1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الميم : سورة المائدة :

تفسير آية (55-56) من سورة المائدة

المؤلف:  اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

17-10-2017

9760

قال تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 55 ، 56].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

بين تعالى من له الولاية على الخلق ، والقيام بأمورهم ، وتجب طاعته عليهم ، فقال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي : الذي يتولى مصالحكم ، ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى ، ورسوله يفعله بأمر الله {وَالَّذِينَ آمَنُوا} ، ثم وصف الذين آمنوا فقال {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} بشرائطها {وَيُؤْتُونَ} أي : ويعطون {الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي : في حال الركوع .

وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل ، والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة {وَلِيُّكُمُ} تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ، ويجب طاعته عليكم ، وثبت أن المراد ب‍ {الَّذِينَ آمَنُوا} علي ، ثبت النص عليه بالإمامة ووضح والذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة ، فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك ، وقد ذكرنا قول أهل اللغة فيه قبل ، فلا وجه لإعادته ، ثم الذي يدل على أنها في الآية تفيد ذلك دون غيره ، أن لفظة {إِنَّمَا} على ما تقدم ذكره تقتضي التخصيص ، ونفي الحكم عمن عدا المذكور ، كما يقولون : إنما الفصاحة للجاهلية ، يعنون نفي الفصاحة عن غيرهم ، وإذا تقرر هذا لم يجز حمل لفظة الولي على الموالاة في الدين والمحبة ، لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر ، والمؤمنون كلهم مشتركون في هذا المعنى ، كما قال سبحانه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة : 71] وإذا لم يجز حمله على ذلك ، لم يبق إلا الوجه الآخر ، وهو التحقق بالأمور ، وما يقتضي فرض الطاعة على الجمهور ، لأنه لا محتمل للفظه إلا الوجهان . فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر .

والذي يدل على أن المعني ب‍ {الَّذِينَ آمَنُوا} هو علي : الرواية الواردة من طريق العامة والخاصة بنزول الآية فيه ، لما تصدق بخاتمه في حال الركوع ، وقد تقدم ذكرها ، وأيضا فإن كل من قال إن المراد بلفظة {وَلِيُّ} ما يرجع إلى فرض الطاعة والإمامة ، ذهب إلى أنه هو المقصود بالآية ، والمتفرد بمعناها ، ولا أحد من الأمة يذهب إلى أن هذه اللفظة تقتضي ما ذكرناه ، ويذهب إلى أن المعني بها سواه ، وليس لاحد أن يقول إن لفظ {الَّذِينَ آمَنُوا} لفظ جمع ، فلا يجوز أن يتوجه إليه على الانفراد ، وذلك أن أهل اللغة قد يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم ، وذلك أشهر في كلامهم ، من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه ، وليس لهم أن يقولوا إن المراد بقوله {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أن هذه شيمتهم وعادتهم ، ولا يكون حالا لإيتاء الزكاة ، وذلك لان قوله {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} قد دخل فيه الركوع ، فلو لم يحمل قوله {وَهُمْ رَاكِعُونَ} على أنه حال من يؤتون الزكاة ، وحملناه على من صفتهم الركوع ، كان ذلك كالتكرار غير المفيد ، والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد ، ووجه آخر في الدلالة على أن الولاية في الآية مختصة ، أنه سبحانه قال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} فخاطب جميع المؤمنين ، ودخل في الخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ، ثم قال : {وَرَسُولُهُ} فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتهم ، لكونهم مضافين إلى ولايته ، ثم قال : {وَالَّذِينَ آمَنُوا} فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية ، وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه ، وذلك محال .

واستيفاء الكلام في هذا الباب يطول به الكتاب ، فمن أراده فليطلبه من مظانه .

قال الواحدي واستدل أهل العلم بهذه الآية على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة ، وأن دفع الزكاة إلى السائل في الصلاة ، جائز مع نية الزكاة {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ} بالقيام بطاعته {وَرَسُولَهُ} باتباع أمره {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بالموالاة والنصرة {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ} أي : جند الله ، عن الحسن . وقيل : أنصار الله {هُمُ الْغَالِبُونَ} الظاهرون على أعدائهم ، الظافرون بهم .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 363-364 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :

بعد أن نهى سبحانه عن اتخاذ أعداء الدين أولياء بيّن من الذي يجب اتخاذه وليا ، فقال : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ } ولا يختلف اثنان في المراد بولاية اللَّه والرسول وانها التصرف في شؤون المسلمين ، وليس مجرد المحبة والنصرة ، قال تعالى : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب - 6 ] ، والولاية في هذه الآية تفسير وبيان للولاية في الآية التي نحن بصددها .

{ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ } . أي ان الولاية التي للَّه والرسول ثابتة أيضا لمن جمع بين الزكاة والركوع ، ونقل الطبري عن مجاهد وعتبة بن أبي حكيم وأبي جعفر ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، وفي كتاب غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري - من السنة - ما نصه بالحرف : « الآية نازلة في علي باتفاق أكثر المفسرين » . وفي تفسير الرازي ما نصه بالحرف أيضا :

« روي عن أبي ذر رضوان اللَّه عليه انه قال : صليت مع رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، وعلي كان راكعا ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل ، حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : اللهم ان أخي موسى سألك فقال : رب اشرح لي صدري إلى قوله : وأشركه في أمري ، فأنزلت قرآنا ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري . قال أبو ذر : فواللَّه ما أتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذه الكلمة ، حتى نزل جبريل ، فقال : يا محمد اقرأ إنما وليكم اللَّه ورسوله . . إلى آخر الآية » .

ولكن الرازي فسر الولاية هنا بمعنى الناصر ، لا بمعنى المتصرف ، وقال الشيعة : إن لفظ الجلالة والرسول ومن جمع بين الزكاة والركوع جاء في آية واحدة ، وولاية اللَّه والرسول معناها التصرف فيجب أيضا أن يكون هذا المعنى بالذات مرادا من ولاية من جمع بين الوصفين ، وإلا لزم أن يكون لفظ الولاية مستعملا في معنيين مختلفين في آن واحد ، وهو غير جائز .

{ ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهً ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ } . هذه الآية نص صريح لا يقبل التأويل بحال على أن المعنى المراد من ولاية اللَّه والرسول والمؤمنين واحد لا اختلاف فيه ، وان من حافظ على هذه الولاية ، ولم يفرق بين اللَّه ورسوله ومن جمع بين الزكاة والركوع فهو من حزب اللَّه الغالب بمنطق الحق وحجته .

__________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 81-83 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

الآيتان ـ كما ترى ـ موضوعتان بين آيات تنهى عن ولاية أهل الكتاب والكفار ، ولذلك رام جماعة من مفسري القوم إشراكهما مع ما قبلهما وما بعدهما من حيث السياق ، وجعل الجميع ذات سياق واحد يقصد به بيان وظيفة المؤمنين في أمر ولاية الأشخاص ولاية النصرة ، والنهي عن ولاية اليهود والنصارى والكفار ، وقصر الولاية في الله سبحانه ورسوله والمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، وهؤلاء هم المؤمنون حقا فيخرج بذلك المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، ويبقى على وجوب الولاية المؤمنون حقا ، وتكون الآية دالة على مثل ما يدل عليه مجموع قوله تعالى : { وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } : آل عمران ـ 68 ، وقوله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } : الأحزاب : 6 ، وقوله تعالى في المؤمنين : { أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ } : الأنفال : 72 ، وقوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } الآية : التوبة ـ 71. فمحصل الآية جعل ولاية النصرة لله ولرسوله والمؤمنين على المؤمنين.

نعم يبقى هناك إشكال الجملة الحالية التي يتعقبها قوله : { وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ } وهي قوله : { وَهُمْ راكِعُونَ } ويرتفع الإشكال بحمل الركوع على معناه المجازي وهو مطلق الخضوع لله سبحانه أو انحطاط الحال لفقر ونحوه ، ويعود معنى الآية إلى أنه ليس أولياؤكم اليهود والنصارى والمنافقين بل أولياؤكم الله ورسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم في جميع هذه الأحوال خاضعون لساحة الربوبية بالسمع والطاعة ، أو أنهم يؤتون الزكاة وهم فقراء معسرون هذا.

لكن التدبر واستيفاء النظر في الآيتين وما يحفهما من آيات ثم في أمر السورة يعطي خلاف ما ذكروه ، وأول ما يفسد من كلامهم ما ذكروه من أمر وحدة سياق الآيات ، وأن غرض الآيات التعرض لأمر ولاية النصرة ، وتمييز الحق منها من غير الحق فإن السورة وإن كان من المسلم نزولها في آخر عهد رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله في حجة الوداع لكن من المسلم أيضا أن جميع آياتها لم تنزل دفعة واحدة ففي خلالها آيات لا شبهة في نزولها قبل ذلك ، ومضامينها تشهد بذلك ، وما ورد فيها من أسباب النزول يؤيده فليس مجرد وقوع الآية بعد الآية أو قبل الآية يدل على وحدة السياق ، ولا أن بعض المناسبة بين آية وآية يدل على نزولهما معا دفعة واحدة أو اتحادهما في السياق .

على أن الآيات السابقة أعني قوله : { (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) { إلخ } ، تنهى المؤمنين عن ولاية اليهود والنصارى ، وتعير المنافقين والذين في قلوبهم مرض بالمسارعة إليهم ورعاية جانبهم من غير أن يرتبط الكلام بمخاطبة اليهود والنصارى وإسماعهم الحديث بوجه بخلاف الآيات التالية أعني قوله : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ } { إلخ } ، فإنها تنهى عن ولايتهم وتتعرض لحالهم بالأمر بمخاطبتهم ثم يعيرهم بالنفاق والفسق فالغرض في القبيلين من الآيات السابقة واللاحقة مختلف ، ومعه كيف يتحد السياق؟!.

على أنك قد عرفت في البحث عن الآيات السابقة أعني قوله : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ } (الآيات) أن ولاية النصرة لا تلائم سياقها ، وأن خصوصيات الآيات والعقود المأخوذة فيها وخاصة قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ } وقوله : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } لا تناسبها فإن عقد ولاية النصرة واشتراطها بين قومين لا يوجب صيرورة أحدهما الآخر ولحوقه به ، ولا أنه يصح تعليل النهي عن هذا العقد بأن القوم الفلاني بعضهم أولياء بعض بخلاف عقد ولاية المودة التي توجب الامتزاج النفسي والروحي بين الطرفين ، وتبيح لأحدهما التصرف الروحي والجسمي في شئون الآخر الحيوية وتقارب الجماعتين في الأخلاق والأعمال الذي يذهب بالخصائص القومية.

على أنه ليس من الجائز أن يعد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله وليا للمؤمنين بمعنى ولاية النصرة بخلاف العكس فإن هذه النصرة التي يعتني بأمرها الله سبحانه ، ويذكرها القرآن الكريم في كثير من آياته هي النصرة في الدين وحينئذ يصح أن يقال : إن الدين لله بمعنى أنه جاعله وشارع شرائعه فيندب النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله أو المؤمنون أو هما جميعا إلى نصرته أو يدعوا أنصارا لله في ما شرعه من الدين كقوله تعالى : { قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ } : الصف : 14 ، وقوله تعالى : { إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ } : محمد : 7 ، وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ـ إلى أن قال : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } : آل عمران : 81 ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

ويصح أن يقال : إن الدين للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله بمعنى أنه الداعي إليه والمبلغ له مثلا ، أو إن الدين لله ولرسوله بمعنى التشريع والهداية فيدعى الناس إلى النصرة ، أو يمدح المؤمنون بالنصرة كقوله تعالى : { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } ، : الأعراف : 157 ، وقوله تعالى : { وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ } : [الحشر : 8] ، وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا } : [الأنفال : 72 ] ، إلى غير ذلك من الآيات.

ويصح أن يقال : إن الدين للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله وللمؤمنين جميعا ، بمعنى أنهم المكلفون بشرائعه العاملون به فيذكر أن الله سبحانه وليهم وناصرهم كقوله تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } : الحج : 40 ، وقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ } : [غافر : 51 ] ، وقوله تعالى : { وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } : [الروم ـ 47]  إلى غير ذلك من الآيات.

لكن لا يصح أن يفرد الدين بوجه للمؤمنين خاصة ، ويجعلوا أصلا فيه والنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله بمعزل عن ذلك ، ثم يعد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ناصرا لهم فيما لهم ، إذ ما من كرامة دينية إلا هو مشاركهم فيها أحسن مشاركة ، ومساهمهم أفضل سهام ؛ ولذلك لا نجد القرآن يعد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ناصرا للمؤمنين ولا في آية واحدة ، وحاشا ساحة الكلام الإلهي أن يساهل في رعاية أدبه البارع .

وهذا من أقوى الدليل على أن المراد بما نسب إلى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله من الولاية في القرآن هو ولاية التصرف أو الحب والمودة كقوله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب : 6 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } (الآية) ، فإن الخطاب للمؤمنين ، ولا معنى لعد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله وليا لهم ولاية النصرة كما عرفت.

فقد ظهر أن الآيتين أعني قوله تعالى : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ } إلى آخر الآيتين لا تشاركان السياق السابق عليهما لو فرض أنه متعرض لحال ولاية النصرة ، ولا يغرنك قوله تعالى في آخر الآية الثانية : { فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ } ، فإن الغلبة كما تناسب الولاية بمعنى النصرة ، كذلك تناسب ولاية التصرف وكذا ولاية المحبة والمودة ، والغلبة الدينية التي هي آخر بغية أهل الدين تتحصل باتصال المؤمنين بالله ورسوله بأي وسيلة تمت وحصلت ، وقد قرع الله سبحانه أسماعهم ذلك بصريح وعده حيث قال : { كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } : المجادلة : 21 ، وقال : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} [الصافات : 173] .

على أن الروايات متكاثرة من طرق الشيعة وأهل السنة على أن الآيتين نازلتان في أمير المؤمنين علي عليه‌ السلام لما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة ، فالآيتان خاصتان غير عامتين ، وسيجيء نقل جل ما ورد من الروايات في ذلك في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

ولو صح الإعراض في تفسير آية بالأسباب المأثورة عن مثل هذه الروايات على تكاثرها وتراكمها لم يصح الركون إلى شيء من أسباب النزول المأثورة في شيء من آيات القرآن وهو ظاهر ، فلا وجه لحمل الآيتين على إرادة ولاية المؤمنين بعضهم لبعض بجعلها عامة.

نعم استشكلوا في الروايات ـ ولم يكن ينبغي أن يستشكل فيها مع ما فيها من الكثرة البالغة ـ أولا : بأنها تنافي سياق الآيات الظاهر في ولاية النصرة كما تقدمت الإشارة إليه ؛ وثانيا : أن لازمها إطلاق الجمع وإرادة الواحد فإن المراد بالذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة " إلخ " ، على هذا التقدير هو علي ولا يساعده اللغة ، وثالثا : أن لازمها كون المراد بالزكاة هو التصدق بالخاتم ، ولا يسمى ذلك زكاة.

قالوا : فالمتعين أن تؤخذ الآية عامة ، وتكون مسوقة لمثل قصر القلب أو الإفراد فقد كان المنافقون يسارعون إلى ولاية أهل الكتاب ويؤكدونها ، فنهى الله عن ذلك وذكر أن أولياءهم إنما هم الله ورسوله والمؤمنون حقا دون أهل الكتاب والمنافقين. ولا يبقى إلا مخالفة هذا المعنى لظاهر قوله : { وَهُمْ راكِعُونَ } ويندفع بحمل الركوع على معناه المجازي ، وهو الخضوع لله أو الفقر ورثاثة الحال ، هذا ما استشكلوه.

لكن التدبر في الآية وما يناظرها من الآيات يوجب سقوط الوجوه المذكورة جميعا :

أما وقوع الآية في سياق ولاية النصرة ، ولزوم حملها على إرادة ذلك فقد عرفت أن الآيات غير مسوقة لهذا الغرض أصلا ، ولو فرض سرد الآيات السابقة على هذه الآية لبيان أمر ولاية النصرة لم تشاركها الآية في هذا الغرض.

وأما حديث لزوم إطلاق الجمع وإرادة الواحد في قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا } " إلخ " ، فقد عرفت في الكلام على آية المباهلة في الجزء الثالث من هذا الكتاب تفصيل الجواب عنه ، وأنه فرق بين إطلاق لفظ الجمع وإرادة الواحد واستعماله فيه ، وبين إعطاء حكم كلي أو الإخبار بمعرف جمعي في لفظ الجمع لينطبق على من يصح أن ينطبق عليه ، ثم لا يكون المصداق الذي يصح أن ينطبق عليه إلا واحدا فردا واللغة تأبى عن قبول الأول دون الثاني على شيوعه في الاستعمالات.

وليت شعري ما ذا يقولون في مثل قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ـ إلى أن قال : ـ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآية : [الممتحنة : 1] ، وقد صح أن المراد به حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريشا ؟ وقوله تعالى : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون : 8 ] ، وقد صح أن القائل به عبد الله بن أبي بن سلول ؟ وقوله تعالى : {يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ} [البقرة : 215] والسائل عنه واحد ؟ ، وقوله تعالى : {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [البقرة : 274] وقد ورد أن المنفق كان عليا أو أبا بكر ؟ إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة .

وأعجب من الجميع قوله تعالى : {يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ} والقائل هو عبد الله بن أبي ، على ما رووا في سبب نزوله وتلقوه بالقبول ، والآية واقعة بين الآيات المبحوث عنها نفسها .

فإن قيل : إن هذه الموارد لا تخلو عن أناس كانوا يرون رأيهم أو يرضون بفعالهم فعبر الله تعالى عنهم وعمن يلحق بهم بصيغة الجمع. قيل : إن محصله جواز ذلك في اللغة لنكتة مجوزة فليجر الآية أعني قوله : {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ} هذا المجرى ، ولتكن النكتة هي الإشارة إلى أن أنواع الكرامات الدينية ـ ومنها الولاية المذكورة في الآية ـ ليست موقوفة على بعض المؤمنين دون بعض وقفا جزافيا وإنما يتبع التقدم في الإخلاص والعمل لا غير.

على أن جل الناقلين لهذه الأخبار هم صحابة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله والتابعون المتصلون بهم زمانا وهم من زمرة العرب العرباء الذين لم تفسد لغتهم ولم تختلط ألسنتهم ولو كان هذا النحو من الاستعمال لا تبيحه اللغة ولا يعهده أهلها لم تقبله طباعهم ، ولكانوا أحق باستشكاله والاعتراض عليه ، ولم يؤثر من أحد منهم ذلك.

وأما قولهم : إن الصدقة بالخاتم لا تسمى زكاة ، فيدفعه أن تعين لفظ الزكاة في معناها المصطلح إنما تحقق في عرف المتشرعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين ، وأما الذي تعطيه اللغة فهو أعم من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة ويساوق عند الإطلاق أو عند مقابلة الصلاة إنفاق المال لوجه الله كما يظهر مما وقع فيما حكاه الله عن الأنبياء السالفين كقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب : { وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ} : الأنبياء : 73 ، وقوله تعالى في إسماعيل : {وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } : مريم : 55 وقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌ السلام في المهد : { وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا } : [مريم : 31] ومن المعلوم أن ليس في شرائعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الإسلام .

وكذا قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } [الأعلى : 15] وقوله تعالى : {الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل : 18] وقوله تعالى : { الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } [حم السجدة : 7] وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ } [ المؤمنون : 4] ، وغير ذلك من الآيات الواقعة في السور المكية وخاصة السور النازلة في أوائل البعثة كسورة حم السجدة وغيرها ، ولم تكن شرعت الزكاة المصطلحة بعد ؛ فليت شعري ما ذا كان يفهمه المسلمون من هذه الآيات في لفظ الزكاة .

بل آية الزكاة أعني قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } [ التوبة : 103] ، تدل على أن الزكاة من أفراد الصدقة ، وإنما سميت زكاة لكون الصدقة مطهرة مزكية مطلقا ، وقد غلب استعمالها في الصدقة المصطلحة.

فتبين من جميع ما ذكرنا أنه لا مانع من تسمية مطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله زكاة ، وتبين أيضا أن لا موجب لارتكاب خلاف الظاهر بحمل الركوع على معناه المجازي ، وكذا ارتكاب التوجيه في قوله { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } حيث أتى باسم إن (وَلِيُّكُمُ) مفردا وبقوله { الَّذِينَ آمَنُوا } وهو خبر بالعطف بصيغة الجمع ، هذا.

قوله تعالى : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } قال الراغب في المفردات : الولاء (بفتح الواو) والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ، والولاية النصرة ، والولاية تولي الأمر ، وقيل : الولاية والولاية (بالفتح والكسر) واحدة نحو الدلالة والدلالة وحقيقته تولي الأمر ، والولي والمولى يستعملان في ذلك ، كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي (بكسر اللام) ومعنى المفعول أي الموالي (بفتح اللام) يقال للمؤمن : هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه ، وقد يقال : الله ولي المؤمنين ومولاهم .

قال : وقولهم : تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه يقال : وليت سمعي كذا ، ووليت عيني كذا ، ووليت وجهي كذا أقبلت به عليه قال الله عز وجل : {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها * فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وإذا عدي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه . انتهى .

والظاهر أن القرب الكذائي المعبر عنه بالولاية ، أول ما اعتبره الإنسان إنما اعتبره في الأجسام وأمكنتها وأزمنتها ثم أستعير لأقسام القرب المعنوية بالعكس مما ذكره لأن هذا هو المحصل من البحث في حالات الإنسان الأولية فالنظر في أمر المحسوسات والاشتغال بأمرها أقدم في عيشة الإنسان من التفكر في المعقولات والمعاني وأنحاء اعتبارها والتصرف فيها .

وإذا فرضت الولاية ـ وهي القرب الخاص ـ في الأمور المعنوية كان لازمها أن للولي ممن وليه ما ليس لغيره إلا بواسطته فكل ما كان من التصرف في شئون من وليه مما يجوز أن يخلفه فيه غيره فإنما يخلفه الولي لا غيره كولي الميت ، فإن التركة التي كان للميت أن يتصرف فيها بالملك فإن لوارثه الولي أن يتصرف فيها بولاية الوراثة ، وولي الصغير يتصرف بولايته في شئون الصغير المالية بتدبير أمره ، وولي النصرة له أن يتصرف في أمر المنصور من حيث تقويته في الدفاع ، والله سبحانه ولي عباده يدبر أمرهم في الدنيا والآخرة لا ولي غيره ، وهو ولي المؤمنين في تدبير أمر دينهم بالهداية والدعوة والتوفيق والنصرة وغير ذلك ، والنبي ولي المؤمنين من حيث إن له أن يحكم فيهم ولهم وعليهم بالتشريع والقضاء ، والحاكم ولي الناس بالحكم فيهم على مقدار سعة حكومته ، وعلى هذا القياس سائر موارد الولاية كولاية العتق والحلف والجوار والطلاق وابن العم ، وولاية الحب وولاية العهد وهكذا ، وقوله : {يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ} أي يجعلون أدبارهم تلي جهة الحرب وتدبر أمرها ، وقوله { تَوَلَّيْتُمْ } أي توليتم عن قبوله أي اتخذتم أنفسكم تلي جهة خلاف جهته بالإعراض عنه أو اتخذتم وجوهكم تلي خلاف جهته بالإعراض عنه ؛ فالمحصل من معنى الولاية في موارد استعمالها هو نحو من القرب يوجب نوعا من حق التصرف ومالكية التدبير.

وقد اشتمل قوله تعالى : {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} " إلخ " من السياق على ما يدل على وحدة ما في معنى الولاية المذكورة فيه حيث تضمن العد في قوله : { اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } وأسند الجميع إلى قوله : {وَلِيُّكُمُ} وظاهره كون الولاية في الجميع بمعنى واحد. ويؤيد ذلك أيضا قوله في الآية التالية : {فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ } حيث يشعر أو يدل على كون المتولين جميعا حزبا لله لكونهم تحت ولايته ؛ فولاية الرسول والذين آمنوا إنما هو من سنخ ولاية الله.

وقد ذكر الله سبحانه لنفسه من الولاية ، الولاية التكوينية التي تصحح له التصرف في كل شيء وتدبير أمر الخلق بما شاء ، وكيف شاء قال تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [ الشورى : 9] وقال : { ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ } [السجدة : 4] وقال : { أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ } [ يوسف : 101] وقال : { فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ } [ الشورى : 44] وفي معنى هذه الآيات قوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] ، وقوله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [ الأنفال : 24] .

وربما لحق بهذا الباب ولاية النصرة التي ذكرها لنفسه في قوله : { ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ } : سورة محمد ـ 11 ، وقوله : { فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ } [ التحريم : 4] ، وفي معنى ذلك قوله : { وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } { الروم : 47 }.

وذكر تعالى أيضا لنفسه الولاية على المؤمنين فيما يرجع إلى أمر دينهم من تشريع الشريعة والهداية والإرشاد والتوفيق ونحو ذلك كقوله تعالى : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ } : البقرة : 257 ، وقوله : { وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } { آل عمران : 68] وقوله : { وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } [ الجاثية : 19] ، وفي هذا المعنى قوله تعالى : { وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } [ الأحزاب : 36] .

فهذا ما ذكره الله تعالى من ولاية نفسه في كلامه ، ويرجع محصلها إلى ولاية التكوين وولاية التشريع ، وإن شئت سميتهما بالولاية الحقيقية والولاية الاعتبارية.

وقد ذكر الله سبحانه لنبيه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية وهي القيام بالتشريع والدعوة وتربية الأمة والحكم فيهم والقضاء في أمرهم ، قال تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [ الأحزاب : 6 ] ، وفي معناه قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ } [النساء : 105] ، وقوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] ، وقوله : { رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ } [ الجمعة : 2] ، وقوله : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44] وقوله : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [ النساء : 59 ] ، وقوله : { وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [ الأحزاب : 36 ] ، وقوله : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ } [ المائدة : 49]  ، وقد تقدم أن الله لم يذكر ولاية النصرة عليه للأمة .

ويجمع الجميع أن له صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله الولاية على الأمة في سوقهم إلى الله والحكم فيهم والقضاء عليهم في جميع شئونهم فله عليهم الإطاعة المطلقة فترجع ولايته صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله إلى ولاية الله سبحانه بالولاية التشريعية ، ونعني بذلك أن له صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله التقدم عليهم بافتراض الطاعة لأن طاعته طاعة الله ، فولايته ولاية الله كما يدل عليه بعض الآيات السابقة كقوله : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } (الآية) وقوله : { وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } (الآية) وغير ذلك.

وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } على ما عرفت من دلالة السياق على كون هذه الولاية ولاية واحدة هي لله سبحانه بالأصالة ولرسوله والذين آمنوا بالتبع وبإذن منه تعالى.

ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله تعالى في الآية غير المنسوبة إلى الذين آمنوا ـ والمقام مقام الالتباس ـ كان الأنسب أن تفرد ولاية أخرى للمؤمنين بالذكر رفعا للالتباس كما وقع نظيره في نظيرها ، قال تعالى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } : التوبة. 61 ، فكرر لفظ الإيمان لما كان في كل من الموضعين لمعنى غير الآخر ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [ النساء ـ 59 ] ، في الجزء السابق على هذا الجزء من الكتاب.

على أن لفظ { وَلِيُّكُمُ } أتي به مفردا وقد نسب إلى الذين آمنوا وهو جمع ، وقد وجهه المفسرون بكون الولاية ذات معنى واحد هو لله سبحانه على الأصالة ولغيره بالتبع.

وقد تبين من جميع ما مر أن القصر في قوله : { إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ } " إلخ " ، لقصر الإفراد كان المخاطبين يظنون أن الولاية عامة للمذكورين في الآية وغيرهم فأفرد المذكورون للقصر ، ويمكن بوجه أن يحمل على قصر القلب .

قوله تعالى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ } بيان للذين آمنوا المذكور سابقا ، وقوله : { وَهُمْ راكِعُونَ } حال من فاعل { يُؤْتُونَ } وهو العامل فيه.

والركوع هو الهيأة المخصوصة في الإنسان ، ومنه الشيخ الراكع ، ويطلق في عرف الشرع على الهيأة المخصوصة في العبادة ، قال تعالى : { الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ } [التوبة : 112] وهو ممثل للخضوع والتذلل لله ، غير أنه لم يشرع في الإسلام في غير حال الصلاة بخلاف السجدة .

ولكونه مشتملا على الخضوع والتذلل ربما أستعير لمطلق التذلل والخضوع أو الفقر والإعسار الذي لا يخلو عادة عن التذلل للغير .

قوله تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ } ، التولي هو الأخذ وليا ، و { الَّذِينَ آمَنُوا } مفيد للعهد والمراد به المذكور في الآية السابقة : { وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ } ، " إلخ " ، وقوله : { فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ } واقع موقع الجزاء وليس به بل هو من قبيل وضع الكبرى موضع النتيجة للدلالة على علة الحكم ، والتقدير : ومن يتول فهو غالب لأنه من حزب الله وحزب الله هم الغالبون ، فهو من قبيل الكناية عن أنهم حزب الله .

والحزب على ما ذكره الراغب جماعة فيها غلظ ، وقد ذكر الله سبحانه حزبه في موضع آخر من كلامه قريب المضمون من هذا الموضع ، ووسمهم بالفلاح فقال : { (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ـ إلى أن قال : ـ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة ـ 22} .

والفلاح الظفر وإدراك البغية التي هي الغلبة والاستيلاء على المراد ، وهذه الغلبة والفلاح هي التي وعدها الله المؤمنين في أحسن ما وعدهم به وبشرهم بنيله ، قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1] ، والآيات في ذلك كثيرة ، وقد أطلق اللفظ في جميعها ، فالمراد الغلبة المطلقة والفلاح المطلق أي الظفر بالسعادة والفوز بالحق والغلبة على الشقاء ، وإدحاض الباطل في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فبالحياة الطيبة التي توجد في مجتمع صالح من أولياء الله في أرض مطهرة من أولياء الشيطان على تقوى وورع ، وأما في الآخرة ففي جوار رب العالمين .

_______________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص5-14 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هاتين الآيتين (1) :

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة : 55] .

ابتدأت هذه الآية بكلمة «إنّما» التي تفيد الحصر ، وبذلك حصرت ولاية أمر المسلمين في ثلاث هم : الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والذين آمنوا وأقاموا الصّلاة وأدوا الزّكاة وهم في  حالة الركوع في الصّلاة كما تقول الآية : {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}.

ولا شك أنّ الرّكوع المقصود في هذه الآية هو ركوع الصّلاة ولا يعني الخضوع ، لأنّ الشارع المقدس اصطلح في القرآن على كلمة الرّكوع للدلالة على الركن الرّابع للصلاة  .

وبالإضافة إلى الرّوايات الواردة في شأن نزول الآية ، والتي تتحدث عن تصدق علي بن أبي طالب عليه‌ السلام بخاتمه في الصّلاة ـ وسنتطرق إليها بالتفصيل ـ فإنّ جملة {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} تعتبر دليلا على هذا الأمر ، وليس في القرآن أثر عن  ضرورة أداء الزّكاة مقرونة بالخضوع ، بل ورد التأكيد على دفع الزّكاة بنيّة خالصة وبدون منة.

كما لا شك في أنّ كلمة «الولي» الواردة في هذه الآية ، لا تعني الناصر والمحب ، لأنّ الولاية التي هي بمعنى الحب أو النصرة لا تنحصر في من يؤدون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ، بل تشمل كل المسلمين الذين يجب أن يتحابوا فيما بينهم وينصر بعضهم البعض ، حتى أولئك الذين لا زكاة عليهم ، أو لا يمتلكون ـ أساسا ـ شيئا ليؤدوا زكاته ، فكيف يدفعون الزّكاة وهم في حالة الركوع؟! هؤلاء كلهم يجب أن يكونوا أحباء فيما بينهم وينصر بعضهم البعض الآخر.

ومن هنا يتّضح لنا أنّ المراد من كلمة «ولي» في هذه الآية ، هو ولاية الأمر والإشراف وحق التصرف والزعامة المادية والمعنوية ، خاصّة وقد جاءت مقترنة مع ولاية النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وولاية الله حيث  جاءت الولايات الثلاث في جملة واحدة.

وبهذه الصورة فإن الآية تعتبر نصّا قرآنيا يدل على ولاية وإمامة علي بن أبي طالب عليه‌ السلام للمسلمين.

{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 56] .

جاءت هذه الآية مكملة لمضمون الآية السابقة ، وهي تؤكّد وتتابع الهدف المقصود في تلك الآية ، وتعلن للمسلمين أنّ النصر سيكون حليف أولئك الذين يقبلون القيادة المتمثلة في الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين أشارت إليهم الآية السابقة.

وتصف الآية الذين قبلوا بهذه القيادة بأنّهم من حزب الله المنصورون دائما ، حيث تقول {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ}.

وتشتمل هذه الآية ـ أيضا ـ على قرينة أخرى تؤكّد المعنى المذكور في تفسير الآية السابقة لكلمة (الولاية) وهو الإشراف والتصرف والزعامة ، لأنّ عبارة (حزب الله) والتأكيد على أنّ الغلبة تكون لهذا الحزب ـ في الآية ـ لهما صلة بالحكومة الإسلامية ، ولا علاقة لهما بقضية الصداقة التي هي أمر بسيط وعادي ، وهذا يؤكّد بنفسه أنّ الولاية ـ الواردة في الآية ـ تعني الأشرف والحكم القيادة بالإسلام والمسلمين ، لأنّ معنى الحزب يتضمن التنظيم والتضامن والاجتماع لتحقيق أهداف مشتركة.

ويجب الانتباه إلى نقطة مهمّة وهي أنّ المراد بعبارة {الَّذِينَ آمَنُوا} الواردة في هذه الآية ليسوا جميع الأفراد المؤمنين ، بل  ذلك الشخص الذي ذكر في الآية السابقة وأشير إليه بأوصاف معينة.

أمّا قضية الغلبة أو الإنتصار كفلته الآية لحزب الله فهل هو الإنتصار المعنوي وحده ، أم يشمل الإنتصار على كل الأصعدة وفي جميع المجالات المادية والمعنوية؟

لا شك أنّ الإطلاق في الآية الكريمة يدل على الإنتصار الشامل في جميع الجبهات ، وبديهي أنّ أي جماعة تنضوي تحت لواء حزب الله ، أي تتحلى بالإيمان القوي وتلتزم التقوى وتدأب على العمل الصالح وتسعى إلى الاتحاد والتكافل والتضامن وتتمتع بالوعي الكافي ، فهي لا شك ستنال النصر في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة ، والعجز الذي نشهده اليوم بين المسلمين عن نيل مثل هذا الإنتصار إنّما هو بسبب افتقارهم ـ في الغالب ـ إلى الصفات التي ذكرناها أعلاه ، والتي هي صفات الأفراد المنضوين تحت لواء حزب الله ، ولذلك فهم بدلا من أن يستخدموا قواهم وطاقاتهم في طرد الأعداء وحل مشاكلهم الاجتماعية يصرفون هذه القوى في إضعاف بعضهم البعض .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 547-557 .

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي