x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية (54) من سورة المائدة
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
16-10-2017
10812
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة : 54].
لما بين تعالى حال المنافقين ، وأنهم يتربصون الدوائر بالمؤمنين ، وعلم أن قوما منهم يرتدون بعد وفاته ، أعلم أن ذلك كائن ، وأنهم لا ينالون أمانيهم ، والله ينصر دينه بقوم لهم صفات مخصوصة ، تميزوا بها من بين العالمين ، فقال : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} أي : من يرجع منكم أي : من جملتكم ، إلى الكفر بعد إظهار الإيمان ، فلن يضر دين الله شيئا ، فإن الله لا يخلي دينه من أنصار يحمونه {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أي يحبهم الله ، ويحبون الله {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي : رحماء على المؤمنين ، غلاظ شداد على الكافرين ، وهو من الذل : الذي هو اللين ، لا من الذل الذي هو الهوان .
قال ابن عباس : " تراهم للمؤمنين كالولد لوالده ، وكالعبد لسيده ، وهم في الغلظة على الكافرين كالسبع على فريسته " . {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بالقتال لإعلاء كلمة الله ، وإعزاز دينه {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} فيما يأتون من الجهاد والطاعات .
واختلف فيمن وصف بهذه الأوصاف منهم ، فقيل : هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، عن الحسن ، وقتادة ، والضحاك . وقيل : هم الأنصار ، عن السدي .
وقيل : هم أهل اليمن ، عن مجاهد ، قال : قال رسول الله : " أتاكم أهل اليمن ، هم ألين قلوبا ، وأرق أفئدة ، الإيمان يماني ، والحكمة يمانية " . وقال عياض بن غنم الأشعري : " لما نزلت هذه الآية ، أومأ رسول الله إلى أبي موسى الأشعري ، فقال :
هم قوم هذا " . وقيل : إنهم الفرس .
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الآية ، فضرب بيده على عاتق سلمان ، فقال : " هذا وذووه " ، ثم قال : " لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس " وقيل : هم أمير المؤمنين علي عليه السلام وأصحابه ، حين قاتل من قاتله من الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، وروي ذلك عن عمار ، وحذيفة ، وابن عباس ، وهو المروي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليه السلام .
ويؤيد هذا القول أن النبي وصفه بهذه الصفات المذكورة في الآية ، فقال فيه ، وقد ندبه لفتح خيبر ، بعد أن رد عنها حامل الراية إليه ، مرة بعد أخرى ، وهو يجبن الناس ويجبنونه : " لأعطين الراية غدا رجلا ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده " ثم أعطاها إياه . فأما الوصف باللين على أهل الإيمان ، والشدة على الكفار ، والجهاد في سبيل الله ، مع أنه لا يخاف فيه لومة لائم ، فمما لا يمكن أحدا دفع علي عن استحقاق ذلك ، لما ظهر من شدته على أهل الشرك والكفر ، ونكايته فيهم ، ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ، ونصرة الدين ، والرأفة بالمؤمنين .
ويؤيد ذلك أيضا إنذار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا بقتال علي لهم من بعده ، حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة منهم ، فقالوا له : يا محمد ! إن أرقاءنا (2) لحقوا بك ، فأرددهم علينا . فقال رسول الله : لتنتهين يا معاشر قريش ، أو ليبعثن الله عليكم رجلا ، يضربكم على تأويل القرآن ، كما ضربتكم على تنزيله! فقال له بعض أصحابه : من هو يا رسول الله أبو بكر؟ قال : لا (3) . ولكنه خاصف النعل في الحجرة . وكان علي يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وروي عن علي أنه قال يوم البصرة : " والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم " وتلا هذه الآية . وروى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بالإسناد عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " يرد علي قوم من أصحابي يوم القيامة ، فيجلون عن الحوض (4) ، فأقول : يا رب أصحابي أصحابي ! فيقال : إنك لا علم لك بما أحدثوا من بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري " . وقيل : إن الآية عامة في كل من استجمع هذه الخصال إلى يوم القيامة . وذكر علي بن إبراهيم بن هاشم ، أنها نزلت في مهدي الأمة وأصحابه ، وأولها خطاب لمن ظلم آل محمد ، وقتلهم ، وغصبهم حقهم .
ويمكن أن ينصر هذا القول بأن قوله تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} يوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب ، فهو يتناول من يكون بعدهم بهذه الصفة إلى قيام الساعة . {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} أي : محبتهم لله ، ولين جانبهم للمؤمنين ، وشدتهم على الكافرين ، بفضل من الله ، وتوفيق ، ولطف منه ، ومنة من جهته {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي يعطيه من يعلم أنه محل له {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} أي : جواد لا يخاف نفاد ما عنده {عَلِيمٌ} بموضع جوده وعطائه ، فلا يبذله إلا لمن تقتضي الحكمة إعطاءه . وقيل : معناه واسع الرحمة {عَلِيمٌ} بمن يكون من أهلها .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 357-359 .
2 . جمع رقيق .
3 . [قال فعمر قال لا] .
4. أي ينفون ويطردون عنه .
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } . الارتداد هو الكفر بعد الإسلام . وذكرنا المرتد وتقسيمه إلى مرتد عن ملة وفطرة ، وحكم كل منهما عند تفسير الآية 217 من سورة البقرة ج 1 ص 325 . والنهي عن الارتداد بعد النهي عن موالاة أعداء الدين يشعر بأن هذه الموالاة قد تؤدي إلى الارتداد عن الإسلام . وفي الحديث : « لو ان راعيا رعى إلى جنب الحمى لم يثبت غنمه أن يقع في وسطه » .
وقال أهل السير والتاريخ : ان ثلاثة ارتدوا ، وادعوا النبوة على عهد رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) بعد أن آمنوا به . الأول الأسود العنسي ، تنبأ في اليمن ، وأخرج عمال رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) منها ، ولكنه قتل قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيوم واحد . الثاني مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، وكتب إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) : « من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه ، أما بعد فإني شريك معك في الأمر ، والأرض بيننا مناصفة » . وقتل في عهد أبي بكر . الثالث طلحة بن خويلد ، ادعى النبوة ، ثم عاد وأسلم .
أما سجاح فقد ادعت النبوة في خلافة أبي بكر ، وتزوجها مسيلمة . وقال أبو العلاء المعري في هذا الزواج :
أمست سجاح ووالاها مسيلمة * كذابة في بني الدنيا وكذاب
وتسأل : ان بعض الشيوخ لا تتوافر فيهم شروط المجتهد الذي عناه الإمام ( عليه السلام ) بقوله : « صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه » ومع ذلك يدعي النيابة عن المعصوم في الفتيا والقضاء ، وان الراد عليه راد على اللَّه ، فهل حكم هذا ، تماما ، كحكم مسيلمة الكذاب ، لأن كلا منهما يفتري على اللَّه كذبا ؟ .
الجواب : يكون بحكم مسيلمة الكذاب بشرطين : الأول أن يدعي النيابة عن المعصوم ، وهو يعلم بأنه مفتر كذاب ، وانه ليس أهلا لهذه الدعوى .
الشرط الثاني : أن لا يرى الاجتهاد والعدالة من الشروط الأساسية للنيابة عن المعصوم . مع علمه بأنهما واجبان بحكم البديهة الدينية . . وهذا الفرض بعيد جدا فإن من يدعي النيابة عن المعصوم يرى نفسه من أهل العدالة والاجتهاد ، حتى ولو لم يكن مطيعا لمولاه ، ومخالفا لهواه .
وليس من شك ان هذا يفترق عن مسيلمة الكذاب ، من حيث الارتداد ، ولكنه يلتقي معه من حيث الكذب والغرور . . وبديهة ان العلم والغرور ضدان لا يجتمعان ، تماما كالكذب والعدالة ، لأن الغرور يبعد صاحبه عن واقعه ، ويفصله عن نفسه ، وينتقل به إلى عالم الأوهام والأحلام ، ومن كان هذا شأنه فلا يهتدي إلى صواب .
{ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } . اختلف المفسرون فيمن هو المقصود بلفظ القوم . ونقل الرازي في ذلك ستة أقوال . . واللَّه سبحانه لم يعينهم بأسمائهم ، بل أشار إليهم بأوصافهم ، وعلى هذا فكل من تنطبق عليه الأوصاف الخمسة المذكورة في الآية فهو المقصود ، وهي :
1 - يحبهم ويحبونه ، وحب اللَّه لعبده أن يرفع من شأنه غدا ، وينعم عليه بالجنان والرضوان ، أما حب العبد للَّه فإنه لا ينفك أبدا عن حبه لعباد اللَّه ، تماما كما لا ينفك حب الحق عن حب العاملين به ، وكراهية الباطل عن كراهية أهله .
2 - أذلة على المؤمنين ، لأن التواضع للمؤمن المخلص تقديس وتكريم للإيمان والإخلاص ، لا للأفراد والأشخاص ، قال تعالى يخاطب نبيه العظيم : { واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء - 215] . . وبديهة انهم لم يستحقوا هذه الكرامة إلا بالإيمان والإخلاص للَّه ولرسوله .
3 - أعزة على الكافرين ، لأن الاستعلاء عليهم استعلاء للعقيدة والمبدأ ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح - 29] .
وترشدنا هذه الآية ، وآية { واخْفِضْ جَناحَكَ } إلى حقيقتين : الأولى كل من يتذلل للأغنياء والأقوياء الطغاة ، ويتعاظم على الفقراء المؤمنين فإنه ليس من الدين في شيء ، وان قام الليل ، وصام النهار . الحقيقة الثانية ان قيم الأخلاق في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها ، وان اللَّه سبحانه قد أمر بها من أجل الإنسان ، ولم يأمر الإنسان بها من أجلها . . ومن هنا كان التواضع للمتكبرين ضعة ، وللمتواضعين رفعة . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللَّه ، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على اللَّه .
4 - يجاهدون في سبيل اللَّه ، وكل عمل يسد حاجة ، أو يدفع ظلامة فهو جهاد في سبيل اللَّه . وفي الحديث : « إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان جالسا مع بعض أصحابه ، فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة ، فقالوا : ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل اللَّه . فقال : إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسألة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل اللَّه ، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل اللَّه ، وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان .
5 - لا يخافون لومة لائم ، لا يظهر الإيمان على حقيقته إلا عند المحنة ، فهي المحك الصحيح لإيمان المؤمن . . ينكر المنكر إرضاء لربه وضميره ، أما ما يصيبه من وراء ذلك فيهون ويزدري .
هذا هو شعار المخلصين : لا يخافون في الحق لومة لائم . أو كما قال نبي الرحمة : « إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي » . ولا مصدر لهذه المشاكل التي يعانيها عالم اليوم من حرب فيتنام إلى حرب الشرق الأوسط ، ومن الحكومة العنصرية في روديسيا وجنوب إفريقيا إلى مشكلة الملونين في الولايات المتحدة ، لا مصدر لهذه المآسي وما إليها إلا سكوت من سكت عن الحق في الصحف والإذاعات والأمم المتحدة ومجلس الأمن خوفا من ملوك الذهب الأسود وحماتهم المأجورين .
وبالتالي ، فإن قوله تعالى : { ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } يرسم صورة حية للمتدين ، وللأهداف التي يجب أن ينطلق إليها ، ويضحي من أجلها . . بقي هذا السؤال البسيط : هل يسوغ بعد هذا للقائل أن يقول : إن الدين مغيبات ، وصلاة أموات ! .
{ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ } . وقد رأينا بالحس والوجدان ان اللَّه سبحانه لا يشاء أن يمنح فضله إلا لمن سار وفق الأسباب والسنن التي أقام بها جلت حكمته نظام الكون بأسره . . ولو أراد منا أن نمشي بلا رجلين ، ونعمل بلا يدين ، ونبصر بلا عينين لكان في غنى عن خلق شيء منها : { وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [الفرقان - 2] .
مشكلة الأخلاق :
قال ( نيتشه ) فيلسوف الإنسان الأعلى : لا واقع لقيم الأخلاق ، فالحرية والعدالة والمساواة مجرد ألفاظ صنعها الضعفاء ليحدّوا بها من سيطرة الأقوياء .
وقال ماركس فيلسوف الثورة ضد الإنسان الأعلى : العكس هو الصحيح ، فالزهد والصبر والوداعة ألفاظ صنعها الأقوياء ليسيطروا بها على الضعفاء .
ومعنى هذا عند الاثنين ان ألفاظ القيم لا مصدر لها إلا الهوى والمصلحة الذاتية ، وما دام الهوى لا يتفق مع الإنسانية والمثل العليا فتكون ألفاظ القيم دجلا ونفاقا .
ونحن نؤمن بأن مصدر القيم هي المصلحة ، ولكنها المصلحة المنبثقة من طبيعة الإنسان بما هو إنسان ، لا بما هو طبقة من الطبقات ، وفئة من الفئات ، وليس من شك أن هذه المصلحة تتفق مع الإنسانية والمثل العليا ، بل هي هي ، ولذا سميت قيما إنسانية ، لا طبقية . وعليه يكون لها واقع ثابت بثبوت الإنسان نفسه . .
ولا ينفي هذا استغلال من يستغلها ، وتحريف من يحرّفها حسب أهوائه ومصلحته ، وإلا لم يصح تقسيم الناس إلى محق ومبطل يحرّف الكلم عن مواضعه ، وإلى مخلص ومنافق يتستر بشعار الصالحين . . هذا ، إلى أنه ليس في تاريخ الإنسان مجتمع واحد قال للفرد : افعل ما شئت ، فإنك غير مسؤول عن شيء قتلت أو سرقت .
أجل ، هناك مذاهب شتى لتحديد القيم الأخلاقية لا يتسع المقام لذكرها . .
والذي يهمنا أن نحددها كما هي في نظر الإسلام ، وقد انطلقت أقلام الغيورين تحدد القيم الإسلامية بأنها تهدف إلى تكوين الفرد الصالح في المجتمع الصالح . .
وهذا التحديد يحتاج إلى تحديد ، لأن القارئ لا يفهم منه شيئا واضحا يلتزمه عند التطبيق والممارسة ، وتجنبا لهذا المحذور نمهد أولا بذكر بعض الأمثلة ، ثم نستخرج من دلالتها التحديد الواضح الذي يمكن ممارسته في الحياة اليومية .
أمر الإسلام بالصدق والوفاء والبذل والتواضع والصبر والعفو ، وما إلى ذلك ، ولكن قيد وجوبها بحد لا يصح تجاوزه بحال ، وهو أن لا يؤدي الالتزام بها إلى عكس الغرض المطلوب منها ، فالصدق واجب ، ما دام في مصلحة الإنسان ، فإذا تولد منه ضرر كإخبار العدو بالأسرار العسكرية ، أو نقل الكلام بقصد الفتنة كان محرما ، والكذب محرم إلا في حرب عدو الدين والوطن ، وفي الصلح بين اثنين ، وفي صيانة نفس بريئة ، ومال محرم ، والوفاء باليمين واجب ، ما دام الحالف لا يجد خيرا من يمينه ، وإلا تركها لحديث : « إذا وجدت خيرا من يمينك فدعها » . وبذل المال في سبيل اللَّه حسن إلا إذا احتاج إليه صاحبه ، والصبر راجح إلا على الظلم والعوز ، والعفو فضيلة إلا إذا كان سببا للفوضى ونشر الجرائم .
وبهذا يتبين ان قيم الأخلاق في الإسلام تقاس بمدى ما تحققه للإنسان من جلب مصلحة ، أو دفع مفسدة ، ومعنى هذا إنها وجدت من أجل الإنسان ، ولم يوجد هو من أجلها ، كي يجب عليه التعبد بها على كل حال . فالقيم الأخلاقية - إذن - هي التي تحصر تصرفات الإنسان في إطار مصلحته ومصلحة الجماعة ، أو عدم الإضرار به أو بغيره على الأقل .
وتسأل : ما هو الضابط لتمييز النافع من الضار ؟ .
ونجيب باختصار ان الضابط هو الإحساس والشعور العام بأن هذا ضار ، وذاك نافع ، ومتى انتهى الأمر إلى هذا الإحساس والشعور ينقطع الكلام ، ولا يبقى مجال للسؤال والجواب لأن الشعور العام هو البديهة بالذات .
_________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 76-81 .
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } ارتد عن دينه رجع عنه ، وهو في اصطلاح أهل الدين الرجوع من الإيمان إلى الكفر سواء كان إيمانه مسبوقا بكفر آخر كالكافر يؤمن ثم يرتد أو لم يكن ، وهما المسميان بالارتداد الملي والفطري ( حقيقة شرعية أو متشرعية).
ربما يسبق إلى الذهن أن المراد بالارتداد في الآية هو ما اصطلح عليه أهل الدين ، ويكون الآية على هذا غير متصلة بما قبلها ، وإنما هي آية مستقلة تحكي عن نحو استغناء من الله سبحانه عن إيمان طائفة من المؤمنين بإيمان آخرين.
لكن التدبر في الآية وما تقدم عليها من الآيات يدفع هذا الاحتمال فإن الآية على هذا تذكر المؤمنين بقدرة الله سبحانه على أن يعبد في أرضه ، وأنه سوف يأتي بأقوام لا يرتدون عن دينه بل يلازمونه كقوله تعالى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ } : ( الأنعام : 89 ) أو كقوله تعالى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ } : ( آل عمران : 97 ) وقوله تعالى : { إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ حَمِيدٌ } : ( إبراهيم : 8 ).
والمقام الذي هذه صفته لا يقتضي أزيد من التعرض لأصل الغرض ، وهو الإخبار بالإتيان بقوم مؤمنين لا يرتدون عن دين الله ، وأما أنهم يحبون الله ويحبهم ، وأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين إلى آخر ما ذكر في الآية من الأوصاف فهي أمور زائدة يحتاج التعرض لها إلى اقتضاء زائد من المقام والحال.
ومن جهة أخرى نجد أن ما ذكر في الآية من الأوصاف أمور لا تخلو من الارتباط بما ذكر في الآيات السابقة من تولي اليهود والنصارى فإن اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين لا يخلو من تعلق القلب بهم تعلق المحبة والمودة ، وكيف يحتوي قلب هذا شأنه على محبة الله سبحانه وقد قال تعالى : { ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } : ( الأحزاب : 4 ) ومن لوازم هذا التولي أن يتذلل المؤمن لهؤلاء الكفار ، وأن يتعزز على المؤمنين ويترفع عنهم كما قال تعالى : { أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } : ( النساء : 139 ).
ومن لوازم هذا التولي المساهلة في الجهاد عليهم والانقباض عن مقاتلتهم ، والتحرج من الصبر على كل حرمان ، والتحمل لكل لائمة في قطع الروابط الاجتماعية معهم كما قال تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ ـ إلى أن قال ـ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } : ( الممتحنة : 1 ) وقال تعالى : { قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ } : ( الممتحنة : 4 ).
وكذلك الارتداد بمعناه اللغوي أو بالعناية التحليلية صادق على تولي الكفار كما قال تعالى في الآية السابقة ( آية : 51 ) : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وقال أيضا : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ } : ( آل عمران : 28 ) وقال تعالى : { إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ } : ( النساء : 140 ).
فقد تبين بهذا البيان أن للآية اتصالا بما قبلها من الآيات وأن الآية مسوقة لإظهار أن دين الله في غنى عن أولئك الذين يخاف عليهم الوقوع في ورطة المخالفة وتولي اليهود والنصارى لدبيب النفاق في جماعتهم ، واشتمالها على عدة مرضى القلوب لا يبالون باشتراء الدنيا بالدين ، وإيثار ما عند أعداء الدين من العزة الكاذبة والمكانة الحيوية الفانية على حقيقة العزة التي هي لله ولرسوله وللمؤمنين ، والسعادة الواقعية الشاملة على حياة الدنيا والآخرة.
وإنما أظهرت الآية ذلك بالإنباء عن ملحمة غيبية أن الله سبحانه في قبال ما يلقاه الدين من تلون هؤلاء الضعفاء الإيمان ، واختيارهم محبة غير الله على محبته ، وابتغاء العزة عند أعدائه ومساهلتهم في الجهاد في سبيله ، والخوف من كل لومة وتوبيخ سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم.
وكثير من المفسرين وإن تنبهوا على اشتمال الآية على الملحمة وأطالوا في البحث عمن تنطبق عليه الآية مصداقا غير أنهم تساهلوا في تفسير مفرداتها فلم يعطوا ما ذكر فيها من الأوصاف حق معناها فآل الأمر إلى معاملتهم كلام الله سبحانه معاملة كلام غيره وتجويز وقوع المسامحات والمساهلات العرفية فيه كما في غيره.
فالقرآن وإن لم يسلك في بلاغته مسلكا بدعا ، ولم يتخذ نهجا مخترعا جديدا في استعمال الألفاظ وتركيب الجمل ووضع الكلمات بحذاء معانيها بل جرى في ذلك مجرى غيره من الكلام.
ولكنه يفارق سائر الكلام في أمر آخر ، وهو أنا معاشر المتكلمين من البليغ وغيره إنما نبني الكلام على أساس ما نعقله من المعاني ، والمدرك لنا من المعاني إنما يدرك بفهم مكتسب من الحياة الاجتماعية التي اختلقناها بفطرتنا الإنسانية الاجتماعية ، ومن شأنها الحكم بالقياس ، وعند ذلك ينفتح باب المسامحة والمساهلة على أذهاننا فنأخذ الكثير مكان الجميع ، والغالب موضع الدائم ، ونفرض كل أمر قياسي أمرا مطلقا ، ونلحق كل نادر بالمعدوم ، ونجري كل أمر يسير مجرى ما ليس بموجود يقول قائلنا : كذا حسن أو قبيح ، وكذا محبوب أو مبغوض ، وكذا محمود أو مذموم ، وكذا نافع أو ضار ، وفلان خير أو شرير ، إلى غير ذلك فنطلق القوم في ذلك ، وإنما هو كذلك في بعض حالاته وعلى بعض التقادير ، وعند بعض الناس ، وبالقياس إلى بعض الأشياء لا مطلقا ، لكن القائل إنما يلحق بعض التقادير المخالفة بالعدم تسامحا في إدراكه وحكمه ، هذا فيما أدركه من جهات الواقع الخارج ، وأما ما يغفل عنه لمحدودية إدراكه من جهات الكون المربوطة فهو أكثر ، فما يخبر به الإنسان ويحدثه عن الخارج وخيلت له الإحاطة بالواقع إدراكا وكشفا فإنما هو مبني على التسامح في بعض الجهات ، والجهل في بعض آخر ، وهو من الهزل إن قدرنا على أن نحيط بالواقع ثم نطبق كلامه عليه ، فافهم ذلك.
فهذا حال كلام الإنسان المبني على ما يحصل عنده من العلم ، وأما كلام الله سبحانه فمن الواجب أن نجله عن هذه النقيصة ، وهو المحيط بكل شيء علما وقد قال تعالى في صفة كلامه : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ }.
وهذا من وجوه الأخذ بإطلاق كلامه تعالى فيما كان بظاهره مطلقا لم يعقب بقيد متصل أو منفصل ، ومن وجوه إشعار الوصف في كلامه بالعلية فإذا قال : { يُحِبُّهُمْ } فليس يبغضهم في شيء وإلا لاستثنى ، وإذا وصف قوما بأنهم أذلة على المؤمنين كان من الواجب أن يكونوا أذلاء لهم بما هم مؤمنون أي لصفة إيمانهم بالله سبحانه ، وأن يكونوا أذلاء في جميع أحوالهم وعلى جميع التقادير ، وإلا لم يكن القول فصلا.
نعم هناك معان تنسب إلى غير صاحبها إذا جمعها جامع يصحح ذلك كما في قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ } : ( الجاثية : 16 ) وقوله : { هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } : ( الحج : 78 ) وقوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } : ( آل عمران : 110 ) وقوله : { لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } : ( البقرة : 143 ) وقوله : { وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } : ( الفرقان : 30 ) إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على أوصاف اجتماعية يتصف بها الفرد والمجتمع وليس شيء من ذلك جاريا مجرى التسامح والتساهل بل هي أوصاف يتصف بها الجزء والكل ، والفرد والمجتمع لعناية متعلقه بذلك كمثل حفنة من تراب مشتملة على جوهرة يقبض عليها لأجل الجوهرة فالتراب مقبوض والجوهرة مقبوضة والأصل في ذلك الجوهرة ، ولنرجع إلى ما كنا فيه : أما قوله : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } فالمراد بالارتداد والرجوع عن الدين بناء على ما مر هو موالاة اليهود والنصارى ، وخص الخطاب فيه بالمؤمنين لكون الخطاب السابق أيضا متوجها إليهم ، والمقام مقام بيان أن الدين الحق في غنى عن إيمانهم المشوب بموالاة أعداء الله ، وقد عده الله سبحانه كفرا وشركا حيث قال : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } لما أن الله سبحانه هو ولي دينه وناصره ، ومن نصرته لدينه أنه سوف يأتي بقوم براء من أعدائه يتولون أولياءه ولا يحبون إلا إياه.
وأما قوله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ } نسب الإتيان إلى نفسه ليقرر معنى نصره لدينه المفهوم من السياق المشعر بأن لهذا الدين ناصرا لا يحتاج معه إلى نصرة غيره ، وهو الله عز اسمه.
وكون الكلام مسوقا لبيان انتصار الدين بهؤلاء القوم تجاه من يقصده هؤلاء الموالون لأعدائه من الانتصار القومي ، وكذا التعبير بالقوم والإتيان بالأوصاف والأفعال بصيغة الجمع كل ذلك مشعر بأن القوم الموعود إيتاؤهم إنما يبعثون جماعة مجتمعين لا فرادى ولا مثنى كان يأتي الله سبحانه في كل زمان برجل يحب الله ويحبه الله ذليل على المؤمنين عزيز على الكافرين يجاهد في سبيل الله لا يخاف لومة لائم.
وإتيان هذه القوم في عين أنه منسوب إليهم منسوب إليه تعالى وهو الآتي بهم لا بمعنى أنه خالقهم إذ لا خالق إلا الله سبحانه قال : { اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } : ( الزمر : 62 ) بل بمعنى أنه الباعث لهم فيما ينتهزون إليه من نصرة الدين ، والمكرم لهم بحبه لهم وحبهم له ، والموفق لهم بالتذلل لأوليائه ، والتعزز لأعدائه ، والجهاد في سبيله ، والإعراض عن كل لائمة ، فنصرتهم للدين هي نصرته تعالى له بسببهم ومن طريقهم ، وقريب الزمان وبعيده عند الله واحد ، وإن كانت أنظارنا لقصورها تفرق في ذلك.
وأما قوله تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } فالحب مطلق معلق على الذات من غير تقييده بوصف أو غير ذلك ، أما حبهم لله فلازمه إيثارهم ربهم على كل شيء سواه مما يتعلق به نفس الإنسان من مال أو جاه أو عشيرة أو غيرها ، فهؤلاء لا يوالون أحدا من أعداء الله سبحانه ، وإن والوا أحدا فإنما يوالون أولياء الله بولاية الله تعالى.
وأما حبه تعالى لهم فلازمه براءتهم من كل ظلم ، وطهارتهم من كل قذارة معنوية من الكفر والفسق بعصمة أو مغفرة إلهية عن توبة ، وذلك أن جمل المظالم والمعاصي غير محبوبة لله كما قال تعالى : { فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ } : ( آل عمران : 32 ) وقال : { وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } : ( آل عمران : 57 ) وقال : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } : ( الأنعام : 41 ) وقال : { وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } : ( المائدة : 64 ) وقال : { إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } : ( البقرة : 190 ) وقال : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } : ( النحل : 23 ) وقال : { إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ } : ( الأنفال : 58 ) إلى غير ذلك من الآيات.
وفي هذه الآيات جماع الرذائل الإنسانية ، وإذا ارتفعت عن إنسان بشهادة محبة الله له اتصف بما يقابلها من الفضائل لأن الإنسان لا مخلص له عن أحد طرفي الفضيلة والرذيلة إذا تخلق بخلق.
فهؤلاء هم المؤمنون بالله حقا غير مشوب إيمانهم بظلم وقد قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } : ( الأنعام : 82 ) فهم مأمونون من الضلال وقد قال تعالى : { فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } : ( النحل : 37 ) فهم في أمن إلهي من كل ضلالة ، وعلى اهتداء إلهي إلى صراطه المستقيم ، وهم بإيمانهم الذي صدقهم الله فيه مهديون إلى اتباع الرسول والتسليم التام له كتسليمهم لله سبحانه قال تعالى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } : ( النساء : 65 ).
وعند ذلك يتم أنهم من مصاديق قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } : ( آل عمران : 31 ) وبه يظهر أن اتباع النبي صلى الله عليه وآله ومحبة الله متلازمان فمن اتبع النبي أحبه الله ولا يحب الله عبدا إلا إذا كان متبعا لنبيه صلى الله عليه وآله.
وإذا اتبعوا الرسول اتصفوا بكل حسنة يحبها الله ويرضاها كالتقوى والعدل والإحسان والصبر والثبات والتوكل والتوبة والتطهر وغير ذلك قال تعالى : { فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } : ( آل عمران : 76 ) وقال : { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } : ( البقرة : 195 ) وقال : { وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } : ( آل عمران : 146 ) وقال : { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ } : ( الصف : 4 ) وقال : { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } : ( آل عمران : 159 ) وقال : { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } : ( البقرة : 222 ) إلى غير ذلك من الآيات.
وإذا تتبعت الآيات الشارحة لآثار هذه الأوصاف وفضائل تتعقبها عثرت على أمور جمة من الخصال الحسنة ، ووجدت أن جميعها تنتهي إلى أن أصحابها هم الوارثون الذين يرثون الأرض ، وأن لهم عاقبة الدار كما يومئ إليه الآية المبحوث عنها : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } وقد قال تعالى ـ وهي كلمة جامعة ـ : { وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى } : ( طه : 132 ) وسنشرع معنى كون العاقبة للتقوى فيما يناسبه من المورد إن شاء الله العزيز.
قوله تعالى : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ } الأذلة والأعزة جمعا الذليل والعزيز ، وهما كنايتان عن خفضهم الجناح للمؤمنين تعظيما لله الذي هو وليهم وهم أولياؤه ، وعن ترفعهم من الاعتناء بما عند الكافرين من العزة الكاذبة التي لا يعبأ بأمرها الدين كما أدب بذلك نبيه في قوله : { لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } : ( الحجر : 88 ) ولعل تعدية { أَذِلَّةٍ } بعلى لتضمينه معنى الحنان أو الحنو كما قيل.
قوله تعالى : { يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } أما قوله : { يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ } فقد اختص بالذكر من بين مناقبهم الجمة لكون الحاجة تمس إليه في المقام لبيان أن الله ينتصر لدينه بهم ، وأما قوله : { وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } فالظاهر أنه حال متعلق بالجمل المتقدمة لا بالجملة الأخيرة فقط ـ وإن كانت هي المتيقنة في أمثال هذه التركيبات ـ وذلك لأن نصرة الدين بالجهاد في سبيل الله كما يزاحمها لومة اللائمين الذين يحذرونهم تضييع الأموال وإتلاف النفوس وتحمل الشدائد والمكاره كذلك التذلل للمؤمنين والتعزز على الكافرين وعندهم من زخارف الدنيا ومبتغيات الشهوة ، وأمتعة الحياة ما ليس عند المؤمنين هما مما يمانعه لومة اللائم ، وفي الآية ملحمة غيبية سنبحث عنها في كلام مختلط من القرآن والحديث إن شاء الله تعالى .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص326-331 .
يأتي الكلام ـ في هذه الآية الكريمة ـ عن المرتدين الذين تنبّأ القرآن بارتدادهم عن الدين الإسلامي الحنيف ، وهذه الآية أتت بقانون عام يحمل إنذارا لجميع المسلمين ، فأكّدت أنّ من يرتد عن دينه فهو لن يضر الله بارتداده هذا أبدا ، ولن يضر الدين ولا المجتمع الإسلامي أو تقدمه السريع ، لأنّ الله كفيل بإرسال من لديهم الاستعداد في حماية هذا الدين ، حيث تقول الآية الكريمة : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ...}.
ثمّ تتطرق الآية إلى صفات هؤلاء الحماة الذين يتحملون مسئولية الدفاع العظيمة ، وتبيّنها على الوجه التّالي :
١ ـ إنّهم يحبّون الله ولا يفكرون بغير رضاه ، فالله يحبّهم وهم يحبّونه ، كما تقول الآية : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
٢ ـ و ٣ ـ يبدون التواضع والخضوع والرأفة أمام المؤمنين ، بينما هم أشداء أقوياء أمام الأعداء الظالمين ـ حيث تقول الآية : {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ...}.
٤ ـ إنّ شغلهم الشاغل هو الجهاد في سبيل الله ، إذ تقول الآية : {يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}.
٥ ـ وآخر صفة تذكرها الآية لهؤلاء العظام ، هي أنّهم لا يخافون لوم اللائمين في طريقهم لتنفيذ أوامر الله والدفاع عن الحق ، حيث تقول الآية : {وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِم ...} فهؤلاء بالإضافة إلى امتلاكهم القدرة الجسمانية ، يمتلكون الجرأة والشّجاعة لمواجهة التقاليد الخاطئة ، والوقوف بوجه الأغلبية المنحرفة التي اعتمدت على كثرتها في الاستهزاء بالمؤمنين .
وهناك الكثير من الأفراد المعروفين بصفاتهم الطيبة ، لكنّهم يبدون الكثير من التحفظ أمام الفوضى السائدة في المجتمع وهجوم الأفكار الخاطئة لدى سواد الناس أو من الأغلبية المنحرفة ، ويتملكهم الخوف والجبن ، وسرعان ما يتركون الساحة ويخلونها للمنحرفين ، في حين أنّ القائد المصلح ومن معه من الأفراد بحاجة إلى الجرأة والشهامة لتطبيق أفكارهم وإصلاحاتهم . وعلى عكس هؤلاء فالذين لا يمتلكون هذه الصفات الروحية الرفيعة ، يقفون سدّا وحائلا دون حصول الإصلاحات المطلوبة .
وتؤكّد الآية في الختام ـ على أنّ اكتساب أو نيل مثل هذه الامتيازات السامية (بالإضافة إلى الحاجة لسعي الإنسان نفسه) مرهون بفضل الله الذي يهبها لمن يشاء ، ولمن يراه كفؤا لها من عباده ، حيث تقول الآية في هذا المجال : {ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ...}.
وفي النهاية تبيّن الآية أنّ مجال فضل الله وكرمه واسع ، وهو يعرف الأفكاء والمؤهلين من عباده ، وكما تقول الآية : {وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}.
لقد نقلت الرّوايات الإسلامية التي أوردها المفسّرون أقوالا كثيرة حول هوية الأشخاص المعنيين بهذه الآية ، فمن هم أنصار الإسلام هؤلاء الذين مدحهم الله بهذه الصفات ؟
في الكثير من الرّوايات الواردة عن طرق الشيعة والسنة نقرأ أن هذه الآية نزلت في حقّ (علي بن أبي طالب عليه السلام) وقتاله للناكثين والقاسطين والمارقين (مثيري حرب الجمل ، وجيش معاوية ، والخوارج) ، وممّا يدل على ذلك قول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رأى عجز قادة جيش الإسلام عن فتح حصن خيبر ، حيث وجه صلى الله عليه وآله وسلم لهم الخطاب في إحدى الليالي وفي مقر جيش الإسلام قائلا : لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده» (2) .
ونقرأ في رواية أخرى أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الآية فوضع صلى الله عليه وآله وسلم يده الشريفة على كتف «سلمان» وقال ما مضمونه : «هذا وأنصاره وبني قومه ...» وبذلك تنبّأ النّبي عن إسلام الإيرانيين وجهودهم ومساعيهم المثمرة في خدمة هذا الدين في المجالات المختلفة ، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم : «لو كان الدين (وفي رواية أخرى ـ لو كان العلم ـ) معلقا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس» (3) .
وذكرت روايات أخرى أن هذه الآية نزلت في شأن أنصار المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذين سيواجهون الارتداد والمرتدين بكل قوّة وحزم ، ويملؤون العالم قسطا وعدلا وإيمانا.
وممّا لا شك فيه أنّه لا تناقض بين هذه الرّوايات الواردة في تفسير الآية الأخيرة ، لأنّ الآية ـ جريا على أسلوب القرآن الكريم ـ تبيّن مفهوما كليا عاما ، بحيث تعتبر «علي بن أبي طالب عليه السلام» أو «سلمان الفارسي» مصداقين مهمين ضمن هذا المفهوم الذي يشمل أفرادا آخرين يسيرون على نفس النهج ، حتى لو لم تتطرق الرّوايات إلى أسمائهم.
إنّ الأمر الذي يثير الأسف في هذا المجال ، هو تدخل العصبيات الطائفية والقومية في تفسير هذه الآية ، والتي أدخلت أفرادا لا يمتلكون أي كفاءة ولا يتمتعون بأي من الصفات المذكورة ضمن مصاديق هذه الآية واعتبرتهم ممّن نزلت الآية في شأنهم ، ومن هؤلاء الأفراد «أبو موسى الأشعري» الذي ارتكب تلك الحماقة التّأريخية المعروفة التي دفعت بالإسلام نحو هاوية السقوط ، ووضعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في أحرج موقف (4).
والغريب في هذا الأمر هو انتقال آثار التطرف الذي نلاحظه في الكتب العلمية ـ بشكل رهيب ـ إلى سواد الناس ، بل إلى متعلميهم ، وكأن هناك يدا خفية تسعى الى تشتيت صفوف المسلمين ، وتحول دون اتحاد كلمتهم ، وقد سرى هذا التطرف ليشمل تاريخ ما قبل الإسلام ، بحيث نرى هؤلاء المتطرفين وقد سمّوا شارعا فخما يقع بجوار بيت الله الحرام باسم «أبي سفيان» وهذا الشارع هو أكبر وأفخم بكثير من شارع «إبراهيم الخليل عليه السلام» مؤسس الكعبة الشريفة.
وأخذ أمثال هؤلاء المتطرفين يصمون كثيرا من المسلمين وبكل بساطة بالشرك ، لا لشيء إلّا لأنّ تحرك هؤلاء المسلمين لا يتفق مع أهوائهم وطريقتهم الخاصة ، وكأن الإسلام ينحصر في هذه الطريقة ، أو كأنّهم ـ وحدهم ـ سدنة القرآن وحفظته دون غيرهم ، أو كأنّهم هم المكلفون ـ دون غيرهم ـ ببيان من هو المسلم ومن هو الكافر ، فيشيرون بكلمة واحدة إلى هذا بأنّه مشرك وإلى ذاك بأنّه مسلم ، وفق ما تشتهيه أهواؤهم ورغباتهم .
في حين أنّنا نقرأ في الرّوايات الواردة في تفسير الآيات الأخيرة ، أنّ الإسلام حين يصبح غريبا بين أهله يبرز أشخاص كسلمان الفارسي لإعادة مجد الإسلام وعظمته ، وهذه بشارة وردت على لسان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوم سلمان .
والمثير للدهشة والحيرة أن كلمة التوحيد التي هي رمز لوحدة المسلمين ، أصبحت اليوم تستخدم من قبل جهات معلومة للتفريق بين المسلمين واتهامهم بالشرك والوثنية ، وقد خاطب أحد العلماء هؤلاء المتطرفين بقوله : إنّكم قد وصلت بكم الحالة إلى درجة أن إسرائيل إذا تسلطت على جماعة منكم فرحت جماعة أخرى بهذا التسلط ، وإذا ضربت إسرائيل الجماعة الأخرى فرحت الجماعة الأولى بهذا العمل ، أو ليس هذا هو ما يبتغيه ويهدف إليه أعداء الإسلام ؟
ومن الإنصاف القول بأن اللقاءات المتكررة التي حصلت بيننا وبين عدد من علماء هؤلاء المتعصبين المتطرفين ، كشفت القناع عن أنّ الواعين منهم كثيرا ما لا يرضون بهذا الوضع ، وقد التقيت بأحد علماء اليمن في المسجد الحرام فقال أمام جمع من كبار مدرسي الحرم المكي : إنّ اتهام أهل القبلة بالشرك يعتبر ذنبا كبيرا ، استقبحه السلف الصالح كثيرا ، وقد صدر هذا القول منه حين كان الحديث يدور حول مسألة حدود الشرك ، وقد أعرب هذا العالم عن استيائه لما يقوم به بعض الجهلاء من اتهام الناس بالشرك مشيرا إلى أن هؤلاء يتحملون بعملهم هذا مسئولية عظيمة.
___________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 542-545 .
2. وقد ورد في تفسير (البرهان) و (نور الثقلين) العديد من الرّوايات ، منقولة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال ، كما نقل (الثعلبي) وهو أحد علماء السنة هذه الرّوايات (راجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢٠٠) .
3. مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٢٠٨ ـ نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦٤٢ ـ أبو نعيم الأصفهاني في الحلية ، ج ٦ ، ص ٦٤ نقلوا هذا الحديث على الوجه التالي : «لو كان العلم منوطا بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس» أمّا ابن عبد البر فقد نقل الحديث على الصورة التّالية : «لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان ...» وذلك في الإستيعاب ، ج ٢ ، ص ٥٧٧ .
4. تفسير الطبري ، ج ٦ ، ص ١٨٤ ـ إلّا أنّ بعض الرّوايات ذكرت فقط «قوم أبي موسى» للإشارة إلى أهل اليمن الذين هبوا لنصرة الإسلام في أحرج اللحظات ، واستثنى أبو موسى تلميحا إلى قومه ، بينما تصرح الرّوايات الأخرى بأن (سلمان الفارسي) وقومه هم المشمولون بهذه الآية .