أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2017
3408
التاريخ: 7-6-2017
3181
التاريخ: 7-6-2017
2712
التاريخ: 23-12-2015
3784
|
وتوقف الشيخ ابو معاذ عن الكلام ومسح بكمه قطرات من العرق انتثرت على جبينه، ثم غام في هدوء عارض لم يطاول أكثر من لحظات بعدها عاود الحديث، وقد أشرق وجهه: كان يوم بدر عظيماً، فقد تجلت فيه البسالة الهاشمية والبطولة الرائعة، ابو عمارة يجول ويصول، لم يرجع سيفه خائباً يغمده في صدر ذاك، ويجندل ذلك، ويصيح بأعلى صوته: أين ابن ابي طالب، أين ابن أخي؟ فيجيبه علي من وسط المعركة: ملتقانا آخر الجيش، ويفريان الحشد المتراكم أمامهما، هذا من جانب، وذاك من جانب، وهما يكبران، حتى يلتقيا في مؤخرته، وأسيافهما تقطر دماً.
ويحث حمزة المسلمين على القتال، وهو يصيح: قال رسول اللّه: والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله اللّه الجنة..
ثم أردف الشيخ ابو معاذ، بعد صمت قليل استرد أنفاسه في خلاله: وكنا قد اجتمعنا يوماً في مسجد الرسول نستعرض بدراً وميدانها، فكان الأصحاب يتبارون في ذكر من قتل بسيف حمزة، وعلي بن ابي طالب، وكيف جندلاً الأبطال، وهدّا العمالقة، حتى استغاثت قريشاً من بطولتي: أسد اللّه ورسوله وفتى ابي طالب، وما أوقعا فيها من خسائر فادحة.
وبقي هذا الخزي يلاحق قريش وأعوانها، وكان طعم الهزيمة علقماً، وثقل الخسارة مجهداً يقض المشركين في ليلهم ونهارهم. وصمموا على الثأر، تصميم الموتور، وإصرار المغبون وكان التجاوب فيما بينهم - وخاصة قريش - مساعداً لجمع فلولهم، وكيف لا تكون كذلك، وكل قبيلة أصابها ما أصابها من عار الخسارة الشنعاء عاراً لا يشابهه عار، وخسارة لا تضاهيها خسارة.. ولم يطفأ لهب قريش، ولم يكشف حزنها إلا قتل أحد الثلاثة: محمد، وحمزة، وعلي.
ودارت رحى الحرب بين المسلمين والمشركين حامية في (أُحد) تارة على المسلمين، وأُخرى على المشركين، كر وفر..
وأبو سفيان يجول في وسط أصحابه يذكرهم بعار (بدر) وقتلاهم، فيها ومجدهم المندثر، ويصرخ ملء شدقيه: لا بدَّ من جولة تطيح فيها الرؤوس، وتزهق بها الأرواح، وتعتلي السيوف القمم، عند ذاك أما: الثأر أو الموت..
وكل موتور يتصيد واتره، لعله يخفف من حزنه بما أُصيب.
وكان جبير بن مطعم موتوراً من حمزة بقتله عمه طعيم بن عدي يوم بدر، وكانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان موتورة من حمزة بقتله عمها يوم بدر، وهناك البيوتات الكثيرة من قريش وغير قريش موتورة من علي، وحمزة.
ويوم عزمت قريش على الخروج لقتال المسلمين عاهد جبير بن مطعم عبده وحشي - وكان عبداً قوياً - إذا قتل حمزة فقد عتقه..
ومالت اليه هند بنت عتبة تمنيه وترغبه على ذلك، وهي لا تقل عن صاحبها جبير حقداً وغيظاً، كما لا تتضاءل عنه سخاءً وكرماً، تقول له: نفذ ما قاله لك سيدك، ولك مني ما تريد وكررتها ثلاثاً.
قال العبد: سأبذل قصارى جهدي، فإن مت خلصت من حياة الرق، وإن فزت تحررت، وفي كلا الأمرين لي خلاص..
ودقت طبول الحرب، المشركون بعدتهم وأبطالهم، والمسلمون بعددهم القليل، وعدتهم الضئيلة.
وعين وحشي ترقب حركات البطل وتنقله بين الصفوف وهو مثل الجمل الأورق(1)، يحصد المحاربين بسيفه، ويتمايل الأبطال عن طريقه، تخشى بطشه، وتخاف بأسه، فلم يخرج اليه مبارز إلا ولاقى مصرعه، ولم يتصدَّ له أحد إلا وعاد مهزوماً أسد اللّه، وأسد رسوله كرّار غير فرّار.
يقول وحشي: كنت أتهيأ له، اريده، وأستتر منه بشجرة او حجر ليدنو مني، وأنتظر اللحظة التي أرميه فيها بحربتي.
والفارس المغوار في غفلة عن عدوه، لا يلتفت، ولا يعرف من أمره شيئاً، حتى إذا ما قرب منه، اندفع اليه، ورماه بحربته، فأصابت منه مقتلاً، ووقع صريعاً ، ولما تأكد من موته ذهب اليه، وأخرج حربته، وجرى مسرعاً لجبير يبشره ليملك حريته، ويخبر هنداً فيتمنى عليها ما يريد.
وسرى الخبر يمض في قلوب المسلمين، ويبعث السرور في نفوس المشركين، هذا حمزة بطل الاسلام، وأسد اللّه، وساعد محمد، مجندَل في الميدان، يا لفرحة الشامتين..
وخفت أوار الحرب، وطافت نساء مكة بين القتلى تسبقهن هند، وهن يرقصن فرحاً، ويجدعن أُنوف قتلى المسلمين، ويبقرن بطونهم، ويقطعن آذانهم.
ولم يشفِ غليل هند كل هذا، أين حمزة؟ فقد أخبرها وحشي بأمره، وإنها لتخوض في الدماء والجثث إذ تعثر بحمزة وهو يتوسد التراب.
أصحيح أن بطل الهاشميين صريع في الميدان؟ إنه بغيتها وتجلس على صدره - وفرحتها تكاد تقضي عليها - بماذا تبدأ وكيف تعمل؟ تقطع أوصاله، لا لا يهدأ خاطرها، تسمل عينيه، لا يطفئ لهب حقدها، تقطع لسانه، لم يجدها أكثر من هذا تريد لتستخرج كبده فتأكله وفعلت، ولكن لم تتمكن من أكله، لفظته مقهورة، جازعة، ثم لتعمل قلادة من أجزائه: أنفه، اذنيه، لسانه، عينيه، ثم بقرت بطنه، وقطعت أوصاله ، ولم يبقَ لديها ما تفعله، فتركته وهي تتهادى نشوانة بفعلتها حتى قال المشاهدون عنه: ما مُثل بأحد كما مثل بحمزة..
وانسابت دموع الشيخ أبي معاذ، فأمسك عن الكلام قليلاً كي يمسح ما علق في أجفانه من حبات الوفاء، فقد تذكر الشيخ المنظر المروع، فهاجت أحزانه، وضايقته عبرته، ثم عاد بعد هنيهة يواصل حديثه: واستقبل أبو سفيان زوجته وهي ترقص، وفي صدرها قلادة من أعضاء إنسان، والتفت الرجل لزوجته متسائلاً فأخبرته فضحك ضحكة طويلة، وصاح: أين تركتيه؟ قالت: على مقربة من العين.
وانطلق يعدو، ولا يدري كيف يطوي طريقه، حتى وقف عليه وشاهده مقطعاً، ولم يكتف بذلك بل أخذ يمزق شدقي الصريع برمحه وهو يضحك، فمر عليه أحد الاعراب، ورآه في موقفه المخزي، فقال لصاحبه، أنظر يا أبا عروة سيد بني عبد شمس يصنع بإبن عمه ما ترى، إنه يجهز على ميت.
فالتفت اليه أبو سفيان قائلاً: ويحك اكتمها عني، ولا تفضحني عند العرب.
كان منظر حمزة، وهو مقطع الأوصال، أوجع منظر أثر في قلب النبي، ثم سجاه بغطاء، وقسم من حشيش الأرض.
ومع كل ما أصابه من حزن في هذا الموقف الدقيق، فقد أبّن بطل الاسلام بقوله - وهو يصارع احزانه - : رحمك اللّه يا عم، فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، فو اللّه لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين منهم .
إنها الحميّة والثأر دفعت بالرسول الأعظم ان يتعهد بهذا الثأر لعمه المؤمن الشهيد، بعد ان هزَّه الموقف هزاً . لكن اللّه سبحانه أراد غير ذلك، فقد نزلت الآية الكريمة: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ .. } [النحل: 126، 127].
وهكذا انتهت حياة بطل الاسلام حمزة بن عبد المطلب صفحة مشرقة تنير للأجيال دروب العقيدة والكفاح، والصمود والبطولة...
___________________________
(1) هكذا وصفه وحشي: ويريد بالجمل الأورق، الذي لونه بين الغبرة والسواد، سماه كذلك لما عليه من الغبار.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|