أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
9464
التاريخ: 16-10-2014
10122
التاريخ: 16-10-2014
1706
التاريخ: 6-03-2015
1804
|
إنّ فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي ( 543 ـ 606هـ ) ممّن فسّر كثيراً من الآيات القرآنية على ضوء مذهبه ومنهجه الذي يتبعه وهو مذهب الإمام الأشعري ، وهو أشعري في العقيدة ، شافعي في الفقه ، فلنذكر نماذج من تفاسيره .
1 ـ جواز التكليف بما لا يُطاق
إنّ جواز التكليف بما لا يُطاق من مذاهب الأشاعرة ولقد احتج الرازي على مذهبهم بالآيات التالية :
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [البقرة : 6].
وقوله سبحانه : {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس : 7].
وقوله : {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ـ إلى قوله ـ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [المدثر: 11-17] .
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد : 1].
ثمّ أخذ بتقرير دلالة هذه الآيات على جواز التكليف بما لا يُطاق بوجوه أربعة :
أوّلاً : أنّه تعالى أخبر عن أشخاص معيّنين أنّهم لا يؤمنون قط ، فلو صدر منهم الإيمان ، لزم انقلاب خبر اللّه تعالى الصدق كذباً .
وثانياً : أنّه تعالى لمّا علم منهم الكفر ، فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً لانقلاب علمه تعالى جهلاً .
وثالثاً : أنّه تعالى كلّف هؤلاء ـ الذين أخبر عنهم بأنّهم لا يؤمنون ـ بالإيمان البتة ، والإيمان يُعتبر فيه تصديق اللّه تعالى في كلّ ما أخبر عنه ، وممّا أخبر عنه أنّهم لا يؤمنون قط ، فقد صاروا مكلّفين بأن يؤمنوا بأنّهم لا يؤمنون قط ، وهذا تكلّف بالجمع بين النفي والإثبات (1) .
يُلاحظ عليه : أنّ الوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف ما لا يُطاق ، فلا تنقدح الإرادة في لوح نفس الآمر وضمير روحه إذا علم أنّ المأمور غير قادر على العمل ؛ ولذلك قلنا في محله إنّ مرجع التكليف بما لا يُطاق إلى كون نفس التكليف محالاً ، ولذلك يقول سبحانه : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وأمّا الوجوه التي اعتمد عليها الرازي فموهونة جداً ؛ وذلك أنّ علمه الأزلي الذي اعتمد عليه في الوجهين الأوّلين لم يتعلّق بصدور كلّ فعل عن فاعله على وجه الإطلاق ، بل تعلّق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه ، وعلى ضوء ذلك تعلّق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر ، بلا شعور كما تعلّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش ، عالماً بلا اختيار ، ولكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية ، فتعلّق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً وصدور فعله عنه اختياراً ـ فمثل هذا العلم ـ يؤكد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان .
وإن شئت قلت : إنّ العلّة إذا كانت عالمةً شاعرةً ، ومريدةً ومختارةً كالإنسان ، فقد تعلّق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية ، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية كان علمه سبحانه مطابقاً للواقع غير متخلّف عنه ، وأمّا لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر و اضطرار بلا علم وشعور ، أو بلا اختيار وإرادة ، فعند ذلك يتخلّف علمه عن الواقع .
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحليل ما ذكره الرازي بلفظه ، فقال :
فلو صدر منهم الإيمان لزم انقلاب خبر اللّه تعالى الصدق كذباً ، فنقول :
إنّ هؤلاء لا يصدر منهم الإيمان إلى يوم القيامة قطعاً لكن لا من جهة إخباره سبحانه عنه ؛ بل لأجل اختيارهم وانتخابهم عدم الإيمان إلى يوم القيامة ، فالإخبار عن عدم تديّنهم شيء ، و كون الإيمان خارجاً عن الاختيار شيء آخر ، والآية تُخبر عن الأوّل دون الثاني .
ومنه يظهر ضعف كلامه الثاني حيث قال : ( فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً لانقلاب علمه تعالى جهلاً ) ؛ وذلك لأنّه سبحانه أخبر عن عدم صدور الإيمان وبما أنّه مخبر صادق لا يصدر منهم الإيمان لكن لا لأجل أنّ اللّه أخبر عنه ؛ بل لأجل مبادئ كامنة في أنفسهم تجرّهم إلى عدم الإيمان ، فالإخبار عن عدم الإيمان شيء وكون الإيمان خارجاً عن اختيارهم شيء آخر ، والآية تُخبر عن الأوّل دون الثاني .
وبما ذكرنا من التحليل تقدر على تحليل الوجه الثالث إذ نمنع أنّهم كانوا مكلّفين بعدم الإيمان بل كان أبو لهب مكلّفاً بالتوحيد والرسالة فقط .
2 ـ امتناع رؤية اللّه أو إمكانها
ذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته سبحانه يوم القيامة ، وهذا هو الأصل البارز في مدرستهم الكلامية ، ثمّ إنّ هناك آيات تدلّ بصراحتها على امتناع رؤيته سبحانه فحاولوا إخضاع الآيات لنظريتهم ، وإليك نموذجاً واحداً ، يقول سبحانه :
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام : 102 ، 103].
ومن المعلوم أنّ الإدراك مفهوم عام لا يتعيّن في البصري أو السمعي أو العقلي إلاّ بالإضافة إلى الحاسّة التي يُراد الإدراك بها ، فالإدراك بالبصر يُراد منه الرؤية بالعين ، والإدراك بالسمع يُراد منه السماع ، هذا هو ظاهر الآية ، وهي تنفي إمكان الإدراك بالبصر على الإطلاق .
ولمّا وقف الرازي على أنّ ظاهر الآية أو صريحها لا يوافق أصله الكلامي ؛ لأنّها ظاهرة في نفي الإدراك بالبصر ، قال : إنّ أصحابنا ( الأشاعرة ) احتجّوا بهذه الآية على أنّه يجوز رؤيته والمؤمنون يرونه في الآخرة ، وذلك لوجوه :
1 ـ إنّ الآية في مقام المدح فلو لم يكن جائز الرؤية لَما حصل التمدّح بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) أَلا ترى أنّ المعدوم لا تصح رؤيته ، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا تصح رؤية شيء منها ولا يمدح شيء منها في كونها ( لا تدركه الأبصار ) فثبت أنّ قوله : ( لا تدركه الأبصار ) يفيد المدح ، إلاّ إذا صحت الرؤية .
والعجب غفلة الرازي عن أنّ المدح ليس بالجزء الأوّل فقط ، أعني : ( لا تدركه الأبصار ) ، بل المدح بمجموع الجزأين المذكورين في الآية كأنّه سبحانه يقول : واللّه جلّت عظمته يدرك أبصاركم ، ولكن لا تدركه أبصاركم ، فالمدح بمجموع القضيتين لا بالقضية الأُولى .
2 ـ إنّ لفظ ( الأبصار ) صيغة جمـع دخل عليها الألـف واللام فهي تفيد الاستغراق بمعنى أنّه لا يدركه جميع الأبصار ، وهذا لا ينافي أن يدركه بعض الأبصار (2) .
يُلاحظ عليه : أنّ الآية تفيد عموم السلب لا سلب العموم ، بقرينة كونه في مقام بيان رفعة ذاته ، وشموخ مقامه .
كأنّه سبحانه يقول :
( لا يدركه أحد من جميع ذوي الأبصار من مخلوقاته ولكنّه تعالى يدركهم ) وهذا نظير قوله سبحانه : {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر : 35] ، وقوله : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [لقمان : 18] .
إلى غير ذلك من الوجوه الواهية التي ما ساقه إلى ذكرها إلاّ ؛ ليُخضِعَ الآيةَ لمعتقده .
____________________
1 ـ تفسير الرازي : 2 / 42 .
2 ـ تفسير الرازي : 13 / 125 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|