1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

أخرى

علوم اللغة العربية : علم الدلالة : قضايا دلالية اخرى :

قصور المعنى القاموسي

المؤلف:  د. محمود السعران

المصدر:  علم اللغة مقدمة للقارئ العربي

الجزء والصفحة:  ص215- 221

23-4-2019

937

 

 قصور المعنى "القاموسي":

1- قد يتصور بعض المبتدئين في الدراسة اللغوية أن "علم الدلالة" أو "دراسة المعنى" مقصور على اللغات التي لم يوضع لها بعد "معاجم" أو "قواميس" فاللغات ذات المعاجم في غنى عن هذه الدراسة؛ لأن "المعاجم" تمدنا بمعاني الكلام.

وهذا تصور خاطئ لأن "المعنى القاموسي" أو "المعنى المعجمي" ليس كل شيء في إدراك معنى الكلام، فثمة عناصر "غير لغوية" ذات دخل كبير في تحديد المعنى، بل هي جزء أو أجزاء من معنى الكلام: وذلك كشخصية المتكلم، وشخصية المخاطب، وما بينهما من علاقات، وما يحيط بالكلام من ملابسات وظروف ذات صلة به، كالجو مثلا، أو الحالة السياسية، إلخ.

ومن حضور غير المتكلم وغير المخاطب، وعلاقتهم بهما.

إن عبارة مألوفة مثل "صباح الخير" قد يكون لها من المعاني عشرة أو أكثر إذا نظرنا إليها من حيث السياقات التي تقع فيها، أي إذا أدخل الدارس في اعتباره العناصر الاجتماعية غير اللغوية التي أشرنا إلى بعضها.

وكل هذا لا يتضح على أجلى وجه إلا فيما يسمى "الكلام الحي" الذي نستطيع أن نسجل فيه نطق الكلام، والذي تتضح فيه خصائصه البارزة مثل التنغيم، والارتكاز، والذي نستطيع معه أن نتحقق من شخصيتي المتحادثين أو من شخصيات المتحادثين، وأن نحدد ما بينهما أو ما بينهم من علائق، وأن ندرك الظروف الملابسة للكلام.

وخير ما يوضح لنا ارتباط الكلام بما أشرنا إليه من الشخصية والملابسات هو لغة المسرح، فنحن نرقب الأحداث وهي تتتابع، وكل شخصية أمامنا واضحة المعالم محددة مما يتيسر معه أن نفهم معنى كل قول على خير وجه وأدقه(1): قد

ص215

 

يستقبل الخادم سيده محييا "صباح الخير" وينطقها بحيث نفهم من نطقه، ومما سبق ذلك من أحداث أنه يشير إلى تلك الطامة الكبرى التي توشك أن تصيب سيده، أو ذلك الموقف الحرج الذي يوشك أن يقيد به نفسه.

وقد تصدر هذه العبارة نفسها من خادمة لسيدها، ويصحب نطقها الناعم اللين المنغم على وجه خاص حركات من جسمها تفصح عن الرغبة والإغراء، فلهذه العبارة في هذا الحال معنى غير معنى التحية، إنها دعوة الجنس واشتهاؤه.

وقد يوجه هذه "التحية" رئيس لمرءوسه متأفقا متسخطا لأنه تأخر عن عمله، وكان تأخره سببا في خسارة جسيمة، وهكذا من عشرات المعاني التي يحددها مثل ما ذكرنا.

فأين أي معنى من هذه المعاني التي أوضحناها من "المعنى القاموسي"؟ إن القاموس يعرفنا أن "صباح الخير! " هي تحية الصباح، وقد يحدد زمان استعمال هذه التحية إن لم تكن مستعملة في تاريخ اللغة من أوله إلى لحظة الدرس، وقد يزيد فيحدد مكان استعمالها، إن كانت مستعملة في بيئة دون بيئة من البيئات الكلامية التي تستعمل هذه اللغة، إن القاموس بطبيعته لا يستطيع أن يحصر جميع السياقات التي تقع فيها هذه العبارة، وكل عبارة، وكل كلمة من كلمات اللغات وعباراتها، وإن فصل فهو لا يفصل إلا في إيراد "أنواع" من دلالات الكلمة أو العبارة، وهكذا يظل تحديد معنى الكلام محتاجا إلى مقاييس وأدوات أخرى غير مجرد النظر في القاموس.

إن معنى "الكلام" لا يتأتى فصله بأية حال من الأحوال عن "السياق" الذي يعرض فيه.

2- أما النصوص المدونة في الكتب القديمة مثلا، فإنه يخفى علينا من ظروف قولها أشياء كثيرة، وقد نضطر إلى إعادة تصور بعض ما يمكن تصوره من هذه العناصر، وقد لا نوفق في هذا، وقد نوفق فيه إلى درجة محدودة، ولكن عنصرا هاما يغيب عنا إدراكه وهو "نطق" الكلام، ما يبرزه هذا النطق من معنى أو معان: إن النطق قد يحدد أن الكلام "استفهام" مثلا حيث يحتمل النص المدون وحده أن يكون استفهاما أو تقريرا مثلا، وقد يثبت أن العبارة تفيض سخرية حيث

ص216

 

نفهم من النص المسجل المقطوع الصلة بالحياة أنه تمن أو رجاء ولكن هذا أدعى في الوقت نفسه إلى أن يتخذ علم الدلالة منهجا تاريخيا خاصا لدراسة النصوص القديمة، ولتعقب تطور معاني الكلام، وإنه ليتخذ هذا المنهج، بالإضافة إلى دراسة المعنى من الناحية الوصفية.

3- إن تحديد المعنى أمر على جانب كبير من الصعوبة، وإنا لنلاحظ هذا في استعمالاتنا اليومية للكلام، وإن كثيرا مما يصيبنا في حياتنا من خلافات، ومشقات، والآم، مرجعه أننا لا نعرف بصورة واحدة معنى ما نقوله، أو ما يقال لنا، أو ما نسمعه، أو نقرؤه. فالصعوبة في إدراك المعنى، والخلاف عليه ليسا مقصورين على "اللغة الأدبية" أو "النصوص القديمة" في لغتنا، ولا على لغة أجنبية أخذنا منها بنصيب، إنهما ليعدوان هذا إلى لغتنا التي نستعملها في حياتنا اليومية، والتي لا نجيد من اللغات مثلها.

وهذا أمثلة تبين كيف أن تحديد المعاني ليس بالأمر اليسير:

1- كلمة مثل "أول" نراها سهلة واضحة ولا يدور بخلدنا أنها قد تثير جدلا. ولكن ما معنى كلمة أول في قوله تعالى من سورة آل عمران: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} .

نفهم من السياق أن البيت المقصود هو الكعبة المشرفة فهل المقصود أنها أول ما بني على ظهر الأرض؟ لقد ذهب إلى ذلك بعض المفسرين. ونعلم من آيات أخرى أن الله عز وجل أمر سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء الكعبة وقد كان قبلهما خلق كثير. ولذلك يقول بعض المدققين من المفسرين: إن المقصود بالأولية هنا أن الكعبة أول بيت بني لعبادة الله وحده.

فكلمة "أول" البسيطة العادية لما وقعت في تركيب من التركيبات أثارت الخلاف بين علماء اللغة أنفسهم.

2- وكلمة "أم" و"ابن" كلمتان مألوفتان لا يخامرنا شك، أول ما نسمعهما مفردتين، في أنهما يدلان على غير ما نعرف لكل منهما من معنى، ولكن عندما يقول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري.

والأرض حارت أتلقى الفجر ضاحكة

لأمها الشمس أم تبكي ابنها القمرا؟

ص217

 

فالشمس عنده أم الأرض، وجدة القمر، ولن ينص أي قاموس على هذه العلاقة. هذا من المجاز، وليس من اليسير أن يحصر قاموس مجازات اللغة كلها إلا إذا أحصى كلام المتكلمين كلهم في جميع أحوالهم. وفي جميع عصور اللغة، وتوهم ما سيخلقونه من ألوان المجاز، وهذا مستحيل من غير شك.

3- وعندما تقول رابعة العدوية في مخاطبة الذات الإلهية:

أحبك حبين حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بحبك عمن سواكا

وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك لي الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاك

فهي تتحدث عن حب خاص بها، وهذا التفصيل في نوع الحب: حب الهوى، وحب الأهلية للحب لن تجد إشارة إليه في أي معجم من معاجم اللغة. هذه زاهدة تتحدث عن تجربة صوفية خاصة بها فالشخصية شخصية المتكلم والتجربة ركنان أصيلان من عناصر كثيرة لازمة لفهم المعنى.

وهذا يذكرنا بالعبارة المشهورة عبارة الحلاج وهي: "أنا الحق" كيف نفهم هذه العبارة ما لم ندرس حياة قائلها ونتبين شخصيته ونتعلم تصوفه، ونضع أيدينا على التجارب التي مر بها؟

4- وكنت من وقت أجدد صلتي بالشعر الجاهلي فقرأت أبيات الأعشى:

ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل

كدم الذبيح غريبة ... مما يعتق أهل بابل

باكرتها حولي ذوو الـ ... آكال من بكر بن وائل

نحن لا نستعمل الآن عبارة "ذوو الآكال" ولو حاولنا أن نفسرها تفسيرا عقليا اعتمادا على أصوات كلمة "آكال" لوقعنا في خطأ بالغ، فهذا منهج شديد الخطورة في تفسير معاني الكلمات: "الآكال" من "الأكل" فهل المقصود أنه شرب الخمر وحوله ناس يأكلون، أو ناس معروفون بولعهم بالأكل؟ أو ناس يبيعون الأكل؟

ص218

 

إن الشعراء يفخرون بأنهم يشربون الخمر مع الأشراف والسادة لا مع المشهورين بكثرة الأكل أو ... إلخ.

إن معرفة معنى هذه العبارة يستلزم معرفة أشياء من نظام الحياة العربية الجاهلية، وسيطلعنا هذا على أن "ذوي الآكال" هم الذين لهم أكبر أنصبة من غنائم الحرب، وهم الذين يتولون توزيعها على مستحقيها، فالأعشى كان يباكر الراح مع سادة قبيلته ووجهائها.

5- إن الخلاف على معاني الألفاظ والعبارات كثير في حياتنا، وهو يقع بين أقرب الناس، يقع بين الأخ وأخيه وبين الزوج وزوجته. ونسبة كبيرة من الخلافات الزوجية تقوم لأن الرجل "لم يفهم" المرأة، وهي تعجب لأنه لم يفهمها، ولأن المرأة "لم تفهم" الرجل، وهو يعجب لأن كلماته في نظره بسيطة واضحة كل الوضوح.

وهكذا تتردد في أحاديثنا دائما أمثال هذه العبارات:

ماذا تقصد؟ ماذا تعني؟ أفصح! أنا لا أفهمك؟ أنت لم تفهمني؟! ما هذا؟!

وكثيرا ما نستعمل كلمات لو سئلنا عن فهم معناها بالتفصيل لعجزنا؛ لأنها تحتاج إلى مؤرخ لغوي يبين لنا مأتاها، وفي حالات كثيرة يعجز هذا نفسه عن تحديد أصلها.

وذلك كبعض الأمثال التي يفتعل لها بعض اللغويين "تفسيرات". وسوى ذلك من العبارات مما هو من مخلفات حياتنا القديمة. وتناقلناه جيلا بعد جيل، وقد يكون مستعملا أصلا في لغة قديمة مندثرة كان يستعملها أجدادنا ثم نقل إلى اللغة التي حلت محلها إلى أن وصلتنا.

6- والأمثلة كثيرة على الخلافات الخطيرة التي تحدث في مجالات السياسة والفقه والقضاء والاجتماع والتاريخ بناء على فهم الكلمة الواحدة، أو العبارة، بأكثر من صورة:

يصدر القانون بعد العناية الفائقة بصياغته صياغة دقيقة منعا للبس، وتصحبه "مذكرة تفسيرية"، ولكن عند التطبيق تثور "إشكالات" وتختلف أحكام القضاة،

ص219

 

فتصدر تفسيرية للتفسيرية، ولكنها قد تخلق إشكالات جديدة أو لا تفلح في حل القديمة.

7- ودراسة الكتب المقدسة والآثار الفكرية الكبيرة خير شاهد على ذلك.

القرآن الكريم فُسِّر أكثر من تفسير على مناهج مختلفة، وكثير من آياته يسمح بأكثر من تفسير لهذه اللفظة أو تلك العبارة.

ونحن نعلم كيف اختلف شراح أرسطو في فهم بعض نصوصه. إلخ.

8- وهذا يذكرنا بالترجمة. إن الترجمة من لغة إلى لغة تكشف لنا مشكلة المعنى بصورة جلية، وكل من مارس الترجمة الأمينة يدرك هذا لأنه عاناه.

إن الكلمة في اللغة لها غير المعنى القاموسي العام، وغير المعنى الذي قد يفهم من السياق، إيحاءات وارتباطات نتجت عن الحياة المشتركة التي حييها أصحاب اللغة، فعندما ننقل من لغة إلى أخرى فكيف نوفق في اصطياد كلمات تعطي إيحاءات الحياة الأخرى وارتباطاتها؟

ويكفينا مثل واحد على هذا.

كنا ننظر في تفسير محمد مرمدوك بكثال(2) للقرآن الكريم ورأيناه ذهب مذهبا خاصا في نقل كلمة "الله" عز وجل إلى الإنجليزية: لفظ الجلالة يترجم عادة بـ God ولكن "بكثال" لاحظ أن كلمة God لا تثير في ذهن القارئ الإنجليزي ما تثيره كلمة "الله" في ذهن القارئ العربي: فكلمة God في الإنجليزية تؤنث بـ Goddess، وتجمع على Gods، بينما الله، وهو واحد لا شريك له، كلمة ليس لها مثنى ولا جمع، ولا مؤنث، إن التصور الذي تشير إليه كلمة "الله"، سبحانه وتعالى، تصور يقضي على الشرك، بينما كلمة God لا تقضي على هذا التصور، ولم يجد بكثال في الإنجليزية كلمة تقابل كلمة الله في العربية، فاحتفظ بكلمة "الله" في الإنجليزية كما هي، يترجم "بسم الله الرحمن الرحيم" بقوله: ln The name af Allah the Beneficient the Merciful.

ص220

 

4- كيف نواجه هذا الاختلاف؟

هل نطالب المتكلمين بتحديث معاني ألفاظهم في الكلام؟

إن كثيرا من الشواهد التي سقناها يراعي أصحابها الدقة الكاملة ولم يحل هذا دون حدوث النزاع.

ولو أمكنت هذه المطالبة إلى حد ما في اللغة العلمية فكيف تتأتى الاستجابة لها في لغة الشعر مثلا؟

إن الشاعر يعتمد في صناعته اعتمادا كبيرا على قدرة الألفاظ على الايحاء والإثارة.

ولن يوجد الفن الشعري إلا مصحوبا بالخلاف في فهم ما يقصده الشاعر، ومن قديم "المعنى في بطن الشاعر" والحق أنه قد يكون كذلك وقد لا يكون.

وقد سئل كثير من كبار الشعراء عما يقصدون بقولهم فلم يوضحوا. وبعضهم وافق على أكثر من تفسير. إن للغة الشعرية طبيعة خاصة، وهي كما قلنا، تعتمد اعتمادا كبيرا على الألوان والظلال المختلفة التي تثيرها الكلمات.

ونرى، قبل أن نعرِّف بالاتجاهات السياسية في دراسة المعنى أن نعرف لما لا غنى عن التعريف به مما وصل إليه اللغويون المحدثون من بعض النتائج المستمدة من دراسة بعض المسائل الأساسية لفهم مشكلة "المعنى"، وذلك مثل "تحصيل المعنى"، وعملية "توصيل" الكلام و"تغيرات المعنى" إلخ.

ص221

 

__________

(1) إن لغة الحوار المسرحي لو فصلت عن التمثيل وقرئت مكتوبة لاحتاجت إلى حرص وعناية لفهم المقصود منها. فالحركة والإشارة وتتابع الحوادث، ومشاهدة الشخصيات، وإدراك السياق، كل ذلك وسواه يعين على تفهم المقصود من الكلام عندما تمثل المسرحية.

(2) انظر تعليق رقم 2 من هامش ص31 من:

Mohammed Maraduke Pickthall The Meaning of The Glorious Koran An Ex Planatory Translation Published as a Mentor Book 1953 New Yourk U. S. A.

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي