أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-10-2017
15530
التاريخ: 30-9-2017
8250
التاريخ: 3-10-2017
10618
التاريخ: 3-10-2017
12621
|
قال تعالى : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوغَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1 - 4].
{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها أي تراجعك في أمر زوجها عن أبي العالية {وتشتكي إلى الله} وتظهر شكواها وما بها من المكروه فتقول اللهم إنك تعلم حالي فارحمني فإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا {والله يسمع تحاوركما} أي تخاطبكما ومراجعتكما الكلام {إن الله سميع بصير} أي يسمع المسموعات ويرى المرئيات والسميع البصير من هو على حالة يجب لأجلها أن يسمع المسموعات ويبصر المبصرات إذا وجدتا وذلك يرجع إلى كونه حيا لا آفة به.
ثم قال سبحانه يذم الظهار {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} أي يقولون لهن أنتن كظهور أمهاتنا {ما هن أمهاتهم} أي ما اللواتي تجعلونهن من الزوجات كالأمهات بأمهات أي لسن بأمهاتهم {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} أي ما أمهاتهم إلا الوالدات {وإنهم} يعني المظاهرين {ليقولون منكرا من القول} لا يعرف في الشرع {وزورا} أي كذبا لأن المظاهر إذا جعل ظهر امرأته كظهر أمه وليست كذلك كان كاذبا {وإن الله لعفو غفور} عفا عنهم وغفر لهم وأمرهم بالكفارة.
ثم بين سبحانه حكم الظهار فقال {والذين يظاهرون من نسائهم} يعني الذين يقولون القول الذي حكيناه {ثم يعودون لما قالوا} اختلف المفسرون والفقهاء في معنى العود هنا فقيل إنه العزم على وطئها عن قتادة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وقيل العود هوأن يمسكها بالعقد ولا يتبع الظهار بطلاق وذلك أنه إذا ظاهر منها فقد قصد التحريم فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه ولا كفارة وإذا سكت عن الطلاق بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلق فيه فذلك الندم منه على ما ابتدأه وهو عود إلى ما كان عليه فحينئذ تجب الكفارة وهو مذهب الشافعي واستدل على ذلك بما روي عن ابن عباس أنه فسر العود في الآية بالندم فقال يندمون ويرجعون إلى الألفة وقال الفراء يعودون لما قالوا وإلى ما قالوا وفيما قالوا معناه يرجعون عما قالوا يقال عاد لما فعل أي نقض ما فعل ويجوز أن يقال عاد لما فعل يريد فعله مرة أخرى وقيل إن العود هو أن يكرر لفظ الظهار عن أبي العالية وهو مذهب أهل الظاهر واحتجوا بأن ظاهر لفظ العود يدل على تكرير القول.
قال أبو علي الفارسي ليس في هذا ظاهر كما ادعوا لأن العود قد يكون إلى شيء عليه قبل وقد سميت الآخرة معادا ولم يكن فيها أحد ثم صار إليها وقال الأخفش تقدير الآية والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم أي فعليهم تحرير رقبة لما نطقوا به من ذكر التحريم . والتقديم والتأخير كثير في التنزيل.
وأما ما ذهب إليه أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو أن المراد بالعود إرادة الوطء ونقض القول الذي قاله فإن الوطء لا يجوز له إلا بعد الكفارة ولا يبطل حكم قوله الأول إلا بعد الكفارة {فتحرير رقبة} أي فعليهم تحرير رقبة {من قبل أن يتماسا} أي من قبل أن يجامعها فيتماسا والتحرير هو أن يجعل الرقبة المملوكة حرة بالعتق بأن يقول المالك لمن يملكه أنت حر.
{ذلكم توعظون به} أي ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به أي أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار قاله الزجاج {والله بما تعملون خبير} أي عليم بأعمالكم فلا تدعوا ما وعظكم به من الكفارة قبل الوطء فيعاقبكم عليه {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} أي فمن لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين قبل الجماع والتتابع عند أكثر الفقهاء أن يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما وقال أصحابنا أنه إذا صام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما واحدا ثم أفطر لغير عذر فقد أخطأ إلا أنه يبني عليه ولا يلزمه الاستئناف وإن أفطر قبل ذلك استأنف ومتى بدأ بالصوم وصام بعض ذلك ثم وجد الرقبة لا يلزمه الرجوع إليها وإن رجع كان أفضل وقال قوم أنه يلزمه الرجوع إلى العتق.
وقوله {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} أي فمن لم يطق الصوم لعلة أو كبر فإطعام ستين مسكينا فعليه إطعام ستين فقيرا لكل مسكين نصف صاع عند أصحابنا فإن لم يقدر فمد {ذلك} أي افترض ذلك الذي وصفناه {لتؤمنوا بالله ورسوله} أي لتصدقوا بما أتى به الرسول وتصدقوا بأن الله أمر به {وتلك حدود الله} يعني ما وصفه من الكفارات في الظهار أي هي شرائع الله وأحكامه {وللكافرين عذاب أليم} أي وللجاحدين المتعدين حدود الله عذاب مؤلم في الآخرة.
_________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص410-411.
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ واللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ بَصِيرٌ} . يقول سبحانه لنبيه الكريم : قد علم اللَّه حال المرأة وما راجعتك به من الكلام في أمر زوجها ، وأيضا علم شكواها إلى اللَّه واستغاثتها به ، وقد استجاب دعاءها ورحم تضرعها {إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ بَصِيرٌ} لا تخفى عليه خافية ، ثم بيّن سبحانه حكم هذه الحادثة وأمثالها بقوله :
1 - {الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وزُوراً} . الظهار محرم في دين اللَّه لأنه كذب مخالف للواقع ، وكيف تكون الزوجة اما {إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} .
{وإِنَّ اللَّهً لَعَفُو غَفُورٌ} لمن تاب وأناب ، وقال بعض الفقهاء : ان الظهار محرم ما في ذلك ريب لأن اللَّه وصفه بالمنكر والزور ، ولكن لا عقاب على فاعله لأنه اقترن بالعفو. وردّ الشهيد الثاني هذا القول بأن العفو في الآية عام ولا يختص بالظهار .
2 - {والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} . يعودون لما قالوا أي يظاهرون ثم يندمون . ويرجعون عن قولهم .
قال ابن هشام في المغني : تأتي اللام بمعنى عن كقوله تعالى : {ولا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً} - 31 هود أي لا أقول عن الذين الخ .
وأيضا تأتي بمعنى في كقوله تعالى : ونَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ - 47 الأنبياء أي في يوم القيامة ، وعليه يكون المعنى يعودون فيما قالوا أو عما قالوا .
واختلف الفقهاء في المراد بالمسيس ، فقال جماعة : المراد به كل مسيس أخذا بالإطلاق اللغوي . وقال آخرون : المراد به خصوص المضاجعة . وليس هذا ببعيد عن طريقة القرآن فقد جاء في الآية 237 من سورة البقرة : {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أي تضاجعوهن باتفاق الفقهاء .
{ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} . ذلكم إشارة إلى وجوب الكفارة على الظهار ، والمراد بالوعظ هنا الزجر ، والمعنى ان اللَّه سبحانه فرض الكفارة
في الظهار لتكون زاجرا ورادعا عن الإقدام عليه لأنه منكر وزور ، واللَّه يعلم المطيع والعاصي من عباده ويعامل كلا بما يستحق .
3 - {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} . اتفقوا على أن من قال لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي فلا يحل له وطؤها حتى يكفّر بعتق رقبة ، فإن عجز عن العتق صام شهرين متتابعين ، فإن عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا ، وأيضا اتفقوا على أنه إذا وطئها قبل أن يكفّر يعتبر عاصيا ، ولكن الإمامية أوجبوا عليه ، والحال هذه ، كفارتين .
واشترط الإمامية لصحة الظهار أن يقع بحضور عدلين يسمعان قول الزوج ، وأن تكون الزوجة في طهر لم يواقعها فيه تماما كما هو الشأن في المطلقة ، كما اشترط المحققون منهم ان تكون مدخولا بها ، وإلا فلا ظهار . والتفصيل في كتب الفقه .
{ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ} . سهّل سبحانه شريعته على عباده ليؤمنوا بها ، ولتكون حجة بالغة على من خاصمها وأعرض عن أحكامها {وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} فقفوا عندها ولا تعتدوها {ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ} بتحديهم شريعة اللَّه وأحكامه ، وفيه إيماء إلى ان من خالف الشريعة الإلهية فهو بحكم الكافر .
_______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص265-266.
تتعرض السورة لمعان متنوعة من حكم وأدب وصفة فشطر منها في حكم الظهار والنجوى وأدب الجلوس في المجالس وشطر منها يصف حال الذين يحادون الله ورسوله، والذين يوادون أعداء الدين ويصف الذين يتحرزون من موادتهم من المؤمنين ويعدهم وعدا جميلا في الدنيا والآخرة.
والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} إلخ، قال في المجمع،: الاشتكاء إظهار ما بالإنسان من مكروه، والشكاية إظهار ما يصنعه به غيره من المكروه.
قال: والتحاور التراجع وهي المحاورة يقال: حاوره محاورة أي راجعه الكلام وتحاورا.
انتهى.
الآيات الأربع أوالست نزلت في الظهار وكان من أقسام الطلاق عند العرب الجاهلي كان الرجل يقول لامرأته: أنت مني كظهر أمي فتنفصل عنه وتحرم عليه مؤبدة وقد ظاهر بعض الأنصار من امرأته ثم ندم عليه فجاءت امرأته إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسائله فيه لعلها تجد طريقا إلى رجوعه إليها وتجادله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك وتشتكي إلى الله فنزلت الآيات.
والمراد بالسمع في قوله: {قد سمع الله} استجابة الدعوة وقضاء الحاجة من باب الكناية وهو شائع والدليل عليه قوله: {تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} الظاهر في أنها كانت تتوخى طريقا إلى أن لا تنفصل عن زوجها، وأما قوله: {والله يسمع تحاوركما} فالسمع فيه بمعناه المعروف.
والمعنى: قد استجاب الله للمرأة التي تجادلك في زوجها - وقد ظاهر منها - وتشتكي غمها وما حل بها من سوء الحال إلى الله والله يسمع تراجعكما في الكلام أن الله سميع للأصوات بصير بالمبصرات.
قوله تعالى: {الذين يظاهرون من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} إلخ، نفي لحكم الظهار المعروف عندهم وإلغاء لتأثيره بالطلاق والتحريم الأبدي بنفي أمومة الزوجة للزوج بالظهار فإن سنة الجاهلية تلحق الزوجة بالأم بسبب الظهار فتحرم على زوجها حرمة الأم على ولدها حرمة مؤبدة.
فقوله: {ما هن أمهاتهم} أي بحسب اعتبار الشرع بأن يلحقن شرعا بهن بسبب الظهار فيحرمن عليهم أبدا ثم أكده بقوله: {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} أي ليس أمهات أزواجهن إلا النساء اللاتي ولدنهم.
ثم أكد ذلك ثانيا بقوله: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} بما فيه من سياق التأكيد أي وإن هؤلاء الأزواج المظاهرين ليقولون بالظهار منكرا من القول ينكره الشرع حيث لم يعتبره ولم يسنه، وكذبا باعتبار أنه لا يوافق الشرع كما لا يطابق الخارج الواقع في الكون فأفادت الآية أن الظهار لا يفيد طلاقا وهذا لا ينافي وجوب الكفارة عليه لو أراد المواقعة بعد الظهار فالزوجية على حالها وإن حرمت المواقعة قبل الكفارة.
وقوله: {وإن الله لعفو غفور} لا يخلو من دلالة على كونه ذنبا مغفورا لكن ذكر الكفارة في الآية التالية مع تذييلها بقوله: {وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} ربما دل على أن المغفرة مشروطة بالكفارة.
قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} إلخ، الكلام في معنى الشرط ولذلك دخلت الفاء في الخبر لأنه في معنى الجزاء والمحصل: أن الذين ظاهروا منهن ثم أرادوا العود لما قالوا فعليهم تحرير رقبة.
وفي قوله: {من قبل أن يتماسا} دلالة على أن الحكم في الآية لمن ظاهر ثم أراد الرجوع إلى ما كان عليه قبل الظهار وهو قرينة على أن المراد بقوله: {يعودون لما قالوا} إرادة العود إلى نقض ما أبرموه بالظهار.
والمعنى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يريدون أن يعودوا إلى ما تكلموا به من كلمة الظهار فينقضوها بالمواقعة فعليهم تحرير رقبة من قبل أن يتماسا.
وقيل: المراد بعودهم لما قالوا ندمهم على الظهار، وفيه أن الندم عليه يصلح أن يكون محصل المعنى لا أن يكون معنى الكلمة {يعودون لما قالوا}.
وقيل: المراد بعودهم لما قالوا رجوعهم إلى ما تلفظوا به من كلمة الظهار بأن يتلفظوا بها ثانيا وفيه أن لازمه ترتب الكفارة دائما على الظهار الثاني دون الأول والآية لا تفيد ذلك والسنة إنما اعتبرت تحقق الظهار دون تعدده.
ثم ذيل الآية بقوله: {ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير} إيذانا بأن ما أمر به من الكفارة توصية منه بها عن خبره بعملهم ذاك، فالكفارة هي التي ترتفع بها ما لحقهم من تبعة العمل.
قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} إلى آخر الآية خصلة ثانية من الكفارة مترتبة على الخصلة الأولى لمن لا يتمكن منها وهي صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، وقيد ثانيا بقوله: {من قبل أن يتماسا} لدفع توهم اختصاص القيد بالخصلة الأولى.
وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} بيان للخصلة الثالثة فمن لم يطق صيام شهرين متتابعين فعليه إطعام ستين مسكينا وتفصيل الكلام في ذلك كله في الفقه.
وقوله: {ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله} أي ما جعلناه من الحكم وافترضناه من الكفارة فأبقينا علقة الزوجية ووضعنا الكفارة لمن أراد أن يرجع إلى المواقعة جزاء بما أتى بسنة من سنن الجاهلية كل ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وترفضوا أباطيل السنن.
وقوله: {وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} حد الشيء ما ينتهي إليه ولا يتعداه وأصله المنع، والمراد أن ما افترضناه من الخصال أو ما نضعها من الأحكام حدود الله فلا تتعدوها بالمخالفة وللكافرين بما حكمنا به في الظهار أو بما شرعناه من الأحكام بالمخالفة والمحادة عذاب أليم.
والظاهر أن المراد بالكفر رد الحكم والأخذ بالظهار بما أنه سنة مؤثرة مقبولة، ويؤيده قوله: {ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله} أي تذعنوا بأن حكم الله حق وأن رسوله صادق أمين في تبليغه، وقد أكده بقوله: {وتلك حدود الله} إلخ، ويمكن أن يكون المراد بالكفر الكفر في مقام العمل وهو العصيان.
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19156-158.
الظهار عمل جاهلي قبيح:
بالنظر إلى ما قيل في سبب النزول، وكذلك طبيعة الموضوعات التي وردت في السورة، فإنّ الآيات الاُولى منها واضحة في دلالتها حيث يقول سبحانه: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}.
«تجادل» من المجادلة مأخوذة من مادّة (جدل) وتعني في الأصل (فتل الحبل) ولأنّ الجدال بين الطرفين وإصرار كلّ منهما على رأيه في محاولة لإقناع صاحبه، اُطلق على هذا المعنى لفظ (المجادلة).
ثمّ يضيف تعالى: {وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما}.
«تحاور» من مادّة (حور) على وزن (غور) بمعنى المراجعة في الحديث أو الفكر، وتطلق كلمة «المحاورة» على بحث بين طرفين.
{إنّ الله سميع بصير} نعم إنّ الله عالم بكلّ المسموعات والمرئيات، بدون أن يحتاج إلى حواس نظر أو سمع، لأنّه حاضر وناظر في كلّ مكان، يرى كلّ شيء ويسمع كلّ حديث.
ثمّ يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوّة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أُمّهاتهم إن اُمّهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم}.
«الاُمّ» و«الولد» ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ، بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ، وبناءً على هذا فإذا حدث أن قال الرجل لزوجته مرّةً: (أنت عليّ كظهر اُمّي) فإنّ هذه الكلمة لا تجعل زوجته بحكم والدته، إنّه قول هراء وحديث خرافة.
ويضيف تعالى مكمّلا الآية: {وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً}(2).
وبالرغم من أنّ قائل هذا الكلام لا يريد بذلك الإخبار، بل إنّ مقصوده إنشائي، يريد أن يجعل هذه الجملة بمنزلة (صيغة الطلاق) إلاّ أنّ محتوى ذلك واه، ويشبه بالضبط خرافة (جعل الولد) حين كانوا في زمن الجاهلية يتبنّون طفلا معيّناً كولد لهم، ويجرون أحكام الولد عليه، حيث أدان القرآن الكريم هذه الظاهرة وإعتبرها عملا باطلا ولا أساس له، حيث يقول عزّوجلّ: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ } [التوبة: 30] ، وليس له أي واقعية.
وتماشياً مع مفهوم هذه الآية فإنّ «الظهار» عمل محرّم ومنكر، ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة، إلاّ أنّها ملزمة لحظة نزول الحكم، ولابدّ عندئذ من ترتيب الأثر، حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية: {وإنّ الله لعفو غفور}.
وبناءً على هذا فإذا كان المسلم قد إرتكب مثل هذا العمل قبل نزول الآية فلا بأس عليه لأنّ الله سيعفو عنه.
ويعتقد بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ «الظهار» ذنب مغفور الآن، كما في الذنوب الصغيرة حيث وعد الله بالعفو عنها(3) ـ في صورة ترك الكبائر ـ إلاّ أنّه لا دليل على هذا الرأي، والجملة أعلاه لا تقوى أن تكون حجّة في ذلك.
وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الكفّارة باقية بقوّتها.
وفي الحقيقة أنّ هذا التعبير شبيه لما جاء في الآية (5) من سورة الأحزاب، حيث يقول سبحانه: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً}.
وذلك بعد نهيه عن مسألة التبنّي.
ويثار تساؤل عن الفرق الموجود بين (العفوّ) و(الغفور).
قال البعض: (العفو) إشارة إلى الله تعالى (الغفور) إشارة إلى تغطية الذنوب إذ أنّ من الممكن أن يعفو شخص عن ذنب ما، ولكن لا يستره أبداً، غير أنّ الله تعالى يعفو ويستر في نفس الوقت.
وقيل أنّ «الغفران» هو الستر من العذاب، حيث أنّ مفهومها مختلف عن العفو بالرغم من أنّ النتيجة واحدة.
إلاّ أنّ مثل هذا العمل القبيح (الظهار) لم يكن شيئاً يستطيع الإسلام أن يغضّ النظر عنه، لذلك فقد جعل له كفّارة ثقيلة نسبيّاً كي يمنع من تكراره، وذلك بقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا}.
وقد ذكر المفسّرون إحتمالات عديدة في تفسير جملة: {ثمّ يعودون لما قالوا} حيث ذكر المقداد ـ في كنز العرفان ستّة تفاسير لها، إلاّ أنّ الظاهر ـ خصوصاً بالنظر إلى جملة: {من قبل أن يتماسّا) ـ أنّ هؤلاء قد ندموا لقولهم وأرادوا الرجوع إلى حياتهم العائلية، وقد ذكر هذا المعنى في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً(4).
وذكرت تفاسير اُخرى لهذا المقطع من الآية، إلاّ أنّها لا تتناسب بصورة تامّة مع معنى الآية ونهايتها. منها أنّ المراد من «العود» هو تكرار الظهار، أو أنّ المقصود من العود هو العودة إلى السنّة الجاهلية في مثل هذه الاُمور، أوأنّ العود بمعنى تدارك وتلافي هذا العمل وما إلى ذلك(5).
«رقبة» جاءت هنا كناية عن الإنسان، وهذا بلحاظ أنّ الرقبة أكثر أعضاء الجسم حسّاسية، كما تأتي كلمة «رأس» بهذا المعنى، لذا فإنّه يقال بدلا من خمسة أشخاص ـ مثلا ـ خمسة رؤوس.
ثمّ يضيف تعالى: {ذلكم توعظون به}.
أي يجب ألاّ تتصوّروا أنّ مثل هذه الكفّارة في مقابل الظهار، كفّارة ثقيلة وغير متناسبة مع الفعل. إنّ المقصود بذلك هو الموعظة والإيقاظ لنفوسكم، والكفّارة عامل مهمّ في وضع حدّ لمثل هذه الأعمال القبيحة والمحرّمة، ومن ثمّ السيطرة على أنفسكم وأقوالكم.
وأساساً فإنّ جميع الكفّارات لها جنبة روحية وتربوية، والكفّارات المالية يكون تأثيرها غالباً أكثر من التعزيرات البدنية.
ولأنّ البعض يحاول أن يتهرّب من إعطاء الكفّارة بأعذار واهية في موضوع الظهار، يضيف عزّوجلّ أنّه يعلم بذلك حيث يقول في نهاية الآية: {والله بما تعملون خبير}.
إنّه عالم بالظهار، وكذلك عالم بالذين يتهرّبون من الكفّارة، وكذلك بنيّاتكم!
ولكن كفّارة تحرير (رقبة) قد لا تتيسّر لجميع من يرتكب هذا الذنب كما لاحظنا ذلك ـ في موضوع سبب نزول هذه الآية المباركة، حيث أنّ «أوس بن الصامت» ـ الذي نزلت الآيات الاُولى بسببه ـ قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي غير قادر على دفع مثل هذه الكفّارة الثقيلة، وإذا فعلت ذلك فقدت جميع ما أملك. وقد يتعذّر وجود المملوك. ليقوم المكلّف بتحرير رقبته حتّى مع قدرته المالية، كما في عصرنا الحاضر، لهذا كلّه ولأنّ الإسلام دين عالمي خالد فقد عالج هذه المسألة بحكم آخر يعوّض عن تحرير الرقبة، حيث يقول عزّوجلّ: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا}.
وهذا اللون من الكفّارة في الحقيقة له أثر عميق على الإنسان، حيث أنّ الصوم بالإضافة إلى أنّه وسيلة لتنقية الروح وتهذيب النفس، فإنّ له تأثيراً عميقاً وفاعلا في منع تكرّر مثل هذه الأعمال في المستقبل.
ومن الواضح ـ كما في ظاهر الآية ـ أنّ مدّة الصوم يجب أن تكون ستّين يوماً متتابعاً، وكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا طبقاً لظاهر الآية، إلاّ أنّه قد ورد في روايات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المكلّف إذا صام أيّام قلائل حتّى ولو يوماً واحداً بعد صوم الشهر الأوّل، فإنّ مصداق التتابع في الشهرين يتحقّق، وهذا الرأي حاكم على ظاهر الآية(6).
وهذا يوضّح لنا أنّ المقصود من التتابع في الآية أعلاه والآية (92) من سورة النساء في موضوع كفّارة القتل غير المتعمّد. أنّ المقصود هو التتابع بصورة إجمالية.
وطبيعي أنّ مثل هذا التّفسير لا يسمع إلاّ من إمام معصوم، حيث أنّه وارث لعلوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا النوع من الصيام يكون تسهيلا للمكلّفين.
(تراجع الكتب الفقهية في الصوم وأبواب الظهار وكفّارة القتل، للحصول على شرح أوفى حول هذا الموضوع)(7).
وضمناً فإنّ المقصود من جملة: {فمن لم يجد) لا يعني عدم وجود أصل المال لديه، بل المقصود منه ألاّ يوجد لديه فائض على إحتياجاته وضروريات حياته كي يشتري عبداً ويحرّره.
ولأنّ الكثير من الناس غير قادرين على الوفاء بالكفّارة الثانية، وهي صوم الشهرين المتتابعين، فقد ذكر لذلك بديل آخر حيث يقول سبحانه: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً}.
والظاهر من الإطعام أن يعطي غذاء يشبع الشخص في وجبة طعام، إلاّ أنّ الروايات الإسلامية ذكرت أنّ المقصود بذلك هو(مدّ) لإطعام كلّ واحد (والمدّ يعادل 750غم) رغم أنّ بعض الفقهاء قد حدّدها بمدّين أي ما يعادل (500،1) غم(8).
ثمّ يشير تعالى في تكملة الآية مرّة اُخرى إلى الهدف الأساس لمثل هذه الكفّارات: {ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله}.
نعم إنّ إزالة الذنوب بوسيلة الكفّارات تقوّي اُسس الإيمان، وتربط الإنسان بالتعاليم الإلهيّة قولا وعملا.
وفي نهاية الآية يؤكّد سبحانه بصورة قاطعة على الإلتزام بأوامره حيث يقول: ( وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم).
ويجدر الإنتباه إلى أنّ مصطلح (الكفر) له معاني مختلفة، منها «الكفر العملي» الذي يعني المعصية وإقتراف الذنوب، وقد اُريد في الآية الكريمة هذا المعنى، وكما جاء في الآية (97) من سورة آل عمران بالنسبة للمتخلّفين عن أداء فريضة الحجّ، حيث يقول سبحانه: ( ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين).
«حدّ» بمعنى الشيء الذي يفصل بين شيئين، ومن هنا يقال لحدود البلدان (حدود) وبهذا اللحاظ يقال للقوانين الإلهية إنّها حدود، وذلك لحرمة تجاوزها، ولدينا شرح أوفى في هذا المجال في نهاية الآية (187) من سورة البقرة.
_______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص10-15.
2 ـ «زور» في الأصل بمعنى الإنحناء الموجود على الصدر وجاءت أيضاً بمعنى الإنحراف، ولأنّ حدود الكذب والباطل منحرفة عن الحقّ، فيقال له (زور) كما يطلق على الصنم أيضاً بهذا اللحاظ.
3 ـ كنز العرفان، ج2، ص290 كما يلاحظ في الميزان إشارة لهذا المعنى أيضاً.
4 ـ مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث.
5 ـ يراجع كنز العرفان، ج2، ص290، ومجمع البيان، ج9، ص247.
6 ـ يراجع وسائل الشيعة، ج7، ص271، الباب الثالث من أبواب بقية الصوم الواجب.
7 ـ إذا كان المقصود هو توالي الشهرين وليس توالي جميع أيّامها، فإنّ هذا النوع من التوالي يحصل بمجرّد البدء في الشهر الثاني (يرجى ملاحظة ذلك).
8 ـ المشهور بين الفقهاء ـ كما قلنا سابقاً ـ هو(مدّ واحد) ودليله روايات كثيرة لعلّها بلغت حدّ التواتر، فقد ورد بعضها في كفّارة القتل الخطأ، وبعض في كفّارة القسم، وبعض في كفّارة شهر رمضان، بضميمة أنّ الفقهاء لم يوجدوا أي فرق بين أنواع الكفّارات، إلاّ أنّه نقل عن المرحوم الطوسي في الخلاف والمبسوط والنهاية والتبيان أنّ مقدار الكفّارة (مدّان)، وفي هذا المجال يستدلّ الشيخ (رحمه الله) برواية أبي بصير التي وردت في كفّارة الظهار حيث عيّن حدّها (مدّين). إلاّ أنّ هذه الرواية إمّا أن تكون مخصوصة في كفّارة الظهار، أو أنّها تحمل على الإستحباب.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بالفيديو: لتعريفهم بالاجراءات الخاصة بتحقيق وترميم المخطوطات.. مركز الإمام الحسين (ع) يستقبل مجموعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة بابل
|
|
|