أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-6-2021
3278
التاريخ: 29-7-2019
3217
التاريخ: 7-2-2017
2895
التاريخ: 4-9-2019
2042
|
بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمره 40 سنة، فانطلق لوحده بالدعوة المباركة ليقف بوجه الكفر العالمي وعبادة الأصنام والشرك، ويغالب المشاكل والمصاعب الخطيرة، فبلغ بالدعوة سرا حفاظا على الدعوة الوليدة من الأعداء، حتى جاء أمر الله بإعلان الدعوة واقتحام صفوف الباطل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 94، 95] (1). فأعلن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوته، وأول عمل قام به (صلى الله عليه وآله وسلم) هو دعوة أهله وعشيرته إلى الإسلام ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، تنفيذا لقوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فجمعهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم زهاء أربعين رجلا وأولم لهم وليمة المرة تلو المرة وأبلغهم رسالة السماء التي كلف بها، وقصة يوم الدار ثابتة ومشهورة رواها معظم فطاحل العلماء والمحدثين في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم وتكاد تكون متواترة. وقد سبق أن ذكرنا ذلك مفصلا في كتابنا علي في الكتاب والسنة ج 1 في تفسير الآية 214 من سورة الشعراء ص 204. لقد أجمع المؤرخون على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لما أمره تعالى أن ينذر الأقربين من عشيرته، دعا عليا (عليه السلام) وقال له: اصنع طعاما واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا (2) من لبن واجمع لي بني هاشم وعبد المطلب حتى أكلمهم وادعوهم إلى الإسلام وأبلغهم ما أمرت به. ففعل علي (عليه السلام) ما أمر به، ودعاهم وكانوا يوم ذلك أربعين رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، وبنو عمومته، فأحضر لهم علي (عليه السلام) الطعام فأكلوا حتى شبعوا. وجاء عن علي (عليه السلام) أنه قال: لقد كان الرجل الواحد منهم يأكل جميع ما شبعوا كلهم منه، فلما فرغوا من الأكل وأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكلمهم، بدره أبو لهب عمه إلى الكلام، وقال: ما أشد ما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وبعد أيام قال لعلي (عليه السلام): يا علي، قد رأيت كيف سبقني هذا الرجل إلى الكلام، فاصنع لنا في غد كما صنعت بالأمس، واجمعهم لعلي أكلمهم بما أمرني الله. فصنع علي (عليه السلام) لهم الطعام، فلما أكلوا وشربوا قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بمثل ما جئتكم به، لقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، فأحجم القوم إلا علي (عليه السلام)، فقام وهو أحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأحمشهم ساقا وقال: أنا يا نبي الله، فأمره النبي بالجلوس وكرر عليهم مقالته فلم يستجب له أحد غير علي (عليه السلام). ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إحجامهم وإصرار علي (عليه السلام) أخذ برقبته وقال: إن هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم (من بعدي) فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك محمد أن تسمع لابنك وتطيعه.
شيخ البطحاء أبو طالب مؤمن قريش:
كان شيخ البطحاء الدرع الواقي للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حياة أبيه عبد المطلب وبعد وفاته.
ولـــــولا أبو طالب وابنه *** لما مثل الدين شخصـا فقاما
فذاك بمكـــة آوى وحامى *** وهذا بيثرب جس الحمـامــا
تكفـــل عبد منـــــاف بأمر*** وأودى فكــــان علي تمامــا
فقل في ثبير مضى بعدما *** قضى ما قضاه وأبقى شماما
فللـــه ذا فاتحــــــا للهدى *** ولله ذا للمعـــــــالي ختامــــا
وما ضر مجد أبي طالب *** جهـــول لغا أو بصير تعامى
كما لا يضر أباة الصباح *** من ظن ضوء النهار الظلاما (3)
هكذا كان أبو طالب يتجاهر بالدفاع عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالة السماء، وهو يحث أخاه حمزة بن عبد المطلب على اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصبر على طاعته، والثبات على دينه وكذا يدفع ولده جعفر أن يقف إلى جنب أخيه علي ويصل جناح ابن عمه. ولم يكن يدافع عن دعوة ابن أخيه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب بل جند كل طاقاته في سبيل نشر الدعوة، ووقف منها موقف البطل المجاهد طيلة حياته، وسجل له التاريخ كل تلكم المواقف المشرفة بكل إكبار وفخر. موقفه من ابن الزبعرى لما تجاسر على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
عن السيد عبد الحميد بن النقي الحسيني - النسابة، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) يقول: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفر من قريش، وقد نحروا جزورا، وكانوا يسمونها الظهيرة، ويذبحونها على النصب، فلم يسلم عليهم، فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا؟ فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه، فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره، فانصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أتى عمه أبا طالب، فقال: يا عم من أنا؟ فقال: ولم يا بن أخ؟ فقص عليه القصة، فقال أبو طالب، وأين تركتهم؟ فقال: بالأبطح فنادى في قومه: يا آل عبد المطلب، يا آل هاشم، يا آل عبد مناف، فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين، فقال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم، فأخذوا سلاحهم، وانطلق بهم، حتى انتهى إلى أولئك النفر، فلما رأوه قاموا وأرادوا أن يتفرقوا، فقال لهم: ورب هذه البنية - الكعبة - لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف، ثم أتى إلى صفاة (4) كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار (5) ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول، ويومي بيده إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنــت النبـــــــي محمـــد *** قرم أعـــــــزم مسود
لمســــــودين أطائــــــب *** كرموا وطــاب المولد
نعم الأرومـــــــة أصلها *** عمرو الخضم الأوحد
أنى تضــــام ولـــم أمت *** وأنــــا الشجاع العربد
وبنـــو أبيـــــك كأنهــــم *** أســـــد العرين توقـــد
ولقــــد عهدتك صـــادقا *** فـــــي القول مـا تتفند
ما زلت تنطق بالصواب *** وأنــــــت طفــل أمرد
حتى أتى على الأبيات كاملة ثم قال أبو طالب: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عبد الله بن الزبعرى، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماه، ثم أمر بالفرث والدم، فأمره على رؤوس الملأ كلهم، ثم قال: يا ابن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد ابن عبد الله حتى نسبه إلى آدم (عليه السلام) ثم قال: أنت والله أشرفهم حسبا، وأرفعهم منصبا يا معشر قريش، ما شاء منكم أن يتحرك فليفعل، أنا الذي تعرفوني. روي هذا الحديث بطرق متعددة فراجع المصادر.
عطف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمه أبي طالب:
أصابت قريش أزمة مهلكة، وسنة مجدبة منهكة، وكان أبو طالب ذا مال يسير، وعيال كثير، فأصابه ما أصاب قريشا من العدم والإضافة والجهد والفاقة، فعند ذلك دعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عمه العباس، فقال له: يا أبا الفضل، إن أخاك (أبو طالب) كثير العيال مختل الحال، ضعيف النهضة والعزمة وقد نزل به ما نزل من هذه الأزمة، وذوو الأرحام أحق بالرفد، وأولى بحمل الكل في ساعة الجهد، فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه، فنحمل عنه بعض أثقاله، ونخفف عنه من عياله، يأخذ كل منا واحدا من بنيه، ليسهل ذلك عليه بعض ما ينوء فيه. فقال العباس: نعم ما رأيت، والصواب فيما أتيت، هذا والله الفضل الكريم، والوصل الرحيم. فلقيا أبا طالب فصبراه، ولفضل آبائه ذكراه وقالا له: إنا نريد أن نحمل عنك بعض المال (6)، فادفع إلينا من أولادك من يخف عنك به الأثقال، فقال أبو طالب، إذا تركتما لي عقيلا - وفي رواية إذا تركتما لي عقيلا وطالبا - فافعلا ما شئتما. فأخذ العباس جعفرا، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا، فانتخبه لنفسه، فانتجبه واصطفاه لمهم أمره، وعول عليه في سره وجهره، وهو مسارع لمرضاته، موفق للسداد في جميع حالاته.
________
(1) سورة الحجر: 94 و95.
(2) العس: الإناء.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 3 / 317 ط مصر.
(4) الصفاة: الحجر الصلد الضخم.
(5) الفهر: الحجر قدر ما يدق به الجوز.
(6) ربما يقصد العيال.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|