المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16384 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (6-9) من سورة الفتح  
  
2333   02:26 مساءً   التاريخ: 8-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة الفتح /

قال تعالى :  {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الفتح: 6 - 9].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما تقدم الوعد للمؤمنين عقبه سبحانه بالوعيد للكافرين فقال {ويعذب} الله {المنافقين والمنافقات} وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الشرك فالنفاق إسرار الكفر وإظهار الإيمان أخذ من نافقاء اليربوع وهو أن يجعل لسربه بابين يظهر أحدهما ويخفي الآخر فإذا أتي من الظاهر خرج من الآخر {والمشركين والمشركات} وهم الذين يعبدون مع الله غيره {الظانين بالله ظن السوء} أي يتوهمون أن الله ينصرهم على رسوله وذلك سوء أي قبيح والسوء المصدر والسوء الاسم وقيل هو ظنهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يعود إلى موضع ولادته أبدا وقيل هو ظنهم أن لن يبعث الله أحدا ومثله وظننتم ظن السوء {عليهم دائرة السوء} أي يقع عليهم العذاب والهلاك والدائرة هي الراجعة بخير أوشر قال حميد بن ثور : (ودائرات الدهر أن تدورا) . وقيل إن من قرأ بالضم فالمراد دائرة العذاب ومن قرأ بالفتح فالمراد ما جعله للمؤمنين من قتلهم وغنيمة أموالهم {وغضب الله عليهم ولعنهم} أي أبعدهم من رحمته {وأعد لهم جهنم} يجعلهم فيها {وساءت مصيرا} أي م آلا ومرجعا {ولله جنود السماوات والأرض} إنما كرر لأن الأول متصل بذكر المؤمنين أي فله الجنود التي يقدر أن يعينكم بها والثاني متصل بذكر الكافرين أي فله الجنود التي يقدر على الانتقام منهم بها {وكان الله عزيزا} في قهره وانتقاله {حكيما} في فعله وقضائه ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {إنا أرسلناك} يا محمد {شاهدا} على أمتك بما عملوه من طاعة ومعصية وقبول ورد أو شاهدا عليهم بتبليغ الرسالة {ومبشرا} بالجنة لمن أطاع {ونذيرا} من النار لمن عصى ثم بين سبحانه الغرض بالإرسال فقال {لتؤمنوا بالله} من قرأ ليؤمنوا بالياء فالمعنى ليؤمن هؤلاء الكفار بالله {ورسوله وتعزروه} أي تنصروه بالسيف واللسان والهاء تعود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) {وتوقروه} أي تعظموه وتبجلوه {وتسبحوه بكرة وأصيلا} أي وتصلوا(2) بالغداة والعشي وقيل معناه وتنزهوه عما لا يليق به وكثير من القراء اختاروا الوقف على {وتوقروه} لاختلاف الضمير فيه وفيما بعده وقيل {وتعزروه} أي وتنصروا الله {وتوقروه} أي وتعظموه وتطيعوه كقوله لا ترجون لله وقارا وعلى هذا فتكون الكنايات متفقة وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر أن الله سبحانه يريد من الكفار الكفر لأنه صرح هنا أنه يريد من جميع المكلفين الإيمان والطاعة.

 __________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص187-188.

2- [الله].

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات(1) :

{ويُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ والْمُنافِقاتِ والْمُشْرِكِينَ والْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهُمْ وأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيراً }.

السوء القبح والشر والفساد ، وظن السوء وسوء الظن بمعنى واحد ، والمراد هنا بظن السوء باللَّه تعالى الظن بأنه ، جلت حكمته ، لن يبعث من في القبور ،

ولن ينصر الإسلام ونبي الإسلام ، وما إلى ذلك من ظنون المنافقين والمشركين . .

ومعنى الآية بمجملها ان اللَّه كما أعد لأهل الايمان جنات النعيم فقد أعد أيضا للذين أساؤا به الظن كأهل النفاق والشرك ، أعد لهم الشر يحيط بهم من كل جانب ، والغضب واللعنة وسوء المصير ، نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها .

{ولِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والأَرْضِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} . ذكر سبحانه هذه الآية حين أشار إلى أهل الايمان وثوابهم في الآية السابقة ، وذكرها هنا وهو يشير إلى أهل النفاق والشرك ، والقصد من التكرار التنبيه إلى انه تعالى قادر على الإنعام والانتقام كي يعمل العبد بطاعة اللَّه أملا بثوابه ، ويبتعد عن معصيته خوفا من عذابه { إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً } . يشهد غدا الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) بين يدي اللَّه تعالى انه قد بلَّغ العباد ما أوحى به إليه ، وبشّر الطائع بالنجاة ، وحذر العاصي من الهلاك . وتقدمت هذه الآية بالحرف الواحد في سورة الأحزاب الآية 45 ج 6 ص 228 .

{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلًا } . الهاء في تعزروه وتوقروه راجعة إلى دين اللَّه ، وقيل : إلى رسول اللَّه . . والمعنى واحد ، والهاء في تسبحوه إلى اللَّه بالذات ، والمراد بالتسبيح في الغدو والعشي الصلوات الخمس . والمعنى ان اللَّه أرسل محمدا إلى الخلائق ليؤمنوا باللَّه ورسالة محمد ( صلى الله عليه واله ) وينتصروا لدين اللَّه بالذب عنه والجهاد في سبيله ، وليحترموا أحكام اللَّه بطاعتها والعمل بها ، ويحافظوا على الصلوات الخمس .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7، ص85-86.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} إلى آخر الآية معطوف على قوله: {يدخل} بالمعنى الذي تقدم، وتقديم المنافقين والمنافقات على المشركين والمشركات في الآية لكونهم أضر على المسلمين من أهل الشرك ولأن عذاب أهل النفاق أشد قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}.

وقوله: {الظانين بالله ظن السوء} السوء بالفتح فالسكون مصدر بمعنى القبح والسوء بالضم اسم مصدر، وظن السوء هو ظنهم أن الله لا ينصر رسوله وقيل: المراد بظن السوء ما يعم ذلك وسائر ظنونهم السيئة من الشرك والكفر.

وقوله: {عليهم دائرة السوء} دعاء عليهم أو قضاء عليهم أي ليستضروا بدائرة السوء التي تدور لتصيب من تصيب من الهلاك والعذاب.

وقوله: {وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم} معطوف على قوله: {عليهم دائرة} إلخ، وقوله: {وساءت مصيرا} بيان مساءة مصيرهم، كما أن قوله: {وكان ذلك عند الله فوزا عظيما} بيان لحسن مصير أهل الإيمان.

قوله تعالى: {ولله جنود السماوات والأرض} تقدم معناه، والظاهر أنه بيان تعليلي للآيتين أعني قوله: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات - إلى قوله - وأعد لهم جهنم} على حذو ما كان مثله فيما تقدم بيانا تعليليا لقوله: {أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} إلخ.

وقيل: إن مضمونه متعلق بالآية الأخيرة فهو تهديد لهم أنهم في قبضة قدرته فينتقم منهم، والوجه الأول أظهر.

وفصل ثان من آيات السورة يعرف سبحانه فيه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) تعريف إكبار وإعظام بأنه أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا طاعته طاعة الله وبيعته بيعة الله، وقد كان الفصل الأول امتنانا منه تعالى على نبيه بالفتح والمغفرة وإتمام النعمة والهداية والنصر وعلى المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم وإدخال الجنة ووعيد المشركين والمنافقين بالغضب واللعن والنار.

قوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} المراد بشهادته (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادته على الأعمال من إيمان وكفر وعمل صالح أو طالح، وقد تكرر في كلامه تعالى ذكر شهادته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقدم استيفاء الكلام في معنى هذه الشهادة، وهي شهادة حمل في الدنيا، وأداء في الآخرة.

وكونه مبشرا تبشيره لمن آمن واتقى بالقرب من الله وجزيل ثوابه، وكونه نذيرا إنذاره وتخويفه لمن كفر وتولى بأليم عذابه.

قوله تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} القراءة المشهورة بتاء الخطاب في الأفعال الأربعة، وقرأ ابن كثير وأبو عمر وبياء الغيبة في الجميع وقراءتهما أرجح بالنظر إلى السياق.

وكيف كان فاللام في {لتؤمنوا} للتعليل أي أرسلناك كذا وكذا لتؤمنوا بالله ورسوله.

والتعزير - على ما قيل - النصر والتوقير التعظيم كما قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [نوح: 13] ، والظاهر أن الضمائر في {تعزروه وتوقروه وتسبحوه} جميعا لله تعالى والمعنى: إنا أرسلناك كذا وكذا ليؤمنوا بالله ورسوله وينصروه تعالى بأيديهم وألسنتهم ويعظموه ويسبحوه – وهو الصلاة - بكرة وأصيلا أي غداة وعشيا.

وقيل: الضميران في {تعزروه وتوقروه} للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمير {تسبحوه} لله تعالى ويوهنه لزوم اختلاف الضمائر المتسقة.

___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص216-225.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 {ويعذّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانّين بالله ظنّ السوء}.

لقد ظنّ المنافقون حين تحرّك النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه المؤمنون من المدينة أن لا يعودوا نحوها سالمين كما تتحدّث عنهم الآية (12) من هذه السورة ذاتها فتقول: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح: 12].

كما ظنّ المشركون أيضاً أنّ محمّداً لن يعود إلى المدينة سالماً مع قلّة العَدد والعُدد وسيأفل كوكب الإسلام عاجلاً.. ثمّ يفصل القرآن ببيان عذاب هؤلاء وعقابهم ويجعله تحت عناوين أربعة فَيقول أوّلاً: {عليهم دائرة السوء}(2).

«الدائرة» في اللغة هي الحوادث وما ينجم عنها أو ما يتّفق للإنسان في حياته، فهي أعم من أن تكون حسنةً أو سيئة غير أنّها هنا بقرينة كلمة «السوء» يُراد منها الحوادث غير المطلوبة!.

وثانياً: {وغضب اللّه عليهم}.

وثالثاً: (ولعنهم).

ورابعاً وأخيراً : فإنّه بالمرصاد {وأعدّ لهم جهنّم وساءت مصيراً}(3).

والذي يسترعي الانتباه أنّه في الحديبيّة كان أغلبُ الحاضرين من المسلمين رجالاً، وفي مقابلهم من المنافقين والمشركين رجالاً أيضاً، غير أنّ الآيات الآنفة أشركت الرجال والنساء في ذلك الفوز العظيم، وهذا العذاب الأليم، وذلك لأنّ الرجال المؤمنين أو المنافقين الذين يقاتلون في «ساحات القتال» لا يحقّقون أهدافهم إلاّ أن تدعمهم النساء بالدعم اللازم.

وأساساً فإنّ الإسلام ليس دين الرجال فحسب فيُهمل شخصيّة المرأة، بل يهتمّ بها، في كلّ موطن يوهم الكلام بالاقتصار على الرجل مع عدم ذكر المرأة فيه يصرّح بذكرها ليُعلَم أنّ الإسلام دين الجميع دون استثناء رجالاً ونساءً.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة أُخرى إلى عظمة قدرة الله فتقول الآية: {ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً}.

وقد ورد هذا التعبير مرّةً في ذيل مقامات أهل الإيمان ومواهبهم، ومرّةً هنا في ذيل الآية التي تحكي عن عقاب المنافقين والمشركين.. ليتّضح أنّ الله الذي له جنود السماوات والأرض جميعاً قادر على الأمرين، فهو قادرٌ أن تشمل رحمته مستحقيها من عباده الصالحين وناصريه، كما أنّه قادر على أن ينزل غضبه وانتقامه ناراً تحرق المجرمين.

وممّا يستلفت النظر أنّ القرآن حين يذكر المؤمنين يصف الله بالعلم والحكمة، وهما يناسبان مقام الرحمة، ولكنّه حين يذكر المنافقين والمشركين يصف الله بالعزة والحكمة، وهما يناسبان العذاب!

ما المراد من «جنود السماوات والأرض»؟!

هذا التعبير له معنى واسع حيث يشمل الملائكة «وهي من جنود السماء» كما يشمل جنوداً أُخرَ كالصواعق والزلازل والطوفانات والسيول والأمواج والقوى الغيبية غير المرئية التي لا نعرف عنها شيئاً.. لأنّ جميع هذه الأشياء هي جنود الله وهي مطيعة لأوامره!.

مكانة النّبي وواجب الناس تجاهه!

قلنا إنّ بعض الجهلاء اعترضوا بشدّة على صلح الحديبيّة وحتى أنّ بعض تعبيراتهم لم تخل من عدم الإحترام بالنسبة إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وكان مجموع هذه الأُمور يستوجب أن يؤكّد القرآن مرّةً أُخرى على عظمة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وجلالة قدره!.

لذلك فإنّ الآية الأولى من الآيات أعلاه تخاطب النّبي فتقول: {إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً}.

وهذه ثلاثة أوصاف بارزة هي من أهم ما يتمتّع به النّبي من صفات ومقام. كونه «شاهداً» و «مبشّراً»، و «نذيراً».

«شاهداً» على جميع الأمّة الإسلامية، بل هو شاهد على جميع الأمم كما نقرأ هذا التعبير في الآية (41) من سورة النساء {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41].

ونقرأ في الآية (5) من سورة التوبة قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].

وأساساً فإنّ لكلّ إنسان شهوداً كثيرين!.

أولهم اللّه الذي هو عالم الغيب والشهادة المطّلع على جميع أعماله ونيّاته!.

ومن بعده الملائكة المأمورون بحفظ أعماله كما ورد التعبير في الآية (21) من سورة (ق) {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21] .

ثمّ أعضاء بدن الإنسان وحتى جلده شاهد عليه.. {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24].

وجاء في الآية 21 من سورة فصلت في هذا الصدد أيضاً: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي انطق كلّ شيء}.

و«الأرض» أيضاً، من زمرة الشهود وكما جاء في سورة الزلزلة {يومئذ تحدّث أخبارها}.

وطبقاً لبعض الروايات فإنّ «الزمان» أحد الشهود أيضاً، إذ نقرأ في بعض أحاديث الإمام علي (عليه السلام) قوله: «ما من يوم يمرّ على بني آدم إلاّ قال له ذلك اليوم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فافعل فيّ خيراً واعمل فيّ خيراً، اشهدُ لك يوم القيامة فإنّك لن تراني بعد هذا أبداً»(4)،(5).

ولاشك أنّ شهادة الله وحدها كافية، لكنّ تعدّد الشهود فيه إتمام للحجّة أكثر وله أثر تربويّ ـ أقوى ـ في الناس..

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن الكريم بيّن هذه الأوصاف الثلاثة وهي الشهادة والبشارة والانذار التي هي من الأوصاف الأساسية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لتكون مقدمة لما ورد في الآية التي بعدها.

وفي الآية التالية خمسة أوامر مهمّة ـ هي في الحقيقة بمثابة الهدف من سمات النبي المذكورة آنفاً: وتشكل أمرين في طاعة الله وتسبيحه وتقديره، وثلاثة أوامر منها في «طاعة» رسوله و«الدفاع عنه» و«تعظيم مقامه»، إذ تقول الآية: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه وتسبّحوه بكرةً وأصيلاً).

كلمة «تعزّروه» مشتقة من مادة تعزير، وهو في الأصل يعني «المنع» ثمّ توسّعوا فيه فأطلق على كلّ دفاع ونصرة وإعانة للشخص في مقابل أعدائه كما يطلق على بعض العقوبات المانعة عن الذنب «التعزير» أيضاً.

وكلمة «توقّروه» مشتقة من مادة توقير، وجذورها «الوقر» ومعناها الثِقَل.. فيكون معنى التوقير هنا التعظيم والتكريم.

وطبقاً لهذا التّفسير فإنّ الضميرين في «تعزّروه» و«توقّروه» يعودان على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والهدف من ذلك هو الدفاع عنه بوجه أعدائه وتعظيمه واحترامه «وقد اختار هذا التّفسير الشيخ الطوسي في «التبيان» و «الطبرسي» في مجمع البيان وغيرهما أيضاً».

غير أنّ جماعة من المفسّرين (6) ذهبوا إلى أنّ جميع الضمائر في الآية تعود على الله، والمراد بالتعزير والتوقير هنا نصرة دين الله وتعظيمه وتكريمه دينه ودليلهم على هذا التّفسير انسجام جميع الضمائر بعضها مع بعض.

غير أنّ التّفسير الأوّل يبدو أقرب، لأنّ «التعزير» أولاً: معناه في الأصل المنع وذبُّ الأعداء والدفاع عن «الشخص»، ولا يصحّ ذلك في شأن الله إلاّ على سبيل «المجاز» فحسب!

وأهمُ من ذلك هو شأن نزول الآية، إذ أنّها نزلت بعد صلح الحديبية وكان بعضهم يسيءُ التعامل مع النّبي ولا يحترم مقامه الكريم، وقد نزلت الآية لتنبه المسلمين على ما ينبغي عليهم من الوظائف بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثمّ لا ينبغي أن ننسى أنّ الآية هي بمثابة النتيجة للآية السابقة التي وصفت النّبي بأنّه «شاهدٌ ومبشرٌ ونذير» وهذا الأمر يهيء الأرضية المناسبة للآية التي بعدها.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة قصيرة إلى مسألة «بيعة الرضوان» وقد جاء التفصيل عنها في الآية (18) من السورة ذاتها!

وتوضيح ذلك هو: كما قلناه آنفاً إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى في منامه كما تقول التواريخ أنّه دخل مع أصحابه مكّة، فتوجّه على أثر هذه الرؤيا مع ألف وأربعمائة صحابي إلى مكّة، إلاّ أنّ قريشاً صمّمت على منعه وهو على مقربة من مكّة.. فتوقف النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه في منطقة الحديبيّة.. وتمّ تبادل المبعوثين بين قريش والنّبي حتى انتهى الأمر إلى معاهدة صلح الحديبيّة!

وفي عملية تبادل السفراء والمبعوثين، أُمر عثمان مرّةً أن يبلغ أهل مكّة ـ من قِبل النّبي ـ أنّه لا يريد الحرب ولا القتال وإنّما يريد العمرة فحسب، إلاّ أنّ المشركين من أهل مكّة أوقفوا عثمان مؤقتاً وكان هذا الأمر سبباً أن يشيع بين المسلمين خبر قتل عثمان، ولوكان هذا الموضوع صحيحاً لكان دليلاً على إعلان قريش الحرب ومنازلة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك فإنّ النّبي قال: «لا نبارح مكاننا «الحديبيّة» حتى نأخذ البيعة من قومنا»، فطلب تجديد البيعة.. فاجتمع المسلمون وبايعوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت شجرة هناك على أن لا يتركوا النبي وراءهم ظِهريّاً وأن يقاتلوا مع النّبي أعداءه ويذبّوا عنه ما دام فيهم طاقة على ذلك.

فبلغ هذا الأمر سمع المشركين ودبّ الرعب فيهم، وهذا ما دعاهم إلى الصلح مع النبي. ومن هنا سمّيت مبايعة المسلمين نبيّهم تحت الشجرة بيعة الرضوان حيث وردت الإشارة إليها في الآية (18) من السورة ذاتها: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن يتحدّث عن مبايعة المسلمين في الآية محلّ البحث فيقول: {إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}!

و«البيعة» معناها المعاهدة على اتّباع الشخص وطاعته، وكان المرسوم أو الشائع بين الناس أنّ الذي يعاهد الآخر ويبايعه يمد يده إليه ويظهر وفاءه ومعاهدته عن هذا الطريق لذلك الشخص أو لذلك «القائد» المبايَع!.

وحيث أنّ الناس يمدّون أيديهم «بعضهم إلى بعض» عند البيع وما شاكله من المعاملات ويعقدون المعاملة بمد الأيدي و«المصافحة» فقد أطلقت كلمة «البيعة» على هذه العقود والعهود أيضاً. وخاصةً أنّهم عند «البيعة» كأنّما يقدّمون أرواحهم لدى العقد مع الشخص الذي يظهرون وفاءهم له.

وعلى هذا يتّضح معنى (يد الله فوق أيديهم).. إذ إنّ هذا التعبير كناية عن أنّ بيعة النّبي هي بيعة الله، فكأنّ الله قد جعل يده على أيديهم فهم لا يبايعون النّبي فحسب بل يبايعون الله، وأمثال هذه الكناية كثيرة في اللغة العربية!.

وبناءً على هذا التّفسير فإنّ من يرى بأنّ معنى هذه الجملة (يد الله فوق أيديهم)هو أنّ قدرة الله فوق قدرتهم أو أنّ نصرة الله أعظم من نصرة الناس وأمثال ذلك لا يتناسب تأويله مع شأن نزول الآية ومفادها وإن كان هذا الموضوع بحدِّ ذاته صحيحاً.

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلاً: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] (7).

كلمة «نكث» مشتقة من «نكْث» ومعناها الفتح والبسط ثمّ استعملت في نقض العهد(8).

والقرآن في هذه الآية يُنذر جميع المبايعين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ يثبتوا على عهدهم وبيعتهم فمن ثبت على العهد فسيؤتيه الله أجراً عظيماً ومن نَكث فإنّما يعود ضرره عليه ولا ينال الله ضررُه أبداً.. بل إنّه يهدّد وجود المجتمع وكرامته وعظمته ويعرّضه للخطر بنقضه البيعة!.

وقد ورد ـ في كلام ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «إنّ في النّار لمدينة يقال لها الحصينة، أفلا تسألوني ما فيها؟! فقيل له: ما فيها يا أمير المؤمنين؟! قال: فيها أيدي الناكثين»(9).

ومن هنا يتّضح بجلاء قبح نقض البيعة من وجهة نظر الإسلام!! وفي هذا المجال هناك بحوث في «البيعة في الإسلام» وحتى «قبل الإسلام» وكيفية البيعة وأحكامها ستأتي بأذن الله في ذيل الآية (18) من هذه السورة ذاتها!.

__________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج13، ص28-

2 ـ «سَوْء» على زنة «نوع» كما يقول صاحب صحاح اللغة فيه معنى مصدري، والسُوء) على وزن (نُور) اسم مصدر، غير أنّ صاحب الكشّاف يقول أنّ كليهما، بمعنى واحد.

3- ((مصير )) وردت بمعاني مختلفة حيث يصل الانسان واحد تلو الاخر .

4 ـ نور الثقلين، ج5، ص112.

5 ـ مرّ البحث عن الشهود في محكمة القيامة ذيل الآيات 20 ـ 22 من سورة فصلت.

6 ـ منهم الزمخشري في «الكشاف» والآلوسي في «روح المعاني» و«الفيض الكاشاني» في

تفسير الصافي و «العلاّمة الطباطبائي في الميزان».

7 ـ ينبغي الإلتفات إلى أنّ كلمة (عليهُ) في الآية الآنفة جاءت على خلاف ما نعهده، إذ ضُمّ الضمير وهو الهاء هنا، وقد وجّه بعض المفسّرين إلى أنّ هذا أصله «هو» وبعد حذف الواو يأتي مضموناً أحياناً مثل له وعنه ويأتي مكسوراً أحياناً لأنه يلي الياء ككلمة «عليه الله» وحيث أنّ كلمة «عليه» هنا تلاها لفظ الجلالة فقد ضم الضمير في «عليه» ينسجم مع تضخيم اللام في لفظ الجلالة «الله».

8 ـ «النكث» بفتح النون مصدر و«النِكث» بكسر النون اسم مصدر.

9 ـ بحار الأنوار، الجزء 67، الصفحة 186.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول جهود علماء البصرة في نشر الحديث
قسم الشؤون الفكرية يختتم برنامجاً ثقافياً لوفدٍ من جامعة البصرة
جامعة الكفيل تعقد ورشة عمل عن إجراءات عمل اللجان الامتحانيّة
قسم التطوير يُقيم دورة أخلاقيّات المهنة ضمن برنامج تأهيل المنتسبين الجدد