أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-11-2016
2275
التاريخ: 9-1-2017
5546
التاريخ: 25-11-2019
1841
التاريخ: 14-12-2018
5652
|
معاوية وحجر بن عدي وأصحابه:
إن معاوية استعمل مغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين فلما أمره عليها دعاه وقال له: أما بعد: فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا. وقد قال المتلمس:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا *** وما علم الانسان إلا ليعلما
وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح رعيتي، ولست تارك إيصاءك بخصلة: لا تقهم عن شتم علي وذمه. والترحم على عثمان والاستغفار له، و العيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم، والاستماع منهم. فقال المغيرة: قد جربت وجربت و عملت قبلك لغيرك، فلم يذمم بي رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد أو تذم. ثم قال: بل نحمد إن شاء الله. فأقام المغيرة عاملا على الكوفة سبع سنين وأشهرا وهو من أحسن شئ سيرة وأشده حبا للعافية، غير أنه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إياكم فذم الله ولعن ثم قام وقال: إن الله عز وجل يقول: كونوا قوامين بالقسط شهداء الله، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم. فيقول له المغيرة: يا حجر! لقد رمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك، يا حجر! ويحك اتق السلطان، اتق غضبه وسطوته، فإن غضب السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا، ثم يكف عنه ويصفح، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في علي وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته. اللهم ارحم عثمان بن عفان، وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله، فإنه عمل بكتابك واتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وجمع كلمتنا، وحقن دمائنا، وقتل مظلوما (1)، اللهم فارحم أنصاره وأوليائه ومحبيه والطالبين بدمه.
ونال من علي بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه وقال: إنك لا تدري بمن تولع من هرمك أيها الانسان! مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنك قد حبستها عنا ولم يكن ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين، وتقريظ المجرمين.
فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا شيئا. وأكثروا في مثل هذا القول، فنزل المغيرة فدخل القصر فاستأذن عليه قومه فأذن لهم فقالوا: علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة و يجتري عليك في سلطانك هذه الجرأة؟ فيوهن سلطانك، ويسخط عليك أمير المؤمنين معاوية، وكان أشدهم له قولا في أمر حجر والتعظيم عليه عبد الله بن أبي عقيل الثقفي، فقال لهم المغيرة: إني قد قتلته إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة، إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، ولا أحب أن ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك و أشقى، ويعز في الدنيا معاوية، ويذل يوم القيامة المغيرة.
ثم هلك المغيرة سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد (ابن سمية) فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة ووجه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقا فقال له:
قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبدا، أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فإن الله قد سلخه من صدري فصيره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإن الله قد سلخه من صدري وحوله حبا ومؤدة، وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشية، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك، وتشط عندي دمك، إني لا أحب التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجة، اللهم اشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير مني إلا ما يحب وقد نصح وأنا قابل نصيحته. ثم خرج من عنده.
ولما ولي زياد جمع أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي (2) فقام في الناس وخطبهم ثم ترحم على عثمان وأثنى على أصحابه ولعن قاتليه، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة، وكان زياد يقيم ستة أشهر في الكوفة وستة أشهر في البصرة فرجع إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث فبلغه أن حجرا يجتمع إليه شيعة علي ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه، وإنهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها فأتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر قد فرق شعره وحجر جالس في المسجد حوله أصحابه أكثر ما كانوا فصعد المنبر وخطب وحذر الناس وقال: أما بعد: فإن غب البغي والغي وخيم، إن هؤلاء جموا فأشروا، وامنوني فاجترؤوا على الله لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم، ولست بشئ إن لم أمنع باحة الكوفة من حجر، وأدعه نكالا لمن بعده، ويل أمك يا حجر! سقط العشاء بك على سرحان.
ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرط: اذهب فأتني بحجر فذهب إليه فدعاه فقال أصحابه: لا يأتيه ولا كرامة فسبوا الشرط فرجعوا إلى زياد فأخبروه، فقال: يا أشراف أهل الكوفة أتشجون بيد وتأسون بأخرى؟ أبدانكم عندي وأهواءكم مع هذا الهجاجة المذبوب (3). وفي الكامل: أبدانكم معي وقلوبكم مع حجر الأحمق. و الله ليظهرن لي براءتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم. فقالوا: معاذ الله أن يكون لنا رأي إلا طاعتك وما فيه رضاك. قال: فليقم كل رجل منكم فليدع من عند حجر من عشيرته وأهله ففعلوا وأقاموا أكثر أصحابه عنه، وقال زياد لصاحب شرطته:
انطلق إلى حجر فإن تبعك فأتني به وإلا فشدوا عليهم بالسيوف حتى تأتوني به. فأتاه صاحب الشرطة يدعوه فمنعه أصحابه من إجابته فحمل عليهم فقال أبو العمرطة الكندي لحجر: إنه ليس معك رجل معه سيف غيري فما يغني سيفي؟ قم فألحق بأهلك يمنعك قومك. فقام وزياد ينظر إليهم وهو على المنبر وغشيهم أصحاب زياد فضرب رجل من الحمراء يقال له: بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع وحمله رجلان من الأزد وأتيا به دار رجل يقال له: عبيد الله بن موعد الأزدي، وضرب بعض الشرطة يد عائذ بن حملة التميمي وكسر نابه، وأخذ عمودا من بعض الشرط فقاتل به وحمى حجرا وأصحابه حتى خرجوا من أبواب كندة.
مضى حجر وأبو العمرطة إلى دار حجر واجتمع إليهما ناس كثير ولم يأته من كندة كثير أحد فأرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمدان إلى جبانة كندة وأمرهم أن يأتوه بحجر، وأرسل سائر أهل اليمن إلى جبانة الصائدين وأمرهم أن يمضوا إلى صاحبهم حجر فيأتوه به، ففعلوا فدخل مذحج وهمدان إلى جبانة كندة فأخذوا كل من وجدوا، فأثنى عليهم زياد فلما رأى حجر قلة من معه أمرهم بالانصراف وقال لهم:
لا طاقة لكم بمن قد اجتمع عليكم وما أحب أن تهلكوا، فخرجوا فأدركهم مذحج و همدان فقاتلوهم وأسروا قيس بن يزيد ونجا الباقون فأخذ حجر طريقا إلى بني حوت فدخل دار رجل منهم يقال: له سليم بن يزيد، وأدركه الطلب فأخذ سليم سيفه ليقاتل فبكى بناته فقال حجر: بئسما أدخلت على بناتك إذا قال: والله لا تؤخذ من داري أسيرا ولا قتيلا وأنا حي، فخرج حجر من خوخة في داره فأتى النخع فنزل دار عبد الله بن الحرث أخي الأشتر فأحسن لقاءه فبينما هو عنده إذ قيل له: إن الشرط تسأل عنك في النخع.
وسبب ذلك أن أمة سوداء لقيتهم فقالت: من تطلبون؟ فقالوا: حجر بن عدي. فقالت:
هو في النخع. فخرج حجر من عنده فأتى الأزد فاختفى عند ربيعة بن ناجد فلما أعياهم طلبه دعا زياد محمد بن الأشعث وقال له: والله لتأتيني به أو لأقطعن كل نخلة لك وأهدم دورك، ثم لا تسلم مني حتى أقطعك إربا إربا. فاستمهله فأمهله ثلاثا واحضر قيس بن يزيد أسيرا فقال له زياد: لا بأس عليك قد عرفت رأيك في عثمان وبلاءك مع معاوية بصفين وإنك إنما قاتلت مع حجر حمية وقد غفرتها لك ولكني ائتني بأخيك عمير. فاستأمن له منه على ماله ودمه فأمنه فأتاه به وهو جريح فأثقله حديدا وأمر الرجال أن يرفعوه ويلقوه ففعلوا به ذلك مرارا فقال قيس بن يزيد لزياد: ألم تؤمنه؟ قال: بلى قد أمنته على دمه ولست أريق له دما، ثم ضمنه وخلى سبيله.
مكث حجر بن عدي في بيت ربيعة يوما وليلة فأرسل إلى محمد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أمانا حتى يبعث به إلى معاوية فجمع محمد جماعة منهم جرير بن عبد الله، وحجر بن يزيد، وعبد الله بن الحارث أخو الأشتر، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية فأجابهم فأرسلوا إلى حجر بن عدي فحضر عند زياد فلما رآه قال:
مرحبا بك أبا عبد الرحمن! حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس. على أهلها تجنى براقش. فقال حجر: ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإني لعلى بيعتي. فقال:
هيهات هيهات يا حجر! أتشج بيد وتأسوا بأخرى؟ وتريد إذا أمكننا الله منك أن نرضى؟
كلا والله لأحرصن على قطع خيط رقبتك. فقال: ألم تؤمني حتى أتى معاوية فيرى في رأيه؟ قال: بلى، إنطلقوا به إلى السجن، فلما مضى به قال: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه. فأخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال، وزياد ماله غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر.
عمرو بن الحمق:
خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه وبلغ عامل ذلك الرستاق يقال له: عبيد الله بن أبي بلتعة خبرهما فسار إليهما في الخيل فخرجا إليه، فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى فلم يكن عنده امتناع. وأما رفاعة فكان شابا قويا فوثب على فرس له جواد وقال لعمرو:
أقاتل عنك؟ قال: وما ينفعني أن تقتل؟! أنج بنفسك. فحمل عليهم فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان راميا فلم يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه، وأخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر عليكم. فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي فلما رأى عمرا عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية: إنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.
فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى منهن أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية فكان رأسه أول رأس حمل في الاسلام.
قال الأميني: هذا الصحابي العظيم (عمرو بن الحمق) الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة (4) محكوم عليه عند القوم وغيرهم بالعدالة وكون أقواله وأفعاله حجة لولا أن عدالة الصحابة تمطط إلى أناس معلومين بالخلاعة والمجون كمغيرة بن شعبة، والحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، وعبد الله بن أبي سرح، وزياد بن أبيه، وأغيلمة قريش من الشباب الزائف ممن جرت المخازي إليهم الويلات، وتتقلص عن آخرين أنهكتهم العبادة، وحنكتهم الشريعة، وأبلتهم الطاعة كعمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، وزيد وصعصعة ابني صوحان.
أنا لا أدري ما كان المبرر للنيل من عمرو وقتله؟ وأي جريمة أوجبت أن يطعن بالطعنات التسع اللاتي أجهزت عليه أولاهن أو ثانيتها؟ أما واقعة عثمان فكانت الصحابة مجمعين عليها بين سبب ومباشر فلم لم يؤاخذوا عليها واختصت المقاصة أناسا انقطعوا إلى ولاء مولانا أمير المؤمنين ولاء الله وولاء رسوله صلى الله عليه وآله؟ ولم يجهز معاوية الجيوش ولا بعث البعوث على طلحة والزبير وهما أشد الناس في أمر عثمان وأوغلهم في دمه؟! ومن ذا الذي أودي بعثمان غير معاوية نفسه في تثبطه عن نصره وتربصه به حتى بلغ السيف منه المحز (5)؟ ولماذا كان يندد ويهدد ويؤاخذ أهل المدينة وغيرهم بأنهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئا عن ذلك بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل؟ نعم: كانت تلكم الأفاعيل على من يوالي عليا صلوات الله عليه، فهي منكمشة عمن يعاديه ويقدمهم ابن آكلة الأكباد.
هل لمعاوية أن يثبت إن هلاك عثمان كان بطعنات عمرو؟ وهؤلاء المؤرخون ينصون على أن المجهز عليه هو كنانة بن بشر التجيبي، وقد جاء في شعر الوليد بن عقبة:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة *** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وقال هو أو غيره:
علاه بالعمود أخو تجيب *** فأوهى الرأس منه والجبينا (6)
وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 106 بإسناده عن كنانة العدوي قال: كنت فيمن حاصر عثمان قال: قلت: محمد بن أبي بكر قتله؟ قال: لا، قتله جبلة بن الايهم رجل من أهل مصر. قال: وقيل: قتله كبيرة السكوني فقتل في الوقت. وقيل: قتله كنانة بن بشر التجيبي، ولعلهم اشتركوا في قتله لعنهم الله، وقال الوليد بن عقبة:
ألا إن خير الناس بعد نبيهم *** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وفي الاستيعاب 2: 477، 478: كان أول من دخل الدار عليه محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته فقال: دعها يا بن أخي والله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحى وخرج، ثم دخل رومان به سرحان رجل أزرق قصير محدود عداده في مراد وهو من ذي أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال: على أي دين أنت يا نعثل؟! فقال عثمان: لست بنعثل ولكني عثمان ابن عفان وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين قال: كذبت وضربه على صدغه الأيسر فقتله فخر.
وقال: اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل: محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص. وقيل بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره، وكان الذي قتله سودان بن حمران وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وقيل: بل إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر فقال له: يا ابن أخي! أرسل لحيتي فوالله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني. فيقال: إنه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.
وأخرج أيضا ما رويناه عن المستدرك بلفظ: فقال محمد بن طلحة فقلت لكنانة:
هل ندى محمد بن أبي بكر بشئ من دمه؟ قال: معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان: يا ابن أخي لست بصاحبي وكلمه بكلام فخرج ولم يند بشئ من دمه. قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر يقال له: جبلة بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول:
أنا قاتل نعثل.
وذكر المحب الطبري في رياضه 2: 130 ما أخرجه أبو عمر في (الاستيعاب) من استحياء محمد بن أبي بكر وخروجه من الدار ودخول رومان بن سرحان وقتله عثمان.
فقال: وقيل: قتله جبلة بن الايهم. وقيل: الأسود التجيبي وقيل: يسار بن غلياض.
وأخرج ابن عساكر في حديث ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 175: وجاء رجل من كندة من أهل مصر يلقب حمارا ويكنى بأبي رومان. وقال قتادة: اسمه رومان. وقال غيره: كان أزرق أشقر. وقيل: كان إسمه سودان بن رومان المرادي. وعن ابن عمر قال:
كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتا. إلخ.
وقال ابن كثير في تاريخه 7: 198: أما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصح (7) عن أحد من الصحابة إنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله لكن بعضهم كان يود لو خلع نفسه من الأمر كعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق وغيرهم.
ثم أي مبرر لابن هند في أمره بإتمام الطعنات التسع بعد الطعنة المودية به؟ وهل في الشريعة تعبد بأن يفعل بالمقتص منه مثل ما فعله بمن يقتص له؟ أو يكتفى بما هو المقصود من القصاص من إعدام القاتل؟ ولعل عند فقيه بني أمية مسوغا لا نعرفه أضف إلى ذلك حمل رأسه من بلد إلى بلد، وهو أول رأس مطاف به في الاسلام (8).
قال النسابة أبو جعفر محمد بن حبيب في كتاب [المحبر] ص 490: ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي وكان شيعيا ودير به في السوق. وكان عبد الرحمن بن أم الحكم أخذه بالجزيرة. وقال ابن كثير: فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد - وكانت في سجنه - فألقي في حجرها. فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت: غيبتموه عني طويلا ثم أهديتموه إلي قتيلا، فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية.
نعم: هذه الأفاعيل إلى أمثالها من نماذج فقه أمه آكلة الأكباد الذي سوغ لها ما فعلت بعم النبي الأعظم سيد الشهداء حمزة سلام الله عليه، واقتص أثر أبيه يزيد بن معاوية فيما ارتكبه من سيد شباب أهل الجنة الحسين السبط صلوات الله عليه، فقتله و آله وصحبه الأكرمين أشنع قتلة وطيف برؤوسهم الكريمة في الأمصار على سمر القنا فأعقبهما خزاية لا يغسلها مر الدهور، وشية قورن ذكرها بالخلود.
على إنه لو كان هناك قصاص فهو لأولياء الدم وهم ولد عثمان، وإن لم يكن هناك ولي أو إنه عجز عن تنفيذ الحكم فيقوم به خليفة الوقت فإنه ولي الدم وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو يومئذ وقبله مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام فهو موكول إليه، وكان عمرو ابن الحمق في كنفه يراه ويبصر موقفه وخضوعه له، فلو كان عليه قصاص أجراه عليه و هو الذي لم تأخذه في الله لومة لائم، وساوى عدله القريب والبعيد، وكانت يده مبسوطة عند ذاك، وعمرو أخضع له من الظل لديه، ومعاوية عندئذ أحد أفراد الأمة - إن صدق إنه أحد أفرادها - لا يحويه عير ولا نفير، ولا يناط به حكم من أحكام الشريعة، غير أنه قحمه في الورطات حب الوقيعة في محبي علي أمير المؤمنين عليه السلام والله من ورائه حسيب.
صيفي بن فسيل:
وجد زياد في طلب أصحاب حجر وهم يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم فجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن امرءا منا يقال له: صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليه فبعث إليه فأتي به فقال له زياد: يا عدو الله! ما تقول في أبي تراب؟ فقال: ما أعرف أبا تراب. قال: ما أعرفك به؟ أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ قال: بلى. قال: فذلك أبو تراب. قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة: أيقول لك الامير: هو أبو تراب، وتقول أنت: لا؟ قال: أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب، وأشهد له بالباطل كما شهد؟ قال له زياد: وهذا أيضا مع ذنبك، علي بالعصا فأتي بها فقال: ما قولك في علي؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد الله أقوله في أمير المؤمنين. قال: إضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض. فضرب حتى لصق بالأرض ثم قال: أقلعوا عنه، إيه ما قولك في علي؟! قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمدي ما قلت إلا ما سمعت مني. قال: لتلعننه أو لأضربن عنقك. قال: إذا والله تضربها قبل ذلك، فأسعد وتشقى. قال: ادفعوا في رقبته. ثم قال: أوقروه حديدا واطرحوه في السجن، ثم قتل مع من قتل من حجر وأصحابه.
قال الأميني: ما أكبرها من جناية على رجل يقول: ربي الله ويدين بالرسالة ويوالي إمام الحق، وليس عليه ما يجلب التنكيل به كما فعله ابن سمية بإيعاز من ابن آكلة الأكباد إلا الخضوع لولاية أمر الكتاب بها والرضوخ لها، وقد أكدته السنة في نصوصها المتواترة.
وهل الامتناع عن لعن من أمر الله باتباعه وطهره وقدسه يسوغ الضرب والحبس والقتل؟ أنا لا أدري. وإن ابن الزانية ومن ركزه على ولاية الأمصار لعليمان بما ارتآه، لكن احتدام بغضهما لصاحب الولاية الكبرى حداهما إلى أن يلغا دم من أسلم وجهه لله وهو محسن. وإلى الله المنتهى.
قبيصة بن ضبيعة:
بعث زياد إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب شرطته شداد بن الهيثم فدعا قبيصة في قومه وأخذ سيفه فأتاه ربعي بن حراش بن جحش العبسي ورجال من قومه ليسوا بالكثير فأراد أن يقاتل فقال صاحب الشرطة: أنت آمن على دمك و مالك، فلم تقتل نفسك؟ فقال له أصحابه: قد أومنت فعلام تقتل نفسك وتقتلنا معك؟
قال: ويحكم إن هذا الدعي ابن العاهرة والله لئن وقعت في يده لا أفلت منه أبدا أو يقتلني. قالوا: كلا فوضع يده في أيديهم فأقبلوا به إلى زياد فلما دخلوا عليه قال زياد: وحي عسى تعزون على الدين، أما والله لأجعلن لك شاغلا عن تلقيح الفتن والتوثب على الأمراء. قال: إني لم آتك إلا على الأمان. قال: فانطلقوا به إلى السجن وقتل مع من قتل من أصحاب حجر.
عبد الله بن خليفة:
بعث زياد بكير بن حمران الأحمري إلى عبد الله بن خليفة الطائي وكان شهد مع حجر فبعثه في أناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عدي بن حاتم فأخرجوه فلما أرادوا أن يذهبوا به وكان عزيز النفس إمتنع منهم فحاربهم وقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط فنادت ميثاء أخته: يا معشر طيء! أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم؟ فلما سمع الأحمري نداءها خشي أن تجتمع طيء فيهلك فهرب فخرج نسوة من طيء فأدخلنه دارا وانطلق الأحمري حتى أتى زيادا فقال: إن طيئا اجتمعت إلي فلم أطقهم فأتيتك، فبعث زياد إلى عدي وكان في المسجد فحبسه وقال: جئني به وقد أخبر عدي بخبر عبد الله، فقال عدي: كيف آتيك برجل قد قتله القوم؟ قال: جئني حتى أن قد قتلوه، فاعتل له وقال: لا أدري أين هو ولا ما فعل فحبسه فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة ومضر إلا فزع لعدي فأتوا زيادا فكلموه فيه وأخرج عبد الله فتغيب في بحتر فأرسل إلى عدي إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت، فبعث إليه عدي: والله لو كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك. فدعا زياد عديا فقال له: إني أخلي سبيلك على أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة ولتسير به إلى جبلي طئ قال: نعم فرجع وأرسل إلى عبد الله بن خليفة: أخرج فلو قد سكن غضبه لكلمته فيك حتى ترجع إن شاء الله. فخرج إلى الجبلين ومات بهما قبل موت زياد.
الشهادة المزورة على حجر:
جمع زياد من أصحاب حجر بن عدي أثنى عشر رجلا في السجن ثم دعا رؤساء الأرباع وهم: عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة. وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان. وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة. وأبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد، فشهد هؤلاء أن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب، وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه، وأن هؤلاء الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه. ونظر زياد في شهادة الشهود وقال: ما أظن هذه شهادة قاطعة وأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه وقال زياد:
على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أول الناس فقال: اكتبوا اسمي فقال زياد: ابدؤوا بقريش ثم اكتبوا إسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة (9) فشهد عليه سبعون رجلا فقال زياد: ألقوهم إلا من عرف بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتى صيروا إلى هذه العدة [وهم أربع وأربعون فيهم: عمر بن سعد بن أبي وقاص. شمر بن ذي الجوشن شبث بن ربعي. زجر بن قيس].
وممن شهد شداد بن المنذر أخو الحضين وكان يدعى: ابن بزيعة. فكتب: شهادة ابن بزيعة. فقال زياد: أما لهذا أب ينسب إليه؟ ألغوا من الشهود فقيل له: إنه أخو الحضين بن المنذر؟ فقال: انسبوه إلى أبيه فنسب، فبلغ ذلك شدادا فقال: والهفاه على ابن الزانية أو ليست أمه أعرف من أبيه؟ فوالله ما ينسب إلا إلى أمه سمية.
وكتب في الشهود شريح بن الحرث، وشريح بن هانئ. فأما شريح بن الحرث فقال: سألني عنه فقلت: أما إنه كان صواما قواما. وأما شريح بن هانئ فقال:
بلغني إن شهادتي كتبت فأكذبته ولمته، وكتب كتابا إلى معاوية وبعثه إليه بيد وائل بن حجر وفي الكتاب: بلغني إن زيادا كتب شهادتي، وإن شهادتي على حجر إنه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويديم الحج والعمرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه. فلما قرأ معاوية الكتاب قال:
ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم.
وكتب شهادة السري بن وقاص الحارثي وهو غائب في عمله.
قال الأميني: هذه شهادة زور لفقها ابن أبيه أو ابن أمه على أصناف من الناس منهم الصلحاء والأخيار الذين أكذبوا ذلك العز والمختلق كشريح بن الحرث وشريح بن هانئ ومن حذا حذوهما، وشهدوا بخلاف ما كتب عنهما ومنهم من كانوا غائبين عن ساعة الشهادة وساحتها، لكن يد الإفك أثبتتها عليهم كابن وقاص الحارثي ومن يشاكله.
ومنهم رجرجة من الناس يستسهلون شهادة الزور ويستسوغون من جرائها إراقة الدماء ليس لهم من الدين موضع قدم ولا قدم كعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وزجر بن قيس، فتناعقوا بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعي بأنهم خيار أهل المصر وأشرافهم، وذوو النهى والدين. وإن معاوية جد عليم بحقيقة الحال لكن شهوة الوقيعة في كل ترابي حبذت له قبول الشهادة المزورة والتنكيل بحجر وأصحابه الصلحاء الأخيار، فصرم بهم أصول الصلاح وقطع أواصرهم يوم أودى بهم، ولم يكترث لمغبة ما ناء به من عمل غير مبرور فإلى الله المشتكى.
تسيير حجر وأصحابه إلى معاوية ومقتلهم:
دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أي يسيرا بهم إلى الشام فخرجوا عشية وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير: إئذنا لي فأوصي أهلي. فأذنا له، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال: أسكن فسكتن. فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إما الشهادة وهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية، وإن الذي يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى وهو حي لا يموت، أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن. ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.
فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنى عشر رجلا:
حجر بن عدي، الأرقم بن عبد الله، شريك بن شداد، صيفي بن فسيل، قبيصة بن ضبيعة، كريم بن عفيف، عاصم بن عوف، ورقاء بن سمي، كدام بن حيان، عبد الرحمن بن حسان، محرز بن شهاب، عبد الله بن حوية. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود فتموا أربعة عشر رجلا فحبسوا بمرج عذراء فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشام فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان أما بعد: فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فأدا له من عدوه وكفاه مؤنة من بغى عليه ، إن طواغيت الترابية الصبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.
فلما قرأ معاوية الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها وكتب معاوية إلى زياد: أما بعد: فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلك عليهم فنظرت في ذلك فأحيانا أرى قتلهم أفضل من تركهم، وأحيانا أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم، والسلام.
فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية التميمي: أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت رأيك في حجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم، فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلي.
فأقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء، فقال: يا هؤلاء! أما والله ما أرى برأتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما أحببتم مما ترون إنه لكم نافع أعمل به لكم وأنطق به. فقال حجر أبلغ معاوية: أنا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنما شهد علينا الأعداء والأظناء فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية وأخبره بقول حجر فقال معاوية.
زياد أصدق عندنا من حجر. فقال عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي. ويقال: عثمان بن عمير الثقفي: جذاذها جذاذها. فقال له معاوية: لا تعن أبرا. فخرج أهل الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبد الرحمن فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن أم الحكم فقال النعمان: قتل القوم.
أقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه بالرجلين اللذين بعث بهما زياد ولحقا بحجر وأصحابه فلما ولى ليمضي قام إليه حجر بن عدي يرسف في القيود فقال: يا عامر! اسمع مني أبلغ معاوية: إن دماءنا عليه حرام. وأخبره أنا قد أومنا وصالحناه فليتق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحوا من هذا الكلام فأعاد عليه حجر مرارا. فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين فقام يزيد بن أسد البجلي فاستوهب الرجلين وكان جرير بن عبد الله كتب في أمر الرجلين إنهما من قومي من أهل الجماعة و الرأي الحسن سعى بهما ساع ظنين إلى زياد وهما ممن لا يحدث حدثا في الاسلام ولا بغيا على الخليفة فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن أسد.
وطلب وائل بن حجر في الأرقم الكندي فتركه.
وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له.
وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.
وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن حوية التميمي فخلى سبيله.
فقام مالك بن هبيرة فسأله في حجر فلم يشفعه فغضب وجلس في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من بني سلامان بن سعد والتحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدي - في الأغاني: أبا حريف البدري - فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران: أللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي: أللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راض فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلا ما أراد. فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسل معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم إن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير إنه قد عفا عن ذلك فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلكم قالوا: لسنا فاعلين فأمروا بقيودهم فحلت، وبقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء!
قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا:
هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقال: أصحاب معاوية أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدي فقال له قبيصة:
إن الشر بين قومي وقومك أمن - أي: آمن - فليقتلني غيرك فقال له: برتك رحم فأخذ الحضرمي فقتله. وقتل القضاعي صاحبه.
قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين.
فقالوا له: صل. فصلى ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن تروا إن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها. ثم قال: أللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه هدبة الأعور بالسيف فأرعدت فصائله فقال: كلا زعمت إنك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فابرأ من صاحبك. فقال: مالي لا أجزع؟ وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب فقيل له: مد عنقك. فقال: إن ذلك لدم ما كنت لأعين عليه، فقدم فضربت عنقه وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة.
الخثعمي والعنزي من أصحاب حجر:
قال عبد الرحمن بن حسان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فبعث ائتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر! ولا يبعد مثواك، فنعم أخو الاسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك ثم مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثلا.
كفى بشفاة القبر بعدا لهالك * وبالموت قطاعا لحبل القرائن
فلما دخل عليه الخثعمي قال له: الله الله يا معاوية! إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ومسئول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا؟ فقال معاوية: ما تقول في علي؟ قال أقول فيه قولك، أتتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟ فسكت وكره معاوية أن يجيبه فقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه. فقال: هو لك غير إني جالسه شهرا فحبسه فكان يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه، ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان فنزل الموصل فكان يقول: لو قد مات معاوية قدمت المصر فمات قبل معاوية بشهر.
ثم أقبل على عبد الرحمن بن حسان فقال له: إيه يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟
قال: دعني ولا تسألني فإنه خير لك قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه. قال: أشهد إنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (10) والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أول من فتح باب الظلم وارتج أبواب الحق. قال: قتلت نفسك. قال بل إياك قتلت لا ربيعة بالوادي - يعني إنه ليس ثم أحد من قومه فيتكلم فيه - فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أما بعد: فإن هذا العنزي شر من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شر قتلة. فلما قدم به على زياد بعث به إلي قس الناطف (11) فدفن به حيا.
من قتل من أصحاب حجر معه:
قبيصة بن ضبيعة العبسي ... صيفي بن فسيل الشيباني ... شريك بن شداد الحضرمي
عبد الرحمن بن حسان العنزي ... كدام بن حيان العنزي ... محرز بن شهاب المنقري
ونجا منهم:
عاصم بن عوف البجلي ... عبد الله بن حوية التميمي ... كريم بن عفيف الخثعمي
عتبة بن الأخنس السعدي ... أرقم بن عبد الله الكندي ... ورقاء بن سمي البجلي
... ... سعد بن نمران الهمداني
أخذنا ما في هذا الفصل (12) من الأغاني 16: 2 - 11، عيون الأخبار لابن قتيبة 1: 147 تاريخ الطبري 6: 141 - 156، مستدرك الحاكم 3: 468، تأريخ ابن عساكر 4: 84، ج 6: 459، الكامل لابن الأثير 3: 202 - 208، تاريخ ابن كثير 8: 49 - 55.
قال الأميني: من حجر بن عدي؟ ومن الذين كانوا معه؟ وما الذي كانت غايتهم في تلكم المواقف الهائلة؟ وماذا اقترفوه من ذنب حتى قتلوا تقتيلا؟ ولماذا هتكت حرمانهم، وقطعت أوصال حياتهم وهم فئة مسلمة!؟
حجر بن عدي من عدول الصحابة، أو أحد الصحابة العدول، راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله كما قاله الحاكم (13) من أفاضل الصحابة وكبارهم مع صغر سنه مستجاب الدعوة كما في الاستيعاب (14) وكان ثقة معروفا كما قاله ابن سعد (15) وقال المرزباني:
إنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم وكان من عباد الله وزهادهم وكان بارا بأمه، وكان كثير الصلاة والصيام (16) وقال أبو معشر: كان عابدا وما أحدث إلا توضأ وما توضأ إلا صلى (17) وكان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة كما في الشذرات (18) وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم إلى الله، روى ابن الجنيد في كتاب الأولياء: إن حجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكل به: اعطني شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا. فقال: أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية قال: فدعا الله فانسكبت له صحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه، فقال له أصحابه: أدع الله أن يخلصنا. فقال: أللهم خر لنا (19).
وقالت عائشة: أما والله إن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا (20) وقالت لمعاوية : قتلت حجرا وأصحابه، أما والله لقد بلغني أنه سيقتل بعذراء سبعة رجال - وفي لفظ:
أناس - يغضب الله وأهل السماء لهم (21).
وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل الكوفة! سيقتل فيكم سبعة نفر هم من خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود. وفي لفظ: حجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأخدود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (22).
وفيما كتب (23) الإمام السبط الحسين عليه السلام إلى معاوية: ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين؟ الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأة على الله واستخفافا بعهده؟
أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال؟
أو لست قاتل الحضرمي (24) الذي كتب إليك فيه زياد: إنه على دين علي كرم الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه و[آله و]سلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا، منة عليكم.
هذا حجر وأصحابه، وأما غاية ذلك العبد الصالح والتابعين له بإحسان في مواقفهم كلها فهي النهي عن المنكر الموبق من لعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على صهوات المنابر فكانوا يغبرون في وجه من يرتكب تلكم الجريمة من عمال معاوية وزبانيته الأشداء على إمام الحق وأوليائه، ولم ينقم القوم منهم غير ذلك من عيث في المجتمع، أو إفساد على السلطان، أو شق لعصا المسلمين وكان حجر وهو سيد قومه يقول: ألا إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. ويقول ليزيد بن حجية: أبلغ معاوية إنا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وإنه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء. ويقول: ما خلعت يدا عن طاعة ولا فارقت جماعة وإني على بيعتي. ولما أدخل على معاوية سلم عليه بإمرة المؤمنين (25).
لم يكن صلاح الرجل وأصحابه يخفى على أي أحد حتى على مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الألداء على شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام فإنه لما أشير إليه بالتنكيل بحجر وأصحابه قال: لا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دماءهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز في الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة، ورأى أصحاب معاوية منهم آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسكهم وأكبروا موقفهم من طاعة الله غير أنهم ألقوا عليهم البراءة من علي أمير المؤمنين عليه السلام بأمر من معاوية براءة يتبعها الأمان والسلام فلم يفعلوا، فقتلوا في موالاة علي عليه السلام كما قاله الحاكم في المستدرك 3: 470، وسمعت في كلمة الإمام السبط عليه السلام قوله: أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد: إنه على دين علي كرم الله وجهه. فلم يك ذنبهم إلا موالاة من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله.
ونحن لا ندري هل ثبت في الشريعة أن البراءة من إمام الهدى ولعنه مجلبة للأمان على حين أن الرجل مستحق للإعدام؟ أو أن ذلك نفسه فريضة ثابتة قامت بها الضرورة من الدين فيهدر به دم تاركها، ويكون قتله من أحب ما يكون إلى معاوية كما جاء فيما رواه ابن كثير في تاريخه 8: 54 من أن عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاوية:
أقتلت حجر بن الأدبر؟ فقال معاوية: قتله أحب إلي من أن أقتل معه مائة ألف.
نعم: نحن لا ندري، لكن فقه معاوية وشهواته يستسيغان ذلك، فلا يصيخ إلى نصح أي ناصح، فإنه لما استشار أصحابه في أمر حجر وهو في سجن عذراء قال له عبد الله بن زيد بن أسد البجلي: يا أمير المؤمنين! أنت راعينا ونحن رعيتك، وأنت ركننا ونحن عمادك، إن عاقبت قلنا: أصبت. وإن عفوت قلنا: أحسنت. والعفو أقرب للتقوى، وكل راع مسؤول عن رعيته (26).
وما ذنب حجر وأصحابه الصلحاء ومن شاكلهم من أهل الصلاح وحملة الاسلام الصحيح إذ عبسوا على إمارة السفهاء؟ إمارة الوزع ابن الوزغ، إلى أزنى ثقيف مغيرة، إلى طليق أسته بسر بن أرطاة، إلى ابن أبيه زياد، إلى خليفتهم الغاشم ابن هند. و حجر وأصحابه هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأخبتوا إلى ما جاء به نبي الاسلام، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله أنه قال لجابر بن عبد الله: أعاذك الله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، و سيردوا علي حوضي (27).
وقال صلى الله عليه وآله: إن هلاك أمتي أو فسادا أمتي رؤوس أمراء أغيلمة سفهاء من قريش (28) وعن كعب بن عجرة مرفوعا: سيكون أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولا أنا منه، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة (29).
وقال صلى الله عليه وآله: ستكون عليكم أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخروها عن وقتها، فصلوها لوقتها (30) وابن سمية من أولئك الأمراء الذين أخروا الصلاة وأنكره عليه ذلك حجر بن عدي.
ولم يكن لمعاوية عذر في قتل أولئك الصفوة إلا التشبث بالتافهات فكان يتلون في الجواب بمثل قوله: إني رأيت في قتلهم صلاحا للأمة، وفي مقامهم فسادا للأمة.
وقوله: إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خيرا من استحيائه في فسادهم (31) وهل صلاح الناس في الالتزام بلعن علي أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه والتحامل على شيعته، وفسادهم في تركها أو النهي عنها؟ انظر لعلك تجد له وجها في غير شريعة الاسلام.
وبمثل قوله: لست أنا قتلتهم إنما قتلهم من شهد عليهم (32) ولقد عرفت حال تلك الشهادة المزورة، أو إنها من قوم لا خلاق لهم، وكان معاوية أعرف بها وبهم، ومع ذلك استباح دماء القوم، وتترس بقيله عن مراشق العتاب، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره..... .
نعم: مضى حجر سلام الله عليه إلى ربه سجيح الوجه، وضئ الجبين، حميدا سعيدا مظلوما مهتضما، مضرجا بدمه، مصفدا بقيود الظلم والجور، خاتما حياته الحميدة بالصلاة، قائلا: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، وادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وفي لفظ: فإنا نلتقي معاوية على الجادة. (33) وأبقت تلك الموبقة على معاوية خزي الأبد، وعد الحسن من أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: قلته حجرا، وقال: ويلا له من حجر و أصحاب حجر (34).
ونحن على يقين من أن الله تعالى سيأخذ ابن آكلة الأكباد بما خطته يده.
____________
(1) هذه كلها تخالف ما هو الثابت المعلوم من سيرة عثمان كما فصلنا القول فيها في الجزء الثامن والتاسع.
(2) تاريخ ابن عساكره: 421.
(3) في لفظ الطبري: الهجهاجة الأحمق المذبوب.
(4) كذا وصفه الإمام السبط الحسين عليه السلام فيما مر من كتاب له إلى معاوية.
(5) راجع الجزء التاسع ص 150 - 153.
(6) الأنساب للبلاذري 5: 98، تاريخ الطبري 5: 132.
(7) راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع فتعرف الصحيح من السقيم وتقف على جلية الحال في القضية.
(8) معارف ابن قتيبة 127، الاستيعاب 2: 404، الإصابة 2: 533 وقال: ذكره ابن حبان بسند جيد، تاريخ ابن كثير 8: 48.
(9) يعني المعروفين بالاستقامة في عداء أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته.
(10) في الأغاني: من الأمرين بالحق والقائمين بالقسط.
(11) موضع قرب الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي.
(12) المذكور تحت عنوان [معاوية وحجر بن عدي وأصحابه] ص 37.
(13) مستدرك الحاكم 3: 468.
(14) ج 1: 135.
(15) طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر 4: 85، تاريخ ابن كثير 8: 50.
(16) تاريخ ابن كثير: 8: 50.
(17) تاريخ ابن عساكر 4: 85، 420، ج 5، تاريخ ابن كثير 8: 50.
(18) 1: 57.
(19) الإصابة 1: 315.
(20) الأغاني 16: 11، تاريخ الطبري 6: 156، الكامل 4: 209.
(21) تاريخ ابن عساكر 4: 86، تاريخ ابن كثير 8: 55، الإصابة 1: 315.
(22) تاريخ ابن عساكر 4: 66، تاريخ ابن كثير 8: 55، شذرات الذهب 1: 57.
(23) مر تمام الكتاب في الجزء العاشر ص 160، 161.
(24) يعني شريك بن شداد الحضرمي، كان من أصحاب حجر الذين بعث بهم زياد إلى معاوية وقتل مع حجر.
(25) الأغاني 16: 6، تاريخ الطبري 6: 153، الكامل لابن الأثير: 4: 210، مستدرك الحاكم 3: 469، 470، الاستيعاب 1: 357، الإصابة: 1: 315.
(26) مستدرك الحاكم 3: 469.
(27) مسند أحمد 3: 321.
(28) مسند أحمد 2: 299، 304، 328، 520.
(29) مسند أحمد 4: 243، تاريخ الخطيب 5: 362.
(30) مسند أحمد 5: 315، تاريخ الخطيب 13: 185.
(31) تاريخ ابن كثير 8: 55.
(32) تاريخ الطبري 6: 156، الاستيعاب 1: 135.
(33) مستدرك الحاكم 3: 469، 470، الاستيعاب 1: 135، كامل ابن الأثير 4: 210، أسد الغابة 1: 386، الإصابة 1: 315.
(34) مرح تمام حديث الحسن في ص 225 من الجزء العاشر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|