أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-12-2014
3533
التاريخ: 18-10-2015
23091
التاريخ: 13-3-2019
2574
التاريخ: 16-12-2014
3894
|
روى العامة والخاصة بأسانيد عديدة عنها (عليها السلام) : انها خطبت هذه الخطبة العظيمة في ملأ من المهاجرين والانصار وغيرهم.
ورواها من العامة : احد بن عبدالعزيز الجوهري، وابن ابي الحديد، وغيرهما.
ومن الخاصة : علي بن عيسى الاربلي، والسيد المرتضى (رحمه الله) في (الشافي) عن جماعة من العامة، والسيد ابن طاووس، والطبرسي في (الاحتجاج) وعلى اختلاف في ألفاظها، ولتذكرها هنا برواية (الاحتجاج) قال (رحمه الله) : روى عبدالله بن الحسن بأسناده عن آبائه (عليهم السلام) : (انه لما اجمع ابو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكا، وبلغها ذلك، لاثت خمارها على راسها، واشتملت بجلبابها، واقبلت في لمة من حفدتها، ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية ابيها رسول الله (صلى الله عليه واله)، حتى دخلت على ابي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست، ثم انّت انّة اجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم امهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه واله)، فعاد القوم في بكائهم، فلما امسكوا عادت في كلامها، فقالت : الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء لما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسوابغ الاء اسداها، وتمام منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، وناى عن الجزاء امدها، وتفاوت عن الادراك ابدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها باجزالها واستحمد الى الخلائق، وثنى بالندب، الى امثالها.
وأشهد ان لا اله الا هو وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصلوها، وانار في الفكر معقولها، الممتنع عن الابصار رؤيته، ومن الالسن صفته، ومن الاوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذراها بمشيته من غير حاجة منه الى تكوينها، ولا فائدة لها في تصويرها، الا تثبيتا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زياةً لعبادة عن نقمته، وحياشة لهم الى جنته.
وأشهد ان أبي محمدا صلى الله عليه واله عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل ان ارسله، وسماه قبل ان اجتباه، واصطفاه قبل ان ابتعثه، اذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الاهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمايل الامور، واحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، ابتعثه الله تعالى اتماما لأمره، وعزيمة على امضاء حكمه، وانفاذا لمقادير حتمه، فرأى الامم فرقا في اديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله تعالى مع عرفانها، فأنار الله تعالى بمحمد (صلى الله عليه واله) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الابصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وانقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم الى الدين القويم، ودعاهم الى الطريق المستقيم، ثم قبضه الله تعالى اليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وايثار.
فحمد (صلى الله عليه واله) عن تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الابرار، ورضوان الرب الغفار، مجاورة الملك الجبار، صلى الله على ابي نبيه، وامينه على الوحي وصفيه، وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
ثم التفتت (عليها السلام) الى أهل المجلس وقالت :
انتم عباد الله نصب امره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، ومناد الله على انفسكم، وبلغاؤه الى الامم، وزعمتم حق له فيكم، وعهد قدمه اليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق، والقران الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبطة به اشياعه، قائد الى الرضوان اتباعه، مؤد الى النجاة استماعه، بل تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمة المخدرة، وبيانته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه المرهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الايمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للاخلاص، والحجج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وامامتنا امانا من الفرقة، والجهاد عزا للاسلام، والصبر معونة على استيجاب الاجر، والامر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الارحام منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة ايجابا للعفة، وحرم الله الشرك اخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانت مسلمون، واطيعوا الله فيما أمركم به، ونهاكم عنه، فانه يخشى الله من عباده العلماء.
ثم قالت : ايها الناس، اعلموا اني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه واله)، أقول عودا وبدءا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا افعل ما افعل شططا، لقد جاءكم رسول من انفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم، فان تعزروه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى اليه (صلى الله عليه واله)، فبلغ (صلى الله عليه واله) الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم ، آخذ باكظامهم داعيا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الاصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تغرى الليل عن صبحه، واسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، اذلة خاسئين، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولهم، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه واله) بعد اللتيا والتي، وبعد ان مني بهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة اهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب اطفاها الله، او نجم قرن للشيطان فغرت فاغرة من المشركين مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله (صلى الله عليه واله) سيد أولياء الله، مشمرا ناصحا كادحا، وانتم في رفاهية في العيش وادعون، فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الاخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال.
فلما اختار الله تعالى لنبيه دار انبيائه، ومأوى اصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الافكين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فالفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، واحمشكم فالفاكم غظابا، فوسمتم غير ابلكم، واوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لم يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، الا في الفتنة سقطوا، وان جهنم لمحيطة بالكافرين.
فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين اظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم ارغبة عنه تريدون، ام بغيره تحكمون! بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا الا ريث ان تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم اخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، واطفاء انوار الدين الجلي، واهماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، ووخز السنان في الحشا، وانتم تزعمون ان لا ارث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، أفلا تعلمون، بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته.
ايها المسلمون، أأغلب على إرثه؟! يا بن أبي قحافة، أفي كتاب الله ان ترث اباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؛ اذ يقول : {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] .
وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا اذ قال : {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5، 6] .
وقال : {الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] .
وقال : {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] .
وقال : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ، وزعمتم ان لا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله تعالى بآية أخرج منها أبي؟ ام هل تقولون : اهل ملتين لا يتوارثان. او لست انا وابي من اهل ملة واحدة؟ ام انتم اعلم بخصوص القران وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمد (صلى الله عليه واله)، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعكم اذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.
ثم رمت بطرفها نحو الانصار فقالت : يا معشر الفتية، وأعضاد الملة، وانصار الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي، والسنة عن ظلامتي، اما كان رسول الله (صلى الله عليه واله) أبي يقول :المرء يحفظ في ولده؟ سرعان ما احدثتم، وعجلان ذا اهالة؟ ولكم طاقة بما احاول وقوة، على ما اطلب وازوال، أتقولون مات محمد؟ فخطب جليل استوسع وهيه واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الارض لغيبته، وكسفت النجوم لمصيبته، وأكدت الامال، وخشعت الجبال، واضيع الحريم، وازيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، التي لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناءه في افنيتكم، وفي ممساكم ومصبحكم، هتافا وصراخا، وتلاوة والحانا، ولقبله ما حل بانبياء الله تعالى ورسله حكم فصل، وقضاء حتم، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .
ايها بني قيلة، أأهضم تراث ابي، وانت بمرأى مني ومسمع، ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وانتم ذوو العدد والعدة، والاداة والقوة، وعندكم السلاحة والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتاتيكم الصرخة فلا تعينون، وانتم موصوفون بالكفاح، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الامم، وكافحتم البهم، فلا نبرح او تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام، ودر جلب الايام، وخضت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الافك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فاني خرتم بعد البيان، واسررتم بعد الاعلان، وهموا باخراج الرسول، وهم بدءوكم اول مرة، أتخشونهم؟! فالله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين، الا وقد أرى ان قد اخلدتم الى الخفض، وابعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم من الدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم، فان { تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8] ، الا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة، وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الابد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الافئدة، فبعين الله ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وانا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعلموا انا عاملون، وانتظروا انا منتظرون.
فأجابها ابو بكر عبدالله بن عثمان فقال : يا بنت رسول الله، لقد كانت أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا وعقابا عظيما، فان عزوناه وجدناه اباك دون النساء، واخا لبعلك دون الاخلاء، اثره على كل حميم، وساعده في كل امر جسيم، لا يحبكم الا كل سعيد، ولا يبغضكم الا كل شقي، فانتم عترة رسول الله (صلى الله عليه واله) الطيبون، والخيرة المنتجبون, على الخير ادلتنا، والى الجنة مسالكنا، وانت يا خير النساء، وابنة خير الانبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله! ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت الا بأذنه، وان الرائد لا يكذب اهله، واني أشهد الله وكفى به شهيدا اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وانما نورث الكتب والحكمة والعلم والنبوة، ما كان لنا من طعمة فلولي الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه، وقد جعلنا ما حاولتيه في الكراع والسلاح، يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك بأجماع من المسلمين، لم أتفرد به وحدي ولم استبد بما كان فيه الراي عندي، وهذه حاليو مالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك، وانت سيدة امة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع مالك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكك يداي، فهل ترين أن أخاف في ذلك أباك؟
فقالت : سبحان الله، ما كان رسول الله (صلى الله عليه واله) عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع اثره، ويقفو سوره، أفتجمعون الى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا، يقول : {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [مريم: 6] , { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] ، فبين (عز وجل) فيما وزع عليه من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والاناث، وأزاح علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] .
فقال أبو بكر : صدق الله، وصدق رسوله، وصدقت ابنته، انت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن اليدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، فهؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلد، باتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
فالتفت فاطمة (عليها السلام) الى الناس وقالت : معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، افلا تتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها، كلا بل ران على قلوبكم ما اساتم من أعمالكم فاخذ بسمعكم وابصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به اشرتم، وشر ما منه اغتصبتم، لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا اذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراء الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحسبون، وخسر هنالك المبطلون.
ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه واله) وقالت شعرا :
قد كان بعدك انباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
وكل اهل له قربى ومنزلة عند الاله على الادنين مقترب
ابدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا لما فقدت وكل الارض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يونسنا فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت وحالت دونك الكتب
انا رزينا بما لم يرز ذو شجن من البرية لا عجم ولا عرب
ثم انكفات (عليها السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقع رجوعها، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين : يا بن ابي طالب، عليك السلام، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الاجدال، فخانك ريش الاعزل، هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحيلة ابي وبليغة ابني ، لقد اجهد في خصامي، والفيته الد في كلامي، حتى حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضب الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، اضرعت خدك يوم جدك، افترست الذئاب، وافترشت التراب ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا، ولا خيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي، عذيري الله منه عاديا، ومنك حاميا ويلاي في كل شارق مات العمد، ووهن العضد، شكواي الى أبي، وعدواي الى ربي : اللهم انت اشد قوة وحولا، واحد باسا وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا ويل عليك، الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت عن ديني، ولا اخطات مقدوري، فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما اعد لك افضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله.
فقالت (عليها السلام) : حسبي الله، وامسكت صلوات الله عليها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|