أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-11
848
التاريخ: 2024-10-25
105
التاريخ: 2023-06-03
1083
التاريخ: 24-9-2019
2513
|
المعرفية العربية التاريخية:
ليست الحضارة العربية قفزات في فراغ متقطع وليس علم الأناسة العربي، لصاقات لتطورٍ عشوائي يرتطم بجدران حضارات محيطية أحياناً، وبنفسه وتركيبته أحياناً أخرى، لينطوي على أحاديةٍ في الرؤية أو النمو... إنَّ الأناسة العربية " الأنثروبولوجية" المعرفية، والحضارة العربية، كلُّ متكامل متواشج متصاعد، حلزوني متواصل، يستند على عمق الأرض والجغرافية، ويصعد بهامته إلى السماء. لقد كان إنساننا في هذه المنطقة ثمرة التعاضد بين جهوده التطورية وتفجير الطبيعة عن قدرة خلاّقة وقاسية، فصبَّ الاثنان ماءهما في فسحة المكان التي فتحت صدرها لقلق الانسان وهو يلتقط السنين تجترّ بعضها فَنَحَتَها على المكان الخالد، في قلب الكهوف وعلى ضفاف الأنهار. وعندما انتقل تحدي الزمن إلى عتبات الحضارات الجليلة، بدأ الإنسان ينقل قلقة ذاك، إلى جدران الزقوّرات، والأهرام وأعمدة المعابد في بعلبك وتدمر والكرنك.. كل ذلك في وحدة أناسية متكاملة مترابطة، لا تعروها سمة لفصام أو لانفصال أو لتصدع.
ولم يكن ذلك القلق معزولاً عن السمو الروحي، بل شكَّلا وجهين متداخلين لسيرورة الانسان الراقي، عندما حطَّ في مقدمة الإنسانية النمو التالي للديانة الأتونية التوحيدية في ارتقاءٍ صعب لأخناتون، كان من نتيجته تلك الرؤية الشفافة لما في الكون كله..
من ثم تصاعدت تلك الرؤية في المسيحية التي لم تكن في قوامها الأولى، وقبل التغريب بها إلاّ ارتقاء للأناسة المعرفية العربية كما قال ستاندال في " الحوليّات الإيطالية ": إن دين المسيح هو دين الفلاسفة العرب معاصريه" (1).
وبالضرورة الأكيدة، كان لابد للمشرق العربي أن يدافع عن ذلك البناء السباق والعظيم، ولامتلاكه للمعرفة الأولى والقدرة الخارقة أن يسمو بتلك الحضارات عبر مظاهر أكثر شفافية ومتانة فكان الاسلام المظهر الأناسي المعرفي التالي للعروبة، والذي، شكلَّ مع اللغة العربية تكويناً بنائياً أناسياً احتوى في صلب ارتقائه الأطر العامة لما سبقه من تكوينات ميثولوجية وثيولوجية ومظاهر توحيدية بحيثيّاتٍ أرقى.
لذلك لم تكن الرؤى الاستشراقية التي نظر إليها كتكوين مقدّس إلاَّ منظومة أيدلوجية هدفت بالضرورة إلى مسخ الشخصية العربية في وجهٍ صحراويٍّ جاف، خرج للتاريخ منذ ألف ونيفٍ من السنين فقط، وتشوَّهت سلسلة تاريخية ودفعته بعبثية مرعبة هادفة إلى خلخلة وحدة البنية الثقافية المعرفية العربية وتشويه جذروها التاريخية العميقة في تقسيم للشعب العربي لا يستند إلى تأسيس علمي، وغير قابل للخضوع للبحث العلمي أصلاً.
ولقد بدأ ذلك بالتعبير عن منظومته الأيديولوجية في فكر شلوتسر عندما صاغ صفة " السامي" في مؤلفه المعروف والموسوم بـ" فهرس الأدب الشرقي والتوراتي" عام 1781. فقسم العرب إلى ساميين وحاميين، ووضع خطوطاً خاصة لدخول اليافثيين " الآريين" بطريقة أو أخرى إلى نسيج المنطقة ليخلخل بنيتها الاناسية التأسيس اللاحق والسافر لعقد الانتماءات الثقافية " بل والعرقية" لشعوب " المنطقة العربية، وصولاً للتبرير الايدلوجي التالي في المشاريع السايكس بيكويه وزرع الكيان الصهيوني لاحقاً.
وهكذا استقبلنا وتقبلنا تاريخنا كما كتبه الآخرون، بدون أدنى شك بما قدمه لنا المستشرقون، حتى بعد المكتشفات الأركيولوجية التي تكثَّفت في القرن التاسع عشر وبشكل خاص في نهاية القرن العشرين، والتي لم تخضع حتى الآن لدراسة أكاديمية مقارنة تعيد إظهار الحقيقة كما هي، وتزيل ما تراكم عليها من غبار الاستشراق والزمن، وتعتيم الايديولوجية المركزية الأوربية، والتي قدمت لنا تاريخينا كما تشتهي هي، وليس كما هو في واقع الحال.
فقدَّم لنا أرنست رينان بأن الأشوريين كانوا بالتأكيد ساميين، أما الكلدانيون فمن المستحيل معرفة من هم ومن أين أتوا!!!! أما المصريون فيقدمهم أحباشاً أو أنصاف ساميين أو مهجّنين عن الحاميين أو الأفارقة البيض، ويذهب بعضهم إلى اعتبار أن القبائل السامية/ بعد الاعتراف البدهي من وجهة نظرهم بصحة التسمية/ قد هاجرت إلى آسيا الغربية" ويقصدون الشرق العربي وكأن هذه المنطقة كانت خالية من الشعب العربي!!!!!
" وإنَّها لميزة يمتاز بها جميع هؤلاء الخبراء الذين لا يتفقون فيما بينهم، على شيء، إلا على أمر واحد- ويا للغرابة- إنه هو التعبير " سامي" الذي يتفقوا أبداً على محتواه. إننا باختصار في جهل مطبق، جهل علمي، متفق عليه. وأن الأمر سيكون بسيطاً جداً فيما لو أننا تكلمَّنا بدلاً عن الساميين، الأبطال المختلقين من أصلٍ خيالي،... لو أننا تكلّمنا عن العرب، ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً، وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدة آلاف من السنين.. إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية " والاغريقية تابعتها" والملحقة بها.. ثم تطورت الآرامية منذئذٍ طبيعياً، ودون معارضة، إلى اللغة العربية التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري والكنعاني... والبابلي. ها هوذا المعيار الدقيق للثقافة العربية أمُّ الثقافة الهيلينستية والموحية بها والتي شكَّلت عقلها وقوانينها(2).
فما هي المعطيات الأناسية التي من الواجب مقاربتها بمنطقية وحيادية، تأسيساً علمياً دقيقاً لكشف التزييف الأيديولوجي الذي يركب صهوته الاستشراق، الذي كان من أهم مهماته زرع البنية التركيبية لثقافتنا كبديهة تقتضي بالضرورة تناول الأيديولوجيا اليهودية- الصهيونية بنصوصها التلفيقية كإحدى العلامات الملازمة لتاريخنا العربي؟
_________________
(1) بيير روسي -مدينة ايزيس- التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا وزارة التعليم العالي-ج. ع. س دمشق 1980 ص9
(2) المصدر السابق ص 18-19..
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|