أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2017
7503
التاريخ: 10-2-2017
3319
التاريخ: 9-12-2016
5184
التاريخ: 10-2-2017
10088
|
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء : 60] .
لما أمر الله أولي الأمر بالحكم والعدل ، وأمر المسلمين بطاعتهم ، وصل ذلك بذكر المنافقين الذين لا يرضون بحكم الله ورسوله ، فقال {أَلَمْ تَرَ} : أي ألم تعلم . وقيل : إنه تعجب منه أي : ألم تتعجب من صنيع هؤلاء. وقيل : ألم ينته علمك (إلى) هؤلاء { الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } من القرآن ، { وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } من التوراة والإنجيل ، { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } : يعني كعب بن الأشرف ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، والربيع ، والضحاك. وقيل : إنه كاهن من جهينة ، أراد المنافق أن يتحاكم إليه ، عن الشعبي ، وقتادة . وقيل : أراد به ما كانوا يتحاكمون فيه إلى الأوثان ، بضرب القداح ، عن الحسن .
وروى أصحابنا عن السيدين الباقر عليه السلام ، والصادق عليه السلام ، أن المعني به كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق . { وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } : يعني به قوله تعالى : {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} . { وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ } بما زين لهم { أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } عن الحق . نسب إضلالهم إلى الشيطان ، فلو كان الله قد أضلهم بخلق الضلالة فيهم على ما يقوله المجبرة ، لنسب إضلالهم إلى نفسه دون الشيطان ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
_________________________
1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 116-117 .
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } . ألم تر الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) بصيغة الاستفهام ، والمراد به التعجب من حال المنافقين الذين أبطنوا الكفر ، وأظهروا الإسلام والإيمان بالكتب السماوية ، ومحل التعجب انهم كذّبوا أنفسهم بأنفسهم ، حيث رفضوا التحاكم عند أهل الحق ، وانصرفوا عنهم إلى أهل الباطل ، مع ان الإسلام يأمرهم بالابتعاد عن الضالين والمبطلين ، ولكن الواقع تغلب على التزييف والتمويه ، وأبطل ما كان يدعون .
قال صاحب مجمع البيان : تخاصم يهودي ومنافق من المسلمين ، فقال اليهودي :
أحاكمك إلى محمد ، لأنه علم ان محمدا (صلى الله عليه وآله) لا يقبل الرشوة ، ولا يجوز في الحكم . فقال المنافق : بل بيني وبينك كعب الأشراف - يهودي - لأنه علم ان كعبا يأخذ الرشوة ، ويجور في الحكم
ورغم علمنا بأن أكثر المفسرين لا يتثبتون في أسباب التنزيل ، وأنهم يتخذون من الحادثة سببا لنزولها ، رغم علمنا هذا فلا نرى مثالا يفسر المعنى المراد من الآية أوضح من هذه الحادثة التي ذكرها صاحب مجمع البيان . . رفض المنافق التحاكم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ، لأنه يكفر به وبدينه ، أما اليهودي فإنه يؤمن باليهودية ، ومع ذلك أبى التحاكم عند يهودي مثله ، وطلب التحاكم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وهو كافر به وبدينه ، والسر هو المنفعة . . ولا تختص هذه الظاهرة باليهود ، فكل من نال خيرا من دين ، أو مبدأ فلا ينبغي الوثوق به ولا بدينه إلا بعد الابتلاء ، فان كثيرا من الناس يقبضون الألوف ، ويعيشون سعداء ، لا لشيء إلا لثقة الناس بإيمانهم وصلاحهم . وربما كانوا ممن ينطبق عليهم قوله تعالى :
{ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهً عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا والآخِرَةَ}[الحج : 11] .
وقال الإمام علي (عليه السلام) : الثناء بعد البلاء . وقال ولده الإمام الحسين (عليه السلام) :
الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت عليه معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون . وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يقول في السراء :« الحمد للَّه المنعم المفضل ، ويقول في الضراء : الحمد للَّه على كل حال » .
يشير إلى انه مؤمن باللَّه راض بما قدّر ، حتى في هذه الحال ، تماما كالولد البار ، يبقى على إخلاصه لوالده ، حتى في حال تأديبه له .قال الإمام علي (عليه السلام) : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما أبغضني . وكان حفيده الإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول فيما يقول إذا أصابته شدة : يا إلهي أي الحالين أحق بالشكر لك ؟ وأي الوقتين أولى بالحمد لك ؟ أوقت الصحة التي هنأتني فيها ؟ أو وقت العلة التي محصتني بها ؟ . . اللهم اجعل مخرجي من علتي إلى عفوك ، وسلامتي من هذه الشدة إلى فرجك .
{ويُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً} . هذا دليل صريح على ان الشر من الشيطان ، لا من الرحمن . . وكل فكرة تدفع بك إلى الشر تسمى شيطانا ، قال تعالى : { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ } . وفي الحديث :
« إذا قال لك الشيطان : ما أكثر صلاتك ! . . فقل له : غفلتي أكثر . وإذا قال لك : ما أكثر حسناتك ! . . فقل : سيئاتي أكثر . وإذا قال : ما أكثر من ظلمك ! . . فقل : من ظلمته أكثر » . وبديهة ان النفس هي التي تصور لصاحبها انه عابد ومحسن ومظلوم ، ولا ينخدع بأباطيلها هذه إلا جاهل مغرور .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 364-366 .
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ } إلى آخر الآية الزعم هو الاعتقاد بكذا سواء طابق الواقع أم لا ، بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع ، ولكون الزعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظن أن عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه وليس كذلك ، والطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت والجبروت والملكوت غير أنه ربما يطلق ويراد به اسم الفاعل مبالغة يقال : طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره وكثرته ، وكان استعماله في الإنسان أولا على نحو الاستعارة ثم ابتذل فلحق بالحقيقة وهو خروج الإنسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع ، فالطاغوت هو الظالم الجبار ، والمتمرد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى وهكذا ، وإليه يعود ما قيل : إن الطاغوت كل معبود من دون الله .
وقوله : { بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } ، بمنزلة أن يقال : بما أنزل الله على رسله ، ولم يقل : آمنوا بك وبالذين من قبلك لأن الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله وحكمه وبذلك يظهر أن المراد بقوله : { وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } الأمر في الكتب السماوية والوحي النازل على الأنبياء : محمد ومن قبله صلى الله عليه وآله .
وقوله : { أَلَمْ تَرَ } إلخ ، الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل : ما وجه ذكر قوله : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } « إلخ » فقيل : ألم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت ؟ والاستفهام للتأسف والمعنى : من الأسف ما رأيته أن بعض الناس ، وهم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب وإلى سائر الأنبياء والكتب السماوية إنما أنزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وقد بينه الله تعالى لهم بقوله : { كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } : [ البقرة : 213 ] يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت وهم أهل الطغيان والمتمردون عن دين الله المتعدون على الحق ، وقد أمروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت ، وكفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله وإبطال لشرائعه .
وفي قوله « { وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } ، دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان وإغوائه ، والوجهة فيه الضلال البعيد .
______________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 342-343 .
حكومة الطّاغوت :
الآية الحاضرة ـ هي في الواقع ـ مكملة للآية السابقة ، لأنّ الآية السابقة كانت تدعو المؤمنين إلى طاعة الله والرّسول وأولي الأمر ، والتحاكم إلى الكتاب والسنة ، وهذه الآية تنهي عن التحاكم إلى الطاغوت واتّباع أمره وحكمه .
والطّاغوت ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقا ـ مشتقّة من الطغيان ، وهذه الكلمة مع جميع مشتقاتها تعني التجاوز والتعدي وكسر الحدود وتجاهل القيود ، أو كل شيء يكون وسيلة للطغيان أو التمرّد .
وعلى هذا الأساس يكون كل من يحكم بالباطل طاغوتا ، لأنّه تجاوز حدود الله وتعدي على قوانين الحقّ والعدل ، ففي الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام أنّه قال : «الطّاغوت كلّ من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحقّ» .
والآية الحاضرة تنهى المسلمين عن أن يترافعوا في الحكم والقضاء إلى مثل هؤلاء الحكام وتقول : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} .
ثمّ يضيف القرآن قائلا : {وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} أي أنّ التحاكم إلى الطاغوت فخّ الشيطان ليضل المؤمنين عن الصراط المستقيم .
وغير خفي أن الآية الحاضرة ـ شأنها شأن سائر الآيات القرآنية الاخرى ـ تتضمّن حكما عاما ، وتبيّن قانونا خالدا لجميع المسلمين في جميع العصور والدهور. وتحذرهم من مراجعة الطواغيت ، وطلب الحكم منهم ، وإنّ ذلك لا يناسب الإيمان بالله والكتب السماوية ، هذا مضافا إلى كونه يضل الإنسان عن طريق الحقّ ، ويلقيه في مجاهيل الباطل بعيدا عن الحق .
إنّ مفاسد وتبعات مثل هذه الأقضية والأحكام ، وأثرها في تحطيم كيان المجتمع البشري وتخريب علاقاته وروابطه وأسسه ممّا لا يخفى على أحد ، فهي أحد العوامل المؤثرة في انحطاط المجتمعات وتأخرها .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 183-184 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|