هو أبو بسطام (1) ابن الورد العَتَكي الأزديّ (2) بالولاء ، الواسطي ثم البصري (160 هـ) علم من الأعلام ، محققاً نابهاً وفقيهاً بارعاً ، عالماً بالحديث والتفسير .

أخذ العلم من أعلام التابعين : أبان بن تغلب ، وجابر الجعفي ، والسدي الكبير ، والحكم ابن عتيبة الكندي ، وعاصم بن أبي النجود ، وأبن أبي ليلى ، وعطاء بن السائب ، وعطاء الخراساني ، وقتاده بن دعامة ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ... إلى ثلاثمائة إنسان ، أوردهم ابن حجر بأسمائهم بتفصيل (3) . وعنه أخذ خلق كثير .

فكان المحور للأخذ من جميع من سبق ، والأداء بأمانة إلى اللاحقين . وموضعه الاجتماعي حينذاك مرموق إليه ، قل من يوجد مثله في كثرة المشيخة ، وكثيرة الوفود إليه .

ومن ثم قال أحمد بن حنبل بشأنه : كان شعبة بن الحجاج امة وحده في معرفة الرجال ، وبصره بالحديث ، وتثبته وتنقيته للرجال . وقال أيوب : هو فارس في الحديث ، فخذوا عنه . وقال الطيالسي : قال لي حماد بن سلمة : إذا أراد الحديث فالزم شعبة . وقال حماد ابن زيد :  ما أبالي من خالفني غذا وافقني بشعة ، فإذا خالفني شعبة في شيء تركته . وقال ابن معدي : كان الثوري يقول : شعبة ، أمير المؤمنين في الحديث . وقال الشافعي : لولا شعبة ما عُرِفَ الحديثُ بالعراقِ .

وهناك شهادات راقية بصدقة وامانته ، وإخلاصه في العمل ، والزهد في الدنيا ، والإجهاد في العبادة ، والإحساس إلى الناس .. مما يطول ، أورد قسماً منها ابن حجر في ترجمته (4) .

قال ابن حيان : كان شعبة من سادات أهل زمانه ، حفظاً وإتقانا ً ورعاً وفضلاً ، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين ، وجانب الضعفاء والمتروكين ، وصار علماً يقتدى به ، وتبعه عليه بعده أهل العراق (5) .

قال ابن معين : وكان شعبة ــ فوق ذلك ــ صاحب نحو وشعر . قال الأصمعي : لم نر أحداً ‘لم بالشعر منه .كان يقول : تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل . أي كان خير معين لفهم النص (6) .

عده الشيخ أبو جعفر الطوسي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (7) . كما عدّ ابن حجر الإمام ممن أخذ شعبة العلم عنه (8) . وذكر أبو نعيم : أن شعبة كان ممن يحدث عن الإمام الصادق (عليه السلام) (9) .

وكان شديد الميل إلى التشيع إلى حد الترفض ــ حسب تعبير القوم ــ وكان يتقي العامة . ذكر الخطيب البغدادي عن ابي الفضل بإسناده إلى يزيد بن زريع ـت وكان ممن تغير في أخريات حياته (10) ــ قال : قدم علينا شعبة البصرة ، ورأيه رأي سوء خبيث ـ يعني الترفض ــ فما زلنا به حتى ترك قوله ، ورجع وصار معنا (11) .

قلت : أترى مثل شعبة ــ وهو امير العلم واليقين ــ يترك مذهباً كان قد أتقنه ، لقولة قالها الأوساط؟!

يقول أو داود الطيالسي : كنا عند شعبة بن الحجاج في البيت ، وجراب معلق (12) . فالتفت فإذا هو في السقف . فقال : ترون ذلك الجراب ؟ والله لقد كتبت فيه عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن علي (عليه السلام) عن النبي (صل الله عليه واله) لو حدثتكم به لرقصتهم ! (13) .

قلت :  ولم هذا الاعتناء بشأن روايات أسندها عن علي بالذات ، من أحاديث الرسول ؟! وما كانت مضامينها التي كان سماعها يوجب الهزة في النفس ، والبهجة في الروح ؟!

نعم ، إنما كانت مما يجب إخفاؤها عن أعين الجهلاء ! الأمر الذي يؤكد على منهجه الخاص بعيداً عن مسيرة العامة . هذا ولا سيما وهو تربية الكوفة معهد الحضارة والولاء لآل بيت الرسول !

وهناك رواية له عن سماك ، عن عبيدة السلماني ، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بشأن العول في الميراث ، أفتى بما تراه العامة من حصول النقص على الزوجة ، فيما إذا مات رجل وترك ابنتيه وأبويه وزوجة ؟ قال (عليه السلام) : صار ثمن المرأة  من عدم العول وعدم نقص في سهم المرأة . وأضاف : الحق هو ما يراه الإمام ، وإن أباه قومنا ــ يعني بهم العامة ــ (14) .

فتبادل مثل هذا الكلام بين عبيدة وسماك . ورواية شعبة لهذا الحوار ، لدليل لائح على مواضعهم من الإمام ، الذي كان الحق يدور معه حيثما دار ، كما نوه به الرسول الكريم (صل الله عليه واله) فتدبر جيداً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ بسطام ــ بكسر الباء ــ اسم (علم) . ويفتح الباء : بلدة . وكنية شعبة أبو بسطام بكسر الباء .

2- العتكي ، بفتح العين والتاء وكسر الكاف . نسبة إلى " عتيك" بطن من الأزد .

3- قال الحاكم : شعبة إمام الأئمة في معرفة الحديث بالصرة ، رأى أنس بن مالك وعمروا بن سلمة الصحابيين ، سمع من أربعمائة من التابعين (تهذيب التهذيب ، ج4 ، ص346) .

4ـ تهذيب التهذيب ، ج4 ، ص344 .

5- المصدر نفسه ، ص345 .

6- المصدر نفسه ، ص346 .

7- رجال الطوسي : ص418 .

8- تهذيب التهذيب ، ج4 ، ص339 .

9- حلبة الأولياء ، ج3 ، ص199 .

10- تهذيب التهذيب ، ج11 ، ص382 .

11- تاريخ بغداد ، ج9 ، ص260 .

12ـ الجراب ــ بسكر الجيم ــ : وعاء من جلد .

13- تاريخ بغداد ، ج9 ، ص260 .

14- راجع : تهذيب الأحكام ، ج9 ، ص259 .