أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2017
1628
التاريخ: 15-8-2017
897
التاريخ: 15-8-2017
436
التاريخ: 15-8-2017
3422
|
حاول رجال القواعد وعلماء البلاغة جاهدين منذ أرسطو أن يخضعوا تغيرات المعنى لشيء من التنظيم والتقعيد . غير أنهم حصروا جهودهم لقرون طويلة في تصنيف المجازات لأسباب جمالية أو أسلوبية . وحين انتقل الأمر الى علماء اللغة حاولوا تنظيم البحث من عمليات انتقال المعنى دون اعتبار لمضموناتها الأدبية .
وقد قدم اللغويون خطتين للتقسيم إحداهما الخطة المنطقية ، والأخرى الخطة النفسية(1)، وبمزج الخطتين ودمج تقسيماتها نخرج بالأشكال الآتية لتغير المعنى :
1- توسيع المعنى
يقع توسيع المعنى (widening) أو امتداده (extension)(2) عندما يحدث الانتقال من معنى خاص الى معنى عام . ويعد هذا الشكل على قدم المساواة في الأهمية مع الشكل الآتي (تضييق المعنى) ، وإن كان الدكتور ابراهيم أنيس يرى أن (تعميم الدلالات أقل شيوعا في اللغات من تخصيصها ، وأقل أثرا في تطور الدلالات وتغيرها) (3) .
ويعني توسيع المعنى أن يصبح عدد ما تشير اليه الكلمة أكثر من السابق ، أو يصبح مجال استعمالها أوسع من قبل .
ص243
والأمثلة على ذلك كثيرة في لغة الصغار والكبار ، وفي كل اللغات :
أ- فالطفل قد يطلق كلمة تفاحة على كل الأشياء المستديرة التي تشبهها في الشكل مثل البرتقالة وكرة التنس وأكرة الباب وثقالة الورق .
ب- وكلمة salary التي تعني المرتب من أي نوع كانت في أصلها اللاتيني تعني فقط مرتب الجندي . بل إذا تتبعنا اللفظ في تاريخه القديم نجده كان يعني فقط حصة الجندي من الملح . وبهذا تكون الكلمة قد تعرضت لنوعين من التوسيع هكذا (4) :
حـ - وكلمة picture كانت تطلق على اللوحة المرسومة ، والآن امتدت لتشمل الصور الفوتوغرافية (5) .
د- كلمة drinking - straw تطلق الآن حتى على تلك المصنوعة من الورق أو من البلاستيك (6) .
هـ - في السلافية الجنوبية صار اسم الوردة يطلق على الزهرة عموماً (7) .
و- كثير من أسماء الأعلام قد تدخل اللغة ككلمات عادية فيتسع مدلولها مثل
ص244
كلمة Baycott ، وهي فعل اخذ من اسم مالك الارض الايرلندي المستبد Charles c . Boycott ( 1823 - 1897 ) . وقد اصبح اسم هذا الرجل يطلق في اللغة الانجليزية على المقاطعة او رفض التعامل (8) . وشبيه بهذا اطلاق كلمة " سندويش " على الشطيرة المعروفة تسمية باسم صاحبها ، وتسمية كل المكانس الكهربائية " هوفر " واخذ فعل منها ، وقد كانت في الاصل اسما لنوع معين منها .
وقد سمعت بعض المثقفين العرب يطلق كلمة " كوداك " على مطلق " كاميرا " .
ويمكن تفسير توسيع المعنى على انه نتيجة اسقاط لبعض الملامح التمييزية للفظ :
أ - فالطفل الذي يستخدم كلمة " عم " مع كل رجل قد اسقط الملامح التمييزية للفظ كالقرابة واكتفى بملمحى الذكورة والبلوغ .
ب- والذي يستخدم العبارة (صحيفة الهواء) قد راعي فقط ملامح مثل نقل الأخبار - والدورية .. وأسقط ملح الطبع على ورق . ومثل هذا يقال عن (مسرح الهواء) الذي لاحظ فقط ملمح التمثيل وأسقط (بناء المسرح) (9) ...
2- تضييق المعنى :
ويعد تضييق المعنى (narrowing) - وسماه ابراهيم أنيس تخصيص (10) المعنى - اتجاهاً عكس السابق . ويعني ذلك تحويل الدلالة من المعنى الكلي الى المعنى الجزئي أو تضييق مجالها . وعرفه بعضهم بأنه تحديد معاني الكلمات وتقليلها .
والأمثلة على ذلك كثيرة منها :
1- في أمريكا منذ عشر سنوات مثلا كانت المرأة تقول إنها اخذت a pill
ص245
وكان السامع الفضولي يتساءل : لأي غرض ؟ لمنع الحمل ؟ لعلاج الصداع ؟ لعلاج المعدة ؟ ثم مع شيوع استخدام وسيلة منع الحمل عن طريق الأقراص birth - control صارت كلمة pill ضيقة المعنى وأصبحت تعني فقط (قرص منع الحمل) . وعلى هذا فإن الكتاب صاروا يتحرجون من استعمال هذه الكلمة في معناها العام وفضلوا عليها كلمة tablet (11) .
2- كلمة poison الإنجليزية كانت تعني (الجرعة من أي سائل) ولكن الذي حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هي التي استرعت الانتباه واستأثرت به لسبب او لآخر . وبهذا تحدد مدلول الكلمة وأصبح مقصوراً على اشياء تقل في عددها عما كانت تدل عليه الكلمة في الأصل الى حد ملحوظ (12) .
3- كلمة (حرامي) هي في الحقيقة نسبة الى الحرام . ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى اللص في القرن السابع الهجري في بعض النصوص المروية .
4- في لهجات الخطاب تخصصت كلمة (الطهارة) واصبحت تعني الختان ، وتخصصت كلمة (الحريم) فبعد أن كانت تطلق على كل محرم لا يمس أصبحت الآن تطلق على النساء . وكذلك كلمة العيش تخصصت في مصر بالخبز (13) وفي بعض البلاد العربية بالأرز .
ويمكن تفسير التخصيص أو التضييق بعكس ما فسر به توسيع المعنى . فقد كان التوسع نتيجة إسقاط لبعض الملامح التمييزية للفظ ، أما التخصيص فنتيجة إضافة بعض الملامح التمييزية للفظ ، فكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده (14) .
ص246
3- نقل المعنى :
يقول فندريس في تحديد المراد بنقل المعنى : (يكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان أو اذا كان لا يختلفان من جهة العموم والخصوص (كما في حالة انتقال الكلمة من المحل الى الحال أو من المسبب الى السبب أو من العلامة الدالة الى الشيء المدلول عليه .. الخ أو العكس) .. وانتقال المعنى يتضمن طرائق شتى (... الاستعارة - إطلاق البعض على الكل - المجاز المرسل بوجه عام ..) (15) .
وعلى هذا يكون الفرق بين هذا النوع والنوعين السابقين كون المعنى القديم أوسع أو أضيق من المعنى الجديد في النوعين السابقين وكونه مساويا له في النوع الحالي .
ومعنى هذا أن جميع أنواع المجاز التي يتساوى فيها الطرفان تدخل تحت هذا النوع المسمى بنقل المعنى ، أو تغيير مجال الاستعمال . ولكن ذهب Arlotto الى أن الفرق يتمثل في أن الأولين يمتان عادة بصورة غير شعورية أما الثالث فيتم بصورة قصدية لغرض أدبي غالباً (16) .
وأمثلة نقل المعنى كثيرة منها التعبير عن أحد أعضاء البدن باسم عضو آخر مثل استخدام كلمة صدر أو نحر (وفي بعض اللغات : معدة) بدلا من ثدي .
ومنها تبادل الأسماء الدالة على عمليات الحواس . فكثيرا ما تستعمل الالفاظ الدالة على اللمس والسمع والإحساس والذوق بعضها مكان بعض . وبعض اللغات تعبر عن الأصم (بأعمى الأذنين) (17) .
ومن أمثلة نقل المعنى كذلك الكلمة الانجليزية bead . فالمعاجم الحديثة تعرفها بأنها : قطعة صغيرة تشبه الكرة من الزجاج أو الخشب أو المعدن أو أي مادة اخرى مثقوبة لإدخال الخيط فيها . واذا تتبعنا اللفظ في الإنجليزية القديمة ربما وجدنا الكلمة gebet التي لا تعني bead وإنما التضرع أو الصلاة . ما العلاقة بين
ص247
المعنيين ؟ كان بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية (وما زالوا) يعدون أدعيتهم وتسابيحهم على حبات منظومة في خيط . ومن هنا نشأ التعبير : يعدُ حباته التي تعني كلا من الحبّات والدعوات . وفي الإنجليزية الوسيطة أعطى لفظ bead (أو bede) المعنيين: دعاء - حبّات عدّ الأدعية . وهذا هو الذي أدى الى التحول الدلالي (18) .
ومن الكلمات التي تغيرت دلالاتها بطريق النقل كلمة (الشنب) التي كانت تعني في القديم جمال الثغر وصفاء الأسنان وهي في الاستعمال الحديث بمعنى الشارب . وكلمة (السفرة) التي كانت تعني الطعام الذي يصنع للمسافر وهي في الاستعمال الحديث : المائدة وما عليها من الطعام . وكان (طول اليد) كناية عن السخاء فأصبح يوصف به السارق (19) .
ومن أشكال انتقال المعنى ما يعرف باسم (انحطاط المعنى) أو ابتذاله ، وعكسه (رقي المعنى) . وقد تتردد الكلمة بين الرقي والانحطاط في سلم الاستعمال الاجتماعي ، بل قصد تصعد الكلمة الواحدة الى القمة ، تهبط الى الحضيض في وقت واحد (20) . وأمثلة هذا وذاك ما يأتي :
1- كلمة luck قد تكون بمعنى الخط الطيب او السيء ، ولكنها تميل الى أن تتخصص في المعنى الأول ، ويدل على ذلك الصفة lucky .
2- الكلمة الفرنسية marechal التي ترجع الى اصل جرماني معناه خادم الإصطبل أو السايس ، تحمل كذلك معنى ، المشير أو البيطار .
3- الكلمة constable كانت تعني (كونت الإصطبلات) ، وهي شخصية سامية كانت توجد في البلاط الملكي في اوربا في العصور الوسطى . هذه الكلمة ما تزال تحتفظ بمكانتها الراقية في مثل Chief constable (رئيس الشرطة) ولكنها
ص248
فقدت هذه المكانة في police constable ( كونستابل شرطة ) (21) .
4 - اللقب " افندي " المأخوذ عن التركية كان له خلال القرن التاسع عشر مركز هام ومكان مرموق ، ثم انحط قدرة على توالي الايام ، وصار الان ذا قدر تافه . ومثل هذا حدث لكلمة " حاجب " التي كانت تعني في الدولة الاندلسية " رئيس الوزراء " ، ثم آلت الى المعنى التافه الذي تدل عليه الان (22) .
5 - كلمة " رسول " كان لها معنى الشخص الذي يرسل في مهمة ما ، ثم صار لها هذه الدلالة السامية التي تألفها الان . وقريب منها كلمة Knight التي كانت تعبر في فروسية القرون الوسطى عن مركز مرموق ، وقد انحدرت الى اللغات الاوربية من معنى اصلي هو " ولد خادم " (23) .
وهكذا يتبين ان نقل المعنى يعد اهم اشكال تغير المعنى اولا لتنوعه ، وثانيا لاشتماله على انواع المجازات القائمة على التخيلات . وقد تحدث الكثيرون عن اهمية التخيلات " وبخاصة في مجالات الكناية والمجاز والتشبيه . وقد اعلن ارسطو ان اعظم شيء هو ان تسيطر على المجاز ... ويعتقد proust ان المجاز وحده يمكن ان يعطي نوعا من الخلود للأسلوب ... " . كذلك يضع المجاز حرية الاختيار في الاسلوب امام الكاتب . يقول Ullmann : " ففي مجال النحو القواعد محددة ، ولا يختار الكاتب الا في حدود ضيقة . وفي حدود المفردات قد نملك مرادفات لنختار منها ، ومع ذلك فمجال الاختيار محدود جدا . والمجال الوحيد الذي يمكننا ان نختار فيه بدون تقييد حريتنا هو التخيل"(24)
4 - المبالغة :
اعتبر Ullmann المبالغة من اشكال تغير المعنى وعدها مسؤولة عن تلك
ص249
الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التي تستغلها اجهزة الدعاية أسوأ استغلال حتى انها لا تلبث ان تؤدي الى عكس المقصود منها ، كما في نحو قولك : هو سعيد بشكل مخيف ، ورائع بكل بساطة . ومثل هذه التعبيرات الصارخة سرعان ما تفقد جدتها وقوة التعبير فيها ، حتى تصبح مبتذلة بالية ، ثم تخلفها وتحل محلها تعبيرات اخرى (25) ..
ص250
_________________________________
(1) انظر : دور الكلمة في اللغة ص 164 .
(2) اطلق عليه ابراهيم أنيس : تعميم الدلالة (دلالة الألفاظ ص 154) .
(3) دلالة الألفاظ ص 154 .
(4) Arlotto ص 177 .
(5) Sense ص 115 .
(6) السابق ص 116 .
(7) اللغة لفندريس ص 258 .
(8) Arlotto ص 168 - 169 .
(9) انظر Introduction : Dillon ص 19 ؛ و Semantics : Rapoport ص 138 .
(10) منهم من سماه تقليص المعنى (restriction) . انظر Sense ص 115 .
(11) Arlotto ص 179 .
(12) دور الكلمة في اللغة ص 165 .
(13) دلالة الالفاظ ص 125 ، 152 . وانظر اللغة لفندريس ص 256 وما بعدها .
(14) Semantics : Rapoport ص 137 .
(15) اللغة ص 256 . وانظر دور الكلمة في اللغة ص 165 .
(16) ص 180 .
(17) اللغة لفندريس ص 260 ، 261 .
(18) Arlotto ص 171 ، 172 .
(19) المعجم الوسط ، المواد السابقة ، ودلالة الألفاظ ص 126 .
(20) دور الكلمة في اللغة ص 186 .
(21) دور الكلمة في اللغة ص 186 .
(22) دلالة الالفاظ ص 140 وانظر ص 156 وما بعدها .
(23) السابق ص 158 .
(24) Meaning and Style ص 44 - 46 .
(25) دور الكلمة في اللغة ص 170 ، 171 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|