حكم المعتصم الدولة العباسية حكمًا استبداديًا مقرونًا بشيء من العطف وحسن التدين، حتى وصفه المسعودي بحسن السيرة واستقامة الطريقة.

كان المعتصم شجاعًا قويًا من أشد الناسِ بطشًا، وكان قائدًا موفقًا في حروبه، حتى لقد استحق لقب الخليفة القائد (1).

كان المعتصم في أغلب أمره امتداد للمأمون، كان امتدادًا له في مسألة خلق القرآن، وفي موقفه من الزط حتى استطاع أن يقضي عليهم، وفي صراعه الناجح مع الخُرَّمية، وفي هيبته وجلاله أمام الروم (2).

كان من وزراء المعتصم: الفضل بن مروان بن ما سرخس، كان رجلا نصرانيًا من أهل البردان وكان متصلا برجل من العمال يكتب له وكان حسن الخطِ ثم صار مع كاتب كان للمعتصم قبل أن يستخلف وهذا الكاتب هو (يحيي الجرماني) فلما مات يحيى صير الفضل في موضعه ولم يزل كذلك حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها والفضل كاتبه، وكان الفضل يدخل على المعتصم فيقول له: احمل إلى كذا وكذا من المال فيقول: ما عندي فيقول: فاحتلها من وجه الوجوه فيقول: ومن أي احتالها؟ ومن يعطيني هذا القدر من المال؟ وعند من أجده؟ فكان ذلك يسوء المعتصم ويعرف وجهه.

وكان للمعتصم رجل مضحك اسمه إبراهيم الهفتي كان يصحبه قبل الخلافة فيقول له: فيما يداعبه والله لا أفلحت أبدًا، فلما ولي المعتصم أمر للهفتي مال وأمر الفضل أن يعطيه أياه فلم يفعل، وشكا ذلك إلى المعتصم عندما كان يمشي مع المعتصم في بستانه ببغداد قائلا: أتحسب أنك أفلحت الآن؟  إنما لك من الخلافة الاسم والله ما يجاوز أمرك أذنك وإنما الخليفة الفضل بن مروان الذي ينفذ أمره من ساعته، فقال المعتصم: أي أمر لي لا ينفذ؟ فقال الهفتي: أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين فما أعطيت مما أمرت به منذ ذاك حبة، فاحتجب المعتصم على الفضل وأمره بأن يعطي الهفتي ما أقره له (3).

ومن وزراء المعتصم: الفضل بن مروان، وأحمد بن عمار، محمد عبد الملك الزيات (4).

لقد حفلت خلافة المعتصم - رغم قصرها - بأحداث وتطورات بالغة الأهمية. وسوف نناقش في الصفحات التالية أهم هذه الأحداث والتطورات.

__________

(1)  دراسة في تاريخ العرب، الدكتور السيد عبد العزيز سالم، ج 3 ص 95

(2)  موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية (الخلافة العباسية)، الدكتور أحمد شلبي، م 13ج 3 ص 193

(3) محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية)، الشيخ محمد الخضري بك، تحقيق: إبراهيم أمين محمد، ص271

(4) أخبار الدول المنقطعة تاريخ الدولة العباسية، الشيخ جمال الدين أبي الحسن علي، ص176