أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2017
1448
التاريخ: 26-8-2017
1101
التاريخ: 27-8-2017
1818
التاريخ: 26-8-2017
686
|
فزع العبّاسيّين:
فزع العباسيون كأشدّ ما يكون الفزع حينما علموا أنّ المأمون قد عزم على مصاهرة الإمام الجواد (عليه السلام) فعقدوا اجتماعاً حضره كبارهم وذوو الرأي والمشهورة منهم، وعرضوا فيما بينهم خطورة الأمر، وما قد ينتهي إليه من نقل الخلافة والملك من العباسيين إلى العلويين، وبعد مداولة الحديث، ومناقشة الأمر من جميع جهاته، أجمع رأيهم على الاجتماع بالمأمون، وإبداء المعارضة التامّة لما أقدم عليه.
اجتماع العباسيّين بالمأمون:
وهرع إلى البلاط العباسي الأدنون من المأمون من العباسيين، وقد نخر الحزن قلوبهم وساد فيهم صمت رهيب، وانبروا إلى المأمون فقالوا له:
(ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخاف أن تُخرج عنّا أمراً قد ملّكناه الله، وتنزع منّا عزّاً ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون من تبعيدهم، والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما علمت، حتى كفانا الله المهمّ من ذلك، فالله الله، أن تردّنا إلى غم قد انحسر عنّا، واصرف رأيك عن ابن الرضا، واعدل إلى ما تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره..).
ووضع العباسيون أمام المأمون النقاط الحسّاسة المثيرة للعواطف، فقد نبّهوه بأحقاد آبائه وعدائهم للعلويّين، وما صنعه بهم الخلفاء السابقون من تبعيدهم عن مراكز الحكم، وما صبّوه عليهم من صنوف التنكيل والتعذيب وليس له أن يشذّ عن سنّة آبائه وسيرتهم فإنّه يشكّل بذلك خطراً على أسرته، ولم يعن المأمون بذلك وراح يفنّد ما قالوه، قائلاً:
(أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأمّا ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان به قاطعاً للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالأمر، وأنزعه عن نفسي فأبى، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وأمّا أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه..).
وندّد المأمون بالعباسيين فهم الذين قطعوا أواصر الرحم والقربى بينهم وبين العلويين، ولو أنصفوا نفوسهم، ورجعوا إلى حوازب أفكارهم لرأوا أنّ العلويين أولى بمقام النبي (صلى الله عليه وآله) ومركزه منهم لأنّهم ذرّيته وأبناؤه، ولأنّ هذا الدين قد بني بتضحياتهم وجهادهم، وأمّا العباسيون قديماً وحديثاً فليست لهم أيّة خدمة للإسلام ولا للمسلمين، وإنّما صنعوا ما أضرّ بالإسلام والمسلمين.
وعرض المأمون في حديثه إلى الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فأبدى إعجابه البالغ به فهو الأعجوبة الكبرى الذي بزّ جميع أهل العلم والفضل، وتفوّق عليهم مع صغر سنه.
وانبرى العباسيون فطلبوا منه أن يؤجّل زواج الإمام حتى يكبر ويتفقّه في الدين قائلين:
(إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنّه صبي لا معرفة له، ولا فقه، فأمهله ليتأدّب، ويتفقّه في الدين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك..).
وردّ عليهم المأمون بما عرفه من واقع أهل البيت (عليهم السلام) قائلاً:
(ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياءً في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم ما وصفت من حاله..).
إن المأمون لعلى بيّنة بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين آتاهم الله من العلم والحكمة ما لم يؤت أحداً من العالمين.
واتّفق المأمون مع العباسيين على امتحان الإمام الجواد (عليه السلام) لعلّه يعجز عن الجواب فيفسد بذلك مصاهرته للمأمون بالإضافة إلى أنّهم سيتّخذون من ذلك وسيلة لبطلان ما تذهب إليه الشيعة من أنّ الإمام أعلم أهل عصره وأفضلهم وانبرى العباسيون قائلين:
(قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخلِّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإنّ أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصّة والعامة سداد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك، فقد كفينا الخطب في معناه..) (1).
وانصرف العباسيون، وهم يفتّشون عن شخصيّة علمية تتمكنّ من امتحان الإمام وتعجيزه.
انتداب يحيى لامتحان الإمام:
وأجمع رأي العباسيّين على اختيار يحيى بن أكثم قاضي قضاة بغداد، وأحد أعلام الفقه في ذلك العصر، لامتحان الإمام أبي جعفر (عليه السلام)، وعرضوا عليه الأمر، ومنّوه بالأموال الطائلة إن امتحن الإمام وعجز عن جوابه، فإنّ يحقّق لهم أعظم الانتصارات، وأجابهم يحيى إلى ذلك، وانصرف إلى منزله، وراح يفتّش في كتب الفقه والحديث عن أعقد المسائل وأهمّها ليمتحن بها الإمام (عليه السلام) وانطلق العباسيّون إلى المأمون فعرّفوه باستجابة يحيى لهم، وطلبوا منه تعيين يوم لامتحان الإمام، فعيّن لهم يوماً خاصاً.
أسئلة يحيى:
ولمّا حضر اليوم المقرّر لامتحان الإمام (عليه السلام) هرع العباسيون إلى بلاط المأمون وحضر الاجتماع أهل الفضل وأعلام الفكر وسائر طبقات الناس وكان يوماً مشهوداً، وقد غصّت قاعة الاجتماع على سعتها بالناس، وأمر المأمون أن يفرش للإمام أبي جعفر (عليه السلام) دست، ويجعل له فيه مسورتان فصنع له ذلك، وجلس فيه الإمام (عليه السلام) وكان له من العمر تسع سنين وأشهر، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وجلس المأمون في دست متّصل بدست الإمام (عليه السلام).
واستحال الجمع إلى آذان صاغية، وانبرى يحيى إلى المأمون فطلب منه أن يأذن له في امتحان الإمام فإذِن له في ذلك، واتّجه يحيى صوب الإمام وقال له:
(أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟).
وقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً:
(سل إن شئت..).
ووجّه يحيى مسألته إلى الإمام قائلاً:
(ما تقول جعلني الله فداك في مُحرم قتل صيداً؟).
وحلّل الإمام (عليه السلام) هذه المسألة إلى عدّة مسائل، وشقّقها إلى مجموعة من الفروع وسأل يحيى أي فروع منها أراد قائلاً:
(قتله في حلّ أو حرم، عالماً كان المحرم أم جاهلاً، قتله عمداً أو خطأً، حرّاً كان المحرم أم عبداً، صغيراً كان أم كبيراً، مبتدءاً بالقتل أم معيداً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيره، من صغار الصيد أم من كبارها، مصرّاً كان أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً..).
وذهل يحيى، وتحيّر، وبان عليه العجز إذ لم يتصوّر هذه الفروع المترتّبة على مسألته، وعلت في القاعة أصوات التكبير والتهليل، فقد استبان للجميع أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم معدن العلم والحكمة وإنّ الله منح كبارهم وصغارهم بما منح به أنبياءه من الكمال والعلم.
لقد شقّق الإمام (عليه السلام) هذه المسألة إلى هذه الفروع وإن كان بعضها لا يختلف فيه الحكم كما إذا كان القتل للصيد في الليل أم في النهار فإنّ الحكم فيهما واحد، وإنّما ذكر الإمام (عليه السلام) ذلك لتبكيت الخصم الذي سأل الإمام للامتحان لا للفهم.
وعلى أي حال فإنّ المأمون لما رأى العجز قد استبان على يحيى فلم يطق جواباً أقبل على بني العباس فقال لهم:
(الحمد لله على هذه النعمة، والتوفيق لي في الرأي.. أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه..) (2).
واستبان لبني العباس فضل الإمام، وإنّه من عمالقة الفكر والعلم في الإسلام.
كما ظهر لهم صحّة ما قاله المأمون: إنّهم لا يعرفون أهل البيت (عليهم السلام).
________________
(1) الإرشاد: ص 359 - 360.
(2) الإرشاد: ص 361. الوسائل: ج 9 ص 187.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|