فجر الفيزياء

يصعب علينا أن نتبع أصل علم الفيزياء، تماماً كما يصعب علينا ان نتتبع أصل كثير من الانهر العظمى، فقد يكون منشأ بعضها عدداً قليلاً من ينابيع الماء التي تنبثق من تحت أوراق النباتات الاستوائية الخضراء، أو التي تخرج في صورة فقط من تحت الصخور التي تكسوها الطحالب في الإقليم الشمالي القاحل ، وقد يكون المنشأ بعض الجداول ومجاري المياه الصغيرة التي تنحدر على سفح الجبل في مرح وسرور ثم تتثنى لتتحد وتكون نهراً صغيراً. وتتحد النهيرات بدورها لتكون مجاري مائية تبلغ من السعة ما يجعلها جديرة يحمل اسم نهر. ويتسع مجرى النهر شيئاً فشيئاً ويشتد أزره كلما صب فيه رافد من روافده ، حتى يتمخض في النهاية عن نهر عظيم ــ ليكن هو المسيسي أو الفؤلجا أو النيل أو الأمازون ــ يتدفق ماؤه إلى المحيط.

وتناثرت الينابيع التي نشأ عنها النهر العظيم لعوم الفيزياء على شيء أرجاء الأرض التي سكنها عقلاء البشر وحكماؤهم ، أغنى الرجل المفكر ويلوح على أية حالة أن عدداً وفيراً من هؤلاء الحكماء وجد في الطرف الجنوني لشبه جزيرة البلقاء حيث كان يقطن قوم يطلق عليهم اليوم اسم "قدماء الإغريق" ؛ ومهما يكن من شيء فإن هذا ما يبدو لنا نحن الذين ورثنا ثقافات "المفكرين الأولين".

ومن الطريق أن نلاحظ أنه بينما أسهمت الأمم القديمة كالبابليين وقدماء المصريين بنصيب وافر في تقدم علوم الرياضية والفلك، لم تشارك تلك الأمم بشيء بتاتاً في النهوض بعلم الفيزياء. ونحن نستطيع أن نعلل هذا النقص الظاهر بالنسبة إلى ثقافة الإغريق بأن آلهة البابليين والمصريين مثلاً كانت تعيش  غالباً بين النجوم، على حين كانت آلهة قدماء الإغريق تعيش على ارتفاعات لا تربي على 10 آلاف قدم، فوق قمة جبل أولمبس، مما جعلها أقرب للمشاركة في المسائل الأرضية. وتذهب إحدى الأساطير إلى أن لفظ "مغناطيسية" إنما اشتق أصلاً من اسم أحد رعاة الإغريق (مجناطس) الذي أدهشه أن يلاحظ انجذاب طرف عصاه الحديدي نحو حجر (من خامات الحديد) ، ملتقى على جانب الطريق. وكذلك ربما يرجغ الأصل في لفظة الكترويسيتي " electricity" أو "كهرباء " إلى الكلمة الإغريقية "إلكترون " أو كهرمان" ولعل السبب كذلك هو أنه عندما حاول أحد رعاتهم تلميع قطعة من الكهرمان يمسحها بوبر رأس من قطيعه لاحظ أن القطعة اكتسبت خاصية عجيبة مكنتها من جذب قطع الخشب الصغيرة المتناثرة.