغاء الفصحاء الذين اعتزوا بلغتهم و تنافسوا في إجادتها شعراً و نثرا.
وقد دل نظام الشعر و أوزانه علي أن الأدب الجاهلي قد سبقته مراحل و أطوار تمت فيها نشأته و نموه، فلما جاء الإسلام وجد الخاصة من العرب يكرسون حياتهم لإتقانه و تجويده في أسواقهم و منتدياتهم، فكانت تعقد المساجلات والمفاخرات بين الشعراء والخطباء في تلك الأسواق التي يمكن أن تدعى بحق المؤتمرات الثقافية للعرب القدماء.
فليس من المغالاة في شيء أن نعد الإنتاج الأدبي عند الجاهليين مظهراً من مظاهر الثقافة اللغوية التي اكتسبوها بالتلقي والمشافهة جيلا بعد جيل.
ولم يكن ينقصهم حينئذ إلا الكتب والكتابة ووسائل التدوين والتسطير وهذه كلها في رأيي أمور تافهة في كسب الملكة الكلامية. فقد نشأت اللغات البشرية في صورة صوتية تنطلق من الأفواه و تتلقفها الأسماع ثم تفسرها الأذهان. ولا تزال على هذه الحال حتى الآن، بل ستظل هكذا في مستقبل الأيام.
أما الكتابة فهي تلك الوسيلة الناقصة التي اهتدي إليها الإنسان في عصور متأخرة نسبياً حين تقاس بنشأة اللغة الإنسانية. وقد بدأت الكتابة تصويرية ثم مقطعية ثم هجائية على يد الفينيقيين الذين ورثوها للعالم الحديث. ولم تكد تتقدم الكتابة اكثر من هذا خلال الثلاثين قرناً الماضية. إلي أن جاء القرن العشرون، واهتدى الإنسان إلى وسائل اخرى للتسجيل أسرع وأدق، فاصطنع التسجيل الصوتي علي اسطوانات و أشرطة وأسلاك تتضمن مع صغر حجمها ما يمكن أن يتضمنه كتاب أو مجلد.
ص151
ويتسم العصر الحاضر بسمة السرعة في كل شيء. فمواصلاته سريعة، ومجال النشاط فيه لا يقف عند حدود المدن أو الممالك، بل يتعداها إلى جميع أطراف الأرض.
ولهذا يبدو أن الكتابة ستفقد اهميتها في التسجيل و التدوين ، وسيحل ، محلها التسجيل الصوتي حين تصبح أدواته في متناول الناس جميعاً.
فالمستقبل للسمع لا للعين، والثقافة عن طريق العين ستفقد كثيرا من سلطانها، وسيكون للسمع المنزلة الأولى ولا سيما في الملكات اللسانية وصناعة القول ولا نشك في أن السمع حينئذ سيصبح أكثر حساسية، يميز دقائق الأصوات و متباين النغمات، مما سيؤدي حتما إلي أن يصير الكلام أقرب الى الموسيقى.
وهنا يمكن أن يقال إن الثقافة اللغوية قد عادت كلها إلي الوسيلة الطبيعية و هي حاصة السمع، لا تستعين إلا بها، ولا تحتاج إلي ما اصطنعه الإنسان من وسائل ناقصة كالكتاب والقلم.
ومثل التعليم السمعي عند العرب القدماء مثله الآن عن طريق الإذاعة، غير أن فرص السماع الآن أكثر، ومجالها أوسع وأشمل. في حين أن طالبي الثقافة من العرب القدماء كان عليهم أن يشهدوا الأسواق والمحافل بأنفسهم، وأن يتجشموا في ذلك من التنقل والأسفار ما لم يكن في وسع كل منهم.
وفي مثل هذه البيئة الأمية لا تكاد تتميز معالم الكلمات وحدودها تميزها بين القارئين الكاتبين. وذلك لأن القارئ حين يسمع كلمة من الكلمات تنطبع في ذهنه صورتان لها، إحداهما سمعية منطوقة والأخرى بصرية مكتوبة، فيربط بين هذه وتلك ربطا وثيقاً. فالكتابة للصورة السمعية بمثابة القيود والأغلال تمنع الكلمة من الاختلاط أو الامتزاج بكلمة أخرى سابقة أولا حقة. ولا عجب أن نرى النقوش اليمينية القديمة (1) قد فصل فيها بين كل كلمة من كلماتها بخط رأسي، حتى بين المضاف والمضاف إليه ترى ذلك الخط الرأسي الفاصل بين الكلمتين مثل (ملك ! سبأ)، مما يبرهن على شعور الكاتب شعورا قويا بحدود كل كلمة.
أما الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب فلا يكاد يدرك اللغة إلا في شكل عبارات وجمل لا انفصام بين أجزائها.
وقد دلت التسجيلات الصوتية علي أن الناطق لا يحاول تمييز حدود الكلمات بل ينطق بمجموعة منها في جملة أو عبارة وقد تشابكت أطرافها واختفت حدودها
ص152
ولا يكاد يتوقف عن النطق الا حيث ينقطع النفس، أو حيث ينتهي الكلام إلي معني مستقل بالفهم يحقق الهدف من النطق.
من أجل هذا يجمع المحدثون من اللغويين علي أن اللغة المكتوبة المنطوقة، أقل استعدادا للتطور من المنطوقة فقط. وذلك لأن الكاتب يحاول العبودة بالكلمة إلي ما كانت عليه كلما أصلبها انحراف في الأفواه و علي الألسنة.
واللغة العربية التي اصطنعت في الآثار الأدبية الجاهلية قد نشأت واز دهرت في ظل الأمية، وهي اللغة التي حاول القدماء من العلماء الاحتفاظ لها بكل حصائصها القديمة التي منها ما يمكن أن يفري إلي شيوع الأمية كالموسيقية في الكلام.
ص153
_______________
(1) المختصر في في اللغة العربية الجنوبية القديمة تأليف المستشرق أ . جويدي . ص3.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|