التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) عليّاً مصدرٌ آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.

فقد استفاضتْ الروايات الّتي نقلها المحدّثون، وكُتّاب السيرة، والمؤرِّخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات بل تواترتْ إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قد خصّ أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.

فمِن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس: (وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب (عليه السلام) تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَأيمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ)(1).

وما رُوِي عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله): (عَلِيٌّ عَيبَةُ عِلْمِي)(2).

وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ؟ قالَ: (عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ)(3).

وقال الإمام عليه السّلام: (عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ (صلّى الله عليه وآله) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابٍ يَفتَحُ ألفَ بابٍ)(4).

وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:

1 - (... بَلِ انْدَمَجْتُ(5) عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَو بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ(6) الْبِعيدَةِ)(7).

2 - (وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...)(8).

3 - (... لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ(9) عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ(10) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ)(11).

4 - ( يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ)(12).

وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيِّبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلقٌ يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) على بعض المعلومات المتعلِّقة بالمستقبل، فمن المرجّح أنّه قد اطّلع منه على علم الماضي.

____________________

1 - أُسد الغابة 4 / 22 . والاستيعاب: 2 / 462.

2 - كنز العمال 6 / 153 . وفتح القدير: 4 / 456.

3 - تاريخ بغداد: 4 / 158.

4 - كنز العمال: 6 / 392.

5 - اندمجتُ: انطويتُ، كناية عن معرفته بأمور خاصّة جدّاً.

6 - الأرْشِية: جمع رشاء، الحبل. والطّويّ: جمع طوية وهي البئر.

7 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 5.

8 - نهج البلاغة: الخطبة رقم: 16.

9 - طُوي: حُجب عِلمُه عَنكُمْ.

10 - الصِّعُدات: جمع صَعيد . يُريدُ: لَذهبتْ عنكم الدّعةُ والاستقرار في منازِلكم وخرجتُم مِنها قلقينَ على مَصيرِكم.

11 - نهج البلاغة: رقم الخطبة: 116.

12- نهج البلاغة: رقم الخطبة: 128.