أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2016
3413
التاريخ: 25-2-2018
2562
التاريخ: 15-3-2016
3429
التاريخ: 9-4-2016
3714
|
جعل شروط لوجوب الأمر والنهي عن المنكر:
عدم ترتّب ضرر معتدٍّ به على الآمر والناهي
ولكنّ كثيراً من الناس لا يريدون أنْ يمسّهم أيّ أذى أو كدر، وهذا موقف ذاتي وأناني شديد الغلوّ لا يمكن القبول به من إنسان يفترض فيه أنّه مُلتزِم بقضايا مجتمعهِ كما هو شأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فهو إنسان يستبدّ به القلق لأيّ انحراف يراه، ويدفعه قلقه وأخلاقه إلى أنْ يتصدّى للانحراف بالشّكل المناسب، وهو الّذي قال فيه الإمام في نص : المُستكمِلُ لِخصالِ الخيرِ .
لقد نبّه الإمام - في موضعَين من نهج البلاغة - على أنّ التّخاذل عن الأمر والنهي خشيةَ التعرّض للأذى ناشئ عن أوهام ينبغي أنْ يتجاوزها المؤمن المُلتزِم بقضيّة مجتمعه، فلا يجعلها هاجسهُ الّذي يشلّه فيحول بينه وبين الحركة المباركة المُثمِرة، فقال الإمام فيما خاطب به أهل البصرة في إحدى خطبه، وقد كانوا بحاجة إلى هذا التّوجيه؛ لِمَا شهدتْه مدينتهم، وتورّط فيه كثير منهم من فتنة الجمل: وإنّ الأمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عنِ المُنكرِ لخُلُقان مِن خُلُق اللّه سُبحانهُ، وإنَّهُما لا يُقرِّبان مِن أجلٍ، ولا ينقصانِ مِن رزقٍ (1).
ونوجّه النظر إلى قوله (عليه السّلام) أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خُلُقَان من خلق اللّه عزّ وجلّ، فاللّه هو الآمر بكلّ معروف، والناهي عن كلّ منكر، وإذن فإنّ المؤمن الملتزم بقضيّة مجتمعه الواعي للأخطار المُحدِقة به، يمتثّل - حين يأمر وينهى - للّه تعالى ويتّبع سبيله الأقوم.
وقال الإمام في موقف آخر: وإنَّ الأمرَ بالمعرُوف والنَّهي عنِ المُنكرِ، لا يُقرِّبان من أجلٍ ولا ينقُصان من رزقِ (2).
قلنا إنّ إحياء هذه الفريضة، وجعلها إحدى هواجس المجتمع الدّائمة، وإحدى الطّاقات الفكريّة الحيّة المحرّكة للمجتمع كان من شواغل الإمام الدّائمة.
وكان يحمله على ذلك عاملان:
أحدهما: أنّه إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، ومِن أعظم واجباته شأناً أنْ يراقب أمّته، ويعلّمها ما جهلت، ويعمّق وعْيها ممّا علمت، ويجعل الشّريعة حيّة في ضمير الأمّة وفي حياتها.
وثانيهما: هو قضيّته الشّخصيّة في معاناته لمشاكل مجتمعه الدّاخليّة والخارجيّة في قضايا السّياسة والفكر.
فقد كان الإمام يواجه في مجتمعه حالة شاذّة، لا يمكن علاجها والتغلّب عليها إِلاّ بأنْ يجعل كلّ فردٍ بالغٍ في المجتمع - والنّخبة من المجتمع بوجه خاص - من قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، في كلّ موقف تدعو الحاجة إليهما، وخاصّة في المواقف الخطيرة، قضيّة التزام شخصي واعٍ وصارم.
لقد شكا الإمام كثيراً من النّخبة في مجتمعه، وأدان هذه النّخبة بأنّها نخبة فاسدة في الغالب؛ لأنّها لم تلتزم بقضيّة شعبها ووطنها، وإنّما تخلّت عن هذه القضيّة سعياً وراء آمال شخصيّة وغير أخلاقيّة...
أكثر من هذا: لقد اتّهم الإمام هذه النخبة مراراً بأنّها خائنة، ومن مظاهر عدم التزامها بقضيّة شعبها أو خيانته هو تخلِّيها الّذي لا مبرّر له عن ممارسة واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإذ يئس الإمام من التّأثير الفعّال في هذه النّخبة فقد توجّه بشكواه رأساً إلى عامّة الشّعب محاوِلاً أنْ يحرّكه في اتّجاه الالتزام العملي بقضيّته العادلة، موجِّهاً وَعْيه نحو الأخطار المستقبليّة، محذِّراً له من تطلّعات نخبته.
نجد هذا التّوجّه نحو عامّة الشعب مباشرة ظاهراً في الخطبة القاصعة الّتي تضمّنت ألواناً من التّحذير، النّابض بالغضب، من السقوط في حبائل النّخبة.
وكانت قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر - فيما يبدو - والتراخي أو اللامبالاة الّتي تُظهِرها النّخبة نحو هذه القضيّة إحدى أشدّ القضايا إلحاحاً على ذِهْن الإمام، وأكثرها خطورة في وَعْيه.
وكان أسلوب التّنظير بالتاريخ إحدى الوسائل الّتي استعملها الإمام في تحذيره لشعبه وفي تعليمه الفكري لهذه الفريضة.
لقد كانت شكواه وتحذيراته المُتْرَعَة بالمرارة والألم، نتيجةً لمعاناته اليوميّة القاسية من مجتمعه بوجه عام، ومِن نخبة هذا المجتمع بوجه خاص.
ولا بدّ أنّ هؤلاء وأولئك قد سمعوا من الإمام مراراً كثيرة مثل الشّكوى التّالية الّتي قالها في أثناء كلام له عن صفة مَن يتصدّى للحكم بين الأمّة وليس لذلك بأهل: إلى اللّه أشكُو مِن معشر يعيشُون جُهّالاً ويمُوتُون ضُلالاً ليس فيهم سِلعة أَبْوَرُ(3) مِن الكتاب إذا تُلي حقَّ تلاوتهِ، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً مِن الكِتاب إذا حُرِّف عن مواضعهِ، ولا عندهُم أنكر من المعرُوف ولا أعرفُ من المُنكرِ (4).
كان النّهج الّذي سار عليه الإمام في حِكَمِهِ نهج الإسلام الّذي يستجيب لحاجات عامّة النّاس في الكرامة، والرّخاء، والحرّيّة.
وكان هذا النّهج يتعارض - بطبيعة الحال - مع مصلحة طبقة الأعيان وزعماء القبائل الّذِين اعتادوا على الاستماع بجملة من الامتيازات في العهد السّابق على خلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وقد كان لهذه الطّبقة ذات الامتيازات أعظم الأثر في الحيلولة بشتّى الأساليب دون تسلّم الإمام للسّلطة، في الفرص الّتي مرّت بعد وفاة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، وبعد وفاة أبي بكر، وبعد وفاة عمر، ولكنَّه بعد وفاة عثمان تسلّم السلطة على كراهية منه لها، وعلى كراهية من النّخبة له، فقد قبلتْ به مُرْغَمَةً؛ لأنّ الضغط الذي مارستْه الأكثريّة الساحقة من المسلمين في شتّى حواضر الإسلام شلّ قدرة النّخبة الماليّة وطبقة الأعيان على التأثير في سير الأحداث، فتكيّفتْ مع الوضع الجديد الّذي وضع الإمام عليّاً - بعد انتظار طويل - على رأس السّلطة الفعليّة في دولة الخلافة.
وقد كشفت الأحداث الّتي ولدت فيما بعد عن أنّ هذا التكيّف كان مرحليّاً، رجاء أنْ تحتال في المستقبل - بطريقة ما - لتأمين مصالحها وامتيازاتها.
وحين يئستْ طبقة الأعيان هذه من إمكان التّأثير على الإمام وتبدّدتْ أحلامهم في تغيير نَهْجه في الإدارة وسياسة المال وتصنيف الجماعات، تغييراً ينسجم مع مصالحهم فيحفظ لها مراكزها القديمة، ويبوِّئها مراكز جديدة ويمدّها بالمزيد مِن القوّة والسّلطات على القبائل والموالي من سكّان المدن والأرياف... حين يئستْ هذه الطّبقة من كلّ هذا وانقطع أملها.. طمع كثير من أفراد هذه الطّبقة بتطلّعاته إلى الشّام ومعاوية بن أبي سفيان، فقد رأوا في نهجه وأسلوبه في التّعامل مع أمثالهم ما يتّفق مع فَهْمهم ومصالحهم... وتخاذل بعض أفرادها عن القيام بواجباتهم العسكريّة في مواجهة النشاط العسكري المتزايد الّذي قام به الخارجون عن الشّرعية في الشّام، هذا النّشاط الّذي اتّخذ في النّهاية طابع الغارات السّريعة وحروب العصابات.
___________________
1 - نهج البلاغة: رقم الخطبة: 156.
2 - نهج البلاغة: باب الحكم / رقم النّص: 374.
3 - أَبْوَر: على وزن أَفْعَل، من البور: الفاسد . بار الشيء: أي فسد، وبارتْ السّلعة: أي كسدتْ ولم تُنْفَق، وهذا هو المراد هنا: أنّ العمل الحق بالقرآن كاسد لا يقبله الناس ولا يتعاملون معه.
4 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 17.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|