المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

النهي عن كتابة القرآن بالذهب
14-8-2021
حق المؤمن
2023-03-23
ما تعليقكم على هذ البيان ؟
22-1-2021
ترجمة أبي يحيى البلوي
2024-05-28
تفرع الساق Branching of stems
16-2-2017
دائرة أُتوداينية autodyne circuit
6-12-2017


تفسير آية (82-86) من سورة المائدة  
  
10057   05:12 مساءً   التاريخ: 18-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة : 82 - 86].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة : 82 - 84] .

ذكر تعالى معاداة اليهود للمسلمين فقال : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} وصف اليهود والمشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين ، لان اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين ، مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى والتوراة التي أتى بها ، فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم وكتابهم ، أقرب وإنما فعلوا ذلك حسدا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يعني الذين قدمنا ذكرهم من النجاشي ملك الحبشة ، وأصحابه ، عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطا ، والسدي ، والذين جاؤوا مع جعفر مسلمين ، عن مجاهد {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ} أي : من النصارى {قِسِّيسِينَ} أي : عبادا ، عن ابن زيد . وقيل : علماء ، عن قطرب . وقيل : إن النصارى ضيعت الإنجيل ، وأدخلوا فيه ما ليس فيه ، وبقي من علمائهم واحد على الحق والاستقامة ، فهو قسيسا ، فمن كان على هداه ودينه فهو قسيس .

{وَرُهْبَانًا} أي : أصحاب الصوامع {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} معناه : أن هؤلاء النصارى الذين آمنوا ، لا يستكبرون عن اتباع الحق ، والانقياد له ، كما استكبر اليهود وعباد الأوثان ، وأنفوا عن قبول الحق . أخبر الله تعالى في هذه الآية عن عداوة مجاوري النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود ، ومودة النجاشي وأصحابه الذين أسلموا معه من الحبشة ، لان الهجرة كانت إلى المدينة ، وبها اليهود ، وإلى الحبشة ، وبها النجاشي وأصحابه ، ثم وصفهم فقال : {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} من القرآن {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} أي : لمعرفتهم بأن المتلو عليهم كلام الله ، وأنه حق {يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا} أي : صدقنا بأنه كلامك أنزلته على نبيك {فَاكْتُبْنَا} أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودون . وقيل : فاكتبنا في أم الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ {مَعَ الشَّاهِدِينَ} أي : مع محمد وأمته الذين يشهدون بالحق ، عن ابن عباس . وقيل : مع الذين يشهدون بالإيمان ، عن الحسن . وقيل : مع الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك ، عن الجبائي .

{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ} معناه : لأي عذر لا نؤمن بالله ؟

وهذا جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا لهم : لم آمنتم ، عن الزجاج . وقيل : إنهم قدروا في أنفسهم كأن سائلا سألهم عنه ، فأجابوا بذلك . والحق : هو القرآن والإسلام ، ووصفه بالمجيء مجازا ، كما يقال : نزل ، وإنما نزل به الملك ، فكذلك جاء به الملك . وقيل : إن جاء بمعنى حدث نحو قوله : {جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} . {وَنَطْمَعُ} أي : نرجو ونأمل {أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا} يعني في الجنة لإيماننا بالحق ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، {مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} المؤمنين من أمة محمد .

{ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ {85} وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة : 85 - 86] .

{فَأَثَابَهُمُ} أي : جازاهم {اللَّهُ بِمَا قَالُوا} أي : بالتوحيد ، عن الكلبي . وعلى هذا فإنما علق الثواب بمجرد القول ، لأنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوه ، وهو المعرفة في قوله : {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} والبكاء المؤذن بحقيقة الإخلاص ، واستكانة القلب ومعرفته ، والقول إذا اقترن به المعرفة والإخلاص ، فهو الإيمان الحقيقي الموعود عليه الثواب . وقيل : إن المراد بما قالوا : ما سألوا ، يعني قوله {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا} الآية ، عن عطاء ، عن ابن عباس . وعلى هذا فيكون القول معناه المسألة للجنة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} مر تفسيره {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} أي : المؤمنين ، عن الكلبي ، والموحدين ، عن ابن عباس {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} لما ذكر سبحانه الوعد لمؤمنيهم ، ذكر الوعيد لمن كفر منهم ، وكذب ، وأطلق اللفظ به ، ليكون لهم ولمن جرى مجراهم في الكفر ، وإنما شرط في الوعيد على الكفر التكذيب بالآيات ، وإن كان كل منهما يستحق به العقاب ، لأن صفة الكفار من أهل الكتاب ، أنهم يكذبون بالآيات ، فلم يصح ههنا ، أو كذبوا ، لأنهم جمعوا الأمرين ، وليس من شرط المكذب أن يكون عالما ، بأن ما كذب به صحيح ، بل إذا اعتقد أن الخبر كذب سمي مكذبا ، وإن لم يعلم أنه كذب ، وإنما يستحق به الذم لأنه جعل له طريق إلى أن يعلم صحة ما كذب به .

____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 401-403 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا} . أي إن اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للمسلمين . . وكثيرا ما يستشهد بهذه الآية على أن دين النصارى أقرب إلى الإسلام من دين اليهود . . وهذا خطأ إن أريد دين اليهود والنصارى قبل التحريف ، لأن الدين عند اللَّه وأنبيائه واحد من حيث العقيدة وأصولها ، وان أريد دينهما بعد التحريف فهما فيه سواء : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ومَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران - 19] .

والصحيح ان عداوة اليهود والمشركين تتصل اتصالا وثيقا بالتصادم بين طبيعة الدعوة الإسلامية ، وطبيعة النظام الذي كان سائدا في جزيرة العرب أول البعثة . . كان هذا النظام يقوم على أساس التسابق لاقتناء المال والعبيد عن طريق السلب والنهب ، والربا والغش ، وما إليه من أسباب القهر والمكر ، وقد انعكست طبيعة هذا النظام على الكبار من مشركي مكة الذين كانوا يسيطرون على التجارة الخارجية ، كما انعكست على زعماء اليهود في المدينة الذين كانوا يسيطرون على الصناعة والتجارة الداخلية .

وانطلقت دعوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) تنادي بالعدل ، وترفض الظلم والاستغلال بشتى صوره وأشكاله ، وتصدت للمستغلين من اليهود والمشركين بالذات ، وعلى هذا الصعيد التقت مصلحة الطرفين ، وتحالفوا على ما بينهما من التباعد في الدين والعقيدة ، تحالفوا وتكاتفوا يدا واحدة على حرب محمد ( صلى الله عليه وآله ) العدو المشترك . .

وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا} .

وبتعبير أوضح ان عداوة اليهود والمشركين للمسلمين كانت بدافع دنيوي ، لا بدافع ديني ، ولكن تستر اليهود باسم الدين رياء ونفاقا ، تماما كما يفعل اليوم أصحاب الكسب غير المشروع . . هذا ، إلى أن كلا من اليهود والمشركين يشتركون في العصبية الجنسية ، والحمية القومية . . ولكن مشركي العرب كانوا على جاهليتهم أرق قلبا ، وأكرم يدا ، وأكثر حرية في الفكر ، ومن هنا آمن أكثرهم برسول اللَّه (صلى الله عليه وآله ) ، وما آمن به من اليهود إلا قليل .

من هم أقرب مودة للمسلمين ؟

{ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى} . يتخذ البعض من هذه الآية وما بعدها مادة للتمويه بأن القرآن الكريم يرجح أحد المعسكرين المتطاحنين - في أيامنا هذه - على المعسكر الآخر . . وهذا ما يدعونا إلى أن نشرح هذه الآيات الأربع ، ونوضحها بما لا يترك مجالا لاستغلال الانتهازيين والمنحرفين .

ان من تأمل هذه الآيات لا يعتريه أدنى ريب بأنها متكاملة يتمم بعضها بعضا ، وانه لا يصح بحال أن تفسر واحدة منها مستقلة عن أخواتها ، وانها صريحة واضحة في ان اللَّه سبحانه لم يفاضل بين النصارى على وجه العموم ، وبين غيرهم من الطوائف في البعد أو القرب من المسلمين ، وإنما أراد سبحانه فئة خاصة من النصارى بدليل انه تعالى لم يقف عند القول : {ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْباناً وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} بل عقبه بقوله :

{وإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ} . ومعنى هذا ان من النصارى من عرفوا الإسلام ، ودخلوا فيه طوعا ، وعن قناعة وإيمان ، والتاريخ يثبت ذلك ، كما شهد التاريخ أيضا بالأحقاد الصليبية على الإسلام والمسلمين ، وبإبادتهم من الأندلس ، وبفظائع الإيطاليين في طرابلس الغرب ، والفرنسيين في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ، وبفظائع الانكليز في مصر والعراق والسودان وغيرها . .

واليوم تتحالف الولايات المتحدة مع اليهود على إبادة شعب فلسطين ، وتسلح هؤلاء القراصنة بأحدث الأسلحة فيعتدون ، ثم يزعمون انهم المعتدى عليهم فتدعم الولايات المتحدة هذا الزعم ، وتذب عنه بحماس في مجلس الأمن وهيئة الأمم ، ويهاجم اليهود ويبطشون ، ثم يدعون انهم معرضون للبطش والهجوم ، وتقول الولايات المتحدة : نعم هذا هو الصدق والعدل . . فهل بعد هذا ، وكثير غير هذا يقال : ان النصارى ، كل النصارى أقرب الناس مودة للمسلمين ؟ . ان مثل هذا لا يفوه به إلا جاهل أو مضلل ، ثم ما ذا يصنع هذا المضلل بقوله تعالى :

{وما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ ونَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} . ان الحق الذي جاءهم وآمنوا به هو الذي بشر به عيسى :

{ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف - 6] . ويؤكد هذا ، وينفي عنه كل ريب قوله تعالى بلا فاصل : {فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ} . فشهادة اللَّه لهذه الفئة من النصارى بالإحسان وجزاؤها بالجنان - دليل قاطع على إسلامها ، وانها هي وحدها المقصودة بوصف الإحسان والثواب عليه .

أما النصارى الذين أنكروا الحق بعد أن عرفوه ، أو أعرضوا عنه ، دون أن ينظروا إلى دلائله وبيناته ، أما هؤلاء فقد هددهم اللَّه سبحانه وتوعدهم بقوله :

{والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} . وتسأل : ان قوله :

{والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا} الخ يشمل كل من كفر وكذّب فما هو وجه التخصيص بالنصارى ؟ .

الجواب : ان سياق الكلام يدل على ان اللَّه سبحانه بعد أن وعد من آمن من النصارى بالجنة توعد من أصر على الكفر منهم بالنار ، وأطلق اللفظ ليشمل التهديد كل من خالف الحق وعانده ، وهذا لا يتنافى مع ما قلناه .

والخلاصة ان هذه الآيات صريحة في ان المقصود منها فئة خاصة من النصارى وهم الذين عرفوا الحق ، وآمنوا به ، وان اللَّه سبحانه قد أدخلهم الجنة بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم ، وإذا افترضنا - جدلا - ان قوله تعالى : {ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} الخ ) يشمل كل من قالوا إنا نصارى ، إذا افترضنا هذا فيجب أن نصرف الآية عن ظاهرها ، ونخصصها بمن آمن منهم لأمرين :

الأول : إن اللَّه سبحانه ذكر في العديد من آياته أن النصارى جعلوا للَّه شركاء ، وكتموا اسم محمد (صلى الله عليه وآله) عن علم ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم آلهة من دون اللَّه ، ثم نهى جل ثناؤه عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، وقال :

{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} . وإذا عطفنا هذه الآية وما إليها على قوله : { ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً } يكون المعنى ان النصارى {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ} كما جاء في الآية 67 من سورة المائدة .

الثاني : إن أهل التفاسير قالوا : إن الآيات التي نحن بصددها نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، وكان نصرانيا ، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما رأى ما حل بأصحابه من أذى المشركين في بدء الدعوة أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ، وقال لهم : إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد ، فذهبوا إليه ، وكان من بينهم جعفر بن أبي طالب ، فوجدوا عند النجاشي الأمان ، وحسن الجوار ، وكان ذلك في السنة الخامسة من مبعث الرسول (صلى الله عليه وآله) .

وقد تواترت الأخبار ان النجاشي وبطانته من رجال الدين والدنيا أسلموا على يد جعفر بن أبي طالب بعد أن تلا عليهم آيات من الذكر الحكيم ، وذكر محاسن الإسلام . وان أعينهم فاضت من الدمع عند ما سمعوا آيات اللَّه .

وبعد ، فإن من يستشهد بقوله تعالى : {ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} على أن النصرانية والنصارى بوجه عام أقرب من غيرهم إلى الإسلام والمسلمين ، ويسكت عن الآيات المتممة لهذه الآية ، ان من يفعل هذا فهو جاهل بكتاب اللَّه ، أو مراء يتزلف إلى النصارى على حساب الإسلام والقرآن ، أو خائن يسمم أفكار السذج من المسلمين ليصدقوا مزاعم أعداء الدين الذين يناصرون إسرائيل ويباركون عدوانها على العرب والمسلمين .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 114-117 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ـ إلى قوله ـ نَصارى} لما بين سبحانه في الآيات السابقة الرذائل المشتركة بين أهل الكتاب عامة ، وبعض ما يختص ببعضهم كقول اليهود : { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } وقول النصارى : { إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } ختم الآيات بما يختص به كل من الطائفين إذا قيس حالهم من المؤمنين ودينهم ، وأضاف إلى حالهم حال المشركين ليتم الكلام في وقع الإسلام من قلوب الأمم غير المسلمة من حيث قربهم وبعدهم من قبوله .

ويتم الكلام في أن النصارى أقرب تلك الأمم مودة للمسلمين وأسمع لدعوتهم الحقة .

وإنما عدهم الله سبحانه أقرب مودة للمسلمين لما وقع من إيمان طائفة منهم بالنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله كما يدل عليه قوله في الآية التالية : { وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ } ( إلخ ) ، لكن لو كان إيمان طائفة تصحح هذه النسبة إلى جميعهم كان من الواجب أن تعد اليهود والمشركون كمثل النصارى وينسب إليهما نظير ما نسب إليهم لمكان إسلام طائفة من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه ، وإسلام عدة من مشركي العرب وهم عامة المسلمين اليوم فتخصيص النصارى بمثل قوله : { وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ } { إلخ } ، دون اليهود والمشركين يدل على حسن إقبالهم على الدعوة الإسلامية وإجابة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله مع أنهم على خيار بين أن يقيموا على دينهم ويؤدوا الجزية ، وبين أن يقبلوا الإسلام ، أو يحاربوا .

وهذا بخلاف المشركين فإنهم لم يكن يقبل منهم إلا قبول الدعوة فكثرة المؤمنين منهم لا يدل على حسن الإجابة ، على ما كابد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله من جفوتهم ولقاه المسلمون من أيديهم بقسوتهم ونخوتهم.

وكذلك اليهود وإن كانوا كالنصارى في إمكان إقامتهم على دينهم وتأدية الجزية إلى المسلمين لكنهم تمادوا في نخوتهم ، وتصلبوا في عصبيتهم ، وأخذوا بالمكر والمكيدة ، ونقضوا عهودهم ، وتربصوا الدوائر على المسلمين ، ومسوهم بأمر المس وآلمه.

وهذا الذي جرى من أمر النصارى مع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله والدعوة الإسلامية ، وحسن إجابتهم ، وكذا من أمر اليهود والمشركين في التمادي على الاستكبار والعصبية جرى بعينه بعده صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله على حذو ما جرى في عهده فما أكثر من لبى الدعوة الإسلامية من فرق النصارى خلال القرون الماضية ، وما أقل ذلك من اليهود والوثنيين ! فاحتفاظ هذه الخصيصة في هؤلاء وهؤلاء يصدق الكتاب العزيز في ما أفاده .

ومن المعلوم أن قوله تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا } من قبيل بيان الضابط العام في صورة خطاب خاص نظير ما مر في الآيات السابقة : { تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } و { تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ }.

قوله تعالى : { ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ } القسيس معرب { كشيش } والرهبان جمع الراهب وقد يكون مفردا ، قال الراغب : الرهبة والرهب مخافة مع تحرز ـ إلى أن قال ـ والترهب التعبد ، والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة ، قال تعالى : { وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها } والرهبان يكون واحدا وجمعا فمن جعله واحدا جمعه على رهابين ، انتهى .

علل تعالى ما ذكره من كون النصارى أقرب مودة وآنس قلوبا للذين آمنوا بخصال ثلاث يفقدها غيرهم من اليهود والمشركين ، وهي أن فيهم علماء وأن فيهم رهبانا وزهادا ، وأنهم لا يستكبرون وذلك مفتاح تهيؤهم للسعادة.

وذلك أن سعادة حياة الدين أن تقوم بصالح العمل عن علم به ، وإن شئت فقل : إن يذعن بالحق فيطبق عمله عليه ؛ فله حاجة إلى العلم ليدرك به حق الدين وهو دين الحق ، ومجرد إدراك الحق لا يكفي للتهيؤ للعمل على طبقه حتى ينتزع الإنسان من نفسه الهيئة المانعة عنه ، وهو الاستكبار عن الحق بعصبية وما يشابهها ، وإذا تلبس الإنسان بالعلم النافع والنصفة في جنب الحق برفع الاستكبار تهيأ للخضوع للحق بالعمل به لكن بشرط عدم منافاة الجو لذلك فإن لموافقة الجو للعمل تأثيرا عظيما في باب الأعمال فإن الأعمال التي يعتورها عامة المجتمع وينمو عليها أفراده ، وتستقر عليهم عادتهم خلفا عن سلف لا يبقى للنفس فراغ أن تتفكر في أمرها أو تتدبر وتدبر في التخلص عنها إذا كانت ضارة مفسدة للسعادة ، وكذلك الحال في الأعمال الصالحة إذا استقر التلبس بها في مجتمع يصعب على النفس تركها ، ولذا قيل : إن العادة طبيعة ثانية ، ولذا كان أيضا أول فعل مخالف حرجا على النفس في الغاية وهو عند النفس دليل على الإمكان ، ثم لا يزال كلما تحقق فعل زاد في سهولة التحقق ونقص بقدره من صعوبته.

فإذا تحقق الإنسان أن عملا كذا حق صالح ونزع عن نفسه أغراض العناد واللجاج بإماتة الاستكبار والاستعلاء على الحق كان من العون كل العون على إتيانه أن يرى إنسانا يرتكبه فتتلقى نفسه إمكان العمل.

ومن هنا يظهر أن المجتمع إنما يتهيأ لقبول الحق إذا اشتمل على علماء يعلمونه ويعلمونه ، وعلى رجال يقومون بالعمل به حتى يذعن العامة بإمكان العمل ويشاهدوا حسنه ، وعلى اعتياد عامتهم على الخضوع للحق وعدم الاستكبار عنه إذا انكشف لهم .

ولهذا علل الله سبحانه قرب النصارى من قبول الدعوة الحقة الدينية بأن فيهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ؛ ففيهم علماء لا يزالون يذكرونهم مقام الحق ومعارف الدين قولا ، وفيهم زهاد يذكرونهم عظمة ربهم وأهمية سعادتهم الأخروية والدنيوية عملا ، وفيهم عدم الاستكبار عن قبول الحق .

وأما اليهود فإنهم وإن كان فيهم أحبار علماء لكنهم مستكبرون لا تدعهم رذيلة العناد والاستعلاء أن يتهيئوا لقبول الحق .

وأما الذين أشركوا فإنهم يفقدون العلماء والزهاد ، وفيهم رذيلة الاستكبار .

قوله تعالى : { وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ } { إلخ } ، فاضت العين بالدمع سال دمعها بكثرة ، و (مِنَ) في قوله : { مِنَ الدَّمْعِ } للابتداء ، وفي قوله : { مِمَّا } للنشوء ، وفي قوله : { مِنَ الْحَقِّ } بيانية.

قوله تعالى : { وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ } ( إلخ ) ، لفظة { يُدْخِلَنا } كأنها مضمنة معنى الجعل ، ولذلك عدي بمع ، والمعنى : يجعلنا ربنا مع القوم الصالحين مدخلا لنا فيهم .

وفي هذه الأفعال والأقوال التي حكاها الله تعالى عنهم تصديق ما ذكره عنهم أنهم أقرب مودة للذين آمنوا ، وتحقيق أن فيهم العلم النافع والعمل الصالح والخضوع للحق حيث كان فيهم قسيسون ورهبان وهم لا يستكبرون.

قوله تعالى : { فَأَثابَهُمُ اللهُ } إلى آخر الآيتين ، { الإثابة } المجازاة ، والآية الأولى ذكر جزائهم ، والآية الثانية فيها ذكر جزاء من خالفهم على طريق المقابلة استيفاء للأقسام .

________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 67-68 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 حقد اليهود ومودّة النصارى :

تقارن هذه الآيات بين اليهود والنصارى الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

في الآية الأولى وضع اليهود والمشركون في طرف واحد والمسيحيون في طرف آخر : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى}.

يشهد تاريخ الإسلام ، بجلاء على هذه الحقيقة ، ففي كثير من الحروب التي أثيرت ضد المسلمين كان لليهود ضلع فيها ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولم يتورعوا عن التوسل بأية وسيلة للتآمر ، وقليل منهم اعتنق الإسلام ، ولكننا قلّما نجد المسلمين يواجهون المسيحيين في غزواتهم ، كما أنّ الكثيرين منهم التحقوا بصفوف المسلمين.

ثمّ يعزوا القرآن هذا الاختلاف في السلوك الفردي والاجتماعي إلى وجود خصائص في المسيحيين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن موجودة في اليهود : فأوّلا كان بينهم نفر من  العلماء لم يسعوا ـ كما فعل علماء اليهود ـ إلى إخفاء الحقائق {ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} (2) .

ثمّ كان منهم جمع من الزهاد الذين تركوا الدنيا ، وهي النقطة المناقضة لما ـ كان يفعله بخلاء اليهود الجشعين.

وعلى الرغم من كلّ انحرافاتهم كانوا على مستوى أرفع بكثير من مستوى اليهود : «ورهبانا».

وكثير منهم كانوا يخضعون للحق ، ولم يتكبروا ، في حين كان معظم اليهود يرون أنّهم عنصر أرفع ، فرفضوا قبول الإسلام الذي لم يأت على يد عنصر يهودي : {وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}.

ثمّ إنّ نفرا منهم كانوا إذا استمعوا لآيات من القرآن تنحدر دموعهم مثل من صحب جعفر من الأحباش لأنّهم يعرفون الحقّ إذا سمعوه : {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ} .

فكانوا ينادون بكل صراحة وشجاعة ، {يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ} .

لقد كان تأثرهم بالآيات القرآنية من الشدة بحيث أنّهم كانوا يقولون : {وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} .

سبق أن قلنا إنّ هذه المقارنة كانت بين اليهود والنصارى المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فاليهود ـ وإن كانوا من أصحاب الكتب السماوية ـ بلغت شدة تعلقهم بالمادة وحبّهم لها أن انخرطوا في سلك المشركين الذين لم يكن يربطهم  بهم أي وجه شبه مشترك ، مع أن اليهود في البداية كانوا من المبشرين بمجيء الإسلام ولم تكن قد دخلتهم انحرافات كالتثليث والغلو اللذين كانا عند المسيحيين ، غير أن حبّهم للدنيا حبّ عبادة قد أبعدهم عن الحقّ ، بينما معاصروهم المسيحيون لم يكونوا على هذه المشاكلة.

إلّا أنّ التّأريخ القديم والمعاصر يقول لنا : أنّ المسيحيين في القرون التي أعقبت ذلك قد ارتكبوا بحق الإسلام والمسلمين جرائم لا تقل عمّا فعله اليهود في هذا المجال.

إنّ الحروب الصليبية الطّويلة والدّموية في القرون الماضية ، والاستفزازات الكثيرة التي يقوم بها الاستعمار ضد الإسلام والمسلمين اليوم غير خافية على أحد ، لذلك ليس لنا أن نأخذ الآيات المذكورة مأخذ قانون عام بالنسبة لجميع المسيحيين ، بل إنّ الآية : {إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ...} وما بعدها دليل على إنّها نزلت بحق جمع من المسيحيين الذين كانوا يعاصرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

الآيتان الأخيرتان فيهما إشارة إلى مصير هاتين الطائفتين وإلى عقابهما وثوابهما ، أولئك الذين أظهروا المودة للمؤمنين وخضعوا لآيات الله وأظهروا إيمانهم بكل شجاعة وصراحة : {فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ} (3).

وأمّا أولئك الذين ساروا في طريق العداء والعناد فتقول الآية عنهم : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} .

_________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 612-613 .

2. «القسيس» تعريب لكلمة سريانية تعني الزعيم والموجه الديني عند المسيحيين .

3.  «أثابهم» من الثواب ، وهي في الأصل بمعنى العودة وما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .